- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
دور العلم والغزو التبشيري في هدم الدولة الإسلامية
الحلقة الثالثة
بيروت نقطة الارتكاز
بعد أن تعددت الإرساليات وتضاربت نشاطاتها اتفقت فيما بينها على توزيع أدوارها بحيث تغطي مختلف أنحاء دولة الخلافة العثمانية، فأخذت إرساليات التبشير الأمريكية على عاتقها قبائل النصيرية، وما لبثت أن ارتدت إلى جبل لبنان بعد فتنة 1860م.
وقد تركز نشاط الإرساليات والبعثات الفرنسية في سوريا ولبنان وفلسطين فضلاً عن بلدان شمال أفريقيا.
ومن الجدير ذكره ظهور نشاط الكنيسة البروتستانتية في لبنان عام 1848م، فأنشأوا الكنيسة الإنجيلية السورية والتي اهتمت بالطباعة والتعليم، إذ ساهموا عام 1834م بنقل مطبعة من مالطة إلى بيروت تُعنى بطباعة كتب الأدب والتراث العربي ونشرها بين الناس، ونشط المبشر الأمريكي المشهور "إيلي سميث" نشاطاً ظاهراً بعد أن عاد إلى بيروت سنة 1834م، ففي سنة 1827م كان قد أصابه الملل من عدم الإنتاج وتحقيق مآربه التبشيرية بين الناس، ولكنه عاد هو وزوجته وفتح مدرسة للإناث.
ومما يذكره المؤرخون عن بعثات التبشير البروتستنتي في لبنان، أنها أول من فتح مدارس للفتيات، حيث افتتحت مدرسة داخلية بإشراف السيدة "فورست" عام 1747م، وفي عام 1851م أنشأت الآنسة "آن وتيليس" مدرسة ثانية للبنات، وعلى الرغم من إقفالها لدواعٍ صحية من قبل القائمين عليها وعدم استمرار نشاطها التبشيري بين الفتيات، إلّا أن الإرسالية البروتستانية أعادت افتتاحها في صيدا عام 1862م، ومع بداية عام 1875م أخذت مدارسها تنتشر في معظم المناطق اللبنانية، وقد كان اهتمام المبشرين بالمدارس الداخلية للبنات لما يكون فيها من الأحوال المواتية والظروف السانحة بجعل الصلة الشخصية بالطالبات أوثق ولأنها تنتزعهن من نفوذ حياتهم البيتية القائمة على دين الإسلام.
ومن أهم الأعمال التي قاموا بها أيضاً، افتتاح فرنسا للكلية اليسوعية المعروفة بجامعة القديس يوسف اليسوعية، وافتتاح الأمريكان للكلية السورية البروتستانتية 1866م في بيروت بمساعي "دانيال بلس" والتي أصبحت الآن (جامعة بيروت الأمريكية)، وقد احتفلت بعيدها المئوي 1966م في تخريج أجيال من الشباب العربي متأثرة بالثقافة الأمريكية والفكر الأمريكي ليتسلموا دفة الإدارات بملء الوظائف الحكومية.
ولقد كان قيام إبراهيم باشا بتطبيق برنامج للتعليم في سوريا ولبنان مستوحى من برنامج التعليم المصري الفرنسي، فرصة سانحة لهؤلاء المبشرين الذين اغتنموها وساهموا في المشاركة بالحركة التعليمية من وجهة النظر التبشيرية مشاركة ظاهرة. وقد استطاعوا بنشاطهم هذا أن يوغروا الصدور بين رعايا الدولة الإسلامية باسم الحرية الدينية، وأوجدوا بين المسلمين والنصارى والدروز نشاطاً دينياً يتصل بالعقيدة، وقد ظهر هدفها جلياً خاصة بعد انسحاب إبراهيم باشا من بلاد الشام، حيث انتشر القلق والفوضى والاضطراب، فأشعلوا نار الفتنة، وتعدى وجودهم من وجود تبشيري إلى تدخل سياسي مباشر عن طريق إنشاء الجمعيات العلمية برعاية الإرساليات الأمريكية ووفق برنامجها الاستعماري والغزو الثقافي للبلاد الإسلامية.
وهذا ما سنتطرق إليه في حلقاتنا القادمة من سلسلتنا هذه لقراءة التاريخ قراءة عميقة واعية وربط ما تعيشه الأمة بمكائد الغرب وأحقاده التاريخية لما عانوه في حروبهم الصليبية من قوة المسلمين، وليقينهم أن العقيدة الإسلامية هي منشأ هذه العقيدة العظيمة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى