الأربعاء، 30 صَفر 1446هـ| 2024/09/04م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الأنصارية (أم ضي) وأزمة الوقود!

 

قصة الأنصارية أم ضي تلك المرأة التي عاشت في حالة إنكار دائمي لواقعها، فكانت لا ترى في نفسها بأنها شخص عادي، إنما هي صاحبة ملكات عالية، وتستطيع أن تعالج كثيراً من المشاكل التي تجابه النساء في مدينتها لقاوة غرب السودان، وذلك عن طريق ما يسمى (بالزار) الذي كانت تمارسه بمهارة عالية. وكذا لم تكن تعترف بكونها امرأة فكانت ترتدي الجلابية الأنصارية التي كنيت بها، وتلبس العمامة الخاصة بالرجال حاملة سوطها، تجوب الطرقات في أواخر الليل مستعدة لضرب كل من يجابهها. وقد بلغ بها الإنكار ذروته حينما قررت أن تعبر (خور شلنقو) وهي على ظهر ثورها محلقة في الهواء، وحينما حاول ابنها ثنيها عن هذه المغامرة المحكوم عليها بالفشل حتما، انتهرته وقالت نحن السيادي نحن الشيخ الزيبون الذي يطير في الهواء ثم أطلقت عنان الثور وما هي إلا لحظات حتى تعثر الثور فسقطت الأنصارية أم ضي وسقط متاعها عليها ثم ولى الثور هاربا تاركا الأنصارية على الأرض وهي تئن تحت الأحمال التي انهالت عليها. وهنا فقط أدركت الأنصارية أم ضي أنها امرأة ضعيفة عاجزة حتى عن النهوض.

 

هذه هي الحالة التي تعيشها وزارة النفط والغاز وهي في أشد حالات الإنكار عن وجود أزمة في الوقود. فقد صرح لصحيفة الصيحة الوزير المقال قائلاً: (نملك كمية من البنزين تغطي كل أنحاء السودان) كما أكد على عدم تأثير صيانة المصفاة على توفير الوقود حيث قال: (صحيح إن جزءاً منها تحت الصيانة ولكن الجزء الآخر يعمل ويغطي كل الاحتياجات). وجاءت تصريحات وزير الدولة بوزارة النفط سعد الدين البشرى أمام البرلمان لتفضح حالة الإنكار تلك، فقد اعترف بتفاقم أزمة الوقود بالبلاد وعجز الوزارة عن معالجتها وتأسف على عدم مقدرة الوزارة لتعويض الناس عن الخسائر التي لحقت بهم في المشاريع الزراعية ونفوق الحيوانات، كاشفا عن أن عدم توفير التمويل في الوقت المناسب للصيانة هو سبب أزمة الوقود مبيناً أن عملية صيانة المصفاة تحتاج إلى 102 مليون دولار لم توفر حتى الآن. وفي سياق متصل من حالات الإنكار فقد صدر عن وزير المالية محمد عثمان الركابي في الصحف الصادرة في يوم 2018/5/10 قائلا (إن أزمة الوقود التي شهدتها البلاد خلال المرحلة الماضية قد انتهت وإن تكدس الصفوف أمام محطات الوقود سببه حالة الخوف وعدم الاطمئنان التي عاشها المواطنون خلال الفترة الماضية) وفي صحف اليوم نفسه جاءت تصريحات وزارة النفط لتكشف حالة الإنكار التي يعيشها وزير المالية حيث صدر تصريح من وزارة النفط يقول: (الوقود درس قاسٍ للحكومة ولم نحدد وقتا لانفراج الأزمة).

 

إن وزارة النفط ظلت في حالة الإنكار التام للأزمة إلى أن وقع الفأس على الرأس، وهلك الحرث والنسل فدمرت آلاف الأفدنة من مختلف المحاصيل والخضروات، ونفقت الآلاف من الحيوانات، وكذلك اصطفت السيارات أمام محطات الوقود لساعات طوال أملا في الحصول على الوقود، بل بعضها ظلت في محطات الوقود حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. اعترفت الوزارة وذرف وزير الدولة دموع التماسيح بعد أن اكتشف أن وزارته سقطت تماما كما سقطت الأنصارية أم ضي ولكن كان ابن الأنصارية أم ضي ذلك الابن البار كان إلى جوار أمه فحينما نادت عليه لينهض بها وجدته بجوارها فهُرع إليها وحمل تلك الأحمال التي كانت على ظهرها ونهض بها. أما هذه الحكومة فلا بواكي لها، ولن تجد من أبنائها وبطانتها من يبرّ بها ويأخذ بيدها.

 

إن حالة الإنكار هذه حالة عامة ومنهج ثابت تتعامل به الحكومة مع معظم المشكلات التي تمر بها البلاد بالرغم مما فيه من استخفاف بالناس، وتسطيح للعقول، ومع ذلك ظلت تتعامل بهذا المنهج، فحين بروز أزمة الدقيق أنكرتها، وكذلك أزمة السكر أنكرتها، وحينما كشفت امتحانات مادة الكيمياء أنكرتها، كما أنكرت حجرها على أموال الناس بالمصارف... وقد أنكر أحد مشايخ الإنقاذ التراجع عن المشروع الإسلامي!! مدعيا أن بعض المتربصين بالمشروع الإسلامي يريدون الانقضاض عليه (سبحان الله وأين هو المشروع الإسلامي هذا!!). لقد أصبح الإنكار منهجا تتبعه الحكومة للقفز على المشاكل أملاً في الإبقاء على الأوضاع تحت السيطرة!!

 

وللخروج من هذه الأزمة فقد قرأنا بعض الأطروحات منها ما قال به وزير الدولة بوزارة النفط حيث طلب من أعضاء البرلمان (الدعاء) لحل ضائقة الوقود، ولا أدري إلى من سيلجأ أعضاء البرلمان في دعائهم هذا! هل سيدعون صندوق النقد الدولي الذي يطيعونه ويجيزون توصياته! أم سيدعون الله الذي يعصونه ويشرعون من دونه؟ أما مقترح إمام مسجد الشهيد (الشيخ الكاروري) للخروج من أزمة الوقود فقد طلب من الناس أن يصلوا صلاة الاستسقاء لتوفير الوقود وقال إن صلاة الاستسقاء ليس للمطر وحده إنما هي عامة.

 

وقد علق أحد الساخرين قائلاً: (كان ينبغي أن يدعو لصلاة الاستنباع بدلا من صلاة الاستسقاء). أما عضو البرلمان الموقرة فقد ارتأت أن سبب الأزمة هم المغتربون الذين عادوا من السعودية، بسبب إجراءات ابن سلمان الطاردة، ويرغبون أن يعيشوا في الخرطوم وفي حالة رفاه، فيجب إدخالهم في معسكرات حتى يتعلموا حياة التقشف... نقول لهؤلاء وأمثالهم ما هكذا تورد الإبل!!

 

 إنه لحل أي مشكلة لا بد من الاعتراف بها أولاً، ومن ثم تحديد أسبابها وأبعادها وآثارها، ومن ثم البحث عن الحل الصحيح بالاستناد إلى قاعدة مقطوع بصحتها. ولا ننخدع فنتعامل مع آثار المشكلة وما تلبث إلا قليلا حتى تعود المشكلة بحجم أكبر أو بمظهر آخر. وقد تجلى منهج حل المشاكل هذا في الخليفة عمر بن عبد العزيز، فحينما أسند إليه أمر الخلافة نظر في الأمر مليا فوجد أن هنالك ثلاث مشاكل لا بد من حلها كي تستقر الأمور ولا يصلح القفز عليها، وذلك لأن همه كان مرضاة الله أولاً، ثم تحقيق مصالح الناس ثانيا وليس كرسي الحكم، فوجد أن هنالك مشكلة سياسية متعلقة بكيفية تولي الحكم...

 

ومشكلة مالية، إذ إن خزينة بيت المال كانت خاوية... ومشكلة اقتصادية متعلقة بشح الإنتاج وقلة الموارد. فبعد أن صعد المنبر وحمد الله وأثنى على رسول الله r. قال للناس إن هذا الأمر أسند إليَّ بغير علم مني ولا مشورة منكم، وهذا لا يصح في دين الله والأمر موكول إليكم. فاختاروا من ترونه أهلاً لذلك. فأجمع الناس على اختياره... ثم عمد إلى المشكلة المالية وكان يعلم أن هنالك (قططاً سماناً) أخذت المال بغير وجه حق، ولكنه كان حريصا على تنظيف يد أهل بيته أولا، لذلك طلب زوجته وهي ابنة الخليفة عبد الملك بن مروان فطلب منها أن تأتي بكل المال الذي ورثته من أبيها وكان يرى فيه شبهة، وقال لها أنا وأنت وهذا المال لن نعيش تحت سقف واحد، فاختارته دون المال فوضعه في بيت مال المسلمين... ثم عمد إلى كل الذين أخذوا مالاً بغير وجه حق فأعاده إلى بيت المال مبتدئا بأبناء عمومته من أمراء بني أمية، ثم انتقل إلى الآخرين فجمع تلك الثروة في بيت مال المسلمين. ومن ثم التفت إلى الضائقة المعيشية فأخذ تلك الأموال كلها وبنى بها بنية تحتية قوية للزراعة، فشق القنوات وأصلح الأراضي وأقرض المحتاجين، وما هي إلا بضعة أشهر حتى جمع مالا وفيرا من الزكاة والخراج، فجابوا الأمصار فلم يجدوا فقيراً يأخذ الزكاة ولا معسرا في دين ولا أيما يريد الزواج إلا وكفوه، وما تبقى من الحبوب نثروه على سفوح الجبال بأمر منه وقال قولته الخالدة إلى أبد الدهر (انثروا الحب على رؤوس الجبال حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين).

 

إن الناظر في واقع السودان يجد أن هذه المشاكل التي جابهت الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز هي عينها التي تواجهنا اليوم... وما بقية المشاكل إلا استنساخ وتفريع لهذه المشاكل. فإذا اتبعنا المنهج ذاته الذي اتبعه عمر بن عبد العزيز فسنصل إلى النتائج نفسها بإذن الله. فهل من عزيمة؟!

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس حسب الله النور - الخرطوم

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع