الجمعة، 18 صَفر 1446هـ| 2024/08/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

هل تسير تونس على خُطا الثورة المضادة في مصر؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

 


كانت تونس هي فاتحة الخير الذي بها كسرت الأمة حاجز الخوف الذي ألجمها لعقود طويلة ظلت خلالها الأمة تعاني الظلم والقهر والطغيان، من خلال حكام رويبضات جثموا على صدرها ردحا من الزمن، إذا تكلم أحد قطعوا لسانه، وإذا رفع رأسه قطعوها، وإذا كتب بقلمه قصفوه له، فتسربلت الأمة بخوف شديد منعها من أن تقول للظالم أنت ظالم، فظهر وكأن هذه الأمة قد تودع منها، وفي لحظة ما ظن البعض أن هذه الأمة قد ماتت والسلام. فإذا بالأمة تثور وتنتفض لتثبت للعالم أنها أمة حية لا تموت، قد تمرض ولكنها لا تموت.


لقد كان البوعزيزي الشرارة التي فجرت الثورة في تونس، لتلحق بها مصر واليمن وسوريا وليبيا، ليكون عنفوانها نبراسا لباقي شعوب الأمة، وأملا ينبعث في النفوس ليزلزل عروش الطغاة، فإذا كان أهلنا في تونس قادرين على إزاحة الطاغية بن على، فباقي شعوب الأمة قادرة على إزاحة طواغيتهم، وهم وإن تعددت أسماؤهم فطغيانهم واحد، وهم وإن تعدد أسيادهم فهم في العمالة سواء.


وإنه وإن كانت تلك الثورات الجوالة قد أسفرت عن خلع طواغيت تونس ومصر وليبيا واليمن بينما لا يزال طاغوت سوريا يرواح مكانه، إلا أنها وللأسف الشديد لم تسقط أس البلاء ومكمن الداء، تلك الأنظمة العفنة التي صنعها الغرب الكافر في بلادنا على عين بصيرة. لقد فزع الغرب عندما رأى تلك الأصنام تتهاوى واحدا تلو الآخر، فكان أن مكر مكر الليل والنهار فقام باحتواء تلك الثورات ومن ثم الالتفاف عليها، في محاولة خبيثة منه ليعيد الأمور إلى نقطة الصفر. لقد كان استمرار بشار أسد في الحكم برغم المعارضة الشديدة له والتي تحولت لمعارضة مسلحة، حافزا للغرب على استنساخ دكتاتوريات جديدة تحفظ له مصالحه وتقف سدا منيعا أمام حراك الأمة نحو نهضتها في ظل خلافة على منهاج النبوة.


نعم لقد نجحت أمريكا في استنساخ نظام مبارك مرة ثانية من خلال مدير مخابرات مبارك عبد الفتاح السيسي، وذلك بعد أن أدركت أمريكا خطورة اللعب بورقة الإسلام السياسي المعتدل، الذي قد تنفلت الأمور من بين يديه لتقع في يد المخلصين من أبناء التيار الإسلامي الذين لا يرضون عن نظام الخلافة بديلا، ولا يسكتون عن تآمر الغرب، بل يفضحون مخططاته ويصلون الليل بالنهار لإخراجه من بلاد المسلمين والقضاء على أي نفوذ له. نعم لقد خططت أمريكا لذلك وهي تعلم أنها بهذه الخطوة سينفجر في البلاد شلال من الدماء، خاصة وهي ستدعم نظاما قمعيا استبداديا سيفوق نظام عميلها السابق مبارك، ذلك أن الناس قد تنسموا عبير الحرية وكسروا حاجز الخوف، ولكن متى كانت أمريكا تعبأ بالدماء، ولا سيما إذا كانت الدماء دماء مسلمين.


لقد أعلن النظام الجديد - القديم حربا على إرهاب مزعوم أو محتمل كما سماه السيسي عندما طلب من الشعب تفويضا بمحاربته في مسرحية هزلية غير مسبوقة. فإذا بمن أعطوه هذا التفويض يتفاجأون بأن الحرب المزعومة هي حرب على الإسلام، فقد أطلق النظام كلابه المسعورة تنهش في الإسلام ودعاته، بعد أن كمم الأفواه ومنع كل صوت قد يصدح بالحق. فأغلق مسجدي رابعة العدوية والفتح تحت ذريعة "دواعٍ أمنية"، ولا يزال المسجدان مغلقيْن لما يقارب العام، كما منع غير الأزهريين من الخطابة، وأغلق المساجد الصغيرة التي تقل مساحتها عن ثمانين مترا مربعا، وأغلق غيرها يوم الجمع إن لم يتوفر لها خطيبٌ أزهري، وحارب ملصقا يذكر الناس بالصلاة على رسول الله في تصرف غبي ليدرك الناس حجم كرهه للإسلام.


لقد كانت تسير مصر على خُطا ثورة تونس، فخلعت طاغوتها كما خلعته تونس، واليوم تسير تونس على خُطا الثورة المضادة في مصر، فحوادث الإرهاب تزداد في تونس يوما بعد يوم واليد القاتلة الآثمة هي نفس اليد، والمتهم هو نفس المتهم، هو الإسلام الراديكالي المسيس كما يحلو لهم أن يسموه، والمساجد تغلق في تونس في سابقة جديدة وكأنها على خُطا النظام في مصر تسير، فقد أقدمت الحكومة التونسية على غلق 149 مسجدا خارجاً عن إشراف وزارة الشؤون الدينية إلى حين تعيين القائمين عليها من قبل السلطة، وبغض النظر عن السبب المعلن وراء غلق تلك المساجد فهو غلق غير مبرر وكان من الممكن معالجة الأمر دون إصدار مثل هذا القرار الذي يعد سابقة خطيرة، ما سبقهم بها سوى السيسي ونظامه المضاد للثورة.


ربما لا يحتاج النظام في تونس لانقلاب عسكري على غرار ما حدث في مصر طالما يمكنهم أن يصنعوا نظاما مماثلا من داخل النظام الحالي، فبداية من دستور يكرس العلمانية كدستور مصر وانتهاء بانتخابات تلفيقية ومرورا بالقدرة على صناعة حالة عداء مع التيار الإسلامي ووسمه بالتشدد والطرف، يمكن للثورة المضادة في تونس أن تنجح كما حدث في مصر. لولا عون الله ومن ثم ثبات بطولي لحزب التحرير في تونس الذي كشف مخططات الكافر المستعمر، لكان إفشال الثورة وما جلبته من مساحة لا بأس بها من القدرة على التعبير عن الرأي أقرب من رد الطرف، وما محاولة الحكومة البائسة لسحب العلم والخبر من حزب التحرير في تونس إلا محاولة لإسكات صوت الحق الذي يفضحهم ليل نهار، ويستميت في وضع تونس على السكة الصحيحة نحو خلافة على منهاج النبوة يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض، ومكر أولئك هو يبور بإذن الله.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

 

 

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع