- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
العلماء وثورات الأمة
بين العمل لإقامة الخلافة الواجبة وتركيع الأمة للغرب الكافر وعملائه
معلوم أن العلم هو ميراث النبوة وأن العلماء ورثة الأنبياء، لذا تعين على العلماء قبل غيرهم أن يقوموا من الناس مقام حملة الدعوة المبلغين عن رب العالمين، لأنهم وكما يفترض بهم هم أعلم الناس بحلال الله وحرامه، فهذا ميراثهم وحملهم؛ العلم والعمل والبلاغ للناس لأنهم أول من يرى الفتنة وهي مقبلة بما علموا من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، بينما يراها الناس بعد أن تقع ويقعوا فيها. فدورهم هو توعية الناس وتحذيرهم ووقايتهم من الوقوع في الفتن، لا أن يقعوا ويُوقعوا الناس فيها، وهم أحد ركنين ركينين لصلاح الأمة مع الحكام كما أخبر الصادق المصدون «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس؛ العلماء والأمراء»، رواه أبو نعيم في الحلية. ويفسد الحكام والأمراء بفساد العلماء، إذ إنه منوط بهم محاسبة الحكام وتوعية الأمة على وجوب وكيفية محاسبتهم وأطرهم على الحق أطرا، ولا يجوز لهم القعود أو التقصير في هذا الدور المنوط بهم، وقد أخذ الله منهم الميثاق على ذلك، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾، فهم مكلفون بالتبليغ ومسؤولون عنه أمام الله عز وجل، وهذا ما فهمه الصحابة والتابعون، وتبين لنا عبارة ربعي بن عامر الشهيرة أمام رستم ببلاغة متناهية فهم حملة الدعوة كيف يكون حمل الدعوة حين قال: (إنما ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام)، فهمٌ عميقٌ مستنيرٌ لميراث النبوة في حمل الإسلام ودعوته وبلاغه للناس.
هكذا فهموا الإسلام وهكذا حملوه وورثوه لمن بعدهم كابرا عن كابر، فرأيناهم يحاسبون الحكام ويقفون منهم موقف الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فها هو صهيب يحاسب عمر بن الخطاب على ثوبه الطويل أمام الأمة حتى بين عمر سبب طول ثوبه عن بقيتهم، لم يستحي صهيب ولم يسكت عن حق المحاسبة، ولم يغضب عمر وإنما بين موقفه بكل شفافية ووضوح وقَبِل المحاسبة أمام الأمة، ثم رأينا منهم الثبات على ما علموا وعُلِّموا من الكتاب والسنة، فضربوا لنا أروع الأمثلة في الفداء والصبر والثبات، فمن حطيط الزيات إلى سعيد بن جبير وابن حنبل وغيرهم، ثبات على الحق ويقين في ذات الله وابتغاء لرضوانه جعلهم يجهرون بالحق ولا يخشون في الله لومة لائم، ولقد عرفنا كيف كان سلطان العلماء العز بن عبد السلام يجهر بالحق حتى إن أحد تلاميذه قال له وقد عاد من عند السلطان شاكيا محاسبا، قال له أما خفته يا إمام، فقال العز لقد استحضرت عظمة الله أمامي فصار السلطان أمامي كالهر، وهو صاحب المقولة الشهيرة "إذا رأيتم العالم على باب السلطان فاتهموه".
هكذا كان العلماء وكانت الأمة عندما كانت للمسلمين دولة تحكمهم بالإسلام تهتم بإيجاد شخصيات إسلامية تفكر وتشبع حاجاتها وغرائزها على أساس عقيدته وما انبثق عنها من أحكام، لدرجة أن عوام الناس كانوا يتناقشون في مسائل الأحكام الشرعية نقاش أهل الاجتهاد، بما لديهم من وعي وفهم صحيح للإسلام. أما في زمن الانحطاط وغياب الدولة التي تطبق الإسلام، فلم تعد العقيدة أساسا لتفكير الناس على العموم وإن كانت أفكارهم إسلامية بالمجمل، وأصبحت النفعية المادية هي مقياس أعمالهم وعلى أساسها تشبع حاجاتهم وغرائزهم، بدلا من الحلال والحرام والتقيد بأحكام الشرع، وصارت الأمة أحوج ما يكون إلى علماء ربانيين يهدونها السبيل الصحيح وينيرون لها درب الهدى. فهذا واجبهم المنوط بهم لكونهم ورثة الأنبياء، وإن لم يقوموا به حق القيام وتركوا الأمة تتخبط في ظلمات الجهل والانحطاط خانعة خاضعة تحت نير الغرب وناره تتحكم فيها أفكاره، ينهب ثرواتها وخيراتها ويدمر شيبها وشبابها، فالويل كل الويل لهم، ضياع في الدنيا وعذاب شديد في الآخرة.
في ظل أنظمة الجور الحالية لم يتوقف الأمر على صمت مطبق أو تواطؤ من كثير من علماء الأمة، بل تلوثت أفكارهم بأفكار الكفر، فلم تعد نظرتهم للأمور من منظور الإسلام وأصبحوا علمانيين بعمائم ولحى يعتلون المنابر ويعلِّمون الناس الإسلام برؤية غربية تبتعد بهم عن تحكيم الإسلام ومنهجه كما نزل على رسول الله ﷺ، وكأني بهم قد طال عليهم الأمد فأصبح الواقع هو مصدر تفكيرهم لا موضع عملهم للتغيير، بل لا يرون فكاكا عن الارتماء في أحضان الغرب وانتظار نصره ونصرته، ولا أدل على ذلك من حديثهم المملول المكرر عن الديمقراطية والدولة المدنية، ورفعهم لرايات سايكس بيكو بدلا من راية الإسلام.
لقد صرنا نسمع منهم العجب العجاب، فرأينا من يقولون أن حكام الأمة الآن هم ولاة أمر شرعيون يحرم الخروج عليهم، بدلا من تعريف الناس بواقعهم الصحيح من كونهم حكام ضرار لا شرعية لهم، والواجب خلعهم وإقامة الخلافة على منهاج النبوة عوضا عنهم، ثم رأينا من يدعو للجهاد من أجل الديمقراطية ويطالب بدولة مدنية مدعيا أن دولة الإسلام دولة مدنية، بما في ذلك من تدليس وتلبيس على الأمة، ناهيك عن إباحة قتل وترويع الآمنين من أبناء الأمة لمجرد مطالبتهم ببعض حقوقهم وتشجيع قتلهم وحرقهم وسجنهم وتعذيبهم، والوقوف في صف جلادي الأمة وعملاء الغرب ووكلائه الخونة، فضلا عن وصف قتلهم لأبناء الأمة وتهجيرهم من بيوتهم وديارهم بأنه جهاد ورباط في سبيل الله، وما عاصفة الحزم وتهجير أهل سيناء عنا ببعيد.
لقد رأينا علماء وقراء في ملابس الجند وفي طائرات القصف محمسين الجنود على خدمة مشاريع الغرب الكافر في بلاد الإسلام، واصفين بعض هؤلاء الحكام من سماسرة الغرب وأدواته بأنهم حماة أهل السنة وخط الدفاع الأخير أمام التمدد الشيعي المجوسي الفارسي، والدعوة لهم على منبر رسول الله ﷺ، رغم علمنا وعلمهم أن هؤلاء الحكام لا تحركهم طائفية ولا قومية ولا وطنية وإنما تحركهم تلك العروش التي نخر فيها السوس.
وقبل أن نتكلم عن هؤلاء العلماء لا بد من أن نوضح واقع الأمة الآن في ظل هذه الثورات التى عمت أرجاءها فأيقظتها من سباتها، مستعرضين وموضحين موقفهم منها منذ وقبل البدء فيها، ومواقفهم فيها وكيفية تعاطيهم وتعاملهم معها، والموقف الشرعي الذي يجب أن يصدر من العالم الرباني تجاه هؤلاء الحكام، وتجاه حراك الشعوب الثائرة عليهم، لافتين النظر إلى أن الواقع لا يجوز أن يكون مصدر تفكيرنا وإنما يجب أن يكون موضع عملنا للتغيير.
إن الواقع الذي نعيشه الآن بتفصيلاته ومنذ سقوط الخلافة العثمانية مخالف للواقع الذي يجب أن تكون عليه الأمة الإسلامية، حيث لا وجود لدولة تطبق الإسلام في الداخل وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فانتشر الجهل والفقر والمرض وتمكن الغرب من رقاب المسلمين وبلادهم وعمل على زيادة إفقارهم وتجهيلهم وطمس هويتهم وفصلهم عن دينهم بما فيه من أحكام تكفل لهم الرقي والرخاء، كما أعاد صياغة تاريخ الأمة بما يناسب ويخدم مشروعه القائم على القوميات والوطنيات والعرقيات وما فيها من عصبيات تبقي الأمة في حالة من الصراع والنزاع يحول دون وحدتها من جديد، ورسم الحدود والرايات، وقسم الأمة إلى دويلات بعضها لا يغطي عورة نملة، ووضع على كل منها وكيلا عنه أسماه حاكما ملكا وأميرا ورئيسا يرعى مصالحه ويقمع أبناء الأمة والساعين لنهضتها، وظلت الأمة هكذا عقودا من الزمن أصابها ما أصابها، إلا أنها ظلت تسعى جاهدة للانعتاق من التبعية والتحرر من عدوها وأفكاره وأنظمته، يقودها علماء مخلصون من أبنائها تكتلوا من أجل إنهاض أمتهم، ظلوا يضخون في الأمة الأفكار الصحيحة ويفضحون الغرب وعملاءه ويكشفون تآمره على الأمة. تزامن هذا مع وجود علماء ارتبطوا وارتبط وجودهم بهؤلاء الحكام العملاء، فأصموا آذاننا بوجوب طاعة هؤلاء الحكام باعتبارهم ولاة أمر يحرم الخروج عليهم، وكأنهم ولاة أمر شرعيون وخلعوا عليهم كل الصفات الشرعية التي لا تُخلع إلا على خليفة المسلمين.
أمام هذا الضغط والقهر والقمع من الحكام وتبرير أعمالهم وتحصينها من قبل علماء السلاطين، وأمام سياسة التهميش والإفقار ونهب الثروات الممنهج من قبل النظام الرأسمالي النفعي انطلقت ثورات الشعوب من تونس إلى مصر واليمن وليبيا وسوريا، تخطت الأمة الجميع بما فيهم الحكام وعلماء السلاطين، بل تخطت وسبقت حتى بعض الحركات التى كانت تدعي أنها تسعى للنهضة، خرجت الجموع مطالبة بإسقاط الأنظمة المرتبطة بالغرب، بمعنى أنها أدركت أن عدوها الأول هو الغرب الذي يقف خلف تلك الأنظمة وهؤلاء الحكام ويحركهم كقطع الشطرنج.
إلا أن هذا الحراك افتقد إلى قيادة فكرية وقيادة فعلية تقود وتحرك هذه الجموع الثائرة، بمعنى أنه لم يكن هناك مشروع نظام بديل مطروح يملك القدرة على علاج مشكلات الناس بحل جذري ولا حتى بحلول جزئية، وذلك رغم ما نادى به البعض مطالبين بتطبيق الشريعة وعودة الإسلام للحكم دون أن يعوا على تفصيلات تطبيق الإسلام وكيفية وصوله للحكم بطريقة شرعية معتبرة، كما افتقد الحراك أيضا إلى القادة السياسيين المخلصين الواعين على مؤامرات الغرب، والقادرين على مواجهته وهزيمته في صراع الأفكار، وفضحه وفضح مؤامراته لاحتواء حراك الأمة، الذي كان هدفه الرئيس الانعتاق من التبعية للغرب والعودة لحكم الإسلام وإن لم يدركوا هذا، إلا أن طموحهم للعدل وعودة حقوقهم لا يتحقق بغير عودة الإسلام للحكم من خلال دولة الخلافة على منهاج النبوة، وهذا ما كان يجب أن يدركوه.
لقد كان عدم وجود القيادة الواعية لحركة الجماهير وتقاعس العلماء عن القيام بالدور المنوط بهم هو الذي مكن الغرب من احتواء الثورات والالتفاف عليها وخداع الأمة وإعادة استنساخ أنظمته برؤوس جديدة، ربما كان بعضهم أخلص للغرب وأشد عداوة للإسلام من عملائه القدامى، وقد رأينا من يطالب بثورة دينية ويسعى لتجديد الخطاب الديني ويعتبر الجهاد كارثة عالمية، محاطاً بشرعنة وتأييد من بعض من يسمون علماء من رجالات الأزهر وغيرهم ممن باعوا دينهم بدنيا هؤلاء الحكام.
فمن يناط به الدفاع عن الإسلام والتصدي للغرب وأدواته وتوعية الأمة على حقوقها وكيفية الوصول إليها وفضح الخونة والمتآمرين على الأمة؟! ومن يقوم على قيادة الأمة وتوعيتها على كيفية الوصول إلى حكم الإسلام، وكيفية الحكم به بتفصيلاته؟! أليسوا هم العلماء؟! فكيف إذا صمتوا أو اتخذوا جانب الباطل؟!.
لقد كانت ممالأة بعض المنتسبين للعلم الشرعي للحكام وإقرارهم لحكمهم وما هم عليه من مخالفات شرعية واضحة توجب خلعهم، ومطالبتهم الأمة بطاعتهم وإن جلدوا الظهر وأخذوا المال، في مخالفة صريحة لما أمر به النبي ﷺ وما كان عليه الصحب الكرام، وما أفتوا به من تحريم التظاهر بدعوى تحريم الخروج على الحاكم، بل وتحريم مجرد نصحهم على الملأ، وتدليسهم وتلبيسهم الحق بالباطل من أهم العوامل التي أفقدت حراك الأمة فعاليته؛ فقد كانت سببا في تحييد قطاع كبير من أبناء الأمة وإبعادهم عن حلبة الصراع. والغريب أن هؤلاء العلماء لم ينصحوا الحكام بالكف عن الرعية، وإنما نصحوا الرعية بالخنوع والخضوع، متخلين بذلك عن ميراث النبوة الذي يوجب عليهم القوامة على فكر الأمة ووعيها والمطالبة بحقوقها.
لقد رأيناهم وقد سقطوا في الفتنة وفتنوا المؤمنين عن دينهم وأصبحوا مطايا للحكام الخونة الظالمين، يصدون عن سبيل الله خشية الوقوع في الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا، فعملوا على الفت في عضد الثائرين وتيئيسهم من التغيير تارة، وإيهامهم أن هؤلاء متغلبون ولا قبل لكم بهم وأن الحكمة تقتضي الركون لهم والدعة معهم تارة أخرى، متأولين متهوكين يلوون عنق النصوص ويضعونها في غير موضعها، مدلسين ملبسين الحق بالباطل، خائنين للأمة التي وثقت فيهم مظنة العلم وقبلت منهم مظنة العدالة التي ادعوها، فقادوها إلى مهالكها ومكنوا عدوها منها، وكان الأولى بهم بدلا من تثبيط همة الأمة وتيئيسها من التغيير أن يكونوا هم قادة هذا التغيير وصانعيه والمؤثرين في كل حراك للأمة وموجهيه الوجهة الصحيحة، لا أن تسبقهم الأمة وتتخطاهم وتبحث عن غيرهم لحمل الأمانة وقيادتها إلى عزها ومجدها.
إن ما يجب على العلماء بمقتضى ميراث النبوة أن تكون رؤيتهم للأمور رؤية شرعية أساسها الإسلام وعقيدته وأحكامه وأن تكون نظرتهم ومقياسهم الحلال والحرام، وألا تختلط بأفكارهم أي من أفكار الكفر، ثم القيام في الأمة عاملين على تجسيد أفكار الإسلام فيها ومبينين لها وجوب تغيير الواقع الذي تحياه واستبدال خلافة على منهاج النبوة به، مع بيان وجوب الحكم بالإسلام كاملا غير منقوص وبيان تفصيلات الحكم الإسلامي وكيفياته وتعريف الناس بها، وتحويلها إلى مفاهيم يلمسها الناس لمسا حقيقيا، ويثقون في قدرتها على علاج مشكلاتهم، ومحو الفكرة التي تقول بأن تطبيق الإسلام هو تطبيق الحدود فقط، وإظهار ما فيه من نظام كامل شامل لجميع جوانب الحياة يجب أن يطبق كله بلا تجزيء ولا تدريج حتى لا ينتج نموذجا مشوها يُنفر الناس من الإسلام وحكمه، كما أنه يملك الكيفية التي يحكم بها والكيفية التي يصل بها للحكم دون الحاجة لغيره من الأنظمة، أو اللجوء والخضوع للواقع وآلياته وأعرافه وقوانينه.
هكذا طبق رسول الله ﷺ ومن بعده الصحب الكرام الإسلام كاملا بلا تدريج ولا تعطيل، ولم يرد مطلقا أن حكما واحدا نزل على رسول الله ﷺ فتدرج في تطبيقه ولم يبادر إلى تنفيذه مباشرة فور نزوله، هذا ما يجب أن يعيه جيدا كل عامل لتحكيم الإسلام في واقع الحياة وخاصة العلماء.
إن واجب العلماء قيادة الشعوب وتوعيتها على ما يحقق طموحها ويعيد إليها حقوقها وكرامتها وأمنها ورعايتها وما ترجوه من عدل ورقي ورغد عيش، إن كل هذه الأشياء لا تتحقق إلا بالإسلام وتحكيمه كاملا شاملا في دولة الخلافة على منهاج النبوة وإن أي حلول دونها ما هي إلا حلول ترقيعية للنظام الرأسمالي الحاكم الناهب لثروات الشعوب ولن يعالج مشكلات الناس، بل هو حلقة من حلقات خداعهم والالتفاف حول مطالبهم لتثبيت أركان نظامه برؤوس جديدة، ولعلنا نرى ذلك واقعا في تونس واليمن ومصر وليبيا، ولم ينج منها حتى الآن إلا ثورة الشام.
لقد أصبحت ثورة الشام بحق ثورة الأمة الكاشفة الفاضحة التي تنفي خبثها وينصع طيبها، بينما تمكن الغرب من غيرها لسقوط كثير من علماء تلكم البلاد في غَيابت جُبِّ الحكام عملاء الغرب، فشاركوهم في تمييع القضايا وتشويه الإسلام وتقزيمه في مجموعة الحدود، وثالثة الأثافي حثهم الشعوب على الخضوع لما يمليه الغرب وقبول آلياته وأدواته فبدلا من أن يكونوا عينا للأمة تحميها وترعاها، صاروا عميانا يقودونها إلى الهاوية فأسقطوا الأمة في شراك الحكام وساقوها كما تساق الخراف إلى مسلخ الجزار، فتخلوا بذلك عن ميراثهم الذي ورثوه.
وإننا نذكر هؤلاء العلماء بميثاق الله عليهم وميراث النبوة الذي حملوه أن تخشع قلوبهم لذكر الله، وأن يكونوا عقل الأمة الواعي المفكر، حاملين راية رسول الله ﷺ عاملين لاستئناف الحياة الإسلامية في دولة الخلافة على منهاج النبوة التي تحكم في الناس يشرع ربهم وترعى شئون الناس على أساس أحكامه وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، فيرى الناس الإسلام واقعا عمليا مطبقا، نذكرهم الله وميثاقه ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾، فبينوا للناس واجبهم وما فرض عليهم من عمل لهذا، وكونوا قوامين عليهم شهداء بالقسط ولا تبيعوا آخرتكم ودينكم وميراث نبيكم بدنيا هؤلاء الحكام، واعلموا أن ما عند الله خير وأبقى، ففي جنة الله قصور من ذهب وفضة وياقوت وحور عين وخيرات حسان، فلا تضحوا بها بمتاع من الدنيا قليل، فدولة الخلافة التي ستطبق الإسلام قادمة قائمة لا محالة بكم أو بغيركم، فإن تتولوا يستبدل قوما غيركم وأنتم الأخسرون بقعودكم عنها وعن العمل لها مع العاملين، فمن عمل لها فاز وبرئت ذمته أمام الله، ومن تقوم على يده فقد فاز في الدنيا والآخرة، اللهم اجعله قريبا واجعله بأيدينا.
أيها العلماء: من للإسلام إن لم يكن أنتم؟! من لحمل راية رسول الله إن لم تحملوها أنتم؟! من لحمل الإسلام للناس منهج حياة كما حمله رسول الله ﷺ وصحبه إن لم يكن أنتم؟!
نسألكم بالله أن تكونوا في صف الأمة لا في صف عدوها، تفوزوا وتفلحوا وينجيكم الله من غضبه وعقابه، قبل أن يأتي يوم يُقال لكم فيه ﴿وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾، واعلموا أن النصر قادم لا محالة بكم أو بغيركم فكونوا عونا له وأداة من أدواته ولا تكونوا معاول هدم في يد أعداء الله ورسوله وشرعه ودينه، وحسبكم من الله قوله لكم ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾، وإننا وإياكم لأحوج إلى رحمة الله ومغفرته ورضوانه، فاجعلوا بيننا وبينكم ما علمتم من الكتاب والسنة حُكما وحَكما وتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نسمع إلا لما أمرنا به رسول الله ﷺ، حيث قال: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي»، فما انبثق منهما وبني عليهما أخذناه وحملناه ودعونا له الناس وجمعناهم عليه، وما خالفهما نبذناه وتركناه ورددناه، فبادروا وسارعوا وسددوا وقاربوا ورابطوا واتقوا الله لعل الله أن يفتح على أيديكم فتكون أَسَد الناس في الدنيا ومن أكرمهم في الآخرة.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر