- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليم في اليمن؛ واقعه ومشكلاته
إن الثقافة الغربية التي دخلت بلاد المسلمين عبر البعثات التبشيرية والغزو الفكري كانت أول الوهن الذي أصاب الأمة الإسلامية وزعزع كيانها وبذر بذور الانقسام فيها لأنها صنعت من بعض أبناء المسلمين وخصوصا شباب الجامعات والمدارس وكثير من المثقفين شخصياتٍ مضبوعةً بالأجنبي الغربي تحب أن تأخذ عنه وتعتبره الشخصية التي يجب أن يحتذى بها، وهذا الخلل الذي أصاب الأمة نخر في كيانها الفكري والسياسي حتى هدمت الخلافة ومزقت بلاد المسلمين إلى مزق كثيرة، فقد حرص الغرب أن يكون المسلمون أمة ضائعة بلا هوية، أمة منسلخة عن دينها غارقة في شهواتها منهزمة أمام أعدائها لا تقيم لأحكام الله وزناً ولا تفكر بالنهوض إلا تقليدا له.
وبعد نجاح الغرب في هدم الخلافة العثمانية فرضت على الأمة الإسلامية مناهج تعليمٍ تتماشى مع الحضارة الغربية وحذفت كثيراً من الأحكام الشرعية ونصوصها وصارت سياسة التعليم تقليداً للأجنبي وانبهاراً بما لديه من تقدم علمي وتكنولوجي، فأصبح التعليم لا يخرج إلا مخرجات منهزمة لا تحمل رسالة الإسلام ولا همّ الأمة وقضاياها المصيرية، ثم أصبحت العقول المسلمة تهاجر إلى بلاد الغرب كون بلاد المسلمين ليس فيها التكنولوجيا والعلوم التطبيقية، فالأنظمة العميلة للغرب حرصت على أن تجعل البلاد غارقة في الجهل والفقر والمرض كي تذلل البلاد والعباد للأجنبي المستعمر وتجعلنا سوقاً لمنتجاته وعالةً عليه، فنهبت ثروات المسلمين عبر شركات أجنبية استعمارية وصُودرت المواد الخام، وهكذا كانت سياسة التعليم في عهد الأنظمة الجبرية سياسة تجهيل وقتل للعقول وعمالة فكرية وسياسية، حيث أصبحت المناهج والسياسات التعليمية تصوغها الدول الاستعمارية حسب عقيدتها فصل الدين عن الحياة، فالمغلوب أصبح تحت رحمة الغالب. حتى المواد الدينية التي تدرس فإنها إنما تدرس كأخلاق ومبادئ عامة وليس كأحكام شرعية عملية، وعقيدة ينبثق عنها نظام يعالج مشكلات الحياة مما غيب الناحية التطبيقية للإسلام وجعله مجرد فلسفة خيالية وأخلاق فاضلة، فقلّ التمسك به فغدت المواد الدينية محتقرة والمواد العلمية هي الفخر وهي المواد التي يسارع إليها الأذكياء وأصحاب المعدلات المرتفعة، بينما يكون حظ أصحاب المعدلات المنخفضة هي المواد الدينية فيخرجون جيلاً منحط التفكير وقليل الفهم وبارد الهمة كارهاً للمواد الدينية ومعقداً منها.
لقد استغل الغرب بُعدنا عن لغتنا العربية وعدم فهمنا لها ليقوم بتفسير مصطلحات ومعاني القرآن والحديث كما يشاء، وقد انطلى ذلك على بعض المسلمين بل ومعظمهم حتى أوجد مشيخات وجامعات ومراكز دينية تغريبية تفتي له بحسب الطلب، وكان فصل الطاقة العربية عن الطاقة الإسلامية من أهم العوامل التي ساهمت في إساءة فهم الإسلام وصعوبة تلقيه تلقيا فكريا منتجاً، إن المسائل التي ندرسها من الإسلام لن تحدث تغييرا في شخصيتنا وفي مسار حياتنا وفي مجتمعاتنا وفي مصير أمتنا إلا إذا درسناها كأفكار ندرك واقعها بعمق ونصدق بها فيتولد عن هذا الفهم والتصديق مشاعر إسلامية من جنس الأفكار تدفعنا للعمل بحسبها في الحياة، أما لو درسناها وأخذناها كمعلومات ولم تتحول إلى مفاهيم فإنها ستكون عديمة التأثير في حياتنا كما هو حال مئات الآلاف من خريجي المعاهد الإسلامية في بلادنا... فلا تكاد تلمس لتلك الملايين المتعلمة للمعارف الإسلامية من أثر فعال، بل بتنا نعاني من توظيف تلك الفئات من قبل الأنظمة الفاسدة بشكل سلبي، وهذا ناتج عن حمل هؤلاء للإسلام بشكل مغلوط يناقض حقيقته فبات الكثير منهم من شيوخ البلاط ومن علماء السلطة ومن كهنة الطغاة!!.
الفكرة الأساسية التي إن صح أخذها صح أخذ ما سواها هي العقيدة؛ فإن فهمت بشكل صحيح وحملت بوصفها فكرة كلية وإيماناً مستنيراً وأساساً لكل فكر ولكل حكم، دفعت الإنسان في الاتجاه الصحيح، وجعلت تفكيره صحيحا ومنتجا، وجعلته يحيا من أجل الإسلام وفي سبيله ولا يخشى إلا الله سبحانه...
إن مشكلات التعليم في اليمن تكاد تكون هي نفس مشكلات التعليم في بلدان العالم الإسلامي حيث سياسة التعليم فيها مرسومة من قبل الكافر المستعمر لتحقيق أهدافه في ضرب الأمة الإسلامية وإبقائها بعيدة عن النهضة أو التفكير فيها بالشكل الصحيح، ففي بلادنا اليمن أصبح التعليم متدهوراً بشكل كبير جدا وانتشر الجهل والأمية بكثافة كبيرة خاصة في الأرياف ومناطق القبائل والمدن غير الرئيسية، ويصنف اليمن في تقارير منظمة "اليونسيف" لعام 2016م ضمن مجموعة من التنمية البشرية المنخفضة حيث تصل نسبة الأمية إلى 48% لتكون إحدى أكبر نسب الأمية في العالم وتتركز بين النساء بنسبة 68%؛ إذ تزداد النسبة في الريف اليمني الذي يحتضن أكثر من 65% من إجمالي عدد السكان.
ومن أهم أسباب تدهور التعليم في اليمن:
1. سيطرة الغرب على مناهج التعليم والسياسة التعليمية فاستوردت المناهج والسياسات التعليمية في غالبها من مصر كما استورد الدستور المصري - الذي صنعته فرنسا - إلى اليمن.
2. الصراع الاستعماري الإنجلو أمريكي في اليمن والذي جعل البلاد في حالة من عدم الاستقرار مما جعلها تخرج من حرب إلى حرب مما أوجد بيئة غير مستقرة وغير ملائمة لحصول العملية التعليمية على وجهها الصحيح.
3. عدم توفر المدارس في كثير من القرى والمديريات والمدن مما أدى إلى ازدحام صفوف التدريس بالمدارس الموجودة حيث يبلغ في بعض الأحيان عدد الطلاب في الصف إلى 50 - 60 طالبا أو طالبة.
4. توظيف غير المؤهلين نتيجة الفساد والمحسوبية والحزبية الضيقة والترقيات الفئوية والعصبية القبلية؛ فمدير المدرسة والإدارة غير مؤهلين للعمل التربوي والإداري غالبا وهم مربوطون بأجهزة الدولة المخابراتية.
5. عدم توظيف الدولة للخريجين وإعطاء كل تخصص مدرّسه المناسب خاصة في المواد العلمية والتطبيقية بحيث أصبح المدرس يدرس عدة مواد في غير تخصصه.
6. عدم الاهتمام بالمعلمين من قبل الحكومة وقلة رواتبهم بما لا يكفي لسد الحاجات الأساسية لهم مما يؤثر على نفسياتهم وأدائهم حيث ينشغلون بأعمال أخرى لتوفير مصروفاتهم وإعالة أسرهم.
7. عدم توفر المعامل والمواد لعمل التجارب حتى في الجامعات، وإن توفرت فهناك من يسرقها ويبيعها في الأسواق السوداء حتى بلغ الأمر إلى بيع الكتاب المدرسي فيها بالشوارع والأرصفة بينما لا تجده في المدرسة.
8. عدم تكفل الدولة بالتعليم المجاني كما يجب وحسب السياسة الشرعية التي أمر الله بها.
9. عدم الاهتمام بالطلاب ذوي القدرات المميزة ومراعاة الفروقات الفردية بينهم ومعرفة ميولهم وتقويتها ودعمها.
10. عدم تمكن الطلاب من الالتحاق بالتعليم أو إكماله إما لانشغالهم بالعمل اليومي لمساعدة رب الأسرة نتيجة سياسة التجويع والإفقار والحالة الاقتصادية المتردية في البلاد، أو نتيجة لفشل العملية التعليمية وخلوها من عوامل الإثارة والتطبيق والربط بالواقع مما يؤدي إلى قلة الحماس والتهرب من الدراسة.
11. تكفل الدول الاستعمارية بالتعليم ودعمه والاهتمام بالمتعلمين مما زاد من تمجيد الأجنبي واحترامه ووصفه بصاحب الإنسانية والأخلاق فاغتر به الطلاب والمدرسون والآباء كونه يعطي الأموال مساعدة للطلاب والطالبات، فقد استغلت هذه الدول بمنظماتها الغربية المختلفة عدم اهتمام الدولة بالتعليم والحالة الاقتصادية للمعلمين والطلاب في التدخل المباشر لدعم المتعلمين وبالأخص الطالبات مما جعلهن عرضة للفساد والإفساد حيث تقوم هذه المنظمات ببث سمومها الاستعمارية في أوساط المتعلمين تحت غطاء الأعمال الإنسانية والاهتمام بالتعليم.
12. حتى العقول العائدة من بلاد الغرب من الأطباء والمهندسين والخبراء في الصناعات والعلوم التطبيقية بشكل عام لا يجدون في بلادهم الأجهزة التي تعلموا عليها ولا المصانع المناسبة فيعودوا ليعملوا في شركات أجنبية ودول غربية!
13. زادت الحرب نتيجة الصراع الإنجلو أمريكي في اليمن من تدهور التعليم على مدار سنتين تقريباً فتعطل التعليم وزادت المنظمات الغربية الهدامة وقصفت المدارس حيث غدت مخازن للأسلحة ومعسكرات تدريب للقتال والحرب وتسرب الطلاب إلى جبهات القتال وتوقفت الرواتب مما زاد الطين بلة وأصبح الكل يبحث عن اللقمة.
هذه هي أهم أسباب تدهور التعليم في اليمن - يمن الإيمان والحكمة - وهذا كله بسبب الغرب الكافر وسياساته الاستعمارية وأنظمته العميلة حيث أصبح المستعمر يغزو المسلمين عن طريق مناهجهم ويتلاعب بتاريخهم مصورا لهم أنه أتى منقذا لهم وليس محتلاً وصورت المناهج العثمانيين بالغزاة وحشيت عقول الطلاب بحضارات لا دينية ودينية غير إسلامية بينما تأريخهم مشوه منقوص ومطموس...
لقد فقدت الأمة الثقة في هذه المؤسسة اللاتعليمية فهي تسرب سموم التخريب لأجيال الأمة الإسلامية عبر سياساتها، ولن تحل مشاكل التعليم إلا برجوع الدولة الإسلامية دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة قريبا بإذن الله، فهي التي سوف توفر التعليم الممتاز لأولادنا حيث ستصنع منهم جيلاً حاملاً لرسالته فاهماً لقضيته خادماً لامته، لقد كان المسلمون هم رواد الصناعات والعلوم التطبيقية فصنعوا حضارة عظيمة تأثرت بها الأمم الأخرى ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلم يكن هناك مشكلة بين العلم والدين كما كان عند الغرب بين المفكرين والفلاسفة وبين رجال الكنيسة والملوك من ناحية أخرى، حيث كانت الكنيسة تحرّم العلم وتقتل العلماء وتحاربهم، بل إن الإسلام كان يحث على العلم ويوجبه ويكفي أن أول آية نزلت في القرآن الكريم افتتحت بكلمة (اقرأ).
وكانت الدولة الإسلامية عبر عصورها تهتم بالعلم والعلماء وتكرمهم وتفرغهم لذلك في مجالات العلم المختلفة وإن تفاوت ذلك مع قوة الدولة أو ضعفها.
إن عدم تطبيق أحكام القرآن والسنة وما أرشدا إليه من إجماع وقياس بعلة شرعية في واقع الحياة للفرد والدولة والمجتمع يجعل تعلم القرآن والسنة وفهم أحكامهما صعباً ومملاً يضيق منه الكثير من الطلاب والمتعلمين، وما حفظ الصحابة كتاب ربهم وفهموه وتيسر ذلك لهم إلا لأنهم يعيشونه واقعاً عملياً في جميع نواحي الحياة، فلم يكن الإسلام نظريات فلسفية وأفكاراً خيالية... بل أحكامٌ تتنزل بقدر الحاجة ولأجل معالجة الواقع ومشاكله... فهلا عملنا لإعادة تحكيم الإسلام وتيسيره للفهم وذلك بالعمل لإعادة دولته؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؟!!
اللهم إنا عاملون فوفقنا وتقبل منا
اللهم عجل لنا بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة
والحمد لله رب العالمين
#الخلافة_التعليم #Khilafah_Education
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن