الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
المرأة والتعليم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المرأة والتعليم
"50 -50" لم ولن تتحقّق يا بكين ولو في 2030
(ضمن ‏حملة‬ بكين +20 - إخفاق في تأمين ‏حقوق المرأة‬)

 

 


"من أجل عالم 50-50 في 2030 فلنتخذ الخطوات لتحقيق المساواة بين الجنسين" شعار عريض وجذّاب رفعه مؤتمر بكين الذي انعقد سنة 1995 حتى يظهر للعالم أنّه يعمل جاهدا على إنصاف المرأة وإعطائها حقوقها المسلوبة بل ومساواتها بالرجل وجعلها له ندا لندّ في كلّ المكاسب. ولعلّ التعليم من أبرز النقاط المطروحة على طاولة مباحثاته ونقاشاته لما له من أثر على فكر الإنسان وعلى تكييف سلوكه، لذلك وجّه القائمون على هذا المؤتمر اهتمامهم نحو هذا المجال وأسهبوا في البحث فيه وركّزوا عملهم عليه حتّى يتحقّق الهدف من عقد المؤتمر وحتّى يكون ذلك خطوة ثابتة من بين خطواته نحو "المساواة بين الجنسين 50- 50".


أيّام قليلة مرّت على احتفال اليونسكو باليوم العالمي للمعلّمين وتحديدا يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر. أقيم بهذه المناسبة حفل افتتاح في مقرّ اليونسكو بباريس ألقى خلاله تشيان تانغ المدير العام المساعد للتربية لليونسكو خطاباً تلته حلقات نقاش وموائد مستديرة بشأن التعليم في عام 2030 وأهمّيّة التّعليم في مرحلة الطّفولة المبكّرة. ولئن كان موضوعنا يتمحور حول تعليم المرأة وفشل بكين في تأمينه إلاّ أننا ارتأينا أن نعرّج على التّعليم في الطّفولة المبكّرة وكيف وجّه مؤتمر بكين أنظاره نحوه وركّز عليه اهتمامه لأنّ له الأثر الكبير في التعليم وتعليم المرأة على وجه الخصوص، وسينجلي ذلك بالتّحليل والتّبيين ولعلّ خير دليل على أهمّيّة الأمر هذا اليوم العالمي الذي أُحدِث للمعلمين باعتبارهم حجر أساس لتنفيذ مشروعهم "النبيل" وبه يمكن ترسيخ مفاهيم عند الأطفال عبر تعليمهم وغرسها في ذاكرتهم حتى يصنعَ منهم الأجيال التي يريد.


اتجهت الأنظار إلى الطفولة المبكّرة وخاصّة إلى الفتاة، وضُرِبت في المجتمعات فكرة تحريم اختلاط الذكور بالإناث وجُعِل التعليم المختلط إلزاميا وكُسِرت الحواجز بين الجنسين وتذرّع القائمون على ذلك بضرورة العمل على تلافي الأضرار النّاجمة عن الكبت الجنسي وأكّدوا أنّ الاختلاط هو السبيل لذلك.


لقد رفعت اليونسكو شعار بناء السلام في عقول الرجال والنساء، رفعته لأنّها تعلم جيدا أنّ العقول هي من تنهض بالأمم لهذا ركّزت جهودها على أن تصنع عقولا تفكّر حسب الطريقة التي تضعها هي وتطبّق المفاهيم التي تريد نشرها، ذلك أنّ تعليم الإناث من وجهة نظر خبرائها له نكهة بمذاق خاص لأنّه سيحقّق مكاسب عديدة سيكون لها الأثر البليغ على المرأة والأسرة والمجتمع، ومن بين هذه المكاسب 1- إطلاق الطاقات الإبداعية الكامنة لديهنّ والتي حسب رأيهم قد كُبِتت جرّاء الثقافة الذكورية والعادات والتقاليد التي حصرتهن في وظيفة الإنجاب والعمل المنزلي. 2- زيادة الإنتاجية الاقتصادية لهنّ وزيادة دخول أسرهنّ. 3- سيكون لذلك أثر على صحتهنّ وصحّة أفراد عائلاتهنّ ويرفع من معدّلات البقاء على قيد الحياة، وأخيرا سيمتلكن القدرة للسيطرة على قراراتهنّ ويمكّنهنّ من رسم حياتهن التي ينشدنها ويأملنها.


من يتأمّل في طبيعة هذه المكاسب يلاحظ من الوهلة الأولى أنّها تسعى لإخراج المرأة من سلطة الرّجل وتخليصها من تبعيّته وبذلك تجعلها في علاقة صراع مع الرجل (الأب - الأخ - الزوج) للحصول على هذه الحقوق وتحقيق المساواة معه وهو ما يتنافى مع طبيعة كليهما ويخالف طبيعة العلاقة التكاملية التي تجمعهما والتي فطرا عليها.


على هذا الوتر عزف هؤلاء ليمرّروا مخطّطاتهم وينفثوا سمومهم دون أن يَلقَوْا إعراضا من الشّعوب التي تقبّلت طوعا أو كرها ضرورة أن يكون التّعليم مختلطا. فهل للمرء في ظلّ الأنظمة الرأسمالية الحقّ في أن يقول لا لتعليم ابنتي ضمن نظام تعليميّ مختلط؟ طبعا لا، فالنّظام كلّه يدعم هذا التوجّه ويكرّس المؤسّسات والبرامج لتحقيق ذلك وتنفيذ إملاءات الغرب وشروطه!


من بين هذه السموم التي ينفثها أصحاب هذا المشروع الثقافة الجنسية فيعملون على تحقيقها حتى تصبح أمرا مألوفا وعاديا خاليا من أيّ قيود شرعية، فوثيقة بكين المخصّصة للمرأة والخاصة بها تدعو إلى فتح الباب على مصراعيه للإباحية الجنسية وإعطاء المرأة مطلق الحرية للحمل خارج إطار الزواج، وكذلك الحق في الإجهاض، كل ذلك تحت عنوان مساواتها بالرجل وتمكينها.


تؤكّد المادة 108 من هذه الوثيقة على وجوب إدراج تعليم الجنس الآمن safe sex في المناهج التعليمية بالنسبة للأطفال حيث تنصّ المادّة على ضرورة "تصميم برامج محددة موجهة للمراهقين والرجال من جميع الأعمار؛ تهدف إلى توفير معلومات كاملة ودقيقة عن السلوك الجنسي والإنجابي المأمون والمسؤول بما في ذلك الاستخدام الطوعي لوسائل الوقاية الذكرية المناسبة والفعالة؛ بغية الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز". كما تنادي الوثيقة بـ"إزالة الحواجز القانونية والتنظيمية والاجتماعية التي تعترض التعليم في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في إطار برامج التعليم الرسمي بشأن مسائل الصحة النسائية".


وتطالب الحكومات بالاهتمام بتلبية الحاجات التثقيفية والخدمية للمراهقين ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي في حياتهم معالجة إيجابية ومسؤولة، وبحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة لهذا الحمل وتدعو إلى سنّ قوانين للتعامل مع حمل السِّفاح، لتكون هذه القوانين وثيقة دخول الحامل للمستشفى دون أن تتعرّض الفتاة إلى مساءلة حول حملها. وتخييرها بين رغبتها في الإجهاض، أو الإبقاء عليه فتلزم سلطات الرعاية الاجتماعية برعايتها، فإن لم ترد تربيته يدفع به لدور الرعاية.


ونودّ الإشارة هنا إلى أنّنا عرّجنا على تعليم الأطفال لا لحشو المعلومات وإنّما للتدليل على ما لهذا الأمر من أهميّة في حياة الفرد والمرأة بالخصوص التي إن ترعرعت على هكذا ثقافة وعلى هكذا مفاهيم فماذا سيكون مآلها؟ وماذا يُنتَظر من امرأة تعلّمت وتخرّجت بمثل هذه المفاهيم؟


يقدّر معهد اليونسكو للإحصاء أنّ بلدان العالم ستحتاج إلى توظيف 10.9 مليون معلم للمرحلة الابتدائية من أجل تعميم التعليم الابتدائي بحلول عام 2020 ويدلّ هذا الأمر على أنّ أزمة تعليم عالية تلوح في الأفق وستندلع هذه الأزمة ما لم نشمّر عن سواعدنا، وأدرك قادة العالم إبّان المنتدى العالمي للتربية لعام 2015 الذي عقد في إنشيون بجمهورية كوريا أنّ الأزمة وشيكة.


لقد تأكّدوا أنّ الأزمة على الأبواب وأنّ جهودهم المبذولة تسفر عن فشل ذريع، ولهذا يجتمعون ويكتبون التقارير والرسائل ليخطّوا عهودا ووعودا لم ولن تتحقق!!...


إنّ السعي المتواصل والخُطا الحثيثة التي ينادي بها جميع من يقوم على هذه الوثيقة ويدعو إلى تثبيت بنودها وتحقيق أهدافها لدليل على أنّ المشروع مدروس وأنّ تنفيذه هو مطلبهم وأنهم جميعا يعملون على أن يكون واقعا لا وهماً، إلا أنّ فشلهم في ذلك وفي تحقيق أهدافهم بات حقيقة تنطق بها الأرقام والحقائق. وها هم يجدّدون الالتزام بعد فشل تحقّقه وعدم قدرتهم على الوفاء بهذا الوعد الوهميّ، فها قد حلّت سنة 2015 ولم يصبح "التعليم للجميع" - كما هتفوا لذلك طويلا - وأشرفت على الانتهاء وقد أظهرت خداعهم وزيف وعودهم، وما زال "58 مليون طفل في العالم خارج المدرسة... كل واحد من هؤلاء الأطفال يمثّل تذكيرا مؤلما بوعد لم يتحقّق يقضي بتعميم التعليم الابتدائي في الموعد الأصلي المحدد في عام 2015" (تقرير معهد اليونسكو للإحصاء واليونيسيف "تجديد الالتزام بوعد التعليم للجميع") ويؤكد هذا النكث للوعد ما جاء في تقرير الرصد العالمي 2014 أنّه "من المحتمل أن لا يدخل 15 مليون فتاة و10 ملايين فتى المدرسة على الإطلاق".


لقد وعدت هذه المواثيق وسجّلت بنودا ونقاطا للتنفيذ ونادت بالالتزام بها وأوجبت تعميم مراعاة قضايا المساواة بين الجنسين في مختلف مراحل التخطيط التربوي، بدءاً من تخطيط البنية الأساسية، ومروراً بإعداد المواد التعليمية وانتهاء بالعمليات التعليمية ذاتها. وأكّدت على أنّ المشاركة الكاملة والمتكافئة للنساء ضرورية وأساسية لكفالة مستقبل مستدام، وذلك لأنّ أدوار الجنسين يمليها المجتمع ويجري تعلّمها من جيل إلى آخر، وتشير إلى أنّ تمكين المرأة أداة لا غنى عنها للنهوض بالتنمية والحد من الفقر، كما أنّ عدم المساواة بين الجنسين يقوّض قدرة المرأة والفتاة على ممارسة حقوقهما، فبهذه المساواة يحصل تكافؤ الفرص فيما بينهم في الالتحاق بالمدارس وتكافؤ الفرص في أثناء القيد بالمدارس.


كما أكّدت مجموعة العمل المفتوح بالأمم المتحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على أهمية المساواة بين الجنسين في التعليم، ومن أهم الأهداف التي شدّدت عليها "القضاء على أيّ مفهوم نمطي عن دور الرجل والمرأة وعلى جميع مستويات التعليم وفي جميع أشكاله عن طريق تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم" كما ذكرت عدة أهداف ستعمل على تحقيقها ضمن برنامجها المرسوم.


ولنا أن نذكر مثالين من هذه الأهداف - على سبيل الذكر لا الحصر - بيّنت الحقائق والأرقام فشل المجموعة في تنفيذهما وجعلهما حقيقة يثبتها الواقع:


الهدف 4: تحقيق تحسين بنسبة 50 في المائة في مستويات محو أمية الكبار بحلول عام 2015، ولا سيما لصالح النساء، وتحقيق تكافؤ فرص التعليم الأساسي والتعليم المستمر لجميع الكبار..


هدف موعود ولكنّ إحصاءات المعهد تشير إلى أنّ واحداً من أصل خمسة كبار عبر العالم، أي ما يقارب 860 مليون شخص، لا يزالون من الأميين، وثلثاهم من النساء.


الهدف 5: إزالة أوجه التفاوت بين الجنسين في مجال التعليم الابتدائي والثانوي بحلول عام 2005، وتحقيق المساوة بين الجنسين في ميدان التعليم بحلول عام 2015، مع التركيز على تأمين فرص كاملة ومتكافئة للفتيات للانتفاع والتحصيل الدراسي في التعليم أساسي جيّد.


ولكنّ التفاوت بين الجنسين لا زال قائما وما زالت نسبة الأميّة في صفوف الفتيات ضعف ما هي عليه عند الذكور، بل لعلّها أكثر في عدّة دول، فبحسب ما أوردته الشرق الأوسط في عددها 9048 الصادر في 6 أيلول/سبتمبر 2003 فإنّ نسبة الأميّة في الدول العربية وصلت عام 2000، إلى 40% حيث شكّلت نسبة الذكور أقل قليلا من 30%، ونسبة الإناث حوالي 52%.


وكانت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو) قد قدمت تقديرات بداية عام 2003 لأعداد الأميين في العالم العربي، وصلت إلى ما بين 60 و70 مليون أمي وأمية، وذلك رغم الجهود التي ظلت تبذل لعقود لمكافحتها. وأشارت تقديرات معهد اليونسكو للأمية بين الكبار لمجموعة مختارة من الدول العربية لعام 2000 إلى تسجيل نسبة عالية للأمية:


- في موريتانيا وصلت إلى 60%، بنسبة 50% للذكور و70% للإناث.


- وتلاها المغرب بمعدل 51% تقريبا (38% للذكور، 64% للإناث)،


- ثم مصر بمعدل 44% (32%، للذكور 56% للإناث )،


- ثم السودان 42% (31% و53%)،


- والجزائر 33% (24% و42%)،


- وتونس 29% (19% و39%).


ولعلّ هذه النسب التي سجّلت في تونس تفنّد كلّ التّصريحات التي ترفع من شأن المرأة في تونس وما حققته من إنجازات وما تحصّلت عليه من حقوق وحريات جعلتها مثالا للمرأة المناضلة المتعلّمة، وها هي الأرقام الرّسمية تشير إلى أنّها لا زالت تحيا بعيدا عن المساواة والمناصفة مع الرجل؛ فالأمية في صفوف الإناث 39% ضعف ما عليه في صفوف الذكور 19%، وهذا صفعة في وجه الجمعيات النسوية ودعاة تحرير المرأة لترويجهم تحقيق إنجازات لا حقيقة لها.


أعاد المشاركون في هذا المؤتمر تأكيد أنّ "التعليم يشكّل حقا أساسيا من حقوق الإنسان"، ويتعيّن وضعه في طليعة جدول أعمال التنمية العالمية للفترة ما بين عام 2015 وعام 2030. وقد تعهّدوا بتعزيز الدعم الدولي للهدف الشامل المتمثل في "ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل والتعلّم مدى الحياة للجميع بحلول عام 2030"، والذي يوفر مرجعا متينا للمفاوضات بشأن جدول أعمال التنمية لما بعد عام 2015 بحيث يسلط الضوء على مكوّن تعليم قوي قائم بحد ذاته.


ولكن تأبى الحقائق والوقائع إلا أن تطفو وتظهر جليا، وتؤكّد تصريحاتهم ويشهد الشاهدون من أهله بعجز بكين وفشله في تحقيق الأهداف المرسومة وفي السير وفق الخطوات التي وضعها؛ فها هي المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في خطاب لها ألقته في 8 أيلول/سبتمبر 2015 بمناسبة اليوم الدولي لمحو الأميّة تؤكّد أنّه "لا يمكن أن نسمح باستمرار هذا الوضع؛ ذلك أنّ محو الأمية يشكّل العامل الأساسي لبلوغ هدف التنمية المستدامة المتمثل في "ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل والتعلم مدى الحياة للجميع".


كما أنّه ورغم ما شهدته دول العالم وخاصة العربي على مدى عقود من اتّجاهات داعمة لتعليم المرأة، إذ ارتفعت نسب تسجيل الإناث في المرحلة الابتدائية وتقلّصت فجوة معدّلات التحاقهنّ بالمرحلة الثّانوية وزاد عدد الملتحقات بالتّعليم العالي، إلا أنّه رغم كلّ ذلك ما زالت نسبة مهمّة من البنات محرومات من حقّهنّ في التّعليم.


يطلق كلّ مدقّق يتناول وثيقة بكين بتمعّن وموضوعيّة صيحة فزع لأنّها تعتبر مصيبة حلّت على دول العالم عامّة والمسلمين خاصّة؛ إذ اعتُبِرت بعد توقيعها من قبل 183 دولة "مقررات بكين" فأصبحت بذلك الأساس الذي ترتكز عليه المرجعيّة الكونيّة وصارت بذلك توصيات ملزمة للدول وللحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة.


