الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

طريقة تفسير القرآن

 

تفسير القرآن من العلوم الضرورية التي يحتاجها المسلم حتى يفهم كلام الله، إلا أن هذا العلم لم يحظ بالاهتمام الذي لقيته العلوم الإسلامية الأخرى.

 

وفي هذا الصدد فإننا نرى الإمام السيوطي ينبه إلى هذه النقطة في جملة ذكرها بدر الدين الزركشي في قواعده عندما قسم علوم الثقافة الإسلامية إلى ثلاثة، وذكر علماً لا نضج ولا احترق وهو علم التفسير، في إشارة إلى أن هذا العلم لم يخدم بما فيه الكفاية. أضف إلى ذلك أن كثيرا من الذين تصدروا للتفسير وخصوصا منذ أيام العصر الهابط لم تكن محاولاتهم تعد تفسيرا لأنهم لم يلزموا أنفسهم بضوابط معتبرة عندما شرعوا في شرح آيات القرآن. ويظهر الخطر عندما نرى أن التفسير أصبح علما بدون أصول واضحة بل أصبح أبعد ما يكون عن التفسير، بل وأداة لحرف المسلمين عن منهج القرآن السليم وجعله كتابا مفرغ المضمون وبدون رسالة واضحة.

 

بل وأصبح مقبولا أن القرآن قد يعني أي شيء وهذا متوقف على فهم المتصدر للتفسير بحسب انطباعه الخاص حول تفسير الآية! وصار قول الإمام علي إن القرآن حمال أوجه سبيلا للقول بالقرآن حسبما يوافق حياة الناس والواقع!

 

ولهذا كان لا بد لنا بوصفنا حراساً للإسلام أن نكون قادرين على تصور فهم مجمل لطريقة التفسير فنكون قادرين على التمييز بين ما يكون تفسيرا وما لا يكون تفسيرا للقرآن.

فدعونا نتدارس الطريقة التي وضعها علماء الأصول كنموذج يتبع في التفسير للقرآن والذي يجعلنا نأمن من الزلل، وفي الوقت نفسه نطلق لعقولنا المجال للإبداع بحسب هذه الضوابط.

 

إن طريقة تفسير القرآن تقوم على فهم واقع القرآن والموضوع الذي جاء به.

 

أما الأدوات التي تقودنا إلى ذلك فهي:

 

١. اللغة العربية

٢. السنة النبوية.

ولا شيء آخر غيرهما.

وسنأتي على ذلك ببعض من التفصيل؛

 

أما واقع القرآن من حيث اللغة فهو كلام عربي، فيجب أن يفهم واقعه باعتباره كلاما عربيا، يقول جل وعلا ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً﴾... فما معنى هذا؟

هذا يعني أن القرآن:

 

١. مفرداته عربية وتراكيبه عربية ولا يحتوي إلا ألفاظا عربية.

٢. واقع التصرف في المفردات في تراكيبها والتصرف في التراكيب بوصفها تراكيب إنما هو تصرف عربي في مفردات عربية في تراكيب عربية أو تصرف عربي في تراكيب عربية من حيث التركيب جملة.

٣. القرآن اعتمد النهج العربي في الذوق العالي في أدب الخطابة وأدب الحديث في كلام العرب.

 

إنْ إدرك هذا الواقع للقرآن بشكل تفصيلي تسنى تفسيره وبدون ذلك لا يكون تفسيرا. وهذا لأن القرآن لم يخرج قيد شعرة عن ألفاظ العرب وعباراتهم ومعهودهم في الكلام.

 

أما من حيث الموضوع، فكونه رسالة من الله يبلغها الرسول ﷺ للبشر فإن فيه ما يتعلق بهذه الرسالة من العقائد والأحكام والبشارة والإنذار والقصص للعبرة والذكرى، ووصف لمشاهد يوم القيامة والجنة والنار للزجر ولإثارة الشوق، وكذلك القضايا العقلية للإدراك، والأمور الحسية والأمور الغيبية التي هي مبنية على أصل عقلي، للإيمان والعمل، وغير ذلك مما تقتضيه الرسالة، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن على النبي ﷺ ليبينه للناس ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وهكذا تكون السنة الثابتة عنه ﷺ من أقوال وأفعال وتقارير مبينة على ذلك.

 

وهكذا لا بد من الاطلاع على سنة الرسول ﷺ قبل البدء، وعند تفسير القرآن، فلا يمكن فهم موضوع القرآن بدون الاطلاع على سنة الرسول ﷺ. وما يحتاجه المفسر هو إدراك مدلولات الحديث ما دام واثقا من أن الحديث صحيح من مجرد تخريج الحديث.

 

وسنتناول الآن النقطه الأولى وهي واقع القرآن بشيء من التفصيل:

 

١. واقع القرآن من حيث مفرداته، فلو نظرنا إلى المفردات فإننا نلاحظ أنها قد ينطبق عليها:

أ) المعنى اللغوي حقيقة والمعنى اللغوي مجازا. وقد يبقى استعمال المعنى اللغوي والمجازي معا ويميز بينهما بالقرينة في كل تركيب.

ب) يتناسى المعنى اللغوي ويبقى المجازي فيكون المجازي هو المقصود.

ج) ينطبق عليها المعنى اللغوي فقط ولم تستعمل في المجازي لعدم وجود قرينة إلى المعنى اللغوي.

د) ينطبق عليها المعنى اللغوي ومعنى شرعي جديد غير اللغوي حقيقة وغير اللغوي مجازا وتستعمل في المعنى اللغوي والشرعي في آيات مختلفة، والتركيب يعين أي معنى مراد منهما.

 

أمثلة:

 

استخدمت كلمة قرية بالمعنى اللغوي ﴿حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ﴾ وبالمعنى المجازي ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾.

وكلمة الغائط في اللغة تعني المكان المنخفض وفي المجاز قضاء الحاجة، استخدم المعنى المجازي وأهمل اللغوي في قوله جل وعلا: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾.

والطهر والطهارة من النجاسة استخدم فيه المعنى اللغوي في قوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾. ولتعني إزالة الحدث كما هو المعنى الشرعي لاستحالة نجاسة المؤمن في قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ﴾.

 

أما الصلاة فقد استخدمت بالمعنى اللغوي وهو الدعاء في قوله جل وعلا: ﴿يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ واستخدمت بالمعنى الشرعي في قوله تعالى ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ﴾.

٢. واقع القرآن من حيث التراكيب. ومن تقصي الألفاظ من حيث وجودها في تراكيب فإنها لا تخرج عن نظرتين:

أ) كونها ألفاظا وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة وهي الدلالة الأصلية. وماذا يعني هذا؟ أي أن اللفظة المفردة في التركيب يتغير معناها بحسب التركيب. فلا ينفع مع ذلك فهم معنى الكلمة بمجرد البحث عنها في القاموس. وهذا لأن اللغة فيها مفردات:

 

(١) تحمل ألفاظا مشتركة مثل كلمة العين.

(٢) تحمل ألفاظا مترادفة مثل كلمتي ظن وزعم.

(٣) تحمل ألفاظا مضادة مثل كلمة قرء الحيض والطهر. وما ينطبق على المفردات في التراكيب ينطبق كذلك على التراكيب نفسها لأنها ألفاظ وعبارات مطلقة دالة على معان مطلقة وهي دلالتها الأصلية ما لم ترد قرينة تدل على غير ذلك فيكون المعنى المطلق هو المراد وهذا هو الأصل في القرآن.

 

ب) كون التراكيب ألفاظا وعبارات دالة على معان خادمة للألفاظ والعبارات المطلقة. فكل خبر يقال في الجملة يقتضي بيان ما يقصد في الجملة بالنسبة لذلك الخبر. فنقول قام زيد إن كانت العناية بالخبر ونقول زيد قام إن كانت العناية بالمخبر عنه، ونقول إن زيدا قام في جواب السؤال ونقول والله إن زيدا قام في جواب المنكر. وهكذا تكون الجملة على ما يؤدي ذلك القصد بحسب المخبر والمخبر عنه والأخبار والحال والمساق وفي نوع الأسلوب كذلك. ومثال ذلك أجزاء الآيات المكررة في السورة الواحدة والسور المختلفة وكذلك القصص والجمل التي تتكرر في القرآن بما فيها من أنواع التأكيد والاستفهامات الإنكارية وغير ذلك مما يتضمن أنواع الدلالة التابعة. ولا تكاد تجد تعبيرا حوّل عن وضعه الأصلي كتقديم الخبر أو تأكيد الخبر أو ذكر شيء دون شيء إلا وكان لها نكتة بلاغية لإيجاد معنى خادم للمعاني المطلقة التي تتضمنها الألفاظ والعبارات في الآية.

٣. ومن حيث التصرف في المفردات:

 

وهي في:

  1. تراكيبها.
  2. أو التصرف في التراكيب. فإنه على معهود العرب كانوا:

أ‌)    لا يرون الألفاظ حتمية الالتزام بها عندما يكون المقصود المحافظة على معنى التركيب.

ب‌)    وكذلك لا ترى جواز العدول عن الألفاظ بحال من الأحوال حين يكون المقصود أداء المعنى التي تقتضي الدقة في أدائها التزام اللفظ الذي يكون به الأداء أدق.

والأول مثاله: قول الرمة: وظاهر لها من يابس الشخت واستعن عليها الصبا واجعل يديك لها سترا، فقال أنشدتني من بائس فقال يائس وبائس واحد. ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ و﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ فاستغني ببعض الألفاظ عما يرادفها أو يقاربها.

 

 

أما الثاني فمثاله: أنشد أحدهم، لعمري وما دهري بتأبين هالكٍ * ولا جَزِعٍ مما أصابَ فأَوجعا

 

فقال هالك بدل مالك، فقال الرواية مالك وليس بهالك والمرثي هو مالك لا مطلق شخص هالك. وجاء القرآن بألفاظ ملتزمة لا يمكن أن يؤدى المعنى بدونها كقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾. هذان المثالان متعلقان بالمحافظة على التعبير باللفظ نفسه أو عدم المحافظة.

 

أما من حيث المحافظة على المعنى الإفرادي بتبيانه أو عدم المحافظة فيهتم العرب بالمعاني المحفوظة في الخطاب وهو المقصود الأعظم. هذا يعني أنه إذا كان المقصود في الجملة المعنى التركيبي فإنه يكتفى بالمعنى الإفرادي لئلا يفسد على القارئ معنى الجملة التركيبي، مثال ذلك لما سئل عمر بن الخطاب عن قوله تعالى: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَباً﴾ قال: نهينا عن التكلف.

 

أما إذا كان المعنى الإفرادي ضرورياً لفهم المعنى التركيبي فيجب بذل العناية لفهم المعنى الإفرادي. مثال ذلك لما سأل عمر نفسه عن معنى التخوف في قوله تعالى: ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ قام رجل من هذيل فقال: التخوف أي التنقص.

 

٤. القرآن يراعي عند الكلام تعبيرات يقصد منها مراعاه الأدب العالي. مثال ذلك الإتيان بالكناية عن التصريح فيما يستحى من ذكره مثل الكناية عن الجماع باللباس في قوله تعالى: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾. استخدامه أسلوب الغيبة عن الخطاب في معرض العتاب كقوله جل وعلا: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ ليكون العتاب أخف على المعاتب. وأمثلة ذلك كثيرة...

 

٥. أما واقعه من حيث المعاني الشرعية كالصلاة والصيام، والأحكام الشرعية كتحريم الربا، والأفكار التي لها واقع شرعي كالملائكة، فالقرآن جاء في كثير من آياته مجملا وجاء الرسول ﷺ وفصله، وعاما وجاء الرسول ﷺ وخصصه، ومطلقا وجاء الرسول ﷺ وقيده. وهكذا، فإن السنة ضرورية لمعرفة ما في القرآن من معان وأحكام وأفكار.

 

وفي النهاية طريقة تفسير القرآن هي أن تتخذ اللغة العربية والسنة النبوية الأداتين الوحيدتين لفهم القرآن وتفسيره من حيث مفرداته وتراكيبه؛ من حيث المعاني الشرعية والأحكام الشرعية والأفكار التي لها واقع شرعي. وهكذا يتيسر التمييز بين ما هو تفسير أو ليس بتفسير، ويكون متاحا لمن يسهل الله له أن يخوض هذا الغمار ويريد أن يثري الثقافة الإسلامية بما شحت به مكتبتها سائلين الله العون والتوفيق في الذود عن الإسلام وعلومه وإيقاف هذه الموجة الجائرة في حق علم التفسير.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

مريم بدر (أم مؤمن)

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع