- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا بعد غرق الطفل السوري؟
انتشرت على مواقع التواصل صور الطفل السوري الذي لفظه البحر بعد موته غرقاً أثناء رحلة اللجوء إلى اليونان، على شواطئ تركيا ميتاً. عجبت حين حدَّثتُ جدةً لي عن الخبر من جوابها "ليس هذا معقولا، يمكن تكون دبلجة" لا تدرك جدَّتي عمق مأساتنا ولا نذالة حكامنا وتخاذل علمائنا. أريتها صورته فصمتت دهشةً، ألماً ربما. كيف يمكن لهم أن يتركوا مثل هذا الطفل أن يموت؟ أليس لهم أبناء؟ تخيَّلته ابني أو أخي.. فلم أستطع النطق!
أثارت صورة الطفل إيلان كردي الاستياء والغضب العارمين في أوساط المتابعين الذين كان لسان حالهم السخرية من صمت الحكومات العربية واستخذائها أمام المأساة التي تعيشها سوريا وأهلها. غضبٌ أظهر مواهب كثيرة في الرسم والنقد والكاريكاتير والنشيد والكتابة التي أظهر أصحابها تعاطفاً بالغاً مع حال الطفل وما حصل معه. في الوقت الذي تصمت فيه الأنظمة الجبرية عن هذه الحادثة التي - رغم تكرارها - لا زالت تثير القشعريرة في جسد كل مسلم، ففي كل مرة نرى فيها "إيلان" من أطفال الشام نُصاب بالغضب والقهر ولا نجد سبيلاً إلا في الفضاء العنكبوتي في غضب يتصاعد وتنخفض وتيرته حسب الأحداث التي تدور!
وتبقى موجات الغضب تحت سقف محدد لا تخرج عنه، فالمعظم الغالب يكتفي بالبكاء والشجب وترداد "حسبنا الله ونعم الوكيل"، بينما لا ينظر أحد للحل الجذري الذي يعيد كرامة الأمة وينتقم لإيلان وأصحاب إيلان. فماذا بعد غرق إيلان؟
أمثلُ الحكام طريقةً والذي وُجد الطفل ميتاً على شواطئ بلاده حيث المنتجعات السياحية مفتوحة للأجانب يتعرون ويعيثون الفساد بحجة "التنمية الاقتصادية"، انتقد الحكومات العربية في تعاملها مع اللاجئين وافتخر باستقبال بلاده لمليوني لاجئ سوري، بينما هو قام ببناء الجدار الإسمنتي في وجههم! ولسان حال أطفال الشام:
يا أيها البحر لا تبكِ وتُبكينا * وابلع دموعك إن الدمع يؤذينا
متى ستعرف أن الموج موطننا * فليس من بلد في البر يؤوينا
بينما يكتفي "العلماء" بالتباكي على "الضمير العالمي" أو "صورة لم تلامس نخوة المعتصم!" "يومًا ما سندفع الثمن!" فإذا كان العلماء لا يزيدون على كلام العامة شيئاً، بل إن بعض العامة يفوقونهم نباغة وجرأة ووعياً، فما الفائدة منهم؟ أليس المطلوب منهم أن يكونوا في مقدمة الركب يقودون الأمة للحق ويوضحون لها الحلول السليمة في الأزمات؟ أليس المفترض أنهم ورثة الأنبياء يرسمون سبل الرشاد للأمة للخروج من متاهات الحياة؟ لله در الشاعر حين قال: يا أيها العلماء يا ملح البلد * من يصلح الملح إذا الملحُ فسد؟
تحضر في الذاكرة في مثل هذه المصائب مواقف من زمنٍ آخر، زمنٍ له رجاله الذي سجَّل التاريخ بطولاتهم لتبقى تذكرنا بمن نحن وما يجب أن نكون عليه.
موقف الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين قال "انثروا القمح على رؤوس الجبال حتى لا يُقال جاع طير في بلاد المسلمين" بعد أن فاضت أموال الزكاة عن الحاجة ولم تجد من يأخذها! فأين الحكام اليوم وقد جاعت أمةُ الثروات، بعد أن فتحوا الأبواب لشركات الاستثمار الأجنبية لتنهب الخيرات وتستخرج الثروات ثم تبيعها لنا بأضعاف مضاعفة؟
موقف الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال "لو عثرت بغلة في العراق لخفت أن يسألني الله عنها لِمَ لم تسوِّ لها الطريق"، فأين الحكام منه اليوم وهم يرون أطفالنا يموتون ولا يأبهون؟
موقف العز بن عبد السلام رحمه الله المشهور بـ"سلطان العلماء" حين أفتى بتحريم بيع السلاح للإفرنج، لأنَّهم يقاتلون المسلمين. وفتواه رحمه الله ببطلان عقود الأمراء في مصر، لأنهَّم أصلاً مملوكون، فلا يصح تصرفهم، فنادى عليهم بالبيع، واشتهر بعد ذلك ببائع الملوك. فأين العلماء منه، وأين هم من إجرام الحكام وخذلانهم للمسلمين، وتمكينهم لأمريكا والتحالف معها على أهل الشام؟
صرخة من مسلمة في ظل دولة الخلافة تجعل محمد بن القاسم، قائد الجيش المسلم، يؤزُّ عرش ملك السند لأنه احتجزَ سفينة المسلمات وأخذهن أسيرات... وخوف المسلمات يجعل قتيبة قائد المسلمين يمسك بمن روَّعه ولا يقبل كنوز الذهب والفضة التي عرضها ذلك الشقي لفدية نفسه، بل يرفض قتيبة ذلك ويقول (لا والله لا تروَّع بك مسلمة أبداً) وأمر به فقتل. فأين من ينتقم للمسلمات المفجوعات بفلذات أكبادهن وبأنفسهن؟ أين من يحقق الأمن المنشود لأطفال ونساء هذه الأمة؟؟
فيا أمة الإسلام، يا أيها الغاضبون للطفل الغريق، هل يعجبكم حالنا ونحن كأجهزة الاستقبال تتفاعل مع ما يفعله الغرب وأنظمة الحكم العميلة له في بلادنا، يهدِئون البث فنهدأ ويصعِّدون فنغضب؟!
أيعجبكم أن نكون كما غرَّد أحدهم في الحادثة بقوله: "أما قبل سنرى جعجعة عربية بلا طحين مع الاستمرار في منع دخول السوريين، أما بعد أغلقت القضية للنظر في قضية أخرى للتعاطف معها!"
إن الحلَّ لا يكون بالتفاعل الآني مع الحدث، ولا بالتباكي والشجب والغضب المشتعل كفتيل ما يلبث أن ينطفئ. فإن كانت غضبتكم لله حقاً فلتكن كما يريدها الله وفي الطريق الذي يرضيه؛
عملاً جادّاً مبنيّاً على تفكير واعٍ بضرورة حلِّ المأساة جذرياً وإنهاء سيل الدماء والجثث الملقاة على المتوسط!
نريدها غضبةً في مسار العمل لإعادة دولة الإسلام المبدئية التي تنهي مأساة الشام وكل بلاد الإسلام، غضبة تعيد أمثال الفاروق وابن عبد العزيز وخلفاء الإسلام العظام.
﴿يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَٱعْلَمُوا أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال 24]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: بيان جمال