الجمعة، 18 صَفر 1446هـ| 2024/08/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

الاستعباد يكمن في الأفكار التي نحملها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما هو سبب الشقاء اليومي الذي تعيشه ويعيشه الناس من حولك؟


لنأخذ مثلاً بسيطاً: كم مرة ذهبت إلى الدوائر الحكومية لاستخراج أوراق رسمية وكان عليك الانتظار في صفوف طويلة لساعات فقط ليخبرك الموظف الذي يلبس ملابس عسكرية أن وقت الدوام انتهى وعليك أن ترجع في يوم آخر؟ أو أن الكهرباء انقطعت، أو أن الموظفين في راحة (ساعة أو أكثر) للغداء، فتنتظر وتنتظر، وأنت تعلم أن الإجراءات ستكلفك مبالغ كبيرة، فكأنك (تُذل) بأموالك ويستخدم الموظف سلطته عليك بحسب "لوائح وقوانين الدولة". وهذا الحال ينطبق على كل المنشآت: مكاتب الضرائب والجمارك والغرف التجارية والبنوك والجامعات والمدارس والمستشفيات والمطارات وحتى المساجد تخضع لقوانين معقدة تضعها "وزارة الأوقاف"، فتجدها قوانين معادية للإسلام منفرة للشباب، كإغلاق أبواب المساجد بعد الصلوات ومنع الدروس إلا "بإذن الوزارة"، والتحكم بمحتوى الخطبة، وحضور عناصر من الأمن لمراقبة صلاة الجمعة والأمثلة كثيرة والقوانين قاسية ومؤذية ويكرهها الجميع فهم يعيشون في خوف مستمر.


ومن جهة يتعامل الناس مع هذه القوانين واللوائح على أنها "مُنزلة" ولا يفكر أحد أن يحتج عليها أو يرفضها، فمن يطبق هذه القوانين عصابة من عناصر "الأمن" والشرطة والعسكر، والنظام فوق هذه القوانين، فتعود الناس على هذا العذاب اليومي وتعايشوا معه، ومن جهة أخرى يسعى الناس للتهرب من هذه القوانين فتعلموا الكذب والخداع والرشاوى. فالسائد أن من لديه منصب لديه سلطة ويستغل القانون في "تأديب" وقمع وإذلال الشعب الضعيف، فواقع هذه القوانين أنها وضعت للسيطرة على الناس بالحديد والنار، وذلك واضح؛ لأن الناس تعيش في شقاء وتعاني من الاستبداد، بل الاستعباد! والصحيح أنه يجب على الناس أن يعملوا للتغيير وليس أن يخافوا أو أن يصبحوا جزءاً من هذا الواقع الفاسد.


فالاستعباد فكرة يحملها الإنسان تؤثر على سلوكه. فالولاء والطاعة العمياء للنظام والخوف منه هو عبادة لغير الله تعالى، تظهر في إذعانه لقوانين لم ينزل الله سبحانه وتعالى بها من سلطان؛ فظاعة المسؤولين ورموز النظام الجبري بدلاً عن الله عز وجل مفهوم خاطئ، والخوف من السلطات الظالمة من دون الله مفهوم خاطئ، والخوف من أن تُعتقل أو تُقتل لقولك الحق مفهوم خاطئ، والخوف من أن ينقطع عنك الرزق إن طردك المسؤول من عملك مفهوم خاطئ، فالآجال والأرزاق بيد الله تعالى وحده، وعندما تُصحح المفاهيم الخاطئة وتحل محلها المفاهيم الإسلامية الصحيحة يتحرر الإنسان من العبودية لغير الله عز وجل فيتغير سلوكه ويتخذ مواقف شرعية صحيحة، فيرفض كل ما هو ليس من الإسلام ويعمل لما يرضي الله تعالى.


ولا بد لوجود قوانين في حياة البشر، وكما أسلفنا فإن القوانين الصحيحة هي التي تعتق رقاب البشرية من العبودية لغير الخالق عز وجل، وهي التي تحقق لهم الحياة السعيدة الآمنة في الدنيا وتهيئ لهم الطريق للفوز بالجنة في الآخرة. والقوانين التي تعالج وتنظم جميع شؤون الحياة ولا تؤدي إلى الشقاء والظلم ولا تُستغل لإذلال البشر واستعبادهم هي قوانين رب العالمين اللطيف الخبير، فالقضية ليست في أن "يطيع الناس القوانين" بل في "مصدر القوانين التي يطيعون".


إذاَ يجب أن نتوقف لنتساءل: ما هو مصدر القوانين التي نطيع؟ وهل هذه القوانين فعّالة في حل مشاكل الفقر والعوز والفوضى والتخلف والجهل بالإسلام؟ هل ستنهض بالمسلمين حتى يتركوا التقليد الأعمى للغرب الكافر والانبهار به وهل ستعمل على إنقاذهم من الذل والهوان وتكالب الأعداء؟ هل ستعمل على تسهيل الحياة اليومية لكل الفئات بدون استثناء؟ هل ستوحد المسلمين على أساس العقيدة الإسلامية فتحل قضايا المسلمين؟ فما الجدوى من القوانين إن لم تحفظ الحقوق وتنجز الواجبات وتنشر العدل والرحمة والقيم الراقية بين الناس لتجمعهم على عبادة الله عز وجل؟


وليعلم المسلم أنه مسؤول أمام الله تعالى وأنه مشارك في الإثم بسكوته على الأنظمة الجبرية وأنه سبب في المعيشة الضنكا إن لم يعمل على تغيير مفاهيمه لينهض بدينه وأمته بتغيير الواقع الفاسد إلى واقع الحياة الإسلامية الكريمة. فلم يعرف تاريخ البشرية غير نظام الإسلام الرباني وأحكامه الشرعية التي طبقها الخلفاء كقوانين في الدولة الإسلامية - دولة الخلافة الراشدة - التي نشرت العدل والنور والرحمة والهداية في العالم.


فتدبر قول الله تعالى: ﴿طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [سورة طه: 1-2]، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [سورة الأنبياء: 107]


فالقوانين في الإسلام توضع لتعالج ولتنظم للناس شؤونهم ولتحل مشاكلهم، فليس الإسلام السياسي مشكلة من المشاكل كما يروج لهذا المفهوم الخاطئ اليوم، بل تطبيق الإسلام في نظام حكم هو الحل لجميع المشاكل.


فالفكر الراقي هو فكر الإسلام العظيم، حيث تُسنّ الأحكام الشرعية كقوانين ليطيع الناس رب العالمين وكان الخليفة يخضع لمحاسبة نفسه ومحاسبة الناس له وكانت التقوى ومخافة رب العالمين سائدة في المجتمعات، وكان الناس مطمئنين وسعداء، في ظل الحكم بما أنزل الله سبحانه يحبون الحكام وينعمون بالعدل. فعلى كل من يعمل لنهضة الأمة الإسلامية وعتقها من الاستعباد أن يعي جيداً أن القوانين وضعت رحمة ورأفة بالناس لتنظم ولتعالج مشاكلهم ولتسعدهم ولتستقر بها أمورهم وليس لتعكير صفاء حياتهم أو لتعرقل شؤونهم وليس لتوريث الحقد والبغضاء بينهم بل لتؤلف بين قلوبهم. فمن يسعى لتطبيق القوانين على المسلمين حباً في سلطة ونفوذ فقد خاب وخسر ومن يسعى لتطبيق قوانين رب العالمين لتحقيق النهضة والتسهيل على العباد فقد فاز فوزاً عظيما.


فلنتحرر من كل فكر خاطئ، فالاستعباد يكمن في الفكر الذي نحمله. فمتى تثور أمة الإسلام على القيود الفكرية التي تجعلها تعاني ظلم الرويبضة وذلهم؟ ".. فالسلوكُ الإنسانيُّ مربوطٌ بمفاهيمِ الإنسانِ، وعندَ إرادتِنَا أَنْ نغيِّرَ سلوكَ الإنسانِ المنخفِضِ ونجعلَهُ سلوكاً راقياً لا بدَّ مِنْ أَنْ نغيِّرَ مفهومَهُ أَوَّلاً ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِم﴾ [سورة الرعد: 11]. مقتبس من كتاب "نظام الإسلام" لحزب التحرير للشيخ الجليل العلامة تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى.

 


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم حنين

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع