- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان شهر الطّاعات...
وهل هناك طاعة أعظم من تحكيم شرع الله في الأرض؟!
نحن في أوائل شهر رمضان الفضيل، هذا الشهر الذي تهفو فيه النّفوس وتتشوّق لخير الأعمال وأكثرها. وشهر رمضان أشرف شهور السّنة على الإطلاق؛ فضّله الله على الأشهر الأخرى وجعل العشر الأواخر من ليله أفضل عشر ليال في السّنة، وجعل أشرفها على الإطلاق "ليلة القدر" التي قال عنها إنّها خير من ألف شهر.
أكّد القرآن الكريم على فضل هذا الشّهر ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَان﴾. وكان المصطفى e يبشّر صحابته الكرام بمقدم شهر رمضان بقوله: «قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ». والصّيام من أحبّ العبادات إلى الله؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: أتيت رسول الله e فقلت: مُرني بعمل يدخلني الجنّة، قال: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ»، وعن سهل بن سعد أنّ النّبيّ e قال: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ: الرَّيَّانُ. قَالَ: يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ هَلُمُّوا إِلَى الرَّيَّانِ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ ذَلِكَ الْبَابُ»... فاختياره سبحانه وتعالى شهر رمضان لإنزال القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ﴾ تأكيد على فضله ومكانته الرّفيعة؛ فهو شهر الطّاعات الذي تنتظره أمّة الإسلام لتجدّد إيمانها وتقوّي صلتها بربّها فتبتعد عن المعاصي والآثام وتتقرّب لخالقها بالطّاعات والقيام...
لكن!... وفي ظلّ ما يشهده الإسلام من حروب صليبيّة يشنّها عليه وعلى أحكامه الأعداء كان لهذا الشّهر نصيب وافر من عداء هؤلاء. فقد جنّدوا كلّ الوسائل ليفرغوه من معانيه الرّوحية ويشوّهوه بمفاهيمهم الرّأسماليّة الفاسدة التي نشروها بين أبناء الأمّة بدهاءٍ وخبث شديدين ساعين بذلك لطمس معالم الحضارة الإسلاميّة وفرض حضارتهم الغربيّة. توجّهت سهامهم نحو هذا الشّهر لما فيه من معان سامية ترقى بالمسلم وتحييه في جوّ إيمانيّ فيّاض يمكن أن يحرّك فيه شعور الحنين للعيش بالإسلام بعد أن اكتوى بنار النّظام الرّأسماليّ الجشع الذي أذاقه والإنسانيّة جمعاء الفقر والقهر والحرمان. ففي شهر رمضان يرتاد المسلمون المساجد فيعمرونها وهو ما لا يروق لأعداء الإسلام وأعوانهم فيحاصرونها ويضيّقون على أئمّتها حتّى لا تقوم بدورها وتنشر الوعي في صفوف مرتاديها الذين يسعون لنيل رضوان ربّهم وطاعته.
إنّ العمل على طمس معالم الإسلام وحضارته وضرب أحكامه هو ديدن الغرب الصّليبيّ الحاقد يساعده في ذلك العملاء من أبناء جلدتنا ممّن خانوا الله والرّسول وطعنوا أبناء أمّتهم ويستميتون في إرضائه بالسّهر على إنجاح مخطّطاته وتحقيق أهدافه...
اقترن شهر رمضان بكمّ هائل من المسلسلات التي تبرمج خلاله؛ إذ تتسابق القنوات الفضائيّة للفوز ببثّ حصريّ طوال أيامه ولياليه فتقيّد المشاهدين بسلاسل لا يمكنهم التّحرّر منها وتحبسهم بين قضبان حلقات متتالية متواترة لمسلسلات تسلب أذهانهم وتأسر عقولهم! يبرمج المسلسل تلو الآخر حتّى لا يترك للنّاس مجال لأداء فرائضهم على الوجه الأكمل والصّحيح وحتّى ينصرفوا عن النّيل من فضل هذا الشّهر، ويتحوّل من شهر طاعات وعبادات على المسلم أن يغتنمه لتحصيل الأجر والحسنات إلى شهر شهوات ومسلسلات ينصرف فيه إلى ملء بطنه بما تنوّع من الأكلات ويشاهد ما تمخّض من منوّعات ومسابقات.
مع اقتراب حلول هذا الشّهر العظيم تطلق الحكومات العميلة صفّارات الإنذار وتتسابق لإظهار ولائها لمن يحاربون الإسلام وأحكامه تحت عنوان "محاربة الإرهاب"؛ فها هي مصر تقوم بمنع استخدام مكبّرات الصّوت خلال صلاة التّراويح وتحدّد موضوع خاطرتها ومدّتها فتفرض عدم الخروج عن موضوع "الأخلاق" وأن لا تتجاوز الخاطرة عشر دقائق. وها هي الجزائر تحدّد مدّة صلاة التراويح بساعة واحدة وتؤكّد وزارة الأوقاف والشّؤون الدّينيّة على الالتزام بتوقيت موحّد لأذان المغرب فحدّدت له طريقة موحّدة تتوافق مع "الإيقاع" المتعارف عليه في الجزائر كما ذكرت صحيفة الشّروق الجزائريّة أنّ الوزارة ضيّقت كذلك على إجراءات تسليم رخص استغلال المساحات القريبة من محيط المساجد لأداء صلاة التراويح في رمضان لدواع أمنيّة.
إجراءات الحكومات ظاهرها رحمة "التّخفيف على المصلّين"، وباطنها نقمة "نفوس تكره كلّ ما يوحي بالإسلام" وخدمة "توجُّهٍ حاقد على الإسلام وأحكامه". هكذا أصبح رمضان في ظلّ نظام رأسماليّ يسعى فقط لضرب حضارة الإسلام ومفاهيمها، يعمل جاهدا لفصل الإسلام عن حياة المسلمين بل إقصائه عنها. هكذا تستقبل هذه الحكومات رمضان لتنزع عنه ثوب الطّاعة والتّنافس في الخيرات وتلبسه ثوب الرّياء والتّشجيع على تلبية الرّغبات والشّهوات.
تعمل هذه الحكومات على التّضييق على الأئمّة ومحاصرة المساجد حتّى لا تقوم بدورها خاصّة في أنفس تهفو للطّاعة والعمل على التّقرّب لله ونيل رضاه. فللمساجد دور عظيم في وحدة المسلمين وتآزرهم وتآلفهم، وهي منابر لحلّ قضاياهم، ولأنّ لها هذه المنزلة كان أوّل عمل قام به الرّسول e هو بناء مسجد يجمع المسلمين فيه ويحلّ مشاغلهم ومشاكلهم. هذا هو دور المسجد في الإسلام: جمعٌ لشمل المسلمين وتوحيد لكلمتهم؛ لذلك لم يتوان الرّسول e في هدم مسجد الضّرار الذي بناه المنافقون لتشتيت المسلمين والإضرار بهم وتفريقهم. ومسجد الضّرار ليس حادثة مرّت وانتهت بل هي فكرة دائمة ومؤامرة مستمرّة ينفّذها أعداء الإسلام وأهله فتتنوّع وسائلهم للقيام بها وتنفيذها، يتظاهرون بالعمل لصالح المسلمين ونهضتهم و"الرّقيّ" بهم وهم يحاربونهم ويطعنون في دينهم ويشكّكون في أحكامه. فيا خير أمّة أخرجت للنّاس إنّ لك في آيات ربّك خيرَ دليل وأفضلَ مرشد لما يجب أن تكوني عليه مع أعداء ربّك ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا...﴾
شهر رمضان هو شهر الطّاعات وله فضل كبير ولكنّ العمل لاستئناف الحياة في ظلّ دولة ترعاه وترعى أحكام الإسلام وتطبّقها في النّاس أفضل وأعظم درجة! وهل هناك طاعة أفضل وأعظم من تحكيم شرع الله في حياتنا؟ أليست المناداة بتغيير واقع الأمّة لتحيا بالإسلام هي أرقى الطّاعات التي تتمّ بها بقيّة العبادات؟ فمتى تعي أمّة الإسلام أنّ الحكم بما أنزل الله هو تاج الفروض؟ متى تمشي وراء المخلصين من أبنائها العاملين لاستئناف الحياة الإسلاميّة والعيش في ظلّ دولة تطبّق فيهم أحكام ربّهم؟ متى تلفظ خير أمّة أخرجت للنّاس كلّ الدّساتير الوضعيّة والقوانين البشريّة وتطالب بدستور ربّ البريّة ليخرجها ممّا هي فيه من هوان وذلّ ودنيّة؟!!!
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التّحرير
زينة الصّامت
3 تعليقات
-
بارك الله فيكم
-
بارك الله فيكم و تقبل منكم الطاعات
-
بارك الله فيكم