نُزِعَ الخمارُ وبانت العورات
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لطالما تغنت فئة واسعة من الطبقة السياسية في تونس بأنها تعمل وتسهر من أجل صون البلاد، بحفظ أمنه ورعاية أهله.
فصارت تلهث وراء كل محفل لتنشد علينا تغزلها بهاته الشعارات والرمزيات متخذة من معاناة بعضها أيام الدكتاتورية رصيدا ومرتكزا تستجدي به قَبول المستمعين وترقُب تصفيقاتهم.
وككل ظاهرة صوتية، يلتفت إليها الناس حينا من الدهر وقد شدّتهم حلاوة الكلمات وعذب الألحان أول المشوار، ثم يتركز السمع فتُنصت لتبحث وتمحّص صدق الأداء وطول النفس، ليتبيّن واضحا جليا لكل ذي عقل بصير أن حلاوة الكلمات في صدقها وأن العذوبة في تناغم أفكار المرء وقناعاته وأن الطرب تميّز وتجذّر.
ولأن كل هذا غاب عن تلك الفئة ولم يكن له أثر كان رَجْعُ الصدى نشازًا، ولعل ما جاء على لسان مهدي بن غربية (عضو مؤسس لحزب التحالف الديمقراطي وهو أحد الأحزاب المعارضة المشاركة في الحوار الوطني الأخير) في الذكرى الثالثة لاندلاع الثورة أبلغ من كل تعليق، حيث قال "الناس عندها غضب على الطبقة السياسية، غضب على المعارك الوهمية التي خضناها حول الهوية والدستور... ثم أنا أسأل أين زعامات المعارضة في سيدي بوزيد؟ لا يوجد أحد لأني أعتقد أنّنا مرفوضون سلطة ومعارضة لأنهم يلومون علينا أننا لم نخض المعارك السياسية من أجل التنمية... بل من أجل كرسي الحكم".
حقا أصبح الكل لهم قالٍ ولائم صارم، فقد تلمّس الجميع وضاعة ما يقدمون وتفاهة ما يبشرون به، كيف لا؟ وهم يتعالون على أبناء الأمة ويدّعون حكمة غائبة، فلا يحسون إحساسهم ولا يعقلون مطالبهم حينا ويغضّون الطرف عنها ويتنكّرون لها حينا آخر، ولعلّ ما رد به راشد الغنوشي (رئيس حركة النهضة الحاكمة) على الهبّة الشعبيّة المطالبة بالشريعة الإسلامية وأحكامها العادلة بأنها فتنة ودعوى للفرقة بين أفراد المجتمع يغنينا على مزيد تعليق.
أما التعالي والتكبر فيحضر ويظهر كلما غابت المبدئية والقيم الرفيعة وهو ما يقرّون به ذات أنفسهم حينما يصرون على أن لا أخلاق في السياسة، وهو ما ترجمه وما صرح به خميس كسيلة (عضو المكتب التنفيذي لحزب حركة نداء تونس المعارضة) حين قال: "المبادئ مكانها الكتب وإدارة البلاد تحتاج التكتيك".
ولأن استلام قيادة الناس يحتاج همة وثقات، رفض أهل هذا البلد الطيبون تسليمهم إياها، فهم ليسوا رعاة شؤون وليسوا محل ثقة، إنهم لا يرعون إلا مصالحهم، وولاؤهم فقط لحاميها؛ فهم يستمدّون سلطانهم من المستعمر الكافر ولا يلقون بالا للأمّة، وهو ما رأيناه رأي العين في عدة مناسبات؛ منها الزيارات المكوكية على السفارات الأجنبية ورعاية سفراء هذه الدول للحوار وما تمخّض عنه من تعيين مهدي جمعة كرئيس للحكومة، وهو الذي لم يطرح اسمه على طاولة النقاش قطّ من أي فصيل سياسي بادئ الأمر.
فكم من أنَّات وحسرات! للمخلصين نقول: كيف يكون لهؤلاء باع وذراع ويكون لهم شرف خدمة هذا الجزء من الأمة الإسلامية وشرف رعاية شؤونه، أمة اعتادت العزة فأذلّوها، أمة خير فأفقروها، وأمة قيادة فجعلوها مقودة... ولهم نقول لعلهم يتذكّرون فيستدركون: لا تنسوا أنكم أبناء أمة المصطفى فلا تستحبّوا الذل والمهانة، لا تنسوا أنكم أهل الدار فلا تكونوا أجراء تعملون بالوكالة لحساب الآخرين، لا تنسوا أن لا عزّة لكم إلا بإسلامكم.
فكفى خضوعا وخنوعا؛ فقد سبقكم في ذلك بن علي ومبارك والقذافي وغيرهم كثير ولكن نالهم وسينال الآخرين نفس المصير.
فلا تسمحوا لأجسام هزيلة أن تعبث بأمة عريقة ولا تكونوا لذلك سبب... لعلكم تهتدون.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
قيس بن جميع - تونس