- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
من يوقف حقداً أسود؟
يقول رب العزة في محكم التنزيل وهو أصدق القائلين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران 118] وجاء في تفسير هذه الآية "إنها صورة كاملة السمات، ناطقة بدخائل النفوس.. وتسجل بذلك كله نموذجا بشريا مكررا في كل زمان وفي كل مكان. وهم لا يريدون للمسلمين إلا الاضطراب والخبال، ولا يقصرون في إعنات المسلمين ونثر الشوك في طريقهم، والكيد لهم والدس، ما واتتهم الفرصة في ليل أو نهار. والمشركون وأهل الكتاب هم العدو الطبيعي لهذه الأمة الذين لا يخلصون لها أبدا، ولا تغسل أحقادهم مودة من المسلمين وصحبة.
ولم يجئ هذا التنوير وهذا التحذير ليكون مقصورا على فترة تاريخية معينة، فهو حقيقة دائمة، تواجه واقعا دائما.. كما نرى مصداق هذا فيما بين أيدينا من حاضر مكشوف مشهود.. والمسلمون في غفلة عن أمر ربهم: ألا يتخذوا بطانة من دونهم." [في ظلال القرآن لسيد قطب، بتصرف].
أجل هي الحقيقة الثابتة، عداوة الذين كفروا للذين آمنوا، وصراعٌ محتدم في الفكر والعقيدة حيث الإيمان والكفر لا يلتقيان، وحيث الباطل ينتفش غروراً وحقداً.
ففي رواية لابن أبي حاتم، قال أبو جهل: والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعا؟! وفي رواية أخرى أنَّه لعنه الله قال لمَّا سُئل عن عدم تصديقه لمحمد صلى الله عليه وسلم "تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعَموا فأطعمنا، وحمَلوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رِهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه!" في صورة مماثلة لكِبر الجاهليين الجُدد وحقدهم على هذا الدين.
بدت بغضاؤهم في كلِّ مكانٍ وكلِّ حادثة أمكنهم فيها إظهار الحقد. فمن بيت المقدس مسرى رسول الله حيث ينتهك الصهاينة حرماته صباح مساء، ويخوضون مناورات شرسة ضد المرابطين والمرابطات فيه، فتنتشر الصور انتشار النار في الهشيم ويرى العالم كله اعتداء مجندة يهودية على مسلمة مقدسية تريد خلع حجابها. وحيث يُسجن شباب الأقصى ويُعتقلون لثباتهم ورباطهم فيه بينما تكتفي الحكومات بالوصاية الاسميَّة عليه ومواكب المطبِّعين مع محتليه. غاضِّين الطَّرف عن إجرام المحتل ووجوب اقتلاعه من كل فلسطين بالجيوش الحاشدة للتحرير.
وفي سوريَّا حيث عصابات بشار تعيث الفساد، تنتهك الأعراض في السجون والقرى والمخيمات، تسب الدين وتؤلِّه بشار من دون الله لتعيد للبشر فرعون بصورة جديدة. ليظهر حقدٌ علويٌ يعززه دعم صليبي للسفاح بمشاركة إيران وحزبها في لبنان بإراقة الدماء وهدم المساجد ومحاربة راية رسول الله، وإقامة التحالفات الدولية من جهة، وتحالف تركيا أمريكا من جهة أخرى، لتُثبت التهمة على حكام تركيا الجدد بولائهم للحقد الصليبي الجديد على الإسلام ودولة الإسلام ومشروع إعادتها.
وفي فرنسا حيث الحرب الهوجاء على أنظمة الإسلام وشرائعه، فتارة تسخر شارلي إيبدو من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فيسكت العالم "الحر" ويقوم ولا تقعد دنياه حين يتداعى لمسامعه نبأ مقتل الرسامين في الصحيفة الآنفة الذكر انتقاماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيُتَّهم الإسلام بالإرهاب. وتجرؤ الصحيفة على السخرية من المسلمين مرة أخرى في أحدث إصدار لها حيث نشرت صورة الطفل السوري الذي وُجدت جثته على شاطئ تركي، مع صورة كرتونية ساخرة معنونة بـ"أوشك على الوصول للهدف" وبجانبها رسوم لـ"ماكدونالدز" ولافتة تقول "طفلين بسعر طفل واحد"، مع كرتون آخر مثير للجدل يحمل صورة يسوع فوق الماء مع عبارة "النصارى يمشون على الماء أما أطفال المسلمين يغرقون". حيث لا أحد يُلجم هذه الأفواه ولا حاميَ للمسلمين يحفظ الكرامات!!
وفي أوروبا التي وصلتها جحافل خيل المسلمين الفاتحين أيام دولة الخلافة العثمانية، وفي المجر بالتحديد حيث تناولت وسائل الإعلام صوراً ومقطع فيديو لصحفية مجرية وهي تعرقل لاجئاً سورياً.. اللافت للنظر أن الإعلام غفل عن ذكر المشاهد التي سبقت عرقلة الرجل السوري وتتضمن ركل وضرب الصحافية للاجئين سوريين ومن ضمنهم أطفال صغار. وغفلت عن ذكر ما حدث للطفل الذي كان يحمله اللاجئ السوري، كما تغاضى الإعلام أيضاً عن كون الصحافية تعمل لدى مؤسسة إعلام يمينية تعادي الهجرة والمهاجرين وتتبنى مواقف عنصرية متطرفة تجاه المسلمين. اكتفت إدارة Nemzeti Televízió N1TV بتصريح ذكرت فيه أن تصرف الصحافية غير مقبول وفصلتها من عملها. جدير بالذكر أن المحطة أذاعت بالفعل التقرير الصحفي الذي صورته الصحفية سيئة الذكر بعد حذف مقاطع الاعتداء على المهاجرين. ولم تفصل الصحفية إلا بعد انتشار المقطع على موقع تويتر.
وتلا هذا الفصل تغريدة للصحافية المفصولة نشرت فيها المقطع المشهور وهي تعرقل الرجل السوري وهو يحمل طفله وتتباهى بهذا الإنجاز.
وفي بنغلادش حيث تعتقل الطاغية حسينة شباب وشابات حزب التحرير وتعذبهم بطريقة وحشية دون عرضهم على المحاكم أصلاً، بطريقة تُخالف القانون الذي كُتب وضعياً وأقرَّته هي وأقسمت عليه. كلُّ ذلك لدعوتهم لدين الله واستئناف شريعته نظاماً ودولة. فمن أجل الانتقام من العاملات لإرضاء الله سبحانه وتعالى، استخدم النظام ضباط شرطة ومباحث يكرهون الإسلام لتعذيب أختينا، وعندما كانتا تصرخان "يا الله، يا الله!" وهما تتعرضان للضرب بقسوة، كان الضابط يقول لهن: "انتظرا، فاليوم ستلقيان ربكما!!" في حقدٍ أسود على الإسلام ودعوته.
مظاهر تتكرر في أماكن كثيرة كل يوم وكل لحظة: في بورما وإفريقيا الوسطى، فلسطين وسوريا، العراق واليمن، أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك والمجر ويوغوسلافيا.. تُرمى هذه الأمة عن قوس واحدة يغذيه حقد أسود أعمى. حيث الصرب والبلغار واليونان والبوذيين والصينيين والهنود والنصارى ويهود يجتمعون علينا، وينطبق حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» [رواه البخاري وأحمد في مسنده].
كلُّ هذا الحقد، وما زال الحق هو: ﴿وما تخفي صدورهم أكبر﴾. ولا تزال الأمة تعاني الويلات في صمت مريع من حكامٍ عملاء وعلماء سوء لا يجيدون سوى الاستخذاء. بينما من بيدهم القوة من أهل الحل والعقد والسلاح والنصرة غافلون نائمون. كأنَّهم ليسوا من هذه الأمة ولا يألمون لمُصابها. ألهذه القوة خُدِّرت عقولهم وأجسادهم فلا يستيقظون؟
من غيرُهم ومن إن لم يكن هم، يستطيع نُصرة هذه الأمة برجالها العاجزين الذين لا حول لهم ولا قوة، ونسائها المُستضعفات المكلومات، وأطفالها وشيوخها؟
من غير أهل السلاح والقوة يوقف هذا الحقد ويكسر سواده بإعادة دولة النور دولة الخلافة الراشدة الثانية، لتعيد الفهم الحق للإسلام فيدخل من شاء الله في دين الله أفواجاً، وتُكسر عصا البغي والظُّلم، وتُقطع أيادي الباغين من الأرض ويُزال طغيانهم فتشرق الأرض بنور ربها؟
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران 133]
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال