الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تركيا العثمانية إلى أين...؟؟  (3)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تركيا العثمانية إلى أين...؟؟

(3)

 

 

 

تركيا الدولة الإسلامية:


الدولة العثمانية هي بالتركية العثمانية (دَوْلَتِ عَلِيَّة عُثمَانِيَّة) الخِلَافَةُ العُثمَانِيَّة، هي دولة إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، بلغت الدولة العثمانية ذروة مجدها وقوتها خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، فامتدت أراضيها لتشمل أنحاء واسعة من قارات العالم القديم الثلاث: أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي أفريقيا. وصل عدد الولايات العثمانية إلى 29 ولاية، وكان للدولة سيادة اسمية على عدد من الدول والإمارات المجاورة في أوروبا، التي أضحى بعضها يُشكل جزءًا فعليًا من الدولة مع مرور الزمن. كان للدولة العثمانية سيادة على بضع دول بعيدة كذلك الأمر، إما بحكم كونها دولاً إسلامية تتبع شرعًا سلطان آل عثمان كونه يحمل لقب "أمير المؤمنين" و"خليفة المسلمين"، وأضحت الدولة العثمانية في عهد السلطان سليمان الأول "القانوني" (حكم منذ عام 1520م حتى عام 1566م)، قوّة عظمى من الناحيتين السياسية والعسكرية، وأصبحت عاصمتها القسطنطينية تلعب دور صلة الوصل بين العالمين الأوروبي النصراني والشرقي الإسلامي، وبعد انتهاء عهد السلطان سالف الذكر، الذي يُعتبر عصر الدولة العثمانية الذهبي، أصيبت الدولة بالضعف والتفسخ، وأخذت تفقد ممتلكاتها شيئًا فشيئًا.


تركيا الدولة العلمانية:


في سنة 1908م كانت الأفكار القومية قد تغلغلت بشكل كبير في جسم الدولة العثمانية أواخر عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وأنشأ الداعون لهذه المفاهيم المؤسسات والجمعيات التي تحمل أفكارهم، وكان من أهم هذه الجمعيات جمعية تركيا الفتاة، التي تأسست في باريس، وكان لها فروع أخرى في برلين، وفي أنحاء الدولة العثمانية في سالونيك والآستانة، واستطاعت أن تضع لها قدمًا في الجيش العثماني، وكان لها جناح عسكري عرف بتنظيم الاتحاد العثماني، وكان لها جناح مدني هو الانتظام والترقي، واتفق الفريقان أن تكون جمعيتهم باسم "الاتحاد والترقي".


وفي تلك الفترة ظهرت النزعة التركية الطورانية بقوة وعنف، وسعى حزب الاتحاد والترقي إلى تتريك الشعوب غير التركية المشتركة مع الأتراك في العيش تحت ظل الدولة العثمانية، مثل العرب والشركس والأكراد والأرمن، وهنا ظهر نجم مصطنع وهو مصطفى كمال الذي انتصر في معركة مضيق الدردنيل، وقاد البلاد إلى القومية، وتحركت في المقابل الجمعيات العربية التي نادت بالقومية العربية والانفصال عن الدولة الأم وهي دولة الخلافة الإسلامية.


وبالفعل وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتقسيم بلاد المسلمين بالاتفاقية المشؤومة والمعروفة بسايكس بيكو وما عرف بالثورة العربية الكبرى فقد تم إعلان نهاية دولة الخلافة الإسلامية التي جمعت المسلمين بكل قومياتهم أكثر من ألف وثلاثمائة عام، ثم ألغيت الخلافة سنة 1924 وطرد عبد المجيد من البلاد، وبهذا سقطت الدولة العثمانية فعليًا بعد أن استمرت لما يقرب من 600 سنة، وقد رثا أمير الشعراء أحمد شوقي الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية بأبيات من الشعر قال فيها:


ضجت عليك مآذن ومنابر... وبكت عليك ممالك ونواح


الهند والهة ومصر حزينة... تبكي عليك بمدمع سحَّاح


والشام تسأل والعراق وفارس... أمحا من الأرض الخلافة ماح؟!


وتم تطبيق دستور علماني، وتبديل لغة الدولة التركية العلمانية، بل وتغيير لغة الشعب إلى أحرف لاتينية بعيدًا عن دين الشعب التركي المسلم، والذي ما يزال يعتقد الإسلام ويدين به، ورغم كل أدوات التتريك إلا أن المسلم التركي ما زال يلتزم بدينه ويتواصل مع العالم الإسلامي، وتتحرك مشاعرهم مع مشاعر المسلمين في أي كارثة تتعرض لها الأمة الإسلامية وخصوصًا قضية فلسطين.


وبدأنا منذ عقود نشهد أعدادا غفيرة في كل أنحاء تركيا أخذت تدعو لاستعادة دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة ودون أي تمييز للصفة القومية بل إسلامية ولا شيء غير الإسلام، لأن المنطلق والأساس هو فرض رب العالمين الذي يوجب على المسلمين تحكيم شرع رب العالمين، وفي دولة خلافة على منهاج النبوة ولكل المسلمين.


العقيدة الإسلامية والشعب التركي:


كما بقية المسلمين في كل أنحاء المعمورة فإن العقيدة الإسلامية حية في قلوب أبنائها، ورغم كل وسائل التتريك الذي يعني الابتعاد عن الإسلام والعودة للقومية الطورانية التركية، وتبني النهج العلماني، الذي يعني فصل العقيدة الإسلامية عن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان النجاح بالقوة والحديد والنار في بداية نشأة الدولة التركية العلمانية، ولكن المسلمين في كل أنحاء العالم تجمعهم العقيدة الإسلامية، وهي عقيدة سياسية عميقة وتوحد بني البشر في كيان واحد، ولذا تجدهم كلاً فكرياً شعورياً، سواء أكانوا أتراكًا أم عربًا أم فرسًا أم من أي قومية كانوا يتأثرون بما تتأثر به أمتهم الإسلامية. ومع أواخر القرن الماضي وظهور ما سمي بالصحوة الإسلامية أخذت تتحرك المشاعر الإسلامية وتلتقي مع مشاعر بقية المسلمين في كل أنحاء العالم الإسلامي، ولكنها ظهرت من خلال القضية الفلسطينية التي هي قضية مركزية من قضايا المسلمين، وأجبرت تلك المشاعر بعض الزعماء العلمانيين ورغم علاقات الود والصداقة والمعاهدات مع يهود أن يعمدوا إلى التهديد والوعيد ولو كلامًا. ومعلوم أنه لن يترجم إلى فعل، وكان ذلك واضحًا في خطابات أردوغان والحربين اللتين شنهما يهود على غزة، وتم تقتيل وجرح الآلاف من المسلمين أهلها، وتبع ذلك سياسته الخطابية والوعيد والتهديد للرئيس السوري بشار الأسد الذي قتل أهل البلد المسلمين وشردهم إلى دول الجوار ومنها تركيا وكذلك إلى أوروبا، وقد قرأنا وسمعنا إعلاميا كيف يتعامل الشاب التركي المسلم مع إخوانه المسلمين المشردين من أهل سوريا، وكان له أثر واضح على تعامل الحكومة التركية مع أهل الشام لدرجة أن الأحزاب العلمانية لم تستطع معارضة التعامل بلطف وأخوّة مع مسلمي الشام المشردين إلى تركيا، وعليه فالمسلمون في تركيا مهيؤون أكثر من غيرهم للصحوة والمطالبة بعودة دولة الخلافة الإسلامية وإعادة تحكيم الإسلام في بلادهم وكل العالم الإسلامي، فتركيا بلد مؤهل عقائديًا وديموغرافيًا واقتصاديًا لأن تكون بلدًا مركزيًا وله أهمية خاصة في حال توحُّد بلاد المسلمين، وجمع شتات الأمة وإلغاء كل معاهدة تخالف عقيدة الأمة الإسلامية، ورفض كل تقسيم لبلاد الإسلام يخالف العقيدة الإسلامية وخصوصًا معاهدة سايكس بيكو المشؤومة.


التّطور العلمي في الدولة العثمانية:


بدأت الدراسات في مجال العلوم والتكنولوجيا في العهد العثماني لأول مرة بمدرسة "إزنيك" التي أنشئت عام 1330 في عهد أورخان الأول ثاني سلاطين الدولة العثمانية. وفي هذا الصدد تُعد هذه المدرسة استمرارا للمؤسسات التعليمية في فترة السلاجقة، والتي كانت تُدرّس فيها العلوم الطبية، والتاريخية، والرياضية وعلم الفلك. أول مدرس في مدرسة إزنيك هو داود القيصري، وهو من الشخصيات المهمة التي عملت هناك. أما المدرسة الثانية للدولة العثمانية فقد أنشئت في البصرة، وكان يُدرّس فيها علم الفقه، والكلام، والتفسير كما يدرس فيها أيضًا علم الرياضيات والفلك، وشهدت هذه الفترة تحركًا في الدراسات والتطورات الجديدة المتعلقة بالجانب الطبي. فكان أول كتاب طبي كتب من قبل مراد بن إسحاق في هذه الفترة، تحدث فيه عن الآثار السلبية والإيجابية لبضعة أنواع من العلاج باختصار، كما أوضح طرق العلاج لبعض الأمراض، وقد أُنشئت أول مدرسة طبية في عهد السلطان يلدريم بايزيد في مدينة بورصة، التي كانت عاصمة للدولة العثمانية. ظهر الإقبال على الأعمال الموسوعية، وعلى سبيل المثال فإن أهم كتاب في تلك الفترة هو "عجائب المخلوقات" الذي ألّفه زكريا القزويني. وقد ورد الحديث عن كروية الأرض لأول مرة في الآثار التركية العثمانية، وعندما نتكلم عن القرن الخامس عشر يتبادر إلى الذهن السلطان محمد الفاتح. كانت فترة الفاتح من أفضل الفترات من ناحية تطور العلم والثقافة العثمانية وتوسّع الدّولة، وبرز في مجال العلوم في تلك الفترة موسى باشا المعروف بـ"قاضي زادة رومي" وهو أول عالم في الرياضيات وفي علم الفلك في الدولة العثمانية، ومن أشهر علماء الفلك والرياضيات في العهد العثماني "علي كوشجو"، كما أنه عالم في اللغة كذلك. ومن أشهر ابتكاراته رسم القمر لأول مرة في التاريخ، وقياس خطوط الطول والعرض لإسطنبول. وكان أهم كتبه عن علم الفلك، وسُمّي بـ"الفتحية".


تركيا ونهاية العلمانية:


إن أي فكرة تفرض بالإكراه على أي شعب من الشعوب لا بد من نهاية سريعة لها، ولذا فالمسلمون الأتراك لن يتركوا العلمانية تتحكم بمصيرهم، وتفصلهم عن أمتهم الإسلامية، فالعقيدة الإسلامية عقيدة حية وأممية ومبدئية عالمية، تربط بني البشر بعضهم ببعض، وتوجد العدل والرحمة بينهم حتى مع من لم يعتنقها، ولذا يحرم الإكراه على اعتناق الإسلام، ولذا فإن لفظ العلمانية بكل أشكالها بين المسلمين وخصوصًا أهل تركيا حيث أقرها الدستور العلماني الذي فرضه مصطفى كمال سيئ الذكر على الشعب التركي المسلم، الذي تتناقض عقيدته مع العلمانية المتناقضة مع نفسها حيث عقيدتها تتناقض وتشريعات الإسلام وعقيدته، وعليه فإن العمل للإسلام وإعادة دولة الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة يجري بجد واجتهاد من شباب مسلم آمن بدينه، وعمل لإعادة مجد دولته الإسلامية مضحيًا بالغالي والنفيس، ومتحملاً الأحكام من دولة تركيا العلمانية وبقيادة أردوغان، وقد وصلت أحكام السجن إلى أكثر من خمس سنين لكثير من الشباب المسلمين الأتراك الذين ينادون بعودة الخلافة الإسلامية، وإلى العمل لعودة الخلافة الإسلامية ندعو إخواننا من المسلمين الأتراك، ولتذكروا مجد الإسلام وقوة دولة الخلافة العثمانية، وعزتها لفترة ستة قرون خلت، فيكونوا رأس حربة لفتح أوروبا بأكملها، وتحرير شعوبها من ظلم الرأسمالية الظالمة، والجشعة المجرمة التي استعبد فيها رأس المال السياسي أكثر البشرية، ولكن بشكل معاصر وحديث، فيه ضحك وتدليس بديمقراطية كاذبة ظالمة، فإلى عدل الإسلام، ورحمة دولة الإسلام على منهاج النبوة ندعو إخوتنا المسلمين في تركيا، وفي كل العالم الإسلامي لنصرة دين الله تعالى. قال تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾. [الحج: 40]


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ وليد نايل حجازات - الأردن

 

 

 


 

 

 

لقراءة الجزء الأول اضــغــط هــنا

 

 

لقراءة الجزء الثاني اضــغــط هــنا

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع