السبت، 26 صَفر 1446هـ| 2024/08/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
وأذن في الناس بالحج

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وأذن في الناس بالحج

 

عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قالَ: «الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ»، وما أعلم ابتلاءات ولا اختبارات في تاريخ البشر أعظم من تلك التي ابتلي بها خليل الرحمن عليه سلام الله، يصبر إبراهيم الخليل مائة عام بانتظار أن يرزقه الله ولدا، فلما وهبه الله إسماعيل عليه سلام الله، أمره أن يفارقه، وأن ينزله بواد غير ذي زرع، لا ماء فيه ولا بشر ولا ظل بيت يؤيهم، فلما علمت أم إسماعيل، هاجر عليها سلام الله أن هذا أمر من الله، استسلمت لأمر الله مستيقنة أنه لن يضيعهم، ولئن كانت تصبر على أمر نفسها، فكيف بها وهي تعلم أن بين يديها رضيعاً في أرض قاحلة! ولما بلغ معه السعي واشتد عوده، أمره الله تعالى أن يذبحه، فاستجاب لأمر الله بلا تردد، واستجابت أم إسماعيل، هاجر عليها سلام الله لأمر الله، وما ارتد لها طرف، ووقفت تنظر كيف استسلم إسماعيل عليه سلام الله لأمر الله، وتلّهُ أبوه للجبين وكادت السكين تجري على عنقه لولا افتداء الله له بذبح عظيم، وذاك أمر خلده الإسلام بعيد الأضحى.

 

وذلك البيت - بيت إبراهيم الخليل- بيت مبارك، وإنما نال تلك البركة بعظيم الامتثال لأمر الله، مهما كان شديدا، استحقت هاجر عليها سلام الله أن يخلد مسعاها الذي سعت بين الصفا والمروة، واستحقت أن تحل البركة بماء زمزم الذي تفجر بين رجليْ رضيعها عليه سلام الله، روى البخاري من حديث ابن عباس: «وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوَّى، أو قال: يتلبَّط، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبلٍ في الأرض يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي؛ تنظر هل ترى أحداً، فلم ترَ أحداً؛ فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة، فقامت عليها، ونظرت هل ترى أحداً، فلم ترَ أحداً؛ ففعلت ذلك سبع مرات». قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي e: «فذلك سعي الناس بينهما».

 

واستحق إبراهيم عليه سلام الله أن يجعل الله أذانه للناس بالحج مؤذنا أن يأتوه من كل فج عميق، وعلمه الله طواف البيت، والصلاة فيه قياما وركوعا وسجودا ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾، روى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في مستدركه، واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما أتى إبراهيم خليل الله صلوات الله وسلامه المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية، فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض». فمناسك الحج توقيفية من الله تعالى، ولا حق لأحد غيره أن يغير أو يبدل ما شرعه الله وهذا يغرس في النفس صدق العبادة وإخلاصها لله عز وجل وكمال التسليم لأمره وأن الشرع ما شرعه الله، فلا نقاش ولا جدال، فما بال أقوام إذا قيل لهم امتثلوا لأمر الله تثاقلوا إلى الأرض؟ وإذا قيل لهم أقيموا أوامره تجاوزوا فعل بني إسرائيل حين أمرهم بذبح بقرة، فذبحوها في النهاية بعد كثرة الأخذ والرد، ولكن ما بال أقوام تجاوزوا هذا، ولم يمتثلوا بل وابتدعوا أن يأخذوا التشريع من الشرق ومن الغرب! لقد امتثل الخليل لأمر فيه ذبح ابنه، ولم نؤمر إلا بأوامر ونواه فيها صلاح أمرنا، فمن باب أولى كنا أحق بالامتثال والصبر وحسن التنفيذ!

 

كيف وهذا الحج يعلمنا أن الله تعالى ما أنزل الشريعة وأوامرها إلا بما فيه خيرنا، علمه من علمه، وجهله من جهله، ففي الحج توازن بين ذكر الله تعالى وعبادته، وبين مقاصد الناس الدنيوية مما فيه منافعهم، ﴿...لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ...﴾، وكذلك دين الله، لم يكبت رغائب الإنسان ولم يطلقها، وإنما نظمها بأحسن نظام، حرم الربا وأباح التجارة، على ما في الربا من مساوئ، وما تجلبه التجارة من منافع، فليس المعنى أن خيرية الإسلام وصلاحيته في كونه وسطا بمعنى النصف بين الخير والشر أو بين طرفي الإفراط والتفريط كما يدعي أقوام، وإنما وسطيته في عدله وحسن رعايته للشؤون وخيرية أحكامه للبشر.

 

ولا شك أن الحج تذكرة عالمية للمسلمين بأنهم أمة واحدة من دون الأمم، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى، فاجتماع المسلمين للحج تذكير لهم بأن همهم واحد، ومسعاهم واحد، ومصابهم واحد، وانقيادهم لأمير الحج الذي يعينه أمير المؤمنين انقياد لمن بايعوه على السمع والطاعة لتنفيذ أمر الله فيهم، والحج سوق يتباحث فيه المسلمون فيما فيه صلاح أمرهم، يتعارفون فيما بينهم، مجسدين بذلك جملة من الأحاديث التي بينت أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد، وأنهم إخوة في العقيدة، وأنهم أمة من دون الأمم...

 

﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وتظهر معالم هذه النسك بأرقى ما ترتقي به بالإنسان من صفات الصبر والحلم والرحمة والشفقة والإيثار والتعاون، وهذه الصفات وغيرها تغرسها كثير من أعمال الحج وتنبذ القبيح والرديء والسيئ من الأخلاق كما قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ...﴾، فالحج منتدى يبرز فيه المؤمنون كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه، فأخرج أحسن ما فيه من نبت، ونفى كل درنٍ ورديء لا يليق بمؤمن وافد على الله.

 

فإذا كان من الحجيج ذلك، كان من الله تعالى مقابله أن يغفر ويستجيب، «الحجاج والعمار وفد الله، إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب".

 

وفي الحج ينتقل المرء من عبادة لعبادة، متقربا إلى الله تعالى، باذلا جهودا جبارة تهذب نفسه وتوطنها على الصبر على الطاعات، وتحمل الشدائد، فإذا ما نال منزلة القرب من الله تعالى وامّحت عنه خطاياه، وطّن نفسه على الانخلاع عن أسباب الخطايا، وجاهدها على الصبر على مشقة الطاعات ليعيش حلاوة الطاعة، فيتقرب إلى الله بما هو أهله، رغبة ورهبة.

 

وبذلك فإن الحج قمة ينهض إليها المكلف مرتقيا إليها، محملا بالإخلاص والانخلاع من سيئ الأقوال والأفعال، متقربا إلى الله بالطاعات تلو الطاعات، مجتمعا مع إخوانه في العقيدة، تائباً منيبا، راغبا بالتحلل من الذنوب والخطايا، متحملا المشاق، يثوب إلى بيت الله آمنا، ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً﴾، متبعا نسك إبراهيم الخليل، مقتديا بمحمد e، لا يبتدع، محرما بثياب بسيطة أشعث أغبر ينخلع عن بهرج الدنيا راغبا بما عند الله تعالى.

 

والحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر، وختام الأمر، وتمام الإسلام، وكمال الدين، فيه أنزل الله تعالى قوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا

 

فاللهم نسألك أن تيسر لنا حجا مبرورا لا جزاء له إلا الجنة، وقد جاء في الحديث أنه r قال: «الحج المبرور ليس له ثواب دون الجنة» قيل ما بره؟ فقال: «العج والثج» والعج رفع الصوت بالتلبية والثج نحر الإبل وغيرها وأن يثج دمها وهو سيلان الدم، فعلى هذا يكون معنى المبرور الذي قد أقيمت فروضه وسننه. وفي حديث جابر قيل: يا رسول الله ما بر الحج؟ قال: «إطعام الطعام وإفشاء السلام» فيكون المراد على هذا فعل البر في الحج وقيل المبرور المقبول.

 

والحمد لله رب العالمين

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

ثائر سلامة

وسائط

1 تعليق

  • Khadija
    Khadija السبت، 10 أيلول/سبتمبر 2016م 12:38 تعليق

    نسأل الله أن يبلغنا الحج ويوم عرفة وهو راض عنا، وقد منَّ علينا بخليفة راشد يطوف بنا ويخطب فينا ويوحد أمر المسلمين، يرضى عنه أهل الأرض وأهل السماء.
    إنه وليّ ذلك وهو على كل شيء قدير

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع