الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تركيا إلى أين...؟؟ (2)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تركيا إلى أين...؟؟ (2)


دولة تركيا العلمانية قوية عسكريًا واقتصاديًا وبشريًا..!!
ولكنها دولة ضعيفة مبدئيًا

 

 

تركيا مصطفى كمال وأردوغان العلمانية:
بقيت تركيا محايدة خلال معظم الحرب العالمية الثانية، ولكنها دخلت إلى جانب الحلفاء في 23 شباط/فبراير 1945 كبادرة حسن نية، وأصبحت في عام 1945 عضوًا في الأمم المتحدة، كانت تركيا تواجه صعوبات مع اليونان في قمع المد الشيوعي، وبعد الحرب برزت مطالب الاتحاد السوفياتي بقواعد عسكرية في المضائق التركية، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعلان مبدأ ترومان في عام 1947، الوارد في عقيدة النوايا الأمريكية لضمان أمن تركيا واليونان، وأسفر عن تدخل للجيش الأمريكي واسع النطاق، ودعم اقتصادي.


انتهى حكم الحزب الواحد في عام 1945، وتبع ذلك الانتقال إلى الديمقراطية التعددية التي بقيت حاضرة بقوة على مدى عقود عدة، إلا أنها تعطلت من جراء الانقلابات العسكرية في أعوام 1960، و1971، و1980 و1997، خلف مصطفى كمال في الحكم عصمت إينونو حتى عام 1950، وسيطر الحكم المدني على البلاد حتى عام 1973. بعد مشاركة تركيا في قوات الأمم المتحدة في الحرب الكورية، انضمت لحلف شمال الأطلسي في عام 1952، وأصبحت حصنًا منيعًا ضد التوسع السوفياتي في البحر المتوسط.


أصبحت تانسو تشيلر أول رئيسة للوزراء في تركيا، ومنذ تحرير الاقتصاد التركي خلال الثمانينات، تمتعت البلاد بنمو اقتصادي قوي ومزيد من الاستقرار السياسي، وتبلغ نسبة معتنقي الإسلام في تركيا قرابة 98% من السكان تتبع الغالبية منهم المذهب السني، ولا ينص الدستور التركي على دين رسمي للدولة التركية، بل يكفل حرية المعتقد والدين للرعايا الأتراك على النحو الذي يرغبونه دون إكراه أو إلزام.


وعلى الرغم من التاريخ الإسلامي الحافل للدولة التركية إلا أنها تكاد تكون قد قطعت الصلة بينها وبين هذا التاريخ على المستويين التشريعي والقانوني للدولة حيث تبنت النهج العلماني.


وبالرغم من تمسك الدولة التركية بالقيم العلمانية على المستوى الرسمي إلا أن الإسلام احتفظ بحضوره القوي في أوساط الشعب التركي، وهو ما أدى في خمسينات القرن العشرين إلى إفصاح بعض السياسيين الأتراك عن ميولهم الإسلامية ومحاولتهم الاستفادة من المكانة الشعبية للإسلام في تقديم خططهم لنهضة تركيا وحل مشكلاتها، غير أن هذه الأصوات عورضت من قبل أغلبية النخبة العلمانية الحاكمة لتركيا وذلك لاعتقادها بأن العلمانية تعتبر مبدأً راسخًا قامت على أساسه الدولة التركية الحديثة ولا ينبغي تجاوزه، ولعل هذا التعصب من قبل القادة الأتراك للقيم العلمانية في مقابل احتقارهم للقيم الشائعة التي يعتقد بها أغلبية الأتراك والمتمثلة في قيم الإسلام أدى بشكل تدريجي إلى استقطاب المجتمع التركي نحو إيثار عودة القيم الإسلامية وهو ما دفع بدوره بحلول الثمانينات من القرن العشرين إلى ظهور جيل من السياسيين الأتراك أخذوا علانية في تحدي النخبة العلمانية الحاكمة لبلادهم والمناداة بعودة القيم الإسلامية إلى تركيا.

تركيا أردوغان والعلمانية:
منذ ثمانينات القرن الماضي ومع ظهور الصحوة الإسلامية في أغلب العالم الإسلامي، ظهرت بعض القيادات الممثلة للمسلمين شعبيًا، وكان أكثرهم ظهورًا وشعبية البرفسور أربكان ومن ثم أردوغان وحزبه "حزب التنمية والعدالة" وبقي الأمر يراوح مكانه قرابة الثلاثة عقود، يستغل مشاعر غالبية الشعب التركي المسلم، والذي يشكل 98 بالمائة ولم نر تشريعات تمتّ للإسلام بصلة، ولم نسمع إلا جعجعة (أي صوتًا) بلا طحين، وبقيت العلمانية تتحكم بالبلاد، وتسير بها نحو الانحلال والفساد الخلقي من سيئ إلى أسوأ، اللهم إلا من التقليل من الفساد الاقتصادي، والذي لم ينتهِ وما زال يطل برأسه بين الفينة والأخرى.

أردوغان والإسلام والمسلمين:
وللإنصاف فالرجل لم ينادِ بتطبيق الإسلام كنظام حكم، ولكنه بكاريزما خطابية استطاع إيهام الناس بالتوجه نحو الإسلام وحبه للإسلام والمسلمين، واهتمامه بقضايا المسلمين داخليًا وخارجيًا، ولكن أفعاله تناقض كل أقواله للمتابع السياسي في الشأن التركي وقضايا العالم الإسلامي، ولا أدل على ذلك من تصريحه الشهير عند زيارته لدولة مصر بعد نجاح الثورة المصرية، حيث دعا الإخوان المسلمين بخطاب علني إلى حل جماعة الإخوان المسلمين وتشكيل حزب علماني، والتوجه نحو تطبيق العلمانية في مصر، فثار أتباع تنظيم الإخوان المسلمين، وكثير من مسلمي مصر، لم يعجبهم تصريح أردوغان، وداخليًا فهو يطبق ويحافظ على الدستور العلماني دون أي مواربة، ولم يرَ المتابع ويسمع سوى أقواله تتناقض وأفعاله التي تعادي الإسلام والمسلمين، فهو يسجن دعاة استئناف الحياة الإسلامية وإعادة الخلافة، ويمنع عملهم وما زالت شؤون المسلمين في تركيا وكأنهم أقلية لا شأن لهم ولا لما يعتقدون في الحياة العامة والتشريع والسياسة الداخلية والخارجية.


أردوغان وقضايا المسلمين الخارجية:
وهنا حدث ولا حرج ودون شرح وتفصيل، فتقتيل أهل غزة من يهود لم يلقَ إلا الدعم المماثل لدعم غالبية الدول العربية، ولكن بشيء من الحنكة والكاريزما السياسية، بل كان ممن ضغطوا على حماس لإيجاد هدنة طويلة مع يهود، أما قضايا تقتيل وتحريق المسلمين في بورما والروهينجا فلم نسمع إلا الخطب والكلمات الرنانة. وأما قضية الأكراد فقتلهم يتم وكأنه مفخرة وبطولة ونصر، أي وكأنهم كفار أو يهود. أما علاقته مع إيران وأمريكا اللتين تُعملان قتلا بالمسلمين فهي علاقة قوية واستراتيجية وكان آخرها زيارته لإيران وسماحه باستعمال الطيران الأمريكي لتقتيل المسلمين والانطلاق من قاعدة تركية (إنجرليك)، وكل قضية يتم فيها تقتيل المسلمين لا تساوي عنده أكثر من خطاب حماسي، حتى لا يفقد صلته بناخبيه المسلمين.

أردوغان وثورة الشام:
منذ بداية الثورة الشامية وأردوغان يتوعد بشار الأسد أنه لن يسمح بالمزيد من التقتيل، وأته سيساعد الثوار للتخلص من ظلم وحكم الأسد وطغيانه، وكما هي الحال لم نرَ سوى الوعد والوعيد والتهديد، وأما ما ظهر من تسهيل لبعض الثوار والقيادات بالذهاب والإياب عبر الحدود التركية أو الأراضي المفتوحة، ولكن تحت بصر القوات التركية ودون ممانعة، فما ذلك إلا لتسهيل بعض مفاوضات بين تلك القيادات والدول الراعية للثورة، وتحت نظر وبصر أسيادهم، وذلك مثل رعاية قطر والسعودية لبعض فصائل الثورة التي يحاولون استمالتها أو اختراقها، وكذا حصل على الحدود مع الأردن، وتحت نظر وبصر الأسياد الأمريكان وسماحهم بمثل تلك الأعمال وبأمر من غرفة عمليات (الموك) والموجودة بتركيا والأردن، وأما ثالثة الأثافي الأردوغانية فكانت التحالف مع الأمريكان لضرب الثورة من قاعدة إنجرليك التركية، وذلك بحجة ضرب الإرهاب وتنظيم الدولة، وكأن بشار وعمله شرعي وضمن الأعراف الدولية، فكونه يقتل مسلمين فلا ضير، ولا يعتبر ذلك إرهابا، وتعاونه مع إيران وحزبها اللبناني لا يعد إرهابًا، ولا تقتيلاً لبشر وشعب أعزل فهم مسلمون، وقد يكون هذا التحالف قاصمة الظهر بالنسبة للثوار المخلصين، وفي هذه الأيام وبعد تحرير كبرى مطارات سوريا، فقد قامت طائرات التحالف الأمريكية بتدمير ما استولى عليه الثوار من أسلحة وطائرات، وهذه بداية الطريق، فكيف إذا نجح الثوار ورجحت كفتهم؟ فإن حمم التحالف الأمريكي التركي ستصب على الثوار المخلصين، وبحجة الإرهاب، وما ذلك إلا لتطويع المخلصين وتريد أمريكا الحفاظ على وجودها في سوريا، سواء أكان ذلك بوجود بشار أم بوجود بديل له، وهذه فرنسا وبريطانيا بدءا بتوفير الغطاء السياسي للتواجد على أرض الشام، وذلك بحجة ضرب الإرهاب وتنظيم الدولة، وما ذلك إلا بداية احتدام صراع، كما يحصل في اليمن للحصول على جزء من الكعكة حال تقاسمها بين أمريكا وأوروبا، وما تدخل روسيا حصان طروادة الأمريكي تمتطيه وقتما شاءت. ولذا فإن أردوغان يكون قد تآمر على ثورة الشام وساهم في تقتيل أهلها وتشريدهم بتحالفه وتآمره مع أمريكا ولصالحها، وأما السماح للمهاجرين من السفر من تركيا إلى أوروبا عبر البحر ومافيا التهريب وغرقهم في البحر وإذلالهم في بلاد الكفر إلا آخر مساهماته لإخوانه المسلمين.


أردوغان والانتخابات الأخيرة:
جرت الانتخابات في الدورة الحالية على غير ما اشتهت سفينة أردوغان الأمريكية، فكان في الدورات السابقة يتفوق انتخابيا بحيث يشكل الحكومة كيفما يريد ويشاء، أما وبعد أكثر من عشر سنوات من تسلم الحكم فقد اكتشف الكثير من الناخبين عدم صدق الوعود التي يطلقها، سواء الملتزمون تدينًا بالإسلام أو من رأوا فيه مُصلحًا اقتصاديًا وأقل من غيره فسادًا، وعليه لم يستطع الحصول على الأغلبية النيابية التي تؤهله لتشكيل الحكومة كما يريد وأسياده دون مشاركة فعلية ومؤثرة من الأحزاب المشاركة بالانتخابات، وقد استنفد رئيس وزرائه المدة كلها، ولم ينجح بل لم يرد مشاركة غيره من منافسيه حتى لا يفسد ما تم بناؤه خلال الدورات السابقة والتي استطاع فيها تقليص وتنظيف كثير من مفاصل الدولة الحقيقية والخفية العميقة، والتي وضع من رجاله بدلا لهم، ولذا تقصد أوغلو أن يستنفد الوقت، ويدعو إلى انتخابات مبكرة لعله يستدرك ما قد فاته، وما وقع به من أخطاء في الانتخابات الماضية، ولكنه وفي أغلب الظن لن يعود إلى سابق عهده لانكشاف كثير من سوءاته وأسياده الأمريكان وتعامله مع يهود من تحت الطاولة، وانكشاف بعض قضايا الفساد الاقتصادي مع أتباعه وتحت بصره ورعايته، وتعامله بعنجهية مع أكثر من مظاهرة سلمية، بل وتم قتل أفراد مشاركين بها، ناهيك عما أسلفنا من القضايا الخارجية والتي تهم المسلمين خارجيًا، فبالمقارنة مع إيران نجد كيف ساعدت إيران المالكي في العراق وبشار وحزبها اللبناني، وماذا قدم أردوغان للمسلمين خارج تركيا، سواء غزة أو مصر
وثورات الربيع العربي، أو مسلمي الروهينجا، وكل قضية يتم فيها تقتيل المسلمين وأشهرها العراق وثورة الشام، ولذا سيكون غالبًا وضعه الانتخابي أسوأ من الدورة السابقة إلا أن يحدث حدث ضخم ويستغله بحنكة واحتراف خلال الانتخابات القادمة حال حصولها.


تركيا والصراع الدولي:
نختم بالحديث عن الصراع الدولي والذي كان سابقًا لصالح الإنجليز حيث فترة التآمر على دولة الخلافة العثمانية ودور المستعمر الإنجليزي آنذاك وعميلهم مصطفى كمال والعسكر الذين أفنوا أعمارهم في خدمة أسيادهم، ومنذ الحرب العالمية الثانية، استطاعت أمريكا التدخل من خلال مشروع ترومان وحماية اليونان وتركيا من المد الشيوعي آنذاك، فقد أوجدت قدمًا لها، وحاولت فرض الديمقراطية على العسكر والتقليل من سلطتهم وانقلاباتهم على أي انتخابات تجري، وبالفعل حصل في عهد أردوغان أن قويت الديمقراطية في البلاد، وضعفت قوة الجيش، واستطاع أردوغان تنظيف الكثير من مفاصل الدولة ممن يخالفونه الولاء، ويكيدون له والإيقاع به، وبالفعل سيطر على كثير من مفاصل الدولة، ولكن طول الأمد وعدم استقرار المنطقة وثورات الربيع العربي، هزت من ثقة الناخب التركي بأردوغان حيث لم يتقدم بتركيا كما يجب، فمن يتابع الاقتصاد وهو أشهر ما تفاخر به وتقدمه بالنمو الاقتصادي، يعلم علم القين أن ذلك ليس إلا فقاعة هوائية وورمًا سرطانيًا يحسبه العليل صحيًا، وهو سقم على سقم، وهذه الأيام تخلخلت قوة الليرة التركية، وأمريكا وعملاؤها لم يستطيعوا توفير الاستثمارات التي تبقي على مستوى النمو جيدًا، ولذا نجد أردوغان لم يحصل على ما يريد في الانتخابات، وزادت الأحداث مثل تحرك الأكراد ضده، وقتل عدد منهم ومن جنوده، فذلك وما سيتبع من أحداث لن تكون لصالحه إذا احتدم الصراع على المنطقة وخصوصًا حال سقوط بشار، وسيناريو سقوطه، وتدخل الجيش التركي، وما يسمى المنطقة الآمنة إن سمحت أمريكا بذلك، وغير ذلك من أحداث داخليًا وخارجيًا، وتحريك للعملاء والخلايا النائمة، فإن كل ذلك قد يلحق تركيا بدول الربيع العربي، وإن كان بشكل آخر فإنه سيكون خلخلة على أردوغان وأسياده الأمريكان.

 

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد نايل حجازات

 

 

 


 

 

لقراءة الجزء الأول اضــغــط هــنا

 

لقراءة الجزء الثالث اضــغــط هــنا

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع