الخميس، 24 صَفر 1446هـ| 2024/08/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
البلاغ المبين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

البلاغ المبين

 

 

 

 

لقد دفعت أدلة وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الإسلام الكثير من شباب الأمة المخلصين لحمل هذه الأمانه والسير بها إلى غايتها على الرغم مما يسبب لهم ذلك من مشقة وأذى ممن حادّ الله ورسوله. وذلك رغبة منهم في الفلاح الذي وعدهم الله به في قوله عز وجل: ﴿وَلْتَكُن منْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وخوفاً من عنت الله وغضبه الذي توعدهم به في قول رسول الله ﷺ فيما رواه الترمذي عن حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمانِ، عن النبيِّ ﷺ قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ ولَيُوشِكَنَّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ فَتَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ».


فالتبليغ واجب شرعي عظيم ألزمنا الله عز وجل به ابتداءً وترك استجابة الناس لهذا التبليغ بيده رحمة منه بنا، وفي هذا تظافرت الآيات الصريحة إذ يقول الله عز وجل:


سورة التغابن: ﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾


سورة المائدة: ﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾


سورة النحل: ﴿كَذٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾


سورة العنكبوت: ﴿وَإِن تُكَذِّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ من قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾


سورة النحل: ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾


سورة النور: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾


سورة يس: ﴿قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾


يقول الرازي في تفسيره: "البلاغ هو ذكر المسائل، والإبانة هي إقامة البرهان عليها. والآية تدل على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لأن الرسول إذا بلغ شيئاً ولم يبينه فإنه لم يأت بالبلاغ المبين، فلا يكون آتياً بما عليه من التبليغ التام".


وورد في تفسير الكشاف: "البلاغ المبين أي الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة لصحته".


فنلاحظ أن الواجب ليس هو التبليغ فقط وإنما هو التبليغ الواضح الصريح البين الذي به نضمن وصول الأمانة والخطاب الإلهي إلى شخص المبلَّغ حتى يكون ذلك حجة عليه يوم القيامة إذ يقول الله عز وجل: ﴿رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء:561] أي لئلا يبقى لمعتذر عذر بعد البلاغ، تفسير ابن كثير


ويقول عز من قائل: ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.


يقول القرطبي: "والبينة إقامة الحجة والبرهان". وقال ابن إسحاق: "ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت عذره، ويؤمن من آمن على ذلك".


ويقول ابن كثير: "ليصير الأمر ظاهراً والحجة قاطعة والبراهين ساطعة، ولا يبقى لأحد حجة، ولا شبهة".


ويقول تعالى أيضا: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾


فكيف لنا أن نشهد على الناس يوم القيامة إن لم نكن قد بلغناهم هذه الأمانة بأتم صورة يرضاها الله لنا ونقيم عليهم الحجة؟


وهنا يحضرني مشهد لنبي عظيم اتخذ كافة الأساليب لدعوة قومه هو نوح عليه السلام إذ يقول الله عز وجل في سورة نوح: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾ [نوح: 5-9]


الكثير من حملة الدعوة ينسبون سبب صد الناس لدعوتهم إلى الناس أنفسهم متناسين أن عليهم أن يعملوا أولا جاهدين على إيصال الدعوة بالشكل الواضح المبين الذي تقام الحجة به، وبالتالي كان عليهم أن يتخذوا كافة الأساليب لإيصال هذه الدعوة بما يناسبها... وبناء على ما سلف أحببت أن أوضح بعض النقاط التي يجب الاهتمام بها كي يكون تبليغنا لهذه الأمانة تبليغا مبينا واضحا يجعلنا أهلا لأن نكون شهداء على الناس، وعندها فليحيَ من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة. وهذه النقاط تحتاج إلى الملاحظة المستمرة حتى نرقى بأسلوبنا في حمل الدعوة للمستوى الذي يبرؤنا أمام الله عز وجل.


أولى هذه النقاط تتعلق بالفكرة:


1- الفكرة:


فمن أهم النقاط التي تتكون منها عملية التبليغ هي الفكرة التي يريد حامل الدعوة أن يوصلها إلى الناس - والمقصود بها مجموعة الأفكار والأحكام المراد تبليغها - وحتى يستطيع حامل الدعوة تبليغها لا بد أن تكون هذه الفكرة واضحة له، متمكنا من طرحها ملماً بمتعلقاتها، ففاقد الشيء لا يعطيه. إذن لا بد من بلورة الأفكار قبل التبليغ حتى نقيم الحجة على من ندعوهم ونكون أهلا للشهادة على الناس يوم البعث.


فإن كنت لا تعلم فقل لا أعلم وارجع حتى تتبين الحق، ولا تقذف نفسك في لهيب جهنم والعياذ بالله في تبليغك الناس بدون علم.


بعد الفكرة نأتي إلى:


2- الزمان والمكان:


لا بد من اختيار الزمان والمكان المناسبين للمبلَّغ حتى يكون مستعدا للتقبل منتبها لما تقول مشدودا لك. فالحالة غير المناسبة للمبلغ تشتت انتباهه ويكون معك بالجسد بعيدا عنك بتفكيره.. كحالة الجوع والمرض والانشغال والتعب وغيرها. فلا تبلغ عندما تريد أنت أن تبلغ بل عندما يكون الطرف الآخر جاهزا للاستقبال.


فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ».


يقول المناوي في فيض القدير شارحاً هذا الحديث: "أي لا يصلي أحد بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان كالبول والغائط فتكره الصلاة تنزيهاً بحضرة طعام يتوق إليه وبمدافعة الأخبثين أو أحدهما لما في ذلك من اشتغال القلب به وذهاب كمال الخشوع". وكذلك روي عن عبد الرحمٰن بنِ أبي بَكْرة عن أبيهِ، أن رسولُ الله ﷺ قال: «لا يَقْضِي القَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وهُوَ غَضْبَانُ». صحيح ابن حبان


فالرسول ﷺ دعا إلى ترك الحالات التي يكون بها الإنسان في حالة تشغله عما طلب منه القيام به حتى يستطيع أداءه على أتم وجه وأن يكون حاضر الذهن.


والآن ننتقل إلى النقطة الثالثة والتي تدور حول:


3- أسلوب الحوار:


لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار الكثير من النقاط الأساسية في الحوار حتى نجعل عقل المبلَّغ منفتحاً متقبلاً لما نقول وبالتالي نحقق المراد الذي كلفنا به، ومن هذه النقاط:


1. الاستماع للطرف الآخر وذلك حتى تضع يدك على المرض وتتبين العلاج المناسب. فالكثير من الدعاة يبادرون بالطرح والعلاج دونما إدراك لما عند الطرف الآخر فتكون النتيجة الفشل، فإما أن يحبط أو يتهم الطرف الآخر بمجانبته للحق لأنه رفض الحق بعد أن بُلِّغ به.. ولكن للأسف، الحاصل أن البلاغ لم يكن مبينا. ولنا في رسول الله ﷺ قدوة فيما ورد في سيرة ابن هشام "عندما جلس عتبة بن ربيعة إلى رسول الله ﷺ، فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من البسطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال له رسول الله ﷺ: قل يا أبا الوليد، أسمعْ؛ قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا، حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا؛ وإن كان هذا الذي يأتيك رَئيِّا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى منه، أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله ﷺ يستمع منه، قال: أفرغت يا أبا الوليد قال: نعم، قال: فاسمع مني؛ قال: أفعل؛ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. ﴿حـمۤ * تَنزِيلٌ منَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيۤ أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ ثم مضى رسول الله ﷺ فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه؛ ثم انتهى رسول الله ﷺ إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك..." فانظروا كيف استمع رسول الله ﷺ لعتبة حتى إذا فرغ ثم ابتدأه بالكلام.


2. أن يكون القصد من الحوار إيضاح الحق وهذا يقتضي التركيز على الفكرة والابتعاد عن الأمور الشخصية، وإياك أخي أن تقع فيما حرم الله من استعلاء واستكبار بشعورك أنك أفضل ممن تخاطب وأن لديك الحق ولا حق عنده وأنك من حملة الدعوة وهو من عامة الناس فتنسى أنك الطبيب وهو المريض وأن علاجه ورعايته واجب عليك. يقول الرسول ﷺ: «لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم» ويقول: «.. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» رواه مسلم. وروى البخاري ومسلم عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ». وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ، فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: «الْمُتَكَبِّرُونَ...» وَالثَّرْثَارُ هُوَ ْكَثِيرُ الْكَلَامِ وَالْمُتَشَدِّقُ هو الَّذِي يَتَطَاوَلُ عَلَى النَّاسِ فِي الْكَلَامِ وَيَبْذُو عَلَيْهِمْ. الترمذي. وقد ورد في كتاب التكتل ص 54 (أما الخطر الطبقي فإنه يتسرب إلى رجال الحزب، لا إلى الأمة. وذلك أنه حين يكون الحزب يمثل الأمة أو أكثريتها، تكون له مكانة مرموقة، ومنزلة موقرة، وإكبار تام من قبل الأمة والخاصة من الناس. وهذه قد تبعث في النفس غرورا، فيرى رجال الحزب أنهم أعلى من الأمة وأن مهمتهم القيادة ومهمة الأمة أن تكون مقودة. وحينئذ يترفعون على أفراد الأمة أو على بعضهم، دون أن يحسبوا لذلك حسابا. وإذا تكرر ذلك صارت الأمة تشعر بأن الحزب طبقة أخرى غيرها وصار الحزب يشعر كذلك بالطبقية. وهذا الشعور هو أول طريق الانهيار.....).


3. الرياء والمراء: فلا تناظر الناس لكي يقال عنك عالم أو داعية، ولا ترفض الحق إذا ظهر على لسان من تناظره، يقول ﷺ: «من سمّع سمّع الله به، ومن يراء يراء الله به» رواه البخاري ويقول: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار» رواه ابن حبان والحاكم. وكَانَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ يَقُولُ: "إِيَّاكُمْ وَالْمِرَاءَ فَإِنَّهَا سَاعَةُ جَهْلِ الْعَالِمِ وَبِهَا يَبْتَغِي الشَّيْطَانُ زَلَّتَهُ" الدارمي.


4. مخاطبة الناس على قدر عقولهم: يقول سيدنا علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله" البخاري، ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم، إلا كان لبعضهم فتنة" مسلم.


5. أن تكون هيئة ومنظر حامل الدعوة صالحين؛ فلسان الحال يسبق لسان المقال حتى تفتح الطريق لدعوتك إلى الآخرين: يقول رسول الله ﷺ: «إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد، جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة» رواه أحمد والترمذي. يعني الابتعاد عن كل ما يبعد الناس عنك مثل التدخين عند من يعتبرونه حراما وإطلاق اللحى وهي مندوبة في البلاد التي يعتبرها أهلها واجبة، وعدم القيام بالأعمال التي لا تليق بحامل الدعوة مثل وضع نغمات جهاز الهاتف الخلوي لأغاني الساقطين والساقطات، وأن نكون أول من يأتمرون بالمعروف وأول من ينتهون عن المنكر ففاقد الشيء لا يعطيه...


6. الإجمال في الخطاب بحيث يكون كلامه يسيرا جامعا مانعا، فالإكثار من الكلام يورث الملل فوق أنه مظنة السقط والخلل والخطأ... عَمْرَو ابْنَ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَقَدْ رَأَيْتُ أَوْ أُمِرْتُ أَنْ أَتَجَوَّزَ فِي الْقَوْلِ فَإِنَّ الْجَوَازَ هُوَ خَيْرٌ». رواه أبو داوود... وروي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ». رواه البخاري وروي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أنه قَالَ: "حَدِّثْ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَكْثَرْتَ فَثَلَاثَ مِرَارٍ وَلَا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ فَانْظُرْ السَّجْعَ مِنْ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ".


7. اللين في الخطاب وخفض الصوت حتى لو كان المخاطب سيئ الخلق ومكروهاً من قبلك؛ فهذا رسول الله ﷺ يرشدنا فيما روي عن عائشةَ أنَّ رجلاً استأذنَ على النبيِّ ﷺ، فلما رآه قال: «بئسَ أخو العَشيرةِ وبئسَ ابن العشيرة». فلما جلسَ تَطلَّقَ النبيُّ ﷺ في وَجههِ وانبسَطَ إليه. فلما انطلقَ الرجُلُ قالت له عائشة: يا رسولَ الله حينَ رأَيتَ الرجُل قلتُ له كذا وكذا، ثم تطلقتَ في وجههِ وانبسَطتَ إليه. فقال رسولُ الله ﷺ: «يا عائشة متى عهِدْتَني فاحشاً؟ إنَّ شرَّ الناسِ عندَ الله منزلةً يومَ القيامة مَن تَركهُ الناسُ اتقاءَ شرِّه». ويقول الرسول ﷺ: «قَالَ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ» رواه أحمد... وروى مسلم عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ». فالرفق الرفق واللين اللين في خطابكم.


8. احترام مكانة المخاطب وسنِّه ككبار السن والعلماء فيجب أن نبدي لهم احترامنا رغم خلافنا معهم والعمل على تجنب إحراجهم بالنصح، ولنا في حادثة الحسن والحسين عندما علّما الشيخ الطاعن بالسن كيفية الوضوء الصحيح أفضل درس في التعامل مع كبار الشأن والسن.. وقد روي عن رسول الله ﷺ: قَالَ «أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ الْآخَرِ فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا فَقِيلَ لِي كَبِّرْ فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ» رواه مسلم. ويقول الشافعي:


تعمدني بنصحك في انفرادي ------ وجنبني النصيحة في الجماعة


فإن النصح بين الناس نوع ------ من التوبيخ لا أرضى استماعه


وإن خالفتني وعصيت قولي ------ فلا تجزع إذا لم تعط طاعة


9. الأناة في الرد حيث إن الاستعجال في الرد في حال الاستفزاز يؤدي في الغالب إلى الابتعاد عن الحق والوقوع في الخطأ. يقول الرسول ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» رواه مالك.


10. تجنب تخطئة الطرف الآخر بشكل مباشر، بل يمكنك إشعاره بخطئه من خلال حديثك حتى لا تولد عنده رد فعل جاهلية تمنعه من قبول الحق، وحاول جاهداً من خلال الحوار أن تجعل الطرف الآخر ينطق هو بالحق. وهذا يحتاج إلى تدريب النفس على ذلك.


يمكننا بعد مناقشة النقاط الثلاث السالفة الذكر أن ننتهي إلى النقطة الأخيرة والتي تتعلق باستشعار قبول الطرف الآخر للفكرة:


4- لا بد خلال الحوار أن نستشعر قبول الطرف الآخر للفكرة واستجابته لها وذلك من حركاته وسكناته التي تعبر أحياناً عن رفضه مثل تقصد حرف نظره عنك أو التنهد بشكل واضح أو محاولة تغيير الموضوع أو ما يشعرك بأنه غير مصغ بعقله مع سمعه.. فإن كان خلاف ذلك أي كان منتبهاً مستمعاً بحواسه وفكره ولم تتبين هل هو موافق لفكرتك أم لا فيمكنك طرح بعض الأسئلة التي تمكنك من معرفة مدى تقبله من خلال إجاباته.


5- أمثلة عن الحوار:


- قصة إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وبني عبد الأشهل


روي أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل، ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر. فجلسا في الحائط، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، يومئذ سيدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به، قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك، هو ابن خالتي، ولا أجد عليه مقدما. فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما؛ فلما رآه أسعد بن زرارة، قال لمصعب بن عمير: هذا سيد قومه قد جاءك، فاصدق الله فيه؛ قال مصعب: إن يجلس أكلمه. فوقف عليهما متشتِّما فقال: ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة - أي وإلا قتلتكما -. فقال له مصعب: أوَتجلس فتسمع، فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته أكف عنك ما تكره. قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلمه مصعب بالإسلام، وقرأ عليه القرآن؛ فقالا: فيما يذكر عنهما: والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وأجمله! كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطهَّر وتُطهِّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي. فقام فاغتسل وطهر ثوبيه، وتشهد شهادة الحق، ثم قام فركع ركعتين، ثم قال لهما: إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم؛ فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا، قال: أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما، فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك، ليخفروك. فقام سعد مغضبا مبادرا، تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة، فأخذ الحربة من يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا، ثم خرج إليهما؛ فلما رآهما سعد مطمئنين، عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتما، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أمامة، أما والله، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارينا بما نكره - فقال له مصعب: أوتقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد: أنصفت. ثم حصل معه ما حصل مع أسيد بن حضير.


- ولقد علمنا رسول الله ﷺ أمثلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما روي عن أنس بن مالك قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ فِي المَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌ فَقَامَ يَبُولُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: مَه مَهٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لاَ تَزْرِمُوهُ دَعُوهُ» فَتَرَكُوهُ حَتَى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَعَاهُ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ المَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا البَوْلِ وَلاَ القَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ»، أوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «فَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ القَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ». وقوله: «لا تزرموه» أي لا تقطعوا عليه بوله.


- وجاءه أعرابـي يوماً يطلب منه شيئاً فأعطاه ثم قال له: «أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟» قال الأعرابـي: لا، ولا أجملت، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه فأشار إليهم أن كفوا ثم قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابـي وزاده شيئاً ثم قال: «أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ؟» قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال له النبـي: «إِنَّكَ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَفِي نَفْسِ أَصْحَابِـي شَيْءٌ مِنْ ذٰلِكَ فَإِنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْ بَـيْنَ أَيْدِيهمْ مَا قُلْتَ بَـيْنَ يَدَيَّ حَتَّىٰ يَذْهَبَ مِنْ صُدُورِهِمْ مَا فِيها عَلَيْكَ» قال: نعم، فلما كان الغد أو العشي جاء فقال النبـي: «إِنَّ هٰذَا الأَعْرَابِـيَّ، قَالَ مَا قَالَ فَزِدْنَاهُ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَضِيَ أَكَذٰلِكَ؟» فقال الأعرابـي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، فقال: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ هٰذَا الأَعْرَابِـيِّ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ شَرَدَتْ عَلَيْهِ فَاتَّبَعَها النَّاسُ فَلَمْ يَزِيدُوهَا إِلاَّ نُفُوراً فَنَادَاهُمْ صَاحِبُ النَّاقَةِ خَلُّوا بَـيْنِي وَبَـيْنَ نَاقَتِي فَإِنِّي أَرْفَقُ بِها وَأَعْلَمُ فَتَوَجَّهَ لَهَا صَاحِبُ النَّاقَةِ بَـيْنَ يَدَيْها فَأَخَذَ لَها مِنْ قُمَامِ الأَرْضِ فَرَدَّها هَوْناً حَتَّىٰ جَاءَتْ وَاسْتَنَاخَتْ وَشَدَّ عَلَيْها رَحْلَها وَاسْتَوىٰ عَلَيْها وَإِنِّي لَوْ تَرَكْتُكُمْ حَيْثُ قَالَ الرَّجُلُ مَا قَالَ فَقَتَلْتُمُوهُ دَخَلَ النَّارَ».


ولا ننسى قول الله عز وجل: ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ وقال سبحانه وتعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة﴾ وقال جل وعلا: ﴿ادفع بالتي هي أحسن﴾.


فبضاعتنا غالية ثمينة فإن لم نعرضها بالشكل اللائق والمناسب لم يقبل الناس عليها.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أبو عمر الفاروق الحجازي

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع