الشام... إلى أين؟ (1)

سوريا أم الشام، أم بلاد الشام؟

الشام أو سوريا التاريخية، أو سوريا الطبيعية، هو اسم تاريخي لجزء من العالم الإسلامي إبان دولة الخلافة الإسلامية، ويمتد على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط إلى حدود بلاد الرافدين. تشكّل هذه المنطقة اليوم بالمفهوم الحديث وحسب تقسيمات سايكس وبيكو كلاً من: سوريا ولبنان والأردن وفلسطين بالإضافة إلى مناطق حدودية مجاورة مثل منطقة الجوف ومنطقة الحدود الشمالية في السعودية، وتشمل المناطق السورية التي ضُمت إلى تركيا إبان الانتداب الفرنسي على سوريا، وقسمًا من سيناء والموصل، وعند بعض الباحثين فإن المنطقة تتسع لتشمل قبرص، وكامل سيناء والعراق، ولكن اسم الشام محبب عند المسلمين منذ أيام الرسول ﷺ، فقد ورد في قرابة الثلاثين حديثًا نبويًا شريفًا وروايةً، ومنها ما رواه ابن حوالة أنه قال: "يا رسول الله خر لي بلدًا أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر عن قربك شيئًا". قال: «عليك بالشام» فلما رأى كراهيتي للشام قال: «أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله عز وجل يقول: يا شام أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، إن الله قد تكفل لي بالشام وأهله». (المحدث: الهيثمي. المصدر: مجمع الزوائد. الصفحة أو الرقم: (10/61)*

وروى أبو الدرداء قال رسول الله ﷺ: «إنكم ستجندون أجنادًا جندًا بالشام ومصر والعراق واليمن». قالوا: "فخر لنا يا رسول الله". قال: «عليكم بالشام». قالوا: "إنا أصحاب ماشية، ولا نطيق الشام". قال: «فمن لا يلحق الشام فليلحق بيمنه فإن الله قد تكفل لي بالشام». (المحدث: البزار - المصدر: الأحكام الشرعية الكبرى - الصفحة أو الرقم:4/ 512)

وعاد اسم الشام حديثًا محببًا وبديلاً للاسم المشهور بسوريا، حيث اشتهر اسم سوريا وارتبط بتقسيمات سايكس وبيكو، ومن حكم الشام من العملاء بعدما حصل ما سمي استقلال مصطنع للشام ولكل بلاد المسلمين.

ثورة الشام والربيع العربي:

انطلقت ثورة الشام كما بقية ثورات الربيع العربي في بعض بلاد المسلمين، وللعلم فقد سبقها الكثير من التصريحات من حكام طغمة الأسد بأن سوريا تختلف عن البلاد العربية الأخرى، أي لن تكون ثورة في سوريا بمعنى أنها مزرعة أبيه التي أورثه إياها، ولما يعلمه يقينا من الضغط السياسي والخوف من الأجهزة الأمنية الذي يعيشه المسلمون في الشام، ومدى التجويع والإذلال وامتهان كرامة المسلمين لدرجة ملاحقتهم في صلواتهم وخصوصا صلاة الفجر التي تعني مدى حب الإسلام والالتزام به، ومدى منع الكثير من المظاهر الإسلامية في مدن الشام، وكان من أشهرها ما فعلته سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد أخو حافظ الأسد حيث أنزل جنوده إلى دمشق وجعل ينزع الحجاب عن رؤوس نساء المسلمين في الشوارع والأسواق دون خجل أو حياء من الله تعالى ولا من عباده، ونسي الطغاة أن الإذلال وامتهان الكرامة والتجويع كل هذا له حد، وخصوصًا عند المسلمين حتى ولو كلفهم حياتهم، من يموت دون ذلك فله الشهادة أو أجرها، ونسي الطغاة أن المسلمين أصحاب عقيدة حيوية ومتقدة لا تموت، فكانت الطامة الكبرى من درعا معقل النظام، حيث إن أكثر أبناء الأجهزة الأمنية والعسكريين من أبنائها، فثار الناس وبعد التقتيل بلا رحمة وبوحشية الضباع والوحوش، اضطر المسلمون إلى حمل السلاح والانشقاق من الجيش ومحاربة النظام والدفاع عن النفس والعرض والأموال، فكانت ثورة الشام درة ثورات الربيع العربي.

لماذا تعد الشام درة ثورات الربيع العربي؟

ثورة الشام رفعت راية رسول الله ﷺ ولواءه، ونادت بتطبيق شرع الله تعالى، وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فكانت تسير بخطى على أن تكون ثورة إسلامية تنقذ كل المسلمين، وقد كان بين صفوفها رجال يعون ما يفعلون، وما يبثون من فكر عقائدي وسياسي، ودون أن يكون لهم فصيل مسلح، لأنهم يعلمون أن كل أبناء المسلمين جاهزون ويصلحون لأن يتبنوا مشروع الأمة الحضاري أي مشروع عودة دولة الخلافة الإسلامية التي تجمع شمل المسلمين أجمعين، وتوحد ما تم تقسيمه من بلادهم، وعليه نقول: كانت ثورة الشام درة ثورات الربيع العربي. وحقيقة الأمر أن ثورة الشام كان من الممكن أن تكون مثلها مثل بقية ثورات بلاد الربيع العربي، أي يمكن الاحتيال عليها سواء بانتخابات مثل تونس ومصر، ومن ثم سحب البساط وإعادة الطابور الخامس وعملائه، أو مثل ليبيا واليمن بعسكرتها وتركها نهبا للصراع السياسي وأطماع أوروبا وأمريكا، أو إعطاء الناس بعض المكاسب المادية والأعطيات وتوزيع بعض المناصب واستحداث ما لم يكن موجودًا بالأصل من زخرف الحريات والديمقراطية الكاذبة.

أسباب اختلاف ثورة الشام عن ثورات الربيع العربي:

إلا أن أمر الله سبحانه وتعالى وتهيئته للأمر بالشام سياسيًا سابق للربيع العربي بعقود، ولذا حصل في سوريا ووجد الآتي:

1. الحياة الحزبية؛ حيث أنهى حافظ أسد منذ استلم الحكم الحياة الحزبية إلا فكرة الحزب الحاكم أي حزب البعث، فرغم كل التلوث الفكري الذي بث وتم تبنيه إلا أنه لم يشوه صورة الإسلام في نفوس الناس وحبهم لدينهم.

2. الفكر الإسلامي المعتدل والوسطي لم ينتشر بين المسلمين، فلم يقبلوا بالديمقراطية وتمييع الفكر الإسلامي.

3. حكم الطائفة العلوية للمسلمين بالشام لقرابة الأربعة عقود، وظهور ولاء الطائفة لإيران وثورتها أوجد حالة عداء بين المسلمين وتلك الطائفة التي لا يظهر عليها أدنى درجات التدين، بل عداء للإسلام والمسلمين.

4. احتلال يهود لهضبة الجولان وغيرها لفترة تزيد عن أربعين عامًا أوجد ريبة كبيرة في نفوس المسلمين، وأن هناك اتفاقات خفية مع يهود أعدى أعداء المسلمين.

5. تعلُّم الإسلام بقي تقليديًا، ولم تهتم به الدولة، ولم تتدخل بتلويثه، فكان إما في المساجد أو في البيوت أو الكتاتيب، وهذا أبقاه نقيًا وبعيدًا عن مساوئ النظام.

6. العمالة لأمريكا من قبل عائلة الأسد لم تسمح لعودة النفوذ الفرنسي أو البريطاني إلى داخل الشام، فلم يوجد صراع ولا عملاء جدد يتمتعون بدعم الناس كمعارضين للحكم.

مما تقدم نفهم لماذا اختلفت ثورة الشام عن بقية ثورات الربيع العربي وظهر فيها نقاء وصفاء بخلاف غيرها من الثورات. ومع أنه قد وجدت قيادات ظهر عليها الولاء لعملاء الغرب بقصد أو بغير قصد، إلا أنهم لم يستطيعوا إظهار ولائهم للغرب والمناداة بإقامة الدولة المدنية أو الديمقراطية، لأن الأمر يحرج تلك القيادات أمام الثوار المخلصين الذين طالبوا بتطبيق شرع الله تعالى وإقامة دولة تحكم بالإسلام، فهم ثاروا لله تعالى، ودفعوا ثمنًا غاليًا جراء مطالبهم السامية هذه، ولذا فإن تراجعهم عن تلك المطالب ليس بالأمر السهل، إلا أن يحدث أمر جلل، ولا أحسب أن هناك أمورًا قد تحصل أصعب مما مرَّ على الثوار من تقتيل وتدمير وتجويع، ولذا فالله تعالى ندعو أن يثبت أهل الشام والثوار المخلصين، وأن ينصرهم نصرًا يعز به الإسلام وأهله.

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
وليد نايل حجازات - الأردن

لقراءة الجـزء الثاني اضــغـط هــنــا

لقراءة الجـزء الثالث اضــغـط هــنــا