فتقوم الأمم المتحدة بكل هيئاتها ومؤسساتها بتنفيذ ما جاء فيها بما في ذلك المراقبة والمتابعة لمدى التزام الدول والحكومات بها، كما أنّ المنظّّمات غير الحكوميّة تمثّل قوّة ضغط في دولها لمراقبة التزام هذه الدول بقرارات الأمم المتحدة وتوصيّاتها ومتابعة ذلك، وهي في دولها بمثابة "جواسيس للأمم المتحدة".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أكذوبة "الإلزامية في الاتّفاقيات الدّولية" التي يروّجونها وتتذرّع بها ناشطات الحركات النسويّة في البلدان العربية والإسلامية ويستخدمنها للضغط على الحكومات لإحداث تغييرات تشريعية وسياسية تتّفق مع مقررات بكين، إن هي إلا ورقة يلعب بها هؤلاء لكسب الرّهان والنّجاح في مشروعهم.


فمن السخرية أن يتحدّثوا عن إلزاميّة في الاتّفاقيّات الدّوليّة والعالم يشهد عدم امتثال أمريكا وكيان يهود للاتفاقيّات الدولية ولقرارات مجلس الأمن وهي كلّها أقوى من مقرّرات بكين، ولهذا ينبغي التحرّر من أكذوبة الإلزامية هذه...


محزن ما نحن فيه ومؤلمة حقيقة واقعنا؛ فالعديد بل لنقُلْ الجميع يعلم أنّ اتباع الأنموذج الحضاري الغربي خطأ فادح، وليس هذا هو الأنموذج الذي يجب اتّباعه والاقتداء به، ولكن على الرّغم من ذلك تصرّ البرامج الرّسمية على جعله النّموذج الرّاقي الذي يجب أن يسود وتنفّذ ما جاء به فتغض البصر بل تغمض الأعين عن فساده خدمة له بطاعة وولاء، ونيلاً من الأنموذج الحضاري الإسلامي الذي تسعى جاهدة لتفكيكه وإزاحته عن طريقها وطريق وليّ نعمتها - الغرب - واستبدال المشروع الحضاري الرأسمالي الذي كتم على أنفاس الأمة به. فجليّ أنّ الدّيمقراطيّة والحريّات وحقوق المرأة وتمكينها ومساواتها بالرجل وحقوق الطفل كلّها عناوين وشعارات فضفاضة زائفة تسلّل من ورائها الغرب لتفكيك الأسرة والمجتمع الإسلامي، ورغم هذا تصّر البرامج على تدريسها وترسيخها في عقول الناشئة والتركيز على أنّها أفضل أنموذج للنهوض بالعالم وأنّه هو من سيحوّل المآسي أفراحا وستصبح به الدنيا جنّة!!


إنّ تركيز الوثيقة على المرأة وسعيها الدءوب لفرض مفاهيم غربية فاشلة فَشَلَ نظامها الذي انبثقت منه ليس بمعزل عما تقوم به قوى العالم من محاولة للسّيطرة على العالم والتّحكّم فيه والصّراع من أجل بسط النّفوذ. فلا يخفى على امرئ ما تبذله الدول الغربيّة للحيلولة دون عودة نظام الإسلام وقيام دولة تنفّذه، لذلك فما تسنّه من مواثيق وقوانين دولية لن يكون بمعزل عن هذا ولن يحيد عن السّبيل الذي رسمته بل سيكون من الخطوات التي وضعتها لتنفيذ ذلك.


وبما أنّ للمرأة دورا رئيسيّا في الحفاظ على الأسرة وعلى المجتمع عموما فقد توجّهت سهام الغرب نحوها وسدّدتها تحديدا وبإحكام نحو فكرها لما له من أهميّة بالغة في التغيير، لذلك يحاول ويكرّر محاولاته - رافعا شعاراته الرّنانة الخدّاعة - لإبعاد المرأة عن أحكام دينها وتغيير وجهة نظرها للحياة، ولهذا نراه يركّز على ذلك في السنوات الأولى ومنذ الطفولة حتى يرسّخ مفاهيمه وتنشأ المرأة عليها فتنادي بها وتضرب بشريعة ربها وأحكامها عرض الحائط من حيث تدري أو لا تدري.


فتعليم المرأة ليس لتحقيق هذه "المكاسب الزائفة المزعومة" بل تعليمها الحقيقي يكمن في إعدادها كشخصية تحكم على أفعالها وتقيسها حسب وجهة نظر للحياة صحيحة راقية، بها تتمكّن من معالجة جميع القضايا والمشكلات التي تعترضها، فتعليمها يعني إكسابها هذه المعارف والعلوم التي تنهض بها وتسهم في نهضة مجتمعها ورقيّه.


يأبى الله إلّا أن يحبط أعمالهم ويظهر كيدهم ويبرز زيف وعودهم ويكشف مكرهم، ولنا في هذا الموضع أن نقدّم النّصيحة لنا ولأبناء وبنات هذه الأمة العزيزة التي جعلها الله كذلك بدينه وبالاحتكام له فـ"نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزّة بغيره أذلنا الله" و«إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ».

لذلك، لكلّ من تبتغي العزّة وتريد الحياة الكريمة نقول: عليك بالإسلام الذي كفل لك كلّ حقوقك ومنها حقّ التعليم الذي يتبجّح هؤلاء بأنهم أعطوك إياه وأنّهم منحوك التّمكين والحرّية... وقد كذبوا!.. لأنهم جعلوك فحسب سلاحا غمسوه في حضارتك وعقيدتك وحاربوك به.


لقد حُرِّفت الحقائقُ واتَّجهت أصابعُ الاتهام نحو المجتمع الذي نعتوه بـ"الذكوري" وتنكّروا للعادات والتقاليد واعتبروها من الأسباب الجوهرية التي ظلمت المرأة وجعلتها تابعة للرجل، وتجاهلوا حقيقة النّظام الفاسد الذي يطبّق عليها بعد أن غُيِّب نظامُ ربّها فصارت تحتكم إلى قوانين وضعيّة لا ترعاها الرّعاية الصّحيحة ولا تؤمّن لها حاجياتها الأساسيّة ولا توفّر لها فرص التّعليم، وإن وفّرتها فتَحْتَ عناوين تخرجها من دائرة التزامها بأحكام ربّها.


إنّ ما تعانيه المرأة في ظلّ النّظام الرّأسمالي وغيره من الأنظمة الوضعيّة البشريّة لن ينتهي إلاّ بعودتها للعيش في كنف شريعة ربّها التي كفلتها في كلّ مراحل حياتها وضمنت لها العيش المطمئنّ الهانئ، ومكّنتها من أن تتعلّم، فعلى الدولة الإسلامية ضمان ذلك بإيجاد المدارس وتوفير الكليات في جميع الولايات ومحو الأمية وتشجيع المرأة على تلقي العلوم في كل المجالات؛ فهي تحمل مسؤولية تعليم أبناء وبنات الأمة، وسيكون الهدف الرئيسي في دولة الخلافة وضع سياسة للتعليم من شأنها بناء الشخصيات الإسلامية بعقلية ونفسية قويتين، وبالتالي فإنّها ستعمل على تطوير المناهج على نحو من شأنه تطوير طريقة التفكير والتفكير التحليلي والرغبة في المعرفة من أجل الحصول على الثواب وإرضاء الله سبحانه وتعالى، وكذلك تقديم مساهمات ذات قيمة للمجتمع، فقد ورد في مشروع الدستور الذي أعدّه حزب التحرير في المادّة رقم 170 "يجب أن يكون الأساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة الإسلامية، فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي لا يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الأساس".


كما جاء في المادة 173 من مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعده حزب التحرير: "تعليم ما يلزم للإنسان في معترك الحياة فرض على الدولة أن توفّره لكل فرد ذكرا كان أو أنثى في المرحلتين الابتدائية والثانوية فعليها أن توفر ذلك للجميع مجانا ويفسح مجال التعليم العالي مجانا للجميع بأقصى ما يتيسر من إمكانيات"..


طريقان لا ثالث لهما أمام المرأة المسلمة: إمّا السّير وراء ما تنادي به هذه المؤتمرات وهذه المواثيق الدولية وما أظهرته من مصائب جمّة وكوارث تعود على المسلمة بالضياع والتّيه والركض وراء سراب حقوق وهمية كاذبة، وإما التمسّك بما حباها به ربّها والتّيقّن أن لا حقوق ولا عيشاً كريماً إلا في ظلّ أحكام شريعته فتنادي بتطبيقها في ظلّ دولة الخلافة على منهاج النبوة وتدعو الأخريات لاعتناق هذا الدّين الوحيد والفريد في تحقيقه الرّحمة للعالمين في ضمانه للمرأة وللإنسانيّة عموما الأمن والعدل ورغد العيش الذي يرضي ربّ السماء ويسعد أهل الأرض.


يقول عزّ وجلّ في كتابه العزيز: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى* وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [سورة طه: 123-124]

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زينة الصامت

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع