الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  سياسات البشير الرأسمالية تنشئ جيلاً من المشردين المنبوذين!

  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، أما بعد:


إن ما تراه في شوارع الخرطوم يدمي القلوب ويحزن النفوس حيث ترى الأطفال - من سن أربع وخمس سنوات وحتى سن الخمس عشرة - تراهم مشردين يجوبون الشوارع باحثين عن لقمة العيش؛ فمنهم من يبيع صناديق المناديل والحلوى أو بعض البضائع ومنهم من يتسول مادّاً يده الصغيرة، ومنهم من يمسح لك زجاج السيارة بخاطر مكسور، وإشارة المرور حمراء، فلديهم دقيقة واحدة فقط لتحصيل بعض القروش من سائقي السيارات، أطفال ملامحهم يكسوها التبلد واللامبالاة وملابسهم قذرة وأقدامهم حافية، نظراتهم باردة ولا يهمهم الخطر المحدق بهم حين تفتح الإشارة وتتحرك السيارات مسرعة! ولا يقتصر المشهد على الأولاد الذكور فقط بل ترى الفتيات والنساء؛ منهن من تحمل رضيعاً تستغله لتستجدي شفقة الناس، ومنهن من كُسر عندها حاجز الحياء فلم تعد تبالي أين هي من نظرات الطامعين - لا يلفت نظرهن إلا من يمد يده إلى جيبه ليخرج لهن مبلغا من المال عادة ما يكون خمسين قرشاً بالعملة المحلية أو أقل ويعادل أقل من خمسين سنتاً أمريكياً! وفي خضم هذه الدوامة اليومية كثيراً ما يخيب أمل هؤلاء وأولئك، فيبتعد عنهم أصحاب السيارات ولا يفلحون في جمع مال كافٍ لسدِّ رمقهم، في حين أن بعضهم ينتمي إلى عصابات متخصصة في التسول فيخافون من الرجوع إلى مقر العصابة بدون مال، فيلاحقون المارة أيضاً، وهؤلاء كالأموات الأحياء، كل واحد مثقل بالهموم بسبب الأوضاع الاقتصادية الخانقة في البلد فلا يعيرهم اهتماما، مع أنه يرثى لحالهم.


وهذا ليس كل ما تراه! فإن كنت تتساءل أين أسر هؤلاء الأطفال؟ فلن تمر من مكان إلا وتجد "ستات الشاي" وهن نساء - أرامل أو مطلقات أو زوجات مهجورات - يسترزقن ببيع الشاي والقهوة على قارعة الطريق، ويجلس حولها من يجلس من الزبائن في مشهد "مقلق"، في بعض الأحيان في حجرات عشوائية مبنية من الطين أو تحت راكوبة من "الخيش" القديم لا تدري ماذا يحدث خلف هذه الغرف المشبوهة والتجمعات البشرية المتعددة الخلفيات حول "مراكز" "بيع الشاي" هذه، والمحزن أن أبناء البائعة وبناتها - منهم أيتام الأب - يركضون حولها فلا تدري أي جو يعيش فيه الصغار، وفوق كل ذلك هذه المرأة العاملة المرهقة تلاحقها السلطات لتحصيل الضرائب على هذا العمل المضني وتستغلها الدولة كمصدر دخل!


ويعتصر قلبك ألماً وأنت تتذكر نعمة الله عليك في منزل دافئ وأطعمة طيبة وكهرباء وماء شرب واستحمام، بالنسبة لهم رفاهية لن يتذوقوها أبداً! وتتساءل هل رأى هؤلاء الأطفال - في حياة التشرد هذه - ماءً نظيفاً أبداً؟! وهل أكلوا طعاماً لا يصارعهم عليه الذباب أبداً، طعام لا تملؤه القاذورات والجراثيم؟! فمصدر طعامهم في أغلب الأحيان هو مكبات النفايات!


كما إنك تخاف وترتعب حين ترى نظرة الحقد والحسد في أعين هؤلاء الصغار المساكين الذين لم يروا من هذا العالم إلا القساوة والعوز! وعلمتهم حياة التشرد أن البقاء للأقوى في المجتمع، وأنه لا مكان للقيم والأخلاق بين الناس، بل الناس بالنسبة لهم فئتان؛ فئة ثرية حتى التخمة، وفئة فقيرة تكاد تموت من الجوع كل يوم تنام في الشوارع! والحكومة لا تهتم لهم ولا لقضيتهم فكثيراً ما يلجئون للسرقة لتحصيل لقمة العيش، وحياتهم مبنية على الكذب والنهب والضرب والتعذيب على أيدي عناصر الشرطة التي تسبّهم وتطردهم من الأماكن بسبب تذمر الناس وخوفهم منهم! وفي نهاية اليوم تنتظرهم الأرصفة الحارة للنوم مع الحشرات المؤذية، هذا هو عالمهم!

 

هذه حياتهم اليومية، فكيف لا يسرقون؟! كيف لا يتعاملون بعنف وكراهية وهم منبوذون؟! كيف لا يحقدون؟ وكيف لا يحسدون من حولهم؟!


إن هؤلاء الأطفال مشروع ضخم لتفريخ المجرمين والقتلة والعصابات لأجيال قادمة!


فهذه الأسر تعيش في الشوارع! فلا بيت لهم للرجوع إليه في آخر النهار ولا معيل يرعاهم! ولا دولة تحنو عليهم وتكفيهم شر الجوع والفقر والعوز ولا ترحم ضعفهم! بل ولا كرامة لهم ولا إنسانية! مثلهم مثل الحيوانات التي تجوب الشوارع! حتى من دخل المسجد منهم ليجد له مكانًا آمنًا يُطرد شر طردة!! فماذا نتوقع منهم إلا أن يكبروا ليكونوا شخصيات همجية لا تحتكم إلى العقل والدين؟!


لقد وصلت أعداد الأطفال المشردين في الخرطوم العاصمة «13» ألف طفل مشرد و«36930» طفلاً مشردًا على مستوى السودان وذلك وفقاً لمسح أجرته منظمة اليونسيف لرعاية الأمومة والطفولة، ومما يجعلنا نأخذ بصحة مسح اليونسيف أن النسبة أقرب للواقع المشاهد، بينما تتضارب هذه الأعداد مع ما كشفته دراسة علمية لوزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية عن: (2447 مشردًا بولاية الخرطوم بينهم (42.5%) من الفئات العمرية ما بين (12-17) عاما، فيما بلغت نسبة الذكور منهم (62.2%)، ويمثل العاملون (58%) من الفئة، في وقت أكدت خروج (30%) منهم للشارع بدافع العمل، وأكدت مديرة الإدارة العامة للرعاية الاجتماعية بوزارة التنمية والتوجيه كوثر عبد الله الفكي أن (61%) من أسر المتشردين تعيش في الخرطوم، ونبهت في ورشة حول "وقائع التشرد بولاية الخرطوم" عُقدت الأحد 8-12-2013 لظاهرة تشرد الأسر التي استشرت مؤخرا، لافتة النظر إلى أن أعدادا مقدرة من المتشردين لديهم أطفال ما اعتبرته مؤشرا خطيرا ينبئ بقدوم أجيال مشردة كليا ومولودة في الشوارع! وأبانت كوثر أن التشرد الجزئي يمثل (47%) من جملة المتشردين بالولاية.).


هذه التصريحات أعلاه تعكس مدى فشل وضيق نظر هذه الوزارة التي لا ترجع للسبب الحقيقي وراء قضية أولاد الشوارع وتتجاهل سوء رعاية الحكومة لهم والأوضاع الاقتصادية المزرية، وكما تعطي أعدادا أقل بكثير من المشاهد.


وهذا ليس كل شيء، فنسبة المتشردين الذكور المشاهدة في الشوارع كانت في السابق 99%، ولكن في العشر سنوات الماضية تزايدت أعداد الإناث المشردات لتصل حوالي 10%، والجدير بالذكر أن هذه المشكلة في تفاقم منذ الثمانينات من القرن الماضي ويكثر الكلام عنها، ولكن كما هو متوقع يقل القيام بأي فعل حقيقي لإيجاد حلول لها، فالوزارات المتعاقبة لم تنجح في حل المشكلة بل ساهمت في تفاقمها بالسماح لحلول وقتية كالاعتماد على المنظمات الخيرية، ومعظمها منظمات غربية التمويل وتنصيرية الأهداف، أو اعتمدت على دعم الشركات الرأسمالية الكبرى بالتبرعات، فتتنصل الوزارة من مسؤوليتها الشرعية وتهمل القضية التي أوكلت بطبيعة الحال إلى بعض الخيريين في محاولات ضعيفة لسد الثغرات!


ومن جهة أخرى تطالب هذه الوزارات بتفعيل قوانين وضعية أخرى كقانون عمالة الأطفال الغربي الذي لا يمت لواقع هؤلاء الأطفال بصلة، مما يفضح تقصير النظام في أداء حقوق الرعاية، بل ويكشف أن هذا التقصير هو تقصير مقصود نتيجة عدم تطبيق الأحكام الشرعية الربانية السمحة في حق الناس.


لنأخذ مثلاً واحداً من هذه الأحكام الشرعية التي تكوّن مواد الدستور المتعلقة بالنظام الاقتصادي في الإسلام - من مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير - "المادة 125: يجب أن يُضْمَنَ إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد فرداً فرداً إشباعاً كلياً.

وأن يُضْمَنَ تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع."


وحاجات الإنسان في هذه الحياة على قسمين: حاجات أساسية لا بد من إشباعها، وكمالية يُفسح له المجال ليتمكن من إشباعها. فالإنسان لا يستطيع العيش دون مأكل أو مشرب أو مسكن أو ملبس أبداً، فإن لم يجدها يتفرق لطلبها، ويصعب عليه أن يؤلف مجتمعاً سوياً عند عدم وجودها، ويصعب عليه أن يستقر في عيشه أو يستمر، هذا من حيث واقع الحياة، وقد جاءت الأدلة من القرآن والسنة مبينةً بوضوح أن الحاجات الأساسية للإنسان هي المأكل والملبس والمسكن، يقول تعالى بخصوص المأكل والملبس: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]، ويقول سبحانه وتعالى بخصوص المسكن: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ﴾ [الطلاق: 6].


ودور الدولة التأكد من إشباع هذه الحاجات الأساسية ومن ثم الحاجات الكمالية، قال صلى الله عليه وسلم: «من ترك ضياعاً فإلينا وعلينا» أي على الدولة، وقال صلى الله عليه وسلم: «الأمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته» وقال صلى الله عليه وسلم: «أيما أهل عَرصة أصبح فيهم امرؤ جائعاً فقد برئت منهم ذمة الله تبارك وتعالى».


فهل بعد ذلك تُترك فلذات الأكباد مشردين في الشوارع؟!


نعم تُترك فلذات الأكباد وأسرهم للتشرد في الشوارع لأنها مؤامرة على أبناء الأمة الإسلامية لإفسادهم وإبعادهم عن العيش في ظل نظام الإسلام العظيم! ونعم تُترك فلذات الأكباد وأسرهم للتشرد لأنهم ضحية فساد النظام الحاكم الذي لا يطبق شرع الله تعالى! هم الفقراء ضحية الأوضاع الاقتصادية المتردية بينما يعيش النظام في رفاهية وثراء فاحش!


إن الحل الوحيد لهذه المصيبة الكبيرة في السودان لا يكون إلا بإسقاط نظام عمر البشير العلماني الرأسمالي الذي أورث البلاد الفقر والجهل والمرض والذي أضاع الأجيال القادمة وجعل منهم مشروع عصابات مشردة، ولن يضمن للرعية حقوقها الأساسية إلا تطبيق ما أنزل الله تعالى من أحكام شرعية عادلة ومطمئنة.

 

وهنا نروي موقفًا لسيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه - خليفة المسلمين - مع الأطفال:


"اهتزت المدينة، وعَجت طرقاتها بالوافدين من التجار الذين نزلوا المصلى، وامتلأ المكان بالأصوات.

 

فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما: هل لك أن نحرسهم الليلة من السرقة؟! فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما، فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صوت صبي يبكي، فتوجه ناحية الصوت، فقال لأمه التي تحاول إسكاته: اتقي الله وأحسني إلى صبيك.

 

ثم عاد إلى مكانه فارتفع صراخ الصبي مرة أخرى، فعاد إلى أمه وقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان في آخر الليل سمع بكاءه، فأتى أمه فقال عمر رضي الله عنه في ضِيقٍ: ويحك إني أراك أم سوء، مالي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة؟!


قالت الأم في حزن وفاقة: يا عبد الله قد ضَايَقتَني هذه الليلة إني أُدَربُهُ على الفِطام، فيأبى.


قال عمر رضي الله عنه في دهشة: وَلِمَ؟


قالت الأم في ضعف: لأن عمر لا يفرض إلا للفَطيم.


ارتعدت فرائص عمر رضي الله عنه خوفاً، وقال في صوت متعثر: وكم له؟


قالت : كذا وكذا شهراً.


قال عمر رضي الله عنه: ويحك لا تعجليه.

 

ثم انصرف فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم قال: يا بؤساً لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين؟! ثم أمر لكل مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق."


وحسبنا الله ونعم والوكيل! اللهم فرجك بخلافة راشدة على منهاج النبوة - اللهم آمين.


وصل اللهم وبارك على أشرف المرسلين سيد الخلق أجمعين

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أم حنين

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع