- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
على خطا أمنا خديجة بنت خويلد
من عظيم نعم الله عز وجل على أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها أن جعلها أول من آمن بالإسلام وصدق رسالة سيد الخلق e، ورزقها الثبات لكي تكون السند والمعين لزوجها e فخاطبته بكلمات تظهر الحكمة والوعي وثبات الرأي حينما أتاه الوحي لأول فقال لزوجه: «لَقَدْ خَشِيْتُ عَلَى نَفْسِي» فقالت له: "كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".
كانت السيدة خديجة بنت خويلد أول من أسلم وأول من ناصر الدين، تتعلم أمور دينها وتحمل الدعوة وتنفق عليها من مالها. صمدت لسنين في الحصار مع زوجها eومن أسلم معه تكابد الجوع وتتحمل أذية ذويها ومقاطعتهم لها وهي المرأة الثرية بنت سيد بني أسد وسيدة قريش.
لم تكن السيدة خديجة من أصحاب المنابر ولم تشتهر بين العرب بالفصاحة والشعر ولم يعرف عنها أنها عالمة ولم تشهد المعارك، كما أنها لم تشتهر برواية الحديث، ولكنها كانت ركنا من أركان الدعوة، ساندت دون إشهار، وبذلت من مالها دون إظهار، وأعطت من وقتها وجهدها. إنها امرأة ملأت الكون وهجاً في صمت ووقار وذاع صيتها بالكمال وهي مكرمة في بيتها فأصبحت سيدة نساء الأرض وبُشرت بأنها سيدة نساء الجنة فكانت القدوة والمثال لبنات جنسها.
لقد كانت أمنا خديجة السكن لزوجها e، كانت له ردءاً وعونا، تحاور بالحكمة حينا وتعالج بالدفء أحيانا. وقد آمنت به e إذ كفر به الناس، وصدقته إذ كذبه الناس، وواسته بمالها حين حرمه الناس. ثبتت بالرغم من المشقة وطول الطريق وأذى الأهل والعشيرة ولم يكن صبرها إلا لإرضاء ربها عز وجل. صبرت خديجة وثبتت على المبدأ وعلى دعم الحق فنصرت زوجها e خير خلق الله ونالت ذلك الشرف العظيم قبل أن يحين وقت طلب النصرة وقبل أن يفوز الأوس والخزرخ بهذا الشرف. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ e فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ».
نصرت السيدة خديجة الإسلام في وقت الأزمات ثم رحلت عن دنيانا الفانية قبل أن تشهد عز الإسلام وأمان المسلمين، رحلت قبل الهجرة للمدينة وإقامة دولة الإسلام بثلاث سنوات. رحلت ولم تتعب ولم تتذمر من طول الطريق وتأخر النصر، فالنصر من عند الله عز وجل. ولعل اللافت في نموذج أم المؤمنين أن قضية الإسلام أصبحت مركز الحياة والشغل الشاغل، أصبحت الدعوة للإسلام وعزِّهِ هي التجارة والبضاعة. وبالرغم من عظم الدور الذي قامت به إلا أن الظهور لم يكن غاية ولم يكن هدفا. ولم يكن لها قضية منفصلة عن قضية الإسلام والعمل لنصرته.
شتان بين هذا النموذج الفريد وهذه الشخصية القوية وبين واقع اليوم الذي يحذف بالمرأة لهاوية النرجسية الفارغة تحت شعارات تحقيق الذات والتمكين في المجتمع وإبراز دور المرأة! شعارات حولت بيوت المسلمين من السكينة والدفء لفوضى من اللجاجة والشحناء... صراعات متواصلة ومعارك طاحنة تُهزم فيها المرأة روحاً وإن انتصرت، تعيش في قلق متواصل تلهث وراء شعارات التمكين والتفوق على أعمال الرجال بينما يحاصرها الفشل الأسري. تحارب في معركة خيالية غير محسودة على انتصارها الوهمي. أصبحت المرأة تزاحم الرجال في الشأن العام كله كي تكون صنواً للرجل بينما تستهين بدورها العظيم كراعية لبيتها وتهمل رعيّتها. وتترك النشء يترنح بين الأفكار الهدامة.
لقد أبعد الغرب المسلمين عن دولتهم، كما أبعد المرأة المسلمة عن فطرتها وجعلها تتنكر لها وتتقمص دورا لا يليق بها. تسعى لاهثة وراء سراب يحسبه الظمآن ماء. أبعدوا فكرة الخلافة الراشدة عن أذهان المسلمين وجعلوهم - لعقود طويلة - يتحرجون من مجرد ذكرها بالرغم من أن الخلافة ليست مجرد فرض يأثم تاركه ويثاب فاعله، إنها الكيفية الوحيدة لتطبيق أحكام الإسلام ولا يطبق الإسلام إلا بها فهي تاج الفروض، وهي الجُنة، وهي الضامن لتمكين الإسلام وبسط سلطانه في الأرض بتطبيق أحكامه على المسلمين في الداخل وحمله إلى العالم كله.
لهذا فإن حمل المرأة المسلمة للدعوة هو شرف عظيم ومسؤولية جسيمة ولكن يحتاج لفرط عناية وحذر كي يظل العمل ربانيا يحقق رضا الرحمن عز وجل. ولا بد للمرأة المسلمة حاملة الدعوة أن تكون حصيفة متنبهة لأثر المفاهيم الغربية على نفسياتنا وعلى مجتمعاتنا.
المرأة في الإسلام هي أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان وهذه الدعوة التي نحن بصددها من المفترض - بل من المحتم - أن تسير جنبا إلى جنب وتنسجم مع دور المرأة آنف الذكر. فحمل الدعوة لا يجوز أن يبعد المرأة عن أمومتها، ولا ينبغي أن يمنعها من أن تكون ربة بيت، فالأمومة من فطرتها. فلذلك كان من الطبيعي أن تتزوج، وتنجب أطفالا وترعى بيتا، بجانب تثقيفها لنفسها بالدراسة الفردية والجماعية، وخوضها لحلبات الصراع الفكري مع كل فكر يخالف الإسلام. تعمل مع العاملين لإعادة عز المسلمين بتطبيق شرع الله وإقامة دولة الإسلام. تقوم بكل ذلك وهي ملتزمة منضبطة بأوامر ربها تعمل في إطار الأحكام الشرعية التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة في الحياة العامة. وتنظم الأولويات تبعا لما أمر به رب العالمين.
حري بالمرأة المسلمة اليوم أن تسعى لتغيير المجتمع كما فعلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وأن يكون عملها خالصاً نقياً ربانياً. تحمل الدعوة حمل مؤمنةٍ تسعى لرضا ربها وترى الفلاح في نيل رضوانه عز وجل. لا يصرفها عن ذلك شعارات براقة تسعى لإخراجها من دورها الطبيعي وهدم أسرتها وتصور لها أن التميز في مناطحة الرجال فتصارع الرجل بدلا من التعاون معه على البر والتقوى والسعي نحو تكامل دوريهما في سبيل نهضة البشرية ورفعة الإنسان.
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)