الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
سعد بن معاذ... بطل من أبطال المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سعد بن معاذ... بطل من أبطال المسلمين

 

 

لكل أمة أبطال، وهؤلاء مخلدون في ذاكرة أمتهم لما قاموا به من أعمال عِظام لا يقوم بها إلا الأبطال، وحتى الأمم التي لا أبطال لها - مثل أمريكا - فإنها تتخذ من قطاع الطرق والمجرمين أبطالًا لها، بعد أن تزين لهم أعمالهم الإجرامية وتحرف التاريخ والحقائق من أجلهم. أما أبطال الأمة الإسلامية فلا مثيل لهم بين الأمم، فذكراهم مخلدة في ذاكرة أمتهم وذاكرة الأمم الخصيمة لها، من مثل سيدنا محمد ﷺ وصحابته الكرام، وهم فوق ذلك والأهم منه مخلدون في جنة عرضها السماوات والأرض، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وحق لهم ذلك لما كانوا عليه من التميّز والتضحية والشجاعة والإيثار، ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

 

من هؤلاء الأبطال الذين غيروا وجه التاريخ في العصر الجاهلي الذي كانت تغص فيه الجزيرة العربية والإمبراطورية الفارسية والرومانية، هو نصير رسول الله ﷺ سعد بن معاذ رضي الله عنه، سيد الأنصار وقائدهم العسكري والسياسي، فقد كانت حياته القصيرة حافلة بالأعمال العظيمة ومواقف الرجال والفروسية، وقد كان ذلك واضحًا في سيرته، ابتداء بإسلامه، حيث كان على يد مصعب بن عمير رضي الله عنه، عندما أرسله رسول الله ﷺ للمدينة المنورة مع النفر الذين أسلموا وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، حيث خرج مع أسعد بن زرارة يريد دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ من بني عبد الأشهل وابن خالة أسعد بن زرارة، وكان هو وأسيد بن حضير يومئذ سيديْ قومهما وكلاهما مشرك على دين قومه، وبعدما أسلم أسيد بن حضير على يد مصعب بعد أن كلمه بالإسلام، قال له أسيد: "إن ورائي رجلاً إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرسله إليكما الآن، وهو سعد بن معاذ"، وانطلق أسيد وأخرج سعدًا بن معاذ إليهما، فقال سعد بن معاذ لأسعد بن زرارة: "والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، أتغشانا في دارنا بما نكره؟"، فقال له مصعب: "أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً أو رغبت فيه قبلته، إن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟" قال سعد: "أنصفت... جلس فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن"، قالا: "فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقة وتسهله"، ثم قال لهما: "كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟" قالا: "تغتسل فتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصل ركعتين".

 

لقد كان دخول سعد بن معاذ للإسلام بعيدًا كل البعد عن التقليد والهوى، وبعيدًا عن التصوف والمغالاة، فقد أسلم بعد أن سمع حجة مصعب بن عمير بأن الإسلام هو الدين الحق من عند خالق الكون والإنسان والحياة، فكان دخوله في الإسلام دخول مفكر يحاكم ويحاجج الأفكار والحقائق قبل الإيمان والتسليم بها، لذلك أصبح الإسلام دينه ومبدأه، فهانت الدنيا في عينيه، وعظمت تضحياته في سبيل عقيدته، وفي سبيل نصرة رسول الإسلام محمد ﷺ، ولم يغمض له جفن حتى أصبح للإسلام ولرسول الإسلام دولة تُدخل الناس في هذا الدين أفواجًا، وقد ظهر ذلك جليًا في أول عمل قام به بعد إسلامه مباشرة، حيث ذهب إلى زعيم وقائد عسكري آخر من قادة المدينة ليمهد الطريق أمامه للدخول في الإسلام (وهو أسيد بن حضير رضي الله عنه)، فقد أدرك سعد حاجة الإسلام لمن ينصره من أهل القوة والمنعة، لذلك باشر بكسب أهل القوة واستمالتهم ليصبحوا نواة أنصار الإسلام، ولم يؤجل ذلك العمل أو يوكله لغيره.

 

بعدما هاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة بعد أن اطمئن من سعد وصحابته من الأنصار على نصرته ونصرة الإسلام، كان لسعد مواقف الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومن تلك المواقف عندما خرج المسلمون إلى معركة بدر لملاقاة المشركين، فعندما استشار النبي الأنصار، قال سعد: "آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك مواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدواً غدًا، إنا لصبر عند الحرب صدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينك، فسِر بنا على بركة الله" فسرّ رسول الله بقوله، وحمل سعد لواء الأوس في المعركة وأبلى بلاءً حسناً. كما شهد سعد بن معاذ أُحدًا مع النبي ﷺ، وثبت معه حين ولى الناس وأبدى شجاعة فائقة.

 

أما ميتة الأبطال فهي لا تكون عادية مثل باقي البشر، بل هي شهادة في سبيل الله، وابتهاج السماء برحيلهم إليها، وهكذا كان بطلنا سعد بن معاذ رضي الله عنه، حيث استشهد رضي الله عنه يوم الأحزاب، كان يومها يلبس درعاً ضيقاً لا يستر ذراعيه، وبينما تراشق المسلمون والأحزاب بالنبال إذ أصاب رجل من المشركين (يقال له ابن العرقة) سعد بن معاذ بسهم في أكحله، فنزف جرحه رضي الله عنه فحسمه الرسول ﷺ بالنار، فانتفخت يده فحسمه، فانتفخت مرة أخرى فحسمه، فلما رأى سعد بن معاذ ذلك قال: "اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة"، فما قطر جرحه قطرة حتى نزل بنو قريظة على حكم سعد رضي الله عنه، وبعدها قال: "اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيئاً فأبقني له حتى أجادلهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها (يقصد الجرح) واجعل موتتي فيها"، فانفجر جرحه وإذا سعد بن معاذ ينزف دماً مات على أثره.

 

كما أن فراق الأبطال ليس كفراق غيرهم، أخرج ابن سعد عن عاصم بن قتادة قال: "فنام رسول الله ﷺ فأتاه ملك - أو قال جبريل - حين استيقظ، فقال: من رجل من أمتك مات الليلة، استبشر بموته أهل السماء؟ قال: «لا أعلم إلا أن سعداً أمسى دنفاً (مريضاً)، ما فعل سعد؟» قالوا: يا رسول الله، قد قبض، وجاءه قومه فاحتملوه إلى ديارهم، قال: فصلى رسول الله ﷺ الصبح، ثم خرج ومعه الناس، فبتَّ الناس مشياً حتى إن شسوع نعالهم لتنقطع من أرجلهم، وإن أرديتهم لتقع عن عواتقهم، فقال له رجل: يا رسول الله، قد بتتَّ الناس، فقال: «إني أخشى أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة». وروى الإمام البخاري رحمه الله تعالى بإسناده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي ﷺ يقول: «اهتز العرش لموت سعد بن معاذ»، واهتزاز العرش المذكور هنا فسره ابن حجر في كتابه فتح الباري بقوله: "والمراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه".

 

يا أهل القوة والنصرة!

 

لقد ملأت مواقف سيد الأنصار سعد بن معاذ قلوب المسلمين حبًا، فلا يذكر اسمه إلا وتلهج الألسنة بالدعاء له، ولا يسمع مؤمن بأن عرش الرحمن اهتز لموته إلا وفاضت عيناه غبطة له، فهل إلى مردٍ من سبيل؟! إن عظمة الرجال في صدق مواقفهم وسمو غاياتهم والصبر عليها مهما كانت الأحوال، والإصرار على تحقيقها مهما واجهتهم الأهوال... إنكم تعيشون في زمان تكررت فيه دعوة المهاجرين والأنصار نفسها، فكونوا لنا نعم الإخوان، فتلك نفحات الله تتعرض لكم ألا فتعرضوا لها، يا أنصار الله قوموا إلى عز دينكم، قوموا إلى عز أمتكم، قوموا إلى عزكم... هيا إلى نصرة هذا الدين، حي على خير العمل، وكونوا من القليلين الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بلال المهاجر – باكستان

 

 

وسائط

1 تعليق

  • omraya
    omraya الجمعة، 17 شباط/فبراير 2017م 14:46 تعليق

    جزاكم الله خيرا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع