ها هو رمضان يمضي، وعيد الأمة لم يأتِ!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
مضى الشهر سريعاً وارتحل، حاملاً معه حال أمةٍ يرثى لها، حالٌ يخبر عنها المتندرون على مواقع التواصل على سبيل السخرية من الواقع المؤلم إذ صار رمضان حسب المتداول شهر الفُرجةِ وقد كان شهر الفرج، صار شهر \"اللحمة\" بدل الرحمة، شهر \"الطلعات\" بدل الفتوحات والانتصارات. مضى الشهر سريعاً وقد كُنَّا ندعو قبيل قدومه أن يكون مختلفاً عمَّا سبقه من أعوام بئيسة مضت من عمر الأمة بغياب خلافتها، مضى ليحمل أعمالنا صالحها وطالحها حسنها وسيئها.
مضى رمضان وكان لكل مجتهد نصيبه، ذا صائمٌ قائم وذا مجتهدٌ في التلاوة والتدبر، وذا يصلُ رَحِمَه ويكتم غضبه؛ وكم من عادات سيئة تبدَّلت في الشهر وتغير أصحابها لكنَّ الأمة بقيت في حالها حزينة مكلومة لم يلتفت أحدٌ لجراح اليتامى يمسحها وقد أضحت أمتُّنا يتيمة بلا أبٍ للعيال (الخليفة) ولا أمٍّ رؤوم تمسح الدموع (الخلافة)، ولا من يَصِلها من أبنائها فيذود عن الحياض، ولا من يطبق القرآن ويقيم حدوده، ولا من يقوم بحقِّ الله في قول الحق ودرء الباطل إلا قليل!
كان السلف الصالح إذا مضى رمضان بكوه، وهم من هم! فكيف بحالنا وقد صرنا لا ندري أقُبِلنا فنُهَنَّى أم لا فنُعَزَّى!
قال ابن رجب: في (لطائف المعارف 323): بعض السلف كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم. وقد خرج عمر بن عبد العزيز رحمه الله في يوم عيد فطر فقال في خطبته: أيها الناس إنكم صمتم لله ثلاثين يوما وقمتم ثلاثين ليلة وخرجتم اليوم تطلبون من الله أن يتقبل منكم. هذا وهم قد طبَّقوا الإسلام كاملاً فأقاموا حدوده ووقفوا عند أحكامه فما تجاوزوها.
والعجيب أن تنتشر في الأمة مظاهر البذخ والفرح والترف بينما هي تنزف من الوريد إلى الوريد، فلا تقوم للتغيير ولا إنكار المنكرات المفروضة عليها من مهرجانات الفسق والإفساد التي تنظمها الأنظمة الجبرية، ومسلسلات العيد التي يبثها إعلام الحكام الذي لم يراعِ حرمة رمضان من قبل ليراعي حرمة العيد، في وقتٍ تُهدِّم فيه روسيا مساجد المسلمين فيها، وتمنع الصين المسلمين من الصيام وإظهار الشعائر الإسلامية حتى فرحة العيد تقتلها، وفي بلاد أخرى يمنع بيع الحجاب والنقاب، وتُسجن الحرائر في الشام وأوزبيكستان فلا تجد معتصماً يغضب لها، وتمر ذكرى محنة البوسنة والهرسك فلا تجد من يذكر إلا عابري سبيل يلجأون للأمم المتحدة لمعاقبة الجلادين وقد كانت أحدهم. ومن ثمَّ فجراح الأمة تبقى مفتوحة تسيل فلا تجد من يوقف النزف ويلم الجراح، بل ترى حكامنا يرقصون على جراحنا، يطربون على أنين معذبينا كالسكارى في مشهد يفضح التناقض التام بين حكام الأمس وحال الأمة في رمضان الأمس وبين حكام اليوم وحالنا في رمضانَ اليوم!
يأتي العيد ولا عيد ولا جديد، فالأمة في تعبٍ ونصبٍ أشدَّ مما سبق، معظم أبنائها غيَّرهم رمضانُ شهراً وأعادهم العيد للوراء دهراً! كأنَّ للطاعات موسماً محدداً اسمه رمضان، ولقد ذَمَّ السلفُ هذا الصنف من الناس، وهذا النوع من الأجناس، قيل لبشر الحافي: إنَّ قومًا يَجتهدون ويتعبدون في رمضان، فقال: \"بئس القوم الذين لا يعرفون اللهَ إلاَّ في رمضان، إن الصالح يجتهد ويتعبد السَّنَةَ كلها\". نسأل الله أن يغير الحال لأحسنه، ويهدي الأمة لأرشد أمرها للعمل لتحكيم شريعة الله وأحكامه، جدَّاً واجتهاداً كما لو كانت السنة كلُّها رمضان، ليكون العيد عيداً بحقِّ.
إنَّنا نريد للمسلمين الذين يبكون فراق رمضان أن يكونوا ربَّانيين لا رمضانيين، فإن رمضان ذاهب والله حيٌّ باقٍ، نريد أن تبقى أجواء رمضانَ وتبقى المشاعر الإسلامية هي المُسيِّر والحلال والحرام هو الميزان، والعقيدة الإسلامية هي القاعدة الأساسية والمرجع الوحيد للأعمال والأقوال. أن ندَع قول الزور والاحتكام لأنظمة الزور، أن ننبذ عنَّا العصبية الجاهلية والحدود الوطنية القومية، أن نبقى إخوة متحابين تجمعنا العقيدة الإسلامية ولا تفرقنا رايات قطرية وضعها سايكس وبيكو، أن نقرأ القرآن ولا نهجره، ونسعى ليكون القرآن موجوداً واقعاً حياً في حياتنا غير مهجور فنقرأ آيات الزكاة وعامل الخليفة يجوب الطرقات لا يجد من يأخذها، نقرأ آيات الجهاد ونسمع إذاعات التلفزة تبث أخبار فتح أوروبا وأمريكا معقل الرأسمالية وتدك قصور روسيا والصين معقل الشيوعية، أن نقرأ آيات الزواج والطلاق ونلمسها واقعاً حياً في أحكام المحاكم واختفاء العوانس وانخفاض معدلات الطلاق وازدهار المجتمع الإسلامي بالعلاقات الاجتماعية السليمة القائمة على الطهر، أن نقرأ عن تكريم الله للنساء فنرى نساء المسلمين مكَرمات مصونات، أن نقرأ أوامر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتطالعنا الأخبار عن أبناء الأمة وهم يحاسبون الخليفة وينصحون للولاة وأن نرى علماءنا يجهرون بالحق دون خوفٍ على حياتهم!
لسنا نحلُم لكنَّنا نرنو بأعيننا لبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال «بشِّر هذه الأمة بالسَّنا والتمكين» ونرى وعد الله سبحانه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ﴾.
ومن أراد هذه الحياة واشتاق لعيدٍ تفرح فيه الأمة، ورمضانَ يُعبد الله فيه بحقٍ دون فساد ولا منكرات فعليه أن يشمر عن ساعده بل ساعديه ويعمل مع العاملين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة.
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ [الرعد: 11]
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ [النساء: 175]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: بيان جمال