الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
أيعقل أن يجوع السودان وهو سلة غذاء العالم؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أيعقل أن يجوع السودان وهو سلة غذاء العالم؟!

 

 

أعلنت وزارة المالية فك احتكار استيراد سلعتي الدقيق والقمح لشركات المطاحن الكبرى الثلاث للغلال (سيقا، وويتا، وسين)، بجانب فتح باب الاستيراد لبقية شركات المطاحن عبر العطاءات. وقال وزير المالية بدر الدين محمود: "إن الخطوة تأتي بالتزامن مع انخفاض أسعار القمح عالمياً، كاشفاً في الوقت ذاته عن اعتزام الحكومة استيراد كميات معتبرة من القمح عبر إدارة المخزون الاستراتيجي خلال الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن دعم الحكومة للقمح بلغ 3 مليارات دولاراً في العام الماضي، بينما بلغ دعم الخبز والمواد البترولية نحو 12% من حجم الموازنة العامة للدولة، وأضاف بدر الدين خلال اجتماع ضم أصحاب المطاحن واتحاد الغرف الصناعية بالوزارة أمس، أن الحكومة ستوجه فَرْق الاستيراد بعد انخفاض الأسعار العالمية للقمح لتشجيع الإنتاج الزراعي، وتوطين زراعة وصناعة القمح، وتشجيع المنتج ودعم الخدمات الاجتماعية، مشيراً إلى أن جوال الدقيق زنة 50 كيلو يباع للمخابز بواقع (116) جنيهاً، مشدداً على توجيه القمح المدعوم من الدولة للخبز فقط. (جريدة آخر لحظة 2015/8/17).


الحقائق:


يواجه السودان أزمة اقتصادية بعد انفصال الجنوب في تموز/يوليو 2011م، وذهاب الإيرادات النفطية للجنوب، مما أدى إلى فقدان (46%) من إيرادات الخزينة العامة و(80%) من عائدات النقد الأجنبي. مما ترتب عليه زيادات مضطردة في أسعار كافة السلع بالأسواق السودانية. وطلبت الحكومة السودانية، من روسيا، أواخر العام الماضي، فتح خط ائتماني تجاري لتمويل واردات مليوني طن من القمح الروسي إلى السودان.


والسودان أحد أكبر ثلاثة بلدان إفريقية مساحة، وأحد أهم بلدان العالم التي تتوفر فيها المياه والأراضي الصالحة للزراعة، إلا أن زراعة القمح فيها لا تزال غير كافية لتغطية الاستهلاك المحلي الذي يتجاوز مليوني طن من القمح سنويا، في حين ينتج السودان حوالي 12 إلى 17% من هذا الاستهلاك السنوي. فى وقت يُعتبر محصول القمح من المحاصيل الغذائية والاستراتيجية المهمة التي تمثل المرتبة الثانية في الاستهلاك للحبوب بعد محصول الذرة، وقد شهد استهلاك القمح تزايداً مضطرداً نتيجة لارتفاع معدل السكان وتصاعد معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر، وتغير نمط الاستهلاك لسكان السودان نحو القمح، وفي خطوة أشبه باليقين والاطمئنان، قال وزير الزراعة عبد الحليم المتعافي وقتها، إن السودان سيضع الزراعة ضمن أولوياته بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في غضون خمس سنوات، وعلى الرغم من مرور سبع سنوات من حديث وزير الزراعة، لم تنخفض فاتورة الاستيراد، ولم تقل نسبة الاستهلاك، بل زادت الفجوة وفاقت 200% لصعوبات وعوائق ظلت تواجه القمح منذ العام 1994م، أي العام الذي حقق فيه السودان الاكتفاء الذاتي من السلعة للمرة الأولى والأخيرة، في ظل تزايد مضطرد في الاستهلاك والاستيراد.


أصبح القمح الغذاء الرئيسي لأهل السودان بعد التحولات التي حدثت في نمط الحياة والغذاء بعد أن كان الاعتماد فيما مضى كلياً على الذرة الرفيعة والدخن بالنسبة للسودان الشمالي، وبعد أن كان حجم زراعة القمح بالسودان تبلغ نحو أكثر من 800 ألف فدان، والإنتاج نحو نصف مليون طن متري منها إنتاج مشروع الجزيرة وأراضي ولايتي الشمالية ونهر النيل التي تقع على ضفاف النيل الرئيسي، حدث تقلص في المساحات التي كانت تزرع بالمشاريع المروية القومية الأربعة، وهي مشاريع الجزيرة والرهد الزراعي وحلفا الجديدة والسوكي، وكان مشروع الجزيرة لوحده يزرع فيها نحو 400 ألف فدان قمح، بل بلغ في موسم 1996م إبان التكثيف والتنويع بالمشروع إلى 600 ألف فدان تقريباً.


وتشير الإحصائيات إلى انكماش في الإنتاجية حيث أصبحت لا تزيد عن 350 ألف طن متري وهي تعادل 25% من حجم الاستهلاك المحلي، مما جعل حكومة السودان تستورد الكميات التي تغطي الطلب الاستهلاكي إضافة إلى استيراد كميات من الذرة تحدث للمرة الثانية بعد مجاعة 1984م التي أعلنت فيها الأمم المتحدة أن السودان منطقة كوارث، مما تطلب (نداء السودان) قدمت فيه الدول الصديقة للسودان المعونات المطلوبة لدرء المجاعة التي حدثت من جراء العطش والتصحر في غرب السودان ومناطق أخرى.


هناك فرص أوسع للبلاد لإنتاج الذرة التي كانت تمثل الغذاء الرئيسي لقوت الناس بالاستيراد في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، والتي يمكن أن تصل إلى إيقاف تصدير القمح إلى السودان في أي لحظة، وأشار الخبراء إلى إمكانية تحقيق نقلة في زراعة القمح بالبلاد إذا ما توفرت المدخلات الأساسية للزراعة ممثلة في التقاوي المحسنة والجيدة، والأسمدة بجانب معالجة مشكلة الري ومكافحة الآفات، فضلاً عن تشجيع الزراعة الجماعية عن طريق تنظيمات المزارعين وتجمعاتهم الإنتاجية، وهي الطريقة المتبعة في جميع أنحاء العالم، لأنها تتيح زراعة مساحة كبيرة، وتسهل المتابعة والتمويل والإشراف، لأغلبية أهل السودان.


السودان ينفق ما لا يقل عن مليار دولار لاستيراد القمح سنوياً فيما يمكن توفير المبلغ والاستفادة منه وتوظيفه في مجالات أخرى بتوطين زراعة القمح وتحقيق الاكتفاء الذاتي. خبراء اقتصاديون يقولون إن سبب المشكلة زيادة عدد السكان والحل في قمة تونس وقمة الجزائر وقمة الرياض بإصدار بيان للأمن الغذائي والتنمية المستدامة لتأمين الغذاء للوطن العربي، فالسودان أكبر بلد عربي وأكثر مياهاً وأكثر خصوبة حيث تبلغ الأراضي الخصبة 2.5 مليون فدان يمكن أن تستغل لتأمين الغذاء للعالم العربي والإفريقي.


فإلى متى تعتمد الحكومة على الأسواق الخارجية لتأمين احتياجات السودان من القمح؟! مع أن السودان يستطيع أن يطعم العالم أجمع؟!


أما حكومة السودان فقد تقاعست عن رعاية شؤون الناس عندما لم تحكم بشريعة رب العالمين، فقد رفعت يدها عن دعم الزراعة حيث حمل المزارع تكاليف الزراعة بالقروض التي أثقلت كاهله وتوقفت عجلة الإنتاج في أكبر مشروع، به إدارة موحدة في إفريقيا؛ مشروع تعتمد عليه كل المؤسسات الحكومية؛ والمصدر الوحيد لخزينة الدولة وتوفير العملات الصعبة 2.4 مليون فدان هي مساحة المشروع المروي انسيابيا من خزان سنار على النيل الأزرق، تزرع بالقطن (الذهب الأبيض)؛ المحصول الرئيس، ثم القمح والفول السوداني والخضروات. أما الآن فقد وصلت المساحة المستغلة من أراضي المشروع إلى 10% فقط وتم تدمير البنى التحتية للمشروع.


أكثر من 200 مليون فدان من الأراضي الزراعية الخصبة، ويجري بين ظهرانينا نهر النيل ويهطل علينا من السماء ماء يقدر بحوالي تريليون متر مكعب، وبعد ذلك نستورد القمح من روسيا وغيرها، هذا إنما يدل على فشل في السياسات وفشل السياسيين الذين يستجدون الحلول من صندوق النقد والبنك الدوليين بالإضافة إلى أن الحكومات ترهن القرار السياسي والاقتصادي وتخضعه لمصالح الدول الكبرى.


إنه لا خلاص للبشرية كلها إلا بتطبيق الإسلام في دولته دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، تنظر إلى المشكلة الاقتصادية نظرة صحيحة، فتعالجها علاجًا صحيحًا. فتبني رؤيتها للمعالجات على أساس أن حاجات الإنسان محدودة بينما الموارد ومنها الغذاء غير محدودة: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ﴾ [فصلت:10]، وتحسن توزيع الملكيات والثروات، فلا يبقى المال دولة بين الأغنياء فقط، وتمنع احتكار السلع والأسواق، وتعطي كل ذي حق حقه فلا يتملك الأغنياء فقط الأراضي الشاسعة، وإنما تُعطى لمن يحييها وتعينه الدولة على إحيائها، يقول النبي ﷺ : «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ» [رواه الثلاثة، وحسنه الترمذي].


إن المعالجات التي يملكها الإسلام فوق كونها هي فقط العلاج الناجح والوحيد للأزمات الاقتصادية، فهي معالجات توافق ما في فطرة الإنسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر. وإن العالم كله بعامة وأمة الإسلام بخاصة، ليتطلع إلى من ينقذه من شقاء الرأسمالية النفعية وجشعها. لقد حكمت الخلافة فعدلت وكانت خير مثال طبق ونجح في علاج كل مشكلات البشر، حتى إن من خلفائنا من قال انثروا القمح على رؤوس الجبال كي لا يُقال جاع طير في بلاد المسلمين، ولله در الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: "لو كان الفقر رجلا لقتلته"، ولنا في عمر رضي الله عنه خير مثال؛ فلما أصاب الناس هولُ المجاعة والقَحط في عام الرمادة كان عمر رضي الله عنه لا ينام الليل إلا قليلاً، وما زال به الهمّ حتى تغيّر لونه وهزل، وقال من رآه: "لو استمرّت المجاعة شهوراً أخرى لمات عمر" من الهمّ والأسى لحال المسلمين. فكان أول من جاع عام الرمادة وآخر من أكل عندما شبع الناس، وعندما وُضع أمامه اللحم قال: "لقد آليتُ على نفسي أن لا أذوقَ السمن واللحم حتى يشبعَ منهما المسلمون جميعاً" [مسند ابن أبي شيبة]، ولم يقل (حتى يأكل) بل قال (حتى يشبع) فلله دره!، وكان خلفاء بني عثمان يجعلون أوقافاً خاصة للطيور الهائمة يبتنى منها أعشاشاً وتزود بالطعام.


هذا هو عمل دولة الخلافة الراشدة للطيور الهائمة فكيف بالبشر؟، وقد قال نبينا ﷺ : «أيّما أهل عَرْصَةٍ أصبح فيهم امرؤ جائعٌ فقد برئت منهم ذمة الله» [رواه أحمد]. وصدق سبحانه القائل: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.

 

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ريم جعفر - أم منيب

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع