الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 4 تعليقات
مواقع التواصل في خدمة آفة حب الشهرة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مواقع التواصل في خدمة آفة حب الشهرة

 

ضمن حملة القسم النسائي "الشباب المسلم: روّاد التغيير الحقيقي"

 

 

يذكر التاريخ في صفحاته المشرقة التي خلدَّت أخبار المسلمين إبان نهضتهم في ظل الخلافة الماجدة، قصة صاحب النقب الذي كان نقبه لحصنٍ من حصون العدو استعصى على جيش المسلمين، سبباً في انتصار الجيش المسلم وفتحه لتلك البلد. لكن الذي خلَّد وسمه وقصته لتكون محطة تذكرها الأجيال المتعاقبة ليس فعلُ بطلها لذاته، وإنَّما الإخلاص الذي ميزَّه فدعاه لحفر النقب وتعريض نفسه للمخاطر الجمَّة، وأن يرفض بعد ذلك التعريف بنفسه بل ويشترط على أمير الجيش الذي ألح في طلبه ألَّا يسأله عن اسمه ولا يتبعه، ليبقى مجهول الهوية بين الناس معلوماً عند الله وحده. ما استدعاني لذكر قصته رحمه الله هو المبلغ الذي بلغه صاحب النقب في تفانيه في خدمة الإسلام وتقديمه العمل لنصرته على كل أمرٍ، فجعل العمل لله في سلم أولوياته وكانت نفسه وقدراته مجرد سلم يرتقي به لخدمة هذا الدين بعيداً عن آفة إظهار الذات وحب الشهرة. وهذا خالد بن الوليد عندما أمره الخليفة عمر بن الخطاب أن يترك قيادة الجيش لأبي عبيدة بن الجراح، قال: سمعًا وطاعة لأمير المؤمنين. غير عابئ بشهرته ولا مكترثاً لذاته بل لسان حاله: الأمير والمأمور في خدمة الإسلام.

 

هذه القصص لا نكاد نراها في عالم الإعلام البديل حيث أصبح الفيس بوك ملاذ الباحثين عن التواصل البعيد عن القيود والالتزامات، كما أصبح تويتر بيت المفكرين ومصنعاً للحدث يصل الهاشتاق (الوسم) لنشرات الأخبار وتشرع برامج متلفزة وأبواب في الصحف المهمة لمواكبة أخباره وأحوال رواده. إنه عالم الإعلام البديل حيث يغرد الناس في كل شاردة وواردة. يدخل أحدهم تويتر والفيس بوك كإنسان عادي ويخرج منهما بعد حل مشاكل العالم ووضع أسس لإعادة صياغة المجتمعات ثم يعود لحياته العادية وروتينه اليومي ثم يعيد الكرة في اليوم التالي. بل إنه مما زاد الطين بلَّة أن نرى التنافس المحموم لاجتذاب المتابعين دون التركيز على مضمون ما يُنشر لهم، وأن يصبح همُّ الشباب على هذه المواقع عدد الإعجابات والتعليقات، لا نوعية النقاشات ومستواها الفكري. تشابه قصة وردت في سير الذهبي حيث جاء: "عندما صنف الخطيب البغدادي كتابه تاريخ بغداد وسمعت به الدنيا، كان هناك رجلٌ يسمى ابن القفطي من كبراء فقهاء الحنابلة فلما سمع بالكتاب، قال هل ذكرني الخطيب في كتابه في الثقات أم في الضعفاء؟ قالوا والله ما ذكرك لا في الثقات وفي الضعفاء. قال ليته ذكرني ولو في الكذابين! ليته ذكرني ولو في الكذابين!"

 

فُرِّغت الصفحات مما يفيد، وامتلأت بما يسلي الجماهير التي باتت تضجُّ من الملل وتشكو من الفراغ القاتل. إدمان أصاب المجتمعات خاصة الشباب كالأفيون، يهربون من الفراغ إليه فإذا به يزيدهم مللاً ويتضخم معه الشعور بالضياع. وقد لامس الكاتب البريطاني جورج مونبيوت وتراً حساساً حينما نشر مقاله الشهير "عصر الوحدة يقتلنا" في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر ونُشر في الجارديان قبل أن ينتشر بشكل واسع ليدق أجراس الخطر وينوه عن انهيار اجتماعي للمجتمعات الرأسمالية. أشار الكاتب لأثر هذه الوحدة خصوصاً على كبار السن والتي بلغت حد الخطورة القصوى وصارت محض اهتمام الباحثين. ففي دراسة لمؤسسة "العصر المستقل" أكدت أن "العزلة القاسية في إنجلترا قد أصابت حياة 700 ألف رجل و1.1 مليون امرأة فوق الخمسين". انتشرت الدراسات التي تقارن مخاطر العزلة على صحة الإنسان بتدخين 15 سيجارة في اليوم أو السمنة المفرطة أو ضغط الدم المرتفع أو الاكتئاب والإدمان أو حوادث الطرق أو غيرها من المخاطر التي لا تقل عن الموت البطيء في عزلة عن العالم.

 

تحوّل حلم الإنسان العصامي الطموح الذي يحتفل بفرديته ونجاحاته ويفتخر بنمط الحياة التي اختارها لنفسه في المجتمع إلى كابوس ينهش في الروح قبل الجسد وقد جسّد مونبيوت هذا حينما قال "لا يوجد الآن ما يمكن أن يسمى مجتمعاً، فقط البطولة الفردية. ما يهم هو الفوز، وأي شيء آخر هو مجرد أضرار جانبية غير مرغوب فيها". (من مقال مونبيوت – ترجمة محمود حسني).

 

أضف إلى ذلك البرامج التي تغذي العقول على حب الذات وطلب ظهورها وصارت تستهدف صغار السن، فتنشئ بذلك جيلاً على نمط معين لا يرى في العالم غير "أنا ونفسي وذاتي"، تتخذ شكل مسابقة لإظهار المواهب وتخليد الأصوات كـ""kids voice وغيره، وتجعل من الهابطين قدوة وأنموذجاً يُقتدى به في طريق النجاح "تحقيق الذات".

 

هذه الآفة التي غذّتها وسائل التواصل الحديث وساهمت بشكل كبير في انتشارها لتتخذ أبعاداً وبائية، يلحظها المتابعون لسير المجتمعات، وترعاها الأنظمة والمنظمات العالمية في حربها على الإسلام، وشباب الإسلام، لم تكن لتظهر إلا بعد تغذية الشباب المسلم بالثقافة الرأسمالية في المناهج والإذاعات والتشريعات التي تغذي النزعة الفردية، وتزرع في الإنسان النظرة الذاتية الأحادية التي تحصر العالم في رغباته وطموحه اللامحدود وجعلت هذه النظرة مقياساً للنجاح. بينما أهملت المجتمع والتواصل الطبيعي بين الناس وعززت عوضاً عنه دور المؤسسات الخيرية التي تخفف من قسوة الرأسمالية وتجاهلها لقيمة الإنسان. جعلت تواصل المسنين في دور خاصة وعوضت الأمهات اللاتي وضعن حديثا ببرامج متلفزة ومراكز متخصصة بعد أن سلبتهم دفء الأسرة الممتدة وجعلت للأطفال مراكز للنشء بعد أن حصرتهم في شقق كرتونية وحاصرتهم بانعدام الأمن والأمان وأعطت كل طفل هاتفا ذكيا بدلاً من تفرغ أمه لرعايته.

 

وهكذا بدل أن تكون هذه المواقع وسيلة بيد الشباب المسلم يستغلها الاستغلال الأمثل، كما يستغل قدراته ومواهبه التي حباه الله بها لخدمة الإسلام، والنهضة بأمته، فإنها صارت وسيلة لطلب الشهرة وبلاءً ابتلي به شبابنا إلا من رحم الله.

 

بل إننا صرنا نرى "شيوخاً" و"دعاة" يفرح الواحد منهم ويفتخر بكثرة مشاهديه ومريديه! ومن يرتقب ويتقصى أخباره على وسائل الإعلام ومواقع الاتصال!، حتى أصبحنا نسمع أن الداعية الفلاني والشيخ الفلاني يصرح ابتهاجا وفرحاً، والآخر يحتفل أن متابعيه وصلوا إلى مليون، أو مليونين، أو أكثر! على مواقع التواصل. ضلَّ هؤلاء وأضلُّوا. فصار الشباب يقلدونهم بكل هذا، فعمَّ البلاء وانتشر ورأينا من الشباب من يستحدث أفعالاً غريبةً كإشعال النار في خلفية شاحنة وقيادتها، أو الصعود على ظهر قطار وتصوير نفسه طوال الطريق، أو وشم نفسه وتشويه جسده بشكل بشع منفر، وما شهدته دول الخليج من انتشار ثقافة "التفحيط" بالسيارات والدراجات الهوائية مثال صارخ على ما وصل الحال إليه من بلاء!

 

فأين هم من هدي من سبقهم من الصالحين الربانيين، الذين جمعوا بين العلم والعمل والخوف على أنفسهم من الاغترار والفتن، قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: "بلغني أن العلماء فيما مضى كانوا إذا تعلموا عملوا، وإذا عَملُوا شُغلوا، وإذا شغلوا فُقِدوا، وإذا فقدوا طُلبوا، وإذا طلبوا هَربوا". المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 331). وهذا ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم في حلِّه وترحاله: داعياً إلى الله منيباً إليه، يجعل ماله وجُلَّ وقته وعلمه ونفسه في خدمة دين الله، لا يبالي عرفه الناس أم جهلوه حسبه أن الله به عليم! لسان حاله ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام 162]. يسير على منهاج «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ» رواه مسلم.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أختكم بيان جمال

 

 

4 تعليقات

  • khadija
    khadija الجمعة، 22 نيسان/ابريل 2016م 09:00 تعليق

    جزاكم الله خيرا وتقبل منكم.

  • ام عبدالله
    ام عبدالله الخميس، 21 نيسان/ابريل 2016م 20:04 تعليق

    اللهم اجعل شباب المسلمين من الشباب العاملين بشرعك والطالبين مرضاتك والمخلصين بالقول والعمل

  • khadija
    khadija الخميس، 21 نيسان/ابريل 2016م 13:14 تعليق

    موضوع الساعة...بوركت أختي الكريمة

  • إبتهال
    إبتهال الخميس، 21 نيسان/ابريل 2016م 13:04 تعليق

    بارك الله فيك أختاه

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع