الثلاثاء، 22 صَفر 1446هـ| 2024/08/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بين طهر الخلافة ونجاسة الأنظمة الوضعية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بين طهر الخلافة ونجاسة الأنظمة الوضعية

 

لا يزال كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للأزهري علي عبد الرازق يشكل عند العلمانيين كتابا مقدسا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكلما ازداد صوت دعاة الخلافة ارتفاعا وعلوا، وكلما التف الناس حول فكرة العمل لاستئناف حياتهم الإسلامية في فيافي خلافتهم الوارفة الظلال التي بات قيامها أقرب من رد الطرف، جُنّ جنون هؤلاء العلمانيين وصاروا في حيص بيص لا يدرون ماذا يصنعون، فكيف يستطيعون صرف الأمة عن توجهها هذا وهم قوم مفلسون؛ فلا هم أصحاب فكر حقيقي له أرجل يمكن الوقوف عليها، ولا هم أصحاب فقه يمكن الاستناد إليه، ولا هم قادة يمكن أن يسير الناس خلفهم. ولذا تراهم كلما اشتدت دعوة الخلافة لم يجدوا أمامهم سوى الأزهري علي عبد الرازق وكتابه، فربما استطاعوا أن يخدعوا بعض أبناء الأمة بكلماته وجمله التي قد يبدو للرائي أنها إسلامية خاصة وأن كاتبها شيخ معمم.


فلقد كتب الصحفي جمال فهمي مقالا في المصري اليوم في 6/12 الجاري عنونه بـ"ما بين الخلافة والنخاسة"، ولأنه لم يجد ما يقوله فقد أسلم قلمه للشيخ المعمم علي عبد الرازق ونقل ما كتبه في كتابه الساقط ليعود من جديد فيؤكد أنْ «لا سند شرعيًّا لهذا النظام» لا في النص القرآني ولا في السنة النبوية الشريفة، و".. أن الدين الإسلامي بريء من تلك الخلافة، وبريء من كل ما هيَّؤوا حولها من رغبة ورهبة، ومن عز وقوة، فالخلافة ليست في شيء من الخطط الدينية، كلاّ ولا القضاء ولا غيرهما من وظائف الحكم ومراكز الدولة، وإنما كلها خطط سياسية صرفة، لا شأن للدين بها، فهو لم يعرفها ولم ينكرها، ولا أمر بها ولا نهى عنها، وإنما تركها لنا، لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم، وقواعد السياسة". وهذا الكلام لا يحتاج المرء لكثير بيان ليكشف تفاهته وسقوطه ومناقضته لواقع دين الإسلام، الدين الخاتم والرسالة الأخيرة لبني الإنسان، ولو عنى الشيخ المعمم وناقل كلامه الكاتب الصحفي بهذا النص دينا غير دين الإسلام لربما كان مصيبا، فالنصرانية مثلا لا تجد فيها أنظمة للحكم ولا القضاء ولا تجد فيها سياسة داخلية ولا خارجية، ولا أنظمة اقتصادية ولا شيئا من هذا. أما الإسلام فهو دين ومنه الدولة، هو دين والسياسة جزء منه، هو دين ينظم علاقات الإنسان الثلاث؛ بربه وبنفسه وبغيره.


مكابر من يدعي أن رسول الله ﷺ ما بعث إلا ليبين لنا علاقة الإنسان بربه فقط وما يشمل ذلك من عقائد وعبادات، فضلا عن دعوته للأخلاق الحميدة ومكارمها، وأنه ﷺ لم يكن أيضا حاكما وراعيا لشؤون أمته، بل كان رسول الله ﷺ أعظم سياسيٍّ عرفته البشرية، فقد أسس دولة، وليست أية دولة، بل كانت دولة بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، دولة لها دستورها المستنبط من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، دولة لها كيانها السياسي الممثل في رأس الدولة وحاكمها ﷺ، الذي كان يولي الولاة والعمال، ويقلد القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس، ويقود الجيوش لحمل رسالة الإسلام، ويعين قواداً للفرق والسرايا، وينيب عنه من يتولى أمر الناس إذا خرج في غزوة من الغزوات، ويوزع الأموال بين الناس بالحق كي لا يكون المال دولة بين الأغنياء، ويرسل الكتب إلى الملوك والأمراء ويتلقى الكتب منهم. فإذا لم تكن تلك الأعمال من أعمال الدول فماذا تكون أيها العلمانيون؟!!!


والخلفاء الراشدون المهديون من بعده ﷺ لم يؤسسوا دولة من بعده كما يريد الجاهلون أن يدلسوا على الناس، ولا اخترعوا شيئا من عند أنفسهم، بل استلموا دولة متينة الأركان مكتملة البنيان أسسها رسولهم الكريم ﷺ، وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، كل ما في الأمر أن الدولة التي استلموها كانت دولة النبوة، أما دولتهم فقد سماها نبيهم بالخلافة، كانت في عصرها الأول راشدة على منهاج النبوة، تحولت بعد ذلك إلى ملك عضوض، وليس هذا لعيب في نظامها ولكنها طبائع البشر فهي ليست دولة إلهية وليست دولة ملائكية، بل هي دولة بشرية يحكمها بشر وتحكم هي ببشر غير معصومين من الزلل والخطأ، وإمكانية إصلاح الخلل الذي طرأ على الدولة موجود؛ في أجهزة الدولة وطرق المحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الرجال الذين تخرجوا من مدرسة القرآن، وفي الأحزاب السياسية التي تقوم على مبدأ الإسلام، وعودة الرشد إلى نظام الحكم أمر ميسور إن صلحت النفوس وقويت العزائم، فضلا عن بشارة النبي ﷺ بعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.


إن نظام الخلافة حكم شرعي وفرض فرضه الله على الأمة عاشت الأمة في ظله قروناً وقروناً، وما عرفت غيره لقرون وقرون، وظلت دولة الخلافة الدولة الأولى في العالم لقرون وقرون، بل ظلت زهرة الدنيا لقرون وقرون، فلما تكالبت عليها دول الكفر وهدمتها، ابتليت الأمة بأنظمة ما أنزل الله بها من سلطان، أنظمة وضعية نجسة، حكامها حكام سوء، عملاء للغرب والشرق، لم ترَ الأمة في ظلها يوم فرح واحداً، ولا يوم نصر حقيقي، وما هي إلا هزائم تتلوها هزائم. في ظل تلك الأنظمة الوضعية ضاعت هيبة الأمة ونهبت ثرواتها وانتهكت أعراضها وأصبح المسلمون كالأيتام على مأدبة اللئام، لا راعيَ ولا حاميَ لها، فكيف يمكن أن تستقيم المقارنة بين الطهر والنجاسة، ما لكم كيف تحكمون؟!!!


يختتم كاتب المقال مقاله بالنقل أيضا عن الشيخ المعمم الذي يقول: "لقد تفشّى بين المسلمين الزعم بأن الخلافة مقام ديني ونيابة عن صاحب الشرعية محمد عليه السلام.. هذا الزعم الخاطئ إنما هو من مصلحة السلاطين ومن صنعهم لكي يتخذوا من الدين دروعا تحمي عروشهم وتُرهب الخارجين عليهم". وأختمُ أنا بالقول: بل من مصلحة الحكام الحاليين الزعم الخاطئ بأن الخلافة ليست مقاما دينيا ونيابة عن صاحب الشريعة محمد ﷺ، والذين يتخذون من الدين ومن بعض علمائه المضلين دروعا تحمي عروشهم وكراسيهم المعوجة، وترهب كل مسلم تقي نقي يعمل لإعادة الحكم بما أنزل الله بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فتصفه بأبشع الأوصاف؛ فتارة هو من الخوارج وتارة هو من دعاة الفتنة والبلبلة، وتارة أخرى هو إرهابي يستحق القتل دون محاكمة. ولكن كل تلك الدعاوى المضادة والمضللة لن تثني هؤلاء الرجال الذين نذروا أنفسهم لدعوة الحق عن المضي قدما والمسارعة لنوال رضوان الله حتى يمن الله عليهم وعلى أمتهم بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.

 

 


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع