الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
هل التاريخ يعيد نفسه؟

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

هل التاريخ يعيد نفسه؟
﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾

 

 


رغم سقوط الشيوعية واندثار المعسكر الشرقي واتخاذها الإسلام والمسلمين العدو اللدود، فإن الولايات المتحدة تأخذ حذرها من الصين وروسيا وتعتبرهما منافسا محتملا لها على النفوذ في وسط وجنوب شرق آسيا وبحر الصين، وقد تم محاصرة روسيا على حدودها مع أوروبا الشرقية بإدخال معظم دول أوروبا الشرقية للاتحاد الأوروبي، وكانت أحداث أوكرانيا الشرقية وضم روسيا لشبه جزيرة القرم ردا روسيا على أوروبا بالدرجة الأولى، ليعلم الجميع حدود ما تقبل به روسيا تجاه خسارة مناطق نفوذها في أوروبا الشرقية، وأن قوتها الاقتصادية في تنام، مما يوفر لهما تمويلا لحماية مناطقها الحيوية وتنافسها على المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي وأنها أوقفت التردي الذي أصابها في عهد يلتسين.


وتعلم أمريكا أن قوة الصين الاقتصادية تقوم على تدني الأجور وعلى التصدير لأمريكا وأوروبا ولبقية العالم، وأن البنية التحتية لسائر بلاد الصين والتجارة الداخلية ضعيفة، وقوتها الاقتصادية قائمة على التجارة الخارجية، والقائمة على تدني أجور العمالة الصينية وتدني أثمان المنتوجات الصينية وسعر العملة الصينية، وأن الصين لديها استثمارات كبيرة في سندات الدين الأمريكي وتحتفظ بمئات مليارات الدولارات لدرجة أن مدخراتها تتأثر بوضع الاقتصاد الأمريكي وبسعر الدولار في الأسواق العالمية ارتفاعا وهبوطا، بمعنى أن المصالح الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة متبادلة، وقد تحرص إحداهما على الأخرى لتبقى عجلة الاقتصاد في كل منهما دائرة، وبالرغم من الصراع على مناطق النفوذ بينهما وتحقيق المصالح، لا يغيب عن هذه الدول التفاهم والاعتراف المتبادل غير المكتوب للمصالح الحيوية لكل منها، وإمكانية مساعدة بعضها البعض في تحقيق بعض الخطط والمصالح السياسية. ومع أن القياس في السياسة أمر غير محمود، إلا أنه لتقريب الصورة لبعض الناس لفهم ما تقوم به تلك الدول وبصورة غير متوقعة للوهلة الأولى نضرب مثلا ما حصل في سنة 1956 حينما كانت بريطانيا وفرنسا وكيان يهود يجتمع مندوبوها لترتيب العدوان على مصر، كانت الولايات المتحدة على اطلاع وعلم، وتركتهم يقومون بالهجوم على مصر بالرغم من أن هذا العمل لا يصب في مصلحتها وكان في مقدورها إيقافه بشتى الوسائل إلا أنها تركتهم يقومون بهجومهم على منطقة قناة السويس، ومن ثم دفعت الاتحاد السوفيتي لتوجيه إنذار لبريطانيا وفرنسا وكيان يهود للانسحاب فورا من منطقة القناة سنة 1956م، وانسحبوا لعلمهم أن صاحب الإنذار هو الولايات المتحدة، ودور الاتحاد السوفيتي لا يتعدى إرسال الإنذار بمغلف من بريد موسكو، وإلا فهذه من أمنيات بريطانيا أن تشتعل الحرب بين الحلفاء والاتحاد السوفيتي، وكان الوضع مناسبا جدا لو كان الإنذار فعلا من الاتحاد السوفيتي وليس من الولايات المتحدة لتحقق بريطانيا ما أرادته عند نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنه كان من الولايات المتحدة، إضافة لذلك وإمعانا بإذلال رئيس وزراء بريطانيا أنطوني إيدن وجه دلاس إنذارا له ليغادر لندن، حيث إن جناب وزير خارجية الولايات المتحدة سيحضر إلى لندن، وعلى من تجرأ على التطاول على مصالح الأمريكان أن يذوق طعم المهانة والذل، فغادر لندن واستقال من منصبه وغاب نجمه عن السياسة وانزوى بمهانة يستحقها. هذا يذكرنا بصيحات رئيس وفد بريطانيا العظمى في محادثات الجلاء عن مصر وهو يستصرخ رئيس وزراء حكومة جلالة الملك بضرورة إبعاد سفير أمريكا كافري عن المحادثات وادعائه أنه يساعد الإنجليز، وهو يساعد المصريين بنصحهم وتوجيه محادثاتهم مع الإنجليز ورئيس الوزراء لا حيلة له.


وخرج اليهود من حرب السويس الرابح الوحيد حيث إنه قد سمح لهم بالمرور من خليج العقبة إلى أم الرشراش (إيلات) التي سلمها كلوب باشا إلى اليهود في 9 آذار/مارس سنة 1949، طبعا عامة الناس لا علم لهم بما يستحوذ عليه اليهود في كل مرة، فدعاية النصر تصم الآذان والتضليل السياسي تتقنه زبانية الحكام.


اليوم تقوم روسيا مقام الولايات المتحدة نيابة عنها، في حماية بشار الأسد ونظامه وتضرب الثوار وتقوم بالأعمال التي لا تستطيع الولايات المتحدة القيام بها، كما لم تستطع الولايات المتحدة بالأمس الظهور علنا أنها ضد العدوان الثلاثي على مصر وأنها مع حكومة - كما أنها اليوم تبذل جهدا مضنيا كي لا تظهر أنها مع عبد الفتاح السيسي، وتشاك هيجل كان يوميا يتصل ليسأل عن أخته حرم السيد الرئيس -، وكيف لها أن تظهر أنها ضد العدوان وهي زعيمة الاستعمار، وكما كانت تقدم عبد الناصر على أنه الزعيم الوطني المحارب للاستعمار وقد أخرجه من قناة السويس، وها هو الاستعمار المتضرر من تأميم قناة السويس يعود بجيوشه بذريعة واهية، ولا أحد من العرب يفرق بين بريطانيا وأمريكا فهما الاستعمار بعينه، ولا يسأل أحد من أجبر بريطانيا على سحب جيشها من منطقة القناة لينتهي في 13 حزيران/يونيو 1956م، وتحاول العودة في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1956م، أين دور الولايات المتحدة في انقلاب يوليو 1952 وأين موقفها من العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956؟.


يقول الدكتور أحمد عكاشة في كتابه ثقوب في الضمير صفحة 64: "وعندما سعت ثورة 23 يوليو إلى إنهاء الوجود العسكري البريطاني بالمفاوضات التي جرت بين حكومة الثورة وبريطانيا، كان المصريون أثناءها يعتبرون الولايات المتحدة الأمريكية حليفا لهم في الوقت الذي كانت فيه أمريكا تستعد لوراثة قوى الاستعمار التقليدي البريطاني والفرنسي في المناطق المتطلعة إلى الاستقلال، وكانت تدبر الكثير من الانقلابات العسكرية في المشرق التي تؤدي إلى نشوء أنظمة سياسية ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية". ويقول أيضا: "الولايات المتحدة الأمريكية وجدت في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 فرصة ذهبية لإضفاء المزيد من تحسين صورتها في مصر فقد بادرت أمريكا إلى المساندة الإيجابية لمصر حتى انسحبت قوات العدوان".


من المتضرر من تأميم قناة السويس؟؟ أمريكا زعيمة الاستعمار المهيمن على المعسكر الغربي بدون منازع، أم الاستعمار الجديد؟ أم الاستعمار القديم؟ من يفرق بين الاستعمار القديم المتمثل ببريطانيا وفرنسا، والاستعمار الجديد المتمثل بالولايات المتحدة؟ والذي بدأ يصفي الاستعمار القديم بعد الحرب العالمية الثانية ويحل محله بتبني الانقلابات العسكرية وحركات التحرر من الاستعمار، وبث الأفكار الاشتراكية والقومية في بلاد المسلمين، للتلبيس على الناس، والاستعمار ملة واحدة ولا فرق بينهم وكلهم يحفظ ويساعد ويدعم اليهود وكيان يهود بدون حد أو تحفظ، انظر مثلا هجوم سلاح طيران كيان يهود على سفينة التجسس ليبرتي في البحر الأبيض المتوسط، من يصدق أنها كانت تتجسس على دولة اليهود في حرب الأيام الستة، وهي كانت تتجسس على اليهود؟ لقد ادعى عبد الناصر وحسنين هيكل أنها كانت تتجسس على مصر، والصحيح أن جونسون رئيس الولايات المتحدة أخذ تعهدا من دولة يهود ألا تكون البادئ بالحرب وأخذ تعهدا من عبد الناصر ألا يكون البادئ بالحرب أيضا، وعلى كل منهما أن يبعث مندوبا إلى الولايات المتحدة لحل الإشكال سلميا، فكان زكريا محيي الدين يعد حقائب السفر إلى الولايات المتحدة وطائرات يهود تقصف المطارات المصرية، لأن حل الإشكال سلميا ليس من صالح اليهود. والولايات المتحدة تحافظ على مصالح اليهود والآن هي حريصة على إنهاء هذه الأزمة سلميا، واليهود يتمردون! لأن ذلك يصب في صالح عبد الناصر شخصيا، يقول بيغن: (إننا كنا نعرف أن عبد الناصر لا يريد محاربتنا ولكنا قمنا بضربه). لأن الرجل يوهم الناس أنه يعد لتحرير فلسطين، وهذا يشحن الناس ويحشدهم بطريقة لا يتصور اليهود وقعها في نفوس الناس، وهذا بحد ذاته يمثل لليهود خطرا أعمى يجب تعرية مصدره، فهم يريدون من يتحدث عيانا بياناً بأحقية اليهود بفلسطين وبالسلام وهم أبعد الناس عن السلام! إذن قام طيران يهود بضرب ليبرتي إخفاءً للدليل والشاهد على أنهم من بدأ الحرب، ولسوء حظهم لم يستطيعوا إغراق ليبرتي وحسن حظهم أن الولايات المتحدة لم تستطع إعلان وتوجيه التهمة لكيان يهود بمهاجمة ليبرتي، لأن ذلك سوف يقوض سياستها في دعم ودعوى العرب التقدميين أن أمريكا حاربتهم وهي التي هزمتهم وليس كيان يهود وإن أمريكا هي دولة يهود ودولة يهود هي أمريكا، دولة يهود حاولت إغراق سفينة التجسس الأمريكية لأنها الشاهد على أن اليهود هم من بادر بالحرب رغم تعهد حكومتهم بألا يكونوا أول من يبدأ بالحرب.


من يسأل كيف سلمت شبه جزيرة سيناء إلى اليهود كما استلمت من الملك فاروق؟ لماذا أرسل الجيش المصري إلى اليمن واليهود على حدود مصر الشرقية؟ وكذلك لماذا خرج المصريون من السودان ولم تبق بلداً واحداً؟ فاروق كان ملك مصر والسودان إذا كان مشروع الوحدة العربية في وارد الضباط الأحرار؟ من يصدق عصابة الأسد الأب والابن أنهم من جبهة ممانعة؟ نعم ممانعة من تمكين الناس من حقوقهم في الحياة الكريمة اللائقة بالإنسان، نعم إنهم من جبهة ممانعة طرد اليهود من فلسطين.


يقول الدكتور مصطفى الفقهي: (لا يحكم مصر إلا من ترضى عنه أمريكا) تأتي أمريكا بعبد الفتاح السيسي أسوأ سهم وآخر ما تملك في جعبتها، وتبعثه لروسيا ذرا للرماد في العيون، على أساس أن روسيا تمثل الجهة المعارضة لسياسة الولايات المتحدة، وتجعله يشتري أسلحة من فرنسا وروسيا لتعزف الموسيقى القديمة بأشد الأصوات نشازا ليتذكر الناس شراء مصر الثورة أسلحة من المعسكر الشرقي مع أن الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت بدولة يهود حين تأسست. كأن التاريخ يعيد نفسه ولا يتعظ أو يتساءل كثير من الناس، فتجد بعد دعوات الاشتراكية الزائفة لأكثر من ستين سنة يأتي اليوم دور النداء بالديمقراطية ومدنية وعلمانية الدولة!. والمفجع أن دول الاستعمار ما تزال تجد في بلاد المسلمين من يطيعها ويأتمر بأمرها.


ما الفائدة التي حققها الاتحاد السوفيتي من عمله لمصلحة أمريكا في بلادنا، لقد كانت هذه هي الفرصة الوحيدة المتوفرة له لدخول المنطقة ورعايتة للرفقاء، لعله يتحصل لهم على شيء من النفوذ والحماية ونشر أفكاره، وثم سوقا لأسلحته حيث إن صورة الزعيم الوطني الثوري ومحارب الاستعمار الاشتراكي رائد العدالة الاجتماعية رفيق الفقراء لا تتم إلا بشراء الأسلحة من الاتحاد السوفيتي والتقرب إليه، فهو عدو الاستعمار الغربي ونصير المظلومين وداعم التحرر والثوار! والصورة اليوم عند روسيا الاتحادية لا تبعد كثيرا عما كانت بالأمس عند روسيا السوفيتية، وإلا كيف يستطيع السادات إخراج السوفييت من مصر بجرة قلم، ويرتمي جهارا نهارا بحضن الأمريكان؟ أين الدولة التي أنشئت منذ انقلاب 1952 يلعب بها السادات كيفما يشاء؟ إنها هيكل دويلة بإدارة استعمارية، السلطة والقوة بيد الحاكم، لا وجود لأجهزة حكم حقيقية منفصلة عن الحاكم ترعى مصالح الناس وتنظم شؤون حياتهم بيسر وسهولة وإنصاف وعدل.


ومن ثم إذا كان دخول الروس إلى سوريا غصبا عن الأمريكان، (فبوكست) بندورة محملة بصواريخ ستنجر أمريكية كفيلة بقطع دابر الروس من سوريا، وما أحداث أفغانستان المجاهدين ببعيدة، وما حدث للروس السوفييت لن يمحى من ذاكرة الروس الاتحاديين، عوضا عن صور كيري ولافروف التي تشي بالحميمية والاتفاق والوفاق في مباحثاتهم التي لا تنقطع، مع العلم أن من متطلبات الأمر أن يظهر بعض الاختلاف في التصريحات الصحفية. روسيا تقوم بمهمة الأمريكان في دعم بقاء بشار الأسد في السلطة وقتل المسلمين وتخريب سوريا ريثما يتم ترتيب الأوضاع في سوريا كما رتبت في مصر. ويكفي وجود دولة يهود مغتصبة لفلسطين لتبقى الولايات المتحدة متشبثة في المنطقة العربية ومتحكمة بها بالتفاصيل الدقيقة، ويقلقها بل يقض مضجعها عمل المسلمين الدؤوب لاستئناف الحياة الإسلامية. وترويج خبر انسحابها وترك الميدان لحميدان ضرب من التعمية السياسية ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.

 

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إبراهيم سلامة

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع