- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
النظام الرأسمالي خالٍ من الحلول لمشاكل المرأة والإنسانية عامة
وفاقد الشيء... لا يعطيه؟!!
على إثر إقدام شابّ من ولاية تونسيّة على إضرام النار في نفسه انطلقت شرارة الثورة في هذا البلد الذي تكبّد أهله ويلات القهر والظلم والاستبداد وعانوا الفقر والبطالة، فكان أن خرج الناس مطالبين بإسقاط النظام وامتدّت هذه الشرارة وسرت مسرى اللهيب في الهشيم لتشمل مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها.
قامت الثورات في تلك الدول لتغيير هذه الأوضاع وتحرّكت الشعوب مطالبة بإسقاط هذه الأنظمة التي لم يعرفوا في ظلّها سوى الفقر والقهر والظلم والظلام وكان أن طفى حبّ الناس للشريعة، وجروْا دون بحث وتروٍّ لانتخاب من يرون فيهم الخير وممّن يُحسَبون على التّيار الإسلامي ظنّا منهم أنّهم "يخافون الله" وأنّهم ذاقوا الظلم والقهر وسيحكمون بالعدل ويغيّرون واقعهم إلى الأفضل...
هذا ما أمِلته العامة وهذا ما دفعها إلى صناديق الاقتراع لانتخاب هؤلاء رغم ما بذله المخلصون لها من جهود لصرفها عن هذه الانتخابات التي تدور رحاها حول أحكام الرأسمالية وتسعى حثيثا لتمكين العلمانية، وحاولوا تبيين أنّها لن تغيّر من الأوضاع شيئا لأنّ النظام باق على حاله وإن حلّت مكان الوجوه العلمانية وجوه بعمائم ولحى.
تمّ التلاعب بهذه الثورات وقامت أطراف محلية وأجنبية بتغيير مسارها لتعود بالناس إلى نقطة الابتداء بل إلى حال أسوأ بكثير مما كانت عليه.
انتخابات برلمانية تفرز فوز الإسلاميين بأغلب المقاعد.. تشكيل حكومة ائتلافية مع حزبين آخرين: أحدهما يساري، والآخر علماني... مجموعة من الاغتيالات لرموز سياسية يسارية... عودة الاحتجاجات والتظاهرات إلى الشارع بشكل كبير...، المطالبة بتنحي الإسلاميين... حوار وطني شامل لتقريب وجهات النظر، وهو ما أدى إلى تكوين حكومة تكنوقراط وكتابة دستور علماني وأعقبه انتخابات رئاسية...
هذا هو تقريبا خط سير الثورة في البلد الرائد والذي اعتبر نموذجا يحتذى به لدول الربيع العربي، هذا ما أريد له: أن يكون بلدا علمانيا بدستور علماني لا مكان فيه لدين ولا لشريعة إلا ما رضي عنه الغرب وقام بتشريعه، فماذا جنى أهله بعد مرور خمس سنوات على هذه الثورة؟ وهل تحققت آمال شعب ذاق الويلات والقهر والحرمان عقودا؟
تغنّى الكثيرون ممن يدّعون الدّفاع عن المرأة وتحصيل حرّياتها بالمرأة التونسية على اعتبار أنها رائدة وأنّها مثال يحتذى في مساواتها بالرجل وتمكّنها من حقوقها، فماذا جنت المرأة بعد الثورة؟ وهل كان لهذه الثورة أثر على حياتها وعلى المجتمع عامة؟
يصرّح القاصي والدّاني من أبناء دول الربيع العربي أنّ الأوضاع بعد الثورات ليست أفضل ولا أحسن حالا مما كانت عليه قبلها بل لعلّها أسوأ بكثير ولعلّ الكثير منهم يتمنّى عودة الرؤساء السابقين المخلوعين ظنّا منهم أنّ المشكلة تتمثل في الأشخاص وأنه كان الأجدر الرضا بالفاسد خير من أن يأتي من هو أفسد منه.
لكنّ المتبصّر في الأحداث والملمّ بالوقائع والواقف على حقائق الأمور يتجلّى له بوضوح أنّ المشكلة تتمثّل في النظام القائم المحكوم به. هذا النظام الرأسمالي العالميّ الذي يكبّل العالم بقيود المفاهيم العلمانية الفاسدة التي رسّخها في المجتمع الغربي وفرضها بالحديد والنّار على العالم العربي إضافة إلى ما أنهكه به من قروض وما تبعها من شروط وإملاءات.
إنّ ما يعانيه الناس في البلاد الإسلامية والمرأة على وجه الخصوص من فقر وخصاصة وبطالة سببه النظام الرأسمالي الجشع الذي يساعد القائمين عليه على تكديس الثروات وتنميتها بينما تعيش العامة فاقة العيش والقهر والظلم وليس كما يروّج له الغرب من أنّ الثقافة التقليدية والأعراف البالية هي سبب ذلك ملمّحا تارة ومصرّحا أخرى ومشيرا بإصبع الاتهام إلى الإسلام ومفاهيمه.
سعى هؤلاء لترويج أنّ هذه المجتمعات بهذه الثورات بدأت تخطو خطواتها الأولى نحو التحرر من الدكتاتوريات وانطلقت لتثبّت أسس الديمقراطية التي بها ستنهض وترقى وتحقق التنمية والتقدّم... ولكنّ الواقع يشهد بخلاف ذلك ويكشف ما آل إليه حال هذه المجتمعات من مديونية ومن تبعية ومن تدخّل أجنبي، ولكن سعيها ذاك إن هو إلا ذرّ للرماد في العيون حتّى لا تقف على عوار هذا النظام الرأسمالي الذي حاولت شعوب الربيع العربي إخراجه وطرده من الباب العريض لكنّ ذوي النفوس الضعيفة ومن ورائهم الغرب أعادوه من "الشباك" وأعادوا تركيز مفاهيمه بل صاروا يضربون ثوابت الأمّة بوقاحة وتجرّؤ...!!!
تجرّؤوا على أحكام قطعية وحاولوا تشكيك الأمة في صدقها وصلاحيتها مقدّمين بدائل صاغوها في دستور وضعي متناقض مع عقيدة الشعوب والمؤسف ما نراه من مساندة البعض ممن يُحسَبون على التّيار الإسلامي ومن تلوّثت أفكارهم وأصيبوا بفيروس التّبعية للغرب وتضبّعوا بمفاهيمه الفاسدة رغم تحذير ربّهم من هؤلاء الذين يكيدون بالليل والنهار للإسلام والمسلمين ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
تحاول أمريكا الدولة الأولى في العالم المحافظة على نفوذها وعلى هيبتها بين دول العالم وتسعى إلى تثبيت مصلحة أصحاب النفوذ فيها والذين يمثلون فقط 1% ويتحكّمون في 50% من مجموع الثروة الأمريكية وتمول حملات السياسيين في الكونغرس وحملات الرئاسة الأمريكية (والتي كلفت آخر انتخابات 1.2 مليار دولار).
فمصلحة هؤلاء هي الإبقاء على الولايات المتحدة شرطيا للعالم ليبقيه سوقاً لبضائعهم ومصدراً للعمالة الرخيصة ولنهب ثروات الآخرين.
يقدّم القاتل الاقتصادي جون بركنز John Perkins العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأمريكي شهادة من الداخل عن الدور الذي تلعبه البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث "نحن القتلة الاقتصاديون تمكّنّا من إنشاء أول إمبراطورية عالمية حقيقية وهي في الأساس إمبراطورية سرية... نحن نفعل ذلك بعدّة طرق ولكن عموما نحدد بلدا لديه الموارد التي تطمع بها شركاتنا مثل النفط وبعد ذلك يتمّ ترتيب قرض ضخم لهذا البلد من البنك الدولي أو إحدى المنظّمات الحليفة ولكنّ المال لا يذهب فعليا لهذا البلد بل يذهب إلى الشركات الخاصّة بنا لبناء مشاريع البنية التحتية في ذلك البلد والتي تعود بالنفع على قلّة من الأغنياء ولا يستفيد منها الغالبية العظمى من عامة الناس الذين هم فقراء جدّا.. وفي النهاية نتركهم بدين ضخم من المستحيل سداده ولذلك في مرحلة ما نعود إليهم قائلين: أنتم لا تستطيعون دفع ديونكم حسنا أعطونا بدل المال نفطا وبيعوه بثمن بخس لشركاتنا النفطية".
هذه هي حقيقة الدولة العظمى وما خفي أعظم وهذا هو النظام العالمي الذي يسوس العالم؛ نظام فاشل قاد الإنسانية إلى الدمار والحروب والفقر والبطالة والأمية ولا همّ له سوى مصلحة ال1% وإن قضى على البقية.
في كتابه "القوة العظمى Super power" يبيّن إيان بريمر IAN BREMMER "أنّ الهوّة بين الخطاب الرسمي الأمريكي والأفعال هذه الأيام في عهد أوباما واسعة حقاً. فالخطاب الرسمي ما زال يتكلم عن عظمة أمريكا وقيادتها للعالم أكثر من أي وقت مضى. لكن الأفعال تبين بوضوح أن الولايات المتحدة لا تقود العالم اليوم وإنما تقوم بردود أفعال للأحداث بعد وقوعها".
هوّة شاسعة أيضا بين القيادة والشعب الأمريكي الذي وحسب ما ذكره الكاتب وكنتائج لعدّة استفتاءات كانت الفئة العمرية بين 18-29 سنة هي أكثر الفئات التي تفضل أن تكون أمريكا مهتمة بنفسها وبشؤونها الداخلية فقط.
قيادة تسعى إلى السيطرة والتّحكم في العالم في أموره السياسية والاقتصادية... يقابلها رفض من الشباب لا يريد منها سوى الاهتمام بشؤونها الداخلية... تناقض صارخ فاضح يجعل من الولايات المتحدة سببا للفوضى والبربرية بدلا من حفظ النظام والسلام كما أكّد ذلك المؤرّخ العالمي Eric Haubsawm في محاضرة ألقاها بجامعة هارفارد بتاريخ 20 اكتوبر 2006 وصرّح أنّ "هذه الإمبراطورية سوف تفشل حتماً"، مضيفا "هل ستتعلم الولايات المتحدة الدروس من الإمبراطورية البريطانية أم أنها ستحاول المحافظة على وضعها العالمي المتآكل بالاعتماد على نظام سياسي فاشل وقوة عسكرية لا تكفي لتنفيذ البرامج التي تدّعي الحكومة الأمريكية بأنها قد صممت من أجلها".
فهل من آمال ترجى من هكذا نظام؟ هل يمكن لمثل هكذا دول تتبجّح بالحريات وبإعطاء الشعوب حقّها في تقرير مصيرها وتنشئ المنظمات والجمعيات للدفاع عن المرأة والطفل والمسنّ وغيرهم... أن تأتي بحلول وتسعد الناس بمختلف فئاتهم وأجناسهم؟
يقول جون أدامز John Adams "هناك طريقتان لقهر واستعباد أمّة: الأولى هي بحدّ السيف والأخرى عن طريق الدّيون" وقد سلكتهما أمريكا والغرب تجاه أمّة الإسلام إضافة إلى النكبة الكبرى التي قضت على الأمّة: إسقاط دولتها وإلغاء الإسلام كنظام من حياتها...
أيتها الشعوب، يا من تسعين إلى التحرر من كلّ هذه الأوضاع وتغييرها: هل ما زلت تأملين في هذا النظام العاجز الفاشل الذي لم ينصف أهله ولم يجد حلولا لما تعانيه الأغلبية الساحقة في ظلّه؟ هل تنتظرين منه حلولا وهو لا يملكها... وكيف لفاقد الشيء أن يعطيه؟!! هل تنتظرين أن تشرق شمس من وراء من لا يسعون إلا لنشر الظلم والظلمات؟؟...
أتوجّه إلى كلّ مسلمة: هل تنتظرين ممن يحارب دينك ويقتّل إخوانك وينهب أراضي أمتك ويسرق ثرواتها ويقتل اقتصادها ويسعى جاهدا لتسميم مفاهيم أبنائها وبناتها ونشر الفاحشة فيهم مستغلا في ذلك كل الوسائل: إفساد التعليم واستئجار الإعلام وإنهاك الاقتصاد وتمويل الجمعيات لتضليل الفتيان والفتيات... أتنتظرين منه الحلول؟ أوتأملين من الذئب أن يكون حليما كيّسا؟!!
أتوجّه إليك أيتها المسلمة وإلى الشعوب الإسلامية كافّة: لماذا البحث عن حلول للأزمات والمشكلات في نظام أعلن إفلاسه وعجزه أمام ما تعانيه الإنسانية، وشرع الله فيه من الحلول الشافية الكافية التي تغنيك عنه وعن كلّ التشريعات البشرية الوضعية الناقصة؟ ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: 38]
أتوجّه إلى جميع أبناء الأمّة نساء ورجالا.. ساسة وعامة.. أن سيروا مع حزب التحرير في طريقه المرسوم على خطى نبيه الحبيب واعملوا معه لبناء دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة وعد الله وبشرى رسوله ﷺ .... والله ناصر من نصره.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زينة الصّامت
1 تعليق
-
لقد بان عوار هذا النظام الرأسمالي الذي جعل المرأة سلعة يتاجر بها وجعل المشاعر الانسانية غباء لمن يتحلى بها
اما ان للمضبوعين بهذا النظام ان ينظروا الى اخطائه وعوراته ام هم عنها متغافلون