- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
بالتعليم تحفظ ثقافة الأمة وهويتها...
وبالخلافة على منهاج النبوة يُضمن ذلك ويُنفذ
تشكل ثقافة الأمة جزءاً من كيانها، فعلى هذه الثقافة تُبنى حضارتها وتتحدد أهدافها وغايتها ويتميز نمط عيشها، وفي ثقافتها وجهة نظرها في الحياة والرابط الذي يـربط أبناءها معا والنظام الذي تعيش بحسبه، وثقافة أي أمة هي عقيدتها وما ينبثق عن هذه العقيدة من أحكام ومعالجات وأنظمة، وما يبنى عليها من معارف وعلوم، وما دار من أحداث مرتبطة بهذه العقيدة كسيرة الأمة وتاريخها.
والثقافة غير العلم، فالعلم عالمي لا تختص به أمة دون أخرى، وأما الثقافة فتكون خاصة تنسب للأمة التي نتجت عنها، فنقول على سبيل المثال الثقافة الغربية، ونقول الثقافة الإسلامية...
وتناضل الأمم من أجل سيادة ثقافتها ووجهة نظرها في الحياة، وتسعى للحفاظ عليها وتعمل على تخليدها ونقلها من جيل إلى جيل، ومن أهم الضمانات التي تحافظ من خلالها الأمم على ثقافتها هي أن تكون محفوظة في صدور أبنائها، وفي سطور كتبها التي تدرس في مدارسها وجامعاتها.
ولكن الناظر في واقع التعليم في بلاد المسلمين بعد هدم الخلافة يرى أن التعليم أصبح يعمل على هدم الثقافة الإسلامية في نفوس أبناء المسلمين بدل أن يبنيها، ويسعى لأن يُحِلَّ محلها الثقافة الغربية في إطار نهج مدروس من الدول الغربية وعملائها من الحكام، مستخدمين لتحقيق ذلك سُبلاً عدة، منها البعثات التبشيرية إلى بلاد المسلمين تحت مسمى نشر العلم، وبناء المدارس والجامعات، وإرسال بعض أبناء المسلمين للدراسة في البلاد الأجنبية ليعودوا إلى بلادهم مضبوعين بالثقافة الغربية ويسعون لنشرها في بلاد المسلمين، ووضع مناهج تعليمية مضللة ومفسدة، وما فتئ هؤلاء العملاء يقومون بإجراء تغييرات وتعديلات في المناهج من حين لآخر استجابة لإملاءات أسيادهم حتى لا تبقى أي صلة لهذه المناهج بالإسلام من قريب أو بعيد.
وحتى يعود التعليم طريقاً لحفظ ثقافتا الإسلامية في صدور أبنائنا، لا بد لنا من وضع سياسة تعليمية لا تخرج في أي جزئية من جزئياتها عن العقيدة الإسلامية أو تسعى لتشويشها أو إضعافها، فتجعل هذه السياسة مهمتها الرئيسية إنشاء الشخصيات الإسلامية، التي تجعل العقيدة الإسلاميةَ أساساً لتفكيرِها، وقاعدةً لمفاهيمِها التي تحملها عن الحياة، فتنبني جميع المفاهيم لدى هذه الشخصية على العقيدة الإسلامية، ذات الأساس الواحد المتجانس، غير المضطرب ولا المتفاوت ولا المتناقض، وبذلك تستطيع أن تحدّد موقفَها الصحيح من كل ما يقع عليه الحِس، بناء على العقيدة الإسلامية، سياسة تضمن إيجاد وجهة نظر صحيحة بين أبناء وبنات الأمة على أنّ الدين يقدم حلولا لمشاكل الأمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وجميع نواحي الحياة، وتثقفهم بالإسلام بطريقة تجعلهم قادرين على تطبيق الإسلام في حياتهم على المستوى الفردي وعلى جميع المستويات، سياسة تولي اهتماماً للعلوم الإسلامية من فقه وحديث وتفسير وعلم أصول وغيرها وتخصص لها فروعاً في المرحلة العالية كما تخصص فيها للطب والهندسة والطبيعيات وما شاكلها. سياسة تولي اهتماماً باللغة العربية فتجعلها لغة التعليم وتخصص لتدريسها وقتاً كافياً كما تخصص لباقي العلوم، وتمنع تدريس أي لغة غيرها للمراحل الابتدائية حتى يتقنها الطلاب، سياسة لا تدخل في مناهجها التعليمية أي شيء من شأنه أن يؤثر على الطلبة ويشككهم في عقيدتهم وحضارتهم أو يضعفها في نفوسهم من ثقافات الأمم الأخرى، وإذا أرادت أن تدخل من المعارف الثقافية للأمم الأخرى في مناهجها، فإنها تدخلها في المراحل العليا وفق سياسة معينة لا تتناقض مع الإسلام وأحكامه. وتعلم هذه المعارف كالفلسفة مثلاً لنقضها وإبطالها، ولا يعلم شيء منها من غير أن يعلم إلى جانبه نقضه وإبطاله.
ولا يعني هذا أن هذه السياسة لا تهتم بالعلوم التجريبية كالكيمياء والفيزياء والطب والهندسة، بل تهتم بها وتحرص على إدخالها لمراحل التعليم المختلفة حسب الحاجة وحسب المرحلة العمرية، وتفتح لها فروعاً في الدراسات العليا، بل قد يؤخذ مما توصلت إليه الأمم الأخرى في هذه العلوم وتدرسه في مدارسها وجامعاتها، ولكنها لا تدخل إلى مناهجها ما يخالف الإسلام كنظرية داروين مثلا بحجة العلم.
وحتى يتحقق ذلك لا بد من وجود دولة تحكمنا وترعى شؤوننا وفق ما ينبثق عن عقيدتنا من أحكام، دولة تشكل الضمان لتنفيذ سياسة تعليم تحافظ على ثقافة الأمة وهويتها كما حافظت عليها الدولة الإسلامية الأولى وحملتها إلى باقي الأمم والشعوب، فأثرت فيهم ولم تتأثر بما عندهم من ثقافات ومعتقدات، فكانت ترسل مع الجيوش علماء تبقيهم في البلاد المفتوحة لتعليم أهلها الإسلام واللغة العربية، بل كانوا يفتحون المدارس في البلاد المفتوحة بالإضافة إلى التعليم في المساجد، وقد عرفت هذه المدارس بأسماء السلاطين والخلفاء الذين افتتحوها كالمدرسة الصلاحية في القدس نسبة إلى صلاح الدين الأيوبي، وعندما أخذت من أهل تلك البلاد أخذت منهم الأشكال المدنية والعلوم التي لا تتعارض مع الإسلام، فالرسول e أرسل من يتعلم صناعة المنجنيق إلى البلاد التي تجيدها، ولكنه لم يرسل أحدا ليتعلم أخلاق وقيم وثقافة الفرس والروم، وعمر بن الخطاب أدخل الدواوين للدولة الإسلامية كأسلوب إداري، أخذه من الفرس دون أن ينقل معه ثقافتهم.
فتجعل هذه الدولة التعليم من أولى أولوياتها وأوجب مسؤولياتها كما فعل الرسول e عندما جعل فداء الأسرى في معركة بدر تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة، وتجعل التعليم مجانياً وتنفق عليه من بيت مال المسلمين، وتوفر البنية التحتية اللازمة من مختبرات ومكتبات وغيرها من وسائل المعرفة، وتشرف على وضع المناهج الدراسية في المدارس والجامعات وتجعلها واحدة في المدارس الحكومية والخاصة، ولا تسمح بوجود مدارس تعلم الثقافة الغربية في بلاد المسلمين، وتقطع أيدي المؤسسات التبشيرية والإفسادية التي تدخل مؤسساتنا التعليمية وتسعى لإفساد أبنائنا.
وهذا لن يكون إلا في ظل دولة مبدئية ترعى شؤون الرعية، وتعد أبناء المسلمين ليكون منهم العلماء المختصون في كل مجالات الحياة سواء في العلوم الإسلامية من اجتهاد وفقه وقضاء، أم في العلوم التجريبية من هندسة وكيمياء وفيزياء وطب وغيرها، علماء أكفاء يحملون دولة الإسلام والأمة الإسلامية على أكتافهم لتقتعد المركز الأول بين الأمم والدول في العالم، فتكون دولة قائدة ومؤثرة بمبدئها، لا تابعة أو عميلة في فكرها. وهذه الدولة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريباً بإذن الله، وقد وضع حزب التحرير رؤية واضحة لسياسة التعليم لتحقيق هذا الهدف، ضمّنها في الدستور الذي أعده وفي كتيب أسس التعليم المنهجي في دولة الخلافة، يمكن الرجوع إليهما للاطلاع عليها فالمقام لا يتسع لعرضها هنا.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم براءة مناصرة
1 تعليق
-
جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم