- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مسيرة المرأة ووهم التمكين
من ميثاق الأمم المتحدة إلى مؤتمر بيجين
بدأ دعم الأمم المتحدة لحقوق المرأة مع ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945م والذي ينص في المادّة الأولى من فصله الأول في مقاصد الهيئة ومبادئها على: "...تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء". وبعد عام، تم تأسيس لجنة وضع المرأة سنة 1946م وهي عبارة عن لجنة فنية تابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة وتعتبر الهيئة الأساسية الرئيسية المخصصة حصرا لصنع السياسة العالمية فيما يتعلق بالمساواة ما بين الجنسين والنهوض بالمرأة. وتفاديا للنقص الموجود في الميثاق الأممي، عملت لجنة المرأة على ضمان لغة محايدة بين الجنسين في مشروع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948م) الذي شكّل حسب قولهم محطّة هامة في تاريخ الكفاح النسوي حيث مثّل اعترافا واضحا وصريحا بالحقوق المتساوية بين المرأة والرجل. وبما أن الإعلان يقتصر على القوّة المعنوية ويفتقر إلى القوة الإلزامية، أُعلنت فيما بعد ثلاث اتفاقيات خاصة بالنساء وهي اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة، واتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة واتفاقية خاصة بالزواج على التوالي سنة 1952، 1957، 1962م. تلا ذلك إصدار العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية سنة 1966.
كان التركيز أساسا في هذه المرحلة على ضمان المساواة بين النساء والرجال في حقوق الإنسان ولكن اتسم كل ما تمّ إصداره بالصياغة الأدبية التي صوّرت للنساء المدينة الأفلاطونية التي ستؤويهن جميعا وتحميهن دون أي اعتبارات، وبالرغم من التفنن في استعمال المفردات إلا أن تفصيل الأمم المتحدة لم يلبّ جميع المقاسات ولم يكن في مستوى تطلّعات المرأة فلم تتحقق المساواة المنشودة بين الجنسين. ولحفظ ماء الوجه، أرجعوا هذا الفشل إلى تفشّي التمييز ضد النساء وأنه هو الحائل دون تحقيق المساواة لذلك فإن العمل على القضاء على التمييز هو الذي سيطمر الهوّة بين الجنسين. وعلى هذا الأساس صيغت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو "السيداو" و"كوبنهاغن" عام 1979م التي جاءت بعد الإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة 1967م.
وإنه لا يخفى على كل متمعن في موادّ الاتفاقية أنها جاءت لتُخضع الدول وتفرض الرؤية العلمانية لاجتثاث كل ما هو إسلامي خاصة فيما يتعلق بالنظام الاجتماعي، خاصة المادة 2 التي تنص على "إبطال القوانين والأعراف دون استثناء لتلك التي تقوم على أساس ديني، واستبدالها بقوانين دولية" وكلّ هذا تحت غطاء مستقبل أفضل وغد واعد للمرأة.
ولكن قصة ألف ليلة وليلة أبت أن تنتهي، وشهرزاد كلما ظنت أنها وصلت إلى نهاية الحكاية أذّن الديك ولم تبلغ المراد. وكل مرة يتبين فيها إخفاق هذه الاتفاقيات، تُصبّ الذرائع لتسد الخلل، وكل مرّة تخرج دراسات وتقارير تعرب عن خطأ - عن حسن نية - في التشخيص ليتم تمرير مخططات تلو الأخرى.
والمشكل الآن يكمن في أن العنف المسلّط ضد النساء هو أكثر الأشكال تمييزاً ضدهن وهو الذي يعيق تنفيذ اتفاقية "سيداو" وبالتالي تحقيق المساواة بين الجنسين. وفي هذا الغرض، تم الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة سنة 1993م ويكفي أن نلقي نظرة على المادة 4 التي تنص على: "ينبغي للدول أن تدين العنف ضد المرأة فلا تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزامها بالقضاء عليه وينبغي لها أن تتبع بكل الوسائل الممكنة ودون تأخير سياسة تهدف إلى القضاء على العنف ضد المرأة". لندرك أن المقصد واضح فكل مرّة يتم التشديد على أن كل ما تطمح إليه المرأة من رغد عيش وطمأنينة وأمن وأمان لن يتحقق إلا بإزالة عقبة الدين وبالتالي ترسيخ علوية الاتفاقيات الدولية على الأحكام الشرعية. وهذا فعلا ما أريد تحقيقه: تغييب المرجعية الدينية وانتهاك صارخ لتعاليم ديننا الحنيف تجلّى واضحا في وثيقة بكين سنة 1995م التي أباحت الشذوذ، وشرعت ممارسة الزنا - تحت مسمّى الجنس - والإجهاض "الآمن" وطالبت بحق الأطفال في الثقافة الجنسية وتحسيسهم وتدريبهم على تفادي الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيا خاصة الإيدز...
ولتعزيز هذه الجهود، عقدت الأمم المتحدة سلسلة من المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة من أجل تكريس هذه الاتفاقيات والعمل على تنفيذها ومتابعة التزام الدول بها ومن أهمها: المؤتمر العالمي للمرأة الذي عقد في مكسيكو سيتي عام 1975م، ومؤتمر كوبنهاجن - الدانمارك/ 1980م الذي عقد تحت شعار: "عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية: المساواة والتنمية والسلام"، ومؤتمر نيروبي - كينيا/ 1985م، ومؤتمر السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة عام 1994م، والذي دعا في تقريره إلى "إمكانية الحصول على خدمات الصحة الجنسية والتناسلية بما فيها تحديد النسل وذلك حرصا على تعزيز قدرة المرأة على صنع القرار على جميع المستويات، في مجالات الحياة كلها، وبخاصة في مجال الجنس والإنجاب" لإباحة كل أنواع الشذوذ وتقنين الإجهاض. كما اعتبر أن الأسرة لها القابلية أن تتخذ أشكالا عدّة فتخرج بذلك عن الأسرة النمطية المتعارف عليها شرعا! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وما يزيد القلب كمداً، تهافت الدول العربية والدول القائمة في البلاد الإسلامية على هذه السموم بدعوى أخذ ما يلائم الشريعة والتحفظ على ما لا يتوافق معها والسبب لا يخرج عن أمرين؛ إما جهلٌ وبلاهة من هذه الحكومات، وإما تواطؤ منها.. وفي كلا الأمرين هي منقادة صمّاء بكماء عمياء تهوى الذلّة والاستخذاء.
وتتواصل المحافل الدولية مع مؤتمر بيجين 1995م وتوابعه 5+ و10+ و15+ والذي أصّلت وثيقته لمفهوم "الجندر" بعد أن كان عابرا في مؤتمر القاهرة، هذا المفهوم الذي جاء ليلغي كل الفروق البيولوجية بين المرأة والرجل نافيا الاختلاف بينهما مبيّنا أن الذكورة والأنوثة يهبهما المجتمع لمن شاء تصديقا لمقولة النسوية "سيمون دي بوفوار" لا يولد الإنسان امرأة، إنما يُصبح كذلك" منكرا لقوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ﴾.
وتماثل الجنسين وعدم الاعتراف بالفوارق البيولوجية يمكّن آليا من القبول أن تكون المرأة زوجا تتزوج امرأة من نفس جنسها وينطبق الشيء نفسه على الرجل. والغريب، أن كلّ هذا يدخل ضمن مشاريع التنمية وتمكين المرأة!
وقريبا، سيحلّ على الأبواب مؤتمر بيجين +20 في أيلول/سبتمبر 2015م المقبل الذي ذكّته حملة سبقته منذ العام الفارط تحت شعار: "تمكين المرأة تمكينٌ للإنسانية... فلنتخيل معاً!"
لماذا تتخيّل المرأة المسلمة حقوقا أريد بها باطل وقد ملّكها شرع ربها ما يغنيها عن كل هذه القلائل؟ لماذا تسأل التمكين من أوراق تكدّست وصارت مجلّدات وعندها كتاب الله وسنة رسوله إن تشبّثت بهما سِيقت لها الخيرات...؟
إنه لأمر جلل أن يَقبل المسلمون هذه المواثيق والإعلانات والمعاهدات والعهود والبروتوكولات والتوصيات الخاصة بالمرأة التي صدرت وستصدر والمؤتمرات الدولية المتعلّقة بالمرأة التي عُقدت وستعقد والتي تحمل عبارات مطاطة تسقطها في كل مكان وزمان من مثل المساواة وتكافؤ الفرص والتمكين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والتنمية... فمتى كان الإسلام ينظر للمرأة بعين وينظر للرجل بالعين الأخرى وقد قال سبحانه وتعالى: ﴿أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ﴾؟!
إن الإسلام نظام حياة شامل عظيم، ومن أراد النهوض بوضعية الإنسان ومنها وضعية المرأة فليعمل لأن يُحكم بالإسلام لا أن يُحكم عليه لقلع النظام العلماني الذي يؤسس للنظرة الفردية بعيدا عن كل الروابط فتبرد العلاقات وتتغرب المشاعر عن الأفكار ويغرّب النظام الرباني الذي جاء للعباد من لدن لطيف بهم خبير بمصالحهم.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
م. درة البكوش