الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
حين ﻻ تتعدى المساواة بين الجنسين دائرة "... فلنتخيل معا"!!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

حين ﻻ تتعدى المساواة بين الجنسين دائرة "... فلنتخيل معا"!!

 

 

تطرح الجمعيات النسوية والأمم المتحدة ومؤسساتها، تمكين المرأة ومساواتها بالرجل كحل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعاني منها، فيجعلونهما محوراً للاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة كاتفاقية سيداو، وهدفاً رئيسياً في الخطط الإنمائية التي يعدونها، كما يقومون بإطلاق حملات من أجل تعزيز مفهوم المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ومن آخر هذه الحملات حملة "تمكين المرأة، تمكينٌ للإنسانية فلنتخيل معاً!"، والتي أطلقتها الأمم المتحدة بمناسبة مرور عشرين عاماً على مؤتمر بيجين، وهو المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، "العمل من أجل المساواة والتنمية والسلام" الذي عقدته الأمم المتحدة في بكين في أيلول/سبتمبر، والذي كان بمثابة خارطة طريق وقعت عليها 189 دولة من أجل تحسين حقوق وحياة النساء من خلال دعم كفاحهن للوصول إلى المساواة بين الجنسين. وقد حدد إعلان بيجين 12 مجالاً حيوياً للاهتمام، من ضمنها الفقر والعنف وحقوق التعليم والصراع المسلح والسلطة واتخاذ القرارات. وقد وصفته الأمم المتحدة بإعلان تاريخي يمتلك "رؤية واضحة لتمكين النساء" ويجسد "الإطار الأكثر شمولاً للسياسة العالمية، وبرنامج عمل... لتحقيق المساواة بين الجنسين وحقوق النساء والبنات في كل مكان".


والسؤال الذي سنحاول الإجابة عليه في هذه المقالة هو، بعد كل الاتفاقيات والحملات والنشاطات التي أطلقت لتمكين المرأة ومساواتها بالرجل، وبعد توقيع معظم دول العالم على هذه الاتفاقيات، وجعل موادها جزءاً من دساتيرها، هل تحققت المساواة بين الجنسين على أرض الواقع؟ وهل نجح دعاتها في إنصاف المرأة وتحقيق الحياة الكريمة لها؟


سنحاول الحصول على إجابة شافية على هذا السؤال من خلال نظرة فاحصة لحال المرأة في العالم، وذلك بإيراد بعض الإحصائيات والشهادات لناشطين وباحثين مهتمين بقضايا المرأة، وكذلك سنعرض نماذج لدول تعتبر رائدة في مجال تحقيق المساواة وحقوق المرأة.


بالرغم من مرور عقدين من الزمن على عقد مؤتمر بيجين إلا أن هيئة الأمم المتحدة تقرّ بأنه لا يمكن لأي بلد أن يدّعي أنه حقق المساواة بين الرجال والنساء، وأنه فشل في تحقيق هذه المساواة وقد أكدت ذلك المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة (فومزيلي ملامبو نكوكا)، حيث قالت: "إن العالم لا يزال بعيدا عن تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة والفتيان والفتيات"، وأضافت إنه لا يوجد بلد واحد وصل إلى التكافؤ والمساواة بين الجنسين. وقالت أيضاً بأنه: "في جميع مناطق العالم، وفى جميع البلدان، النساء لا زلن يعانين من التمييز لأنهن إناث، حيث إن هناك عدم مساواة في الأجور وعدم تكافؤ الفرص في العمل، وضعف تمثيل القيادات النسائية في القطاعين العام والخاص، واستمرار زواج الأطفال، والعنف الذي تعانى منه واحدة من بين كل ثلاث نساء على مستوى العالم، بعدد يتجاوز كل سكان أوروبا."


وهذه إحصائيات نشرتها الأمم المتحدة بمناسبة مرور 20 عاماً على مؤتمر بيجين على هذا الموقع (http://beijing20.unwomen.org/en/infographic/human-rights) تبين عدم تحقق المساواة بين الرجل والمرأة، وتظهر الأوضاع المأساوية التي تحياها المرأة في العالم، فمثلاً في أكثر من 60 بلداً تُمنع النساء من حق اكتساب أو تغيير أو تجديد الجنسية، بما في ذلك منحها للزوج / الزوجة غير الحامل لهذه الجنسية، مما يعني عدم القدرة على التمتع بالحقوق المدنية ذاتها التي يحظى بها الرجال، والحرمان من الخدمات المقدمة للرعايا كالسكن والانتخاب والعمل وتملك الأراضي وحق الملكية بشكل عام، إضافة للاستفادة من الخدمات العامة الأخرى كالتعليم والرعاية الصحية، وفي 83 دولة تم تقييمها تحصل النساء فيها على أجور أقل بنسبة 10_30% مما أدى إلى نسب فقر مرتفعة تنتشر بين النساء، واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تتعرض لعنف جسدي أو جنسي من شريكها المقرب، وغيرها من الإحصائيات التي لا يتسع المقام لذكرها.


ولنأخذ الآن أمثلة على حال المرأة في دول يدعى أنها رائدة في مجال حقوق المرأة، ويطالب البعض باتخاذها نموذجاً يحتذى به، ففي أمريكا لا تزال المرأة تعاني من التمييز وعدم المساواة في الأجور، حيث أشار خبراء إلى أن الأجر الذي تحصل عليه المرأة الأمريكية لن يتساوى مع الأجر الذي يحصل عليه الرجل عن نفس العمل إلا بعد 40 عاماً، إذا ظل معدل تحسين الأجر عند مستواه الحالي، وهي قضية أبرزها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد الذي ألقاه في 28 كانون الثاني/ يناير 2014، حيث دعا إلى إجراء تغيير في السياسات حتى يتم سد هذه الفجوة في وقت أقرب. وقال: "المرأة تستحق أجراً مساوياً عن العمل المساوي"، وأضاف أن الوقت قد حان للتخلص من سياسات ترجع إلى حقبة الستينات. وتشير الإحصاءات إلى أن المرأة التي تعمل بدوام كامل تحصل على 77% مما يحصل عليه زميلها الرجل. ويقول خبراء العمل والمدافعون عن حقوق المرأة إن هذا الفارق دفع بمزيد من النساء إلى براثن الفقر بالرغم من وصولهن إلى مستويات تعليم عالية.


وهذه شهادة من الكاتبة الأميركية (Jessica Valenti) مؤسسة حركة فيميناشين، عن المساواة في المجتمع الأمريكي، حيث تقول في مقالها «لا تزال مساواة المرأة في الولايات المتحدة وهماً!»: «لا أعارض هنا إدانة الأعمال الوحشية التي تتعرض لها النساء في الخارج، ولكن الكثير منا في الولايات المتحدة تجاهل الظلم الذي تتعرض له نساؤنا، إن النساء الأميركيات يعانين تحت ظل الوهم الجماعي أن المرأة في أميركا قد حققت المساواة، ولكنا في الواقع نحتفل بلحظة (قوة وانتصار المرأة التي لا وجود لها، إنه سراب المساواة الذي خدعنا بأنه الحقيقة، ورغم الانتصارات التي حققتها المرأة على مر السنين، فإن النساء ما زلن يتعرضن للاغتصاب والاتجار بأجسادهن والانتهاك والتمييز العنصري. لقد حان الوقت لنوقف خداع أنفسنا ونصرخ بقوة (النساء في هذا البلد لا يتمتعن بالحقوق التي نعتقد أنها أصبحت من المسلمات).


أما الدول الإسكندنافية، التي تصنف بأنها الدول الأكثر مساواة بين الجنسين حسب مؤشر الأمم المتحدة لعدم المساواة بين الجنسين لسنة 2011 والمنتدى الاقتصادي العالمي في 'تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين' لسنة 2013، فقد جاءت في مقدمة الدول الأوروبية التي تتعرض فيها النساء للعنف، فقد كشف تقرير للاتحاد الأوروبي الذي صدر عام 2014 بأن ثلث النساء في دول الاتحاد - أي حوالي 62 مليون سيدة - تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي منذ عمر الخامسة عشرة. وتوصل التقرير إلى أن واحدة من بين كل عشر سيدات تعرضت لصورة من العنف الجنسي منذ سن الخامسة عشرة، وأن واحدة من بين كل عشرين تعرضت للاغتصاب، وكانت الدول التي شهدت أعلى نسب من العنف ضد النساء هي الدنمارك بنسبة 52%، وفنلندا بنسبة 47%، والسويد بنسبة 46%.


وفي السويد أيضاً فإن النساء لا زلن يتلقين أجورا أقل من الرجال وتقدر الفجوة في الأجور بين الجنسين بحوالي 15%. ووفقا لكاترين حكيم وهي عالمة اجتماع بريطانية بارزة ومتخصصة في قضايا المرأة وتشغيل المرأة، فإن 75% من النساء في السويد يعملن في القطاع العام الذي هو عادة أقل أجرا وأدنى مؤهلات في سوق العمل. هذا عدا عن معدلات القتل والاغتصاب المرتفعة، وكذلك نسبة الولادات خارج إطار الزواج (55% في السويد و54% في النرويج، وفقا للمركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها).


وفي تونس التي يكرّس دستورها المساواة التامة بين الجنسين، وتنشط فيها الحركة النسوية، ويحتفل فيها بعيد المرأة في شهر آب من كل عام، فإن وضع المرأة فيها ليس على مستوى ما يروج لها من انتصارات وحقوق وحياة رغيدة، لا في عهد حكومات ما قبل الثورة ولا فيما بعدها، فقد ورد في النشرة الإحصائية الخاصة بالثلاثي الأول لسنة 2015 والصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس في منتصف شهر حزيران بأنّ نسبة البطالة عموما في صفوف الإناث قد بلغت 21.6% مقابل 12.5% عند الرجال وأنّها تصل إلى 39% في صفوف صاحبات الشهادات العليا!! وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة الأمية عند النساء في تونس تبلغ 28,2%، ونسبة الفقر في تونس تجاوزت 24,5% والعنوسة 62%، والطلاق حدث ولا حرج وغيرها الكثير من النسب التي إن دلت على شيء فهي تدلّ على فشل ما زعموا أنه مكتسبات "مجلة الأحوال الشخصية وما تلاها" في حل مشاكل المرأة، هذا عدا عن المرأة الريفية وما تكابده من شقاء وعناء، وما تمارسه الدولة على النساء من عنف وقمع وأعمال تعسفية.


وبعد هذا العرض الموجز لحال المرأة في العالم خاصة في الدول التي تعتبر نموذجاً يحتذى في مجال حقوق المرأة، يتبين لنا أن دعاة المساواة بين الجنسين قد فشلوا في تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة لها، وأنها ليست الحل لما تعانيه من مشاكل، فالذي تسبب في حياة البؤس والشقاء التي تحياها المرأة هو النظام الرأسمالي وما جره من ويلات على العالم، والدعوة للمساواة انطلقت من الغرب بفعل الظلم الذي أحسَّت به المرأة، حيث كانت مهضومة الحقوق، معزولة عن حركة المجتمع، لا يُلتفت إليها ولا يُلقى لها بال، فلمّا طالبت بحقوقها، اتّخذت فكرة المساواة كطريق لتحقيق مطالبها، ونودي بالتسامح معها، ولن تنتهي معاناة المرأة وشقاؤها إلا بالتخلص من النظام الرأسمالي، وتطبيق أحكام الإسلام في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فهذه الأحكام هي التي ستضمن تحقيق السعادة والهناء للمرأة والرجل على حد سواء لأنها من عند الله، اللطيف الخبير، الذي يعلم ما يصلح لعباده.


﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم براءة مناصرة

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع