السبت، 19 صَفر 1446هـ| 2024/08/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

سيناء... الأرض المحروقة

بسم الله الرحمن الرحيم

 


المتابع لما يجري في سيناء هذه الأيام يجد نفسه أمام منطقة مغلقة ذات أسوار عالية لا يدري ما الذي يحدث هناك ولصالح من بالضبط؟!، هل هو لصالح الناس في مصر سواء في سيناء أم في باقي البلد؟!، أم لصالح كيان يهود وأمنه؟! وإذا اجتاز تلك الأسوار فهو سيقع في حقل ألغام شديد الخطورة. ذلك لأن النظام الحالي يتعامل معها باعتباره أرض حرب على الإرهاب المزعوم، وإياك أن تقترب من مجرد محاولة فك ألغاز ما يجري هناك، فأنت حينها ستكون في موقع الاتهام بشكل مباشر لتكون واحدا من اثنين؛ إما إرهابياً أو داعماً للإرهاب. ونحن في السطور القليلة القادمة سنحاول دخول حقل الألغام هذا لنستكشفه ونتوصل إلى تفاصيل خارطته لنبين للناس ليكونوا على بينة مما يجري هناك حتى لا يقعوا في الفخ ويضيعوا في متاهات ذلك الحقل الملغوم.


لقد جاءت واقعة اعتقال الصحفي السيناوي أحمد أبو دراع مراسل صحيفة المصري اليوم المحسوبة على النظام والداعمة له، وإحالته للنيابة العسكرية التي قررت إحالته إلى محاكمة عسكرية ليحكم عليه بستة أشهر مع إيقاف التنفيذ وغرامة 200 جنيه بدعوى نشره أخبارا كاذبة عن القوات المسلحة ونتائج أعمالها في شمال سيناء مما أضعف الثقة في الدولة وهيبتها واعتبارها، وتكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، لتعبر عن إصرار السلطة على ألا تعرض عن سيناء إلا ما تريده هي ليبقي ملايين المصريين جاهلين بما يجري في تلك البقعة من أرضهم خصوصا مع وجود تعتيم مقصود. ومنذ أيام تم رفع دعوى قضائية ضد يسري حماد نائب رئيس حزب الوطن في المحاكم المصرية بتهم "التحريض ضد الجيش، وإشاعة الأكاذيب وإثارة الفتن والتشكيك في الدولة المصرية وتكذيب القوات المسلحة والإساءة إلى الشعب المصري". إذ كتب حماد على صفحته يشكك في أن الجنود قتلوا في سيناء، وأنهم قتلوا في ليبيا عندما كانوا يقاتلون مع حفتر عميل أمريكا.


ومن هنا أصبح كل من يشكك في رواية الجيش لما يجري في سيناء؛ متهماً بأبشع التهم ومعرضاً للاعتقال والسجن، وبرغم ذلك لا مفر من الحديث في هذا الأمر لنقف على الحقيقة كاملة. وفي البداية لا بد أن نجيب على هذا السؤال المهم، ما هي عقيدة الجيش القتالية هذه الأيام؟


كان أهم ما يميز الجيش المصري أنه يعرف من هو العدو، وأنه كانت عقيدته والمهمة الرئيسية هو حفظ أمن مصر وتأمين حدودها وهو الشيء الذي ينسجم مع التوجه العام لدى الناس الذين يتمنون اليوم الذي يستطيعون فيه تحرير المسجد الأقصى من رجس يهود. لقد ظل كيان يهود هو العدو التقليدي والوحيد الذي يستعد الجيش لمحاربته منذ قيام ذلك الكيان المسخ وحتى وقت قريب، ظهر هذا في الحروب التي خاضها ذلك الجيش والتي كانت آخرها حرب أكتوبر التي حققت نصرا على يهود صنعه أبطال مصر الكنانة، ووضح ذلك من خلال التدريبات والمناورات التي يقوم بها الجيش حتى بعد إبرام اتفاقية كامب ديفيد، والتي كانت تتركز - أي تلك المناورات - على التدريب على نزاع تتواجه فيه قوتان بمزيد من القوات البرية والمدرعات تحسبا لنزاع محتمل مع كيان يهود، ولكن في 2014/3/26 أعلن وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي عن تشكيل قوات التدخل السريع، وأعلن أن تلك القوات التي تم تشكيلها لأول مرة في القوات المسلحة، تأتي لتعزيز قدرة الجيش على مواجهة "التحديات التي تواجه مصر في "الداخل" والخارج. وركز معي على كلمة الداخل، وقال أيضا - خلال تفقده قوات التدخل السريع المحمولة جوا التي شكلت لتنفيذ مهام "نوعية" داخل البلاد وخارجها - إن القوات المسلحة "يعاد تنظيمها وتطويرها وفقا لأحدث النظم القتالية لتنفيذ جميع المهام، وزيادة قدرة الجيش المصري على بذل أقصى جهد لمجابهة التهديدات والتحديات التي قد تواجه الوطن وأمنه القومي. وهذا يشير بشكل حقيقي على تحول عقيدة الجيش المصري من قتال يهود إلى محاربة الإرهاب.


وهنا نأتي للحديث عن الحرب على الإرهاب، ولماذا اختصت سيناء بنصيب الأسد في تلك الحرب؟!


في 14 أغسطس 2011م، انطلقت حملة عسكرية في سيناء تحت اسم "عملية نسر" لمواجهة من يسمونهم بالإرهابيين الذين كانوا قد هاجموا قوات الأمن المصرية في سيناء، واستخدموا المنطقة كقاعدة يشنون منها هجمات على كيان يهود منذ أوائل عام 2011. بما في ذلك الهجوم الذي شن في 18 أغسطس ضد كيان يهود. وكان الهجوم الأبرز الذي حدث في 5 أغسطس 2012، أي في ظل حكم الإخوان، حيث نصب كمين لمجموعة من الجنود في رفح، مما أسفر عن مقتل 16 جنديا مصريا وسرقة مدرعتين، وتسلل المهاجمون إلى "إسرائيل" واقتحموا معبر كرم أبو سالم، وانخرطوا في معركة بالأسلحة النارية مع جنود من جيش يهود وقتل ستة من المهاجمين خلال تبادل إطلاق النار. ولم تكن هناك إصابات بين جنود يهود. ثم كانت أزمة الرهائن في مايو 2013 في أواخر فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، والتي انتهت بإطلاق سراح الرهائن. وظلت حملة نسر تلك قائمة للحرب على الإرهاب طوال فترة حكم مرسي، مما يدل وبشكل واضح أن القضية ليست سوى تعهد واضح ممن يكون في الحكم تجاه أمريكا أنه سيبذل قصارى جهده للحفاظ على أمن يهود، ثم يجيء حادث كرم القواديس الأخير في 2014/10/24م والذي قتل فيه 30 جندياً وأصيب 31 آخرون، ليكون سببا في اتخاذ السلطة الحالية بقيادة عبد الفتاح السيسي عددا من القرارات المهمة التي تصب في خانة الحرب على الإرهاب أيضا، الذي أصبح الشغل الشاغل للنظام الحالي وبوابة العبور للاعتراف الدولي والدعم المباشر للنظام الحالي الذي يبحث عن شرعية يفتقدها في الداخل والخارج، ولذا رأى أن الطريق لتلك الشرعية لن يمر إلا عبر باب الحرب على الإرهاب.


فقد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى، في اليوم التالي للحادثة قرارا جمهوريا بقانون بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، يلزم القوات المسلحة مشاركة جهاز الشرطة فى حماية وتأمين المنشآت العامة والحيوية بالدولة، ويسري لمدة عامين. وبموجب القانون الجديد ستُحال الجرائم التى ترتكب ضد هذه المنشآت إلى النيابة العسكرية لعرضها على القضاء العسكرى للبت فيها.


ثم لجأت السلطات المصرية إلى استراتيجية أمنية جديدة، أبرز معالمها إقامة شريط عازل على الحدود المصرية مع قطاع غزة. الأمر الذي تطلب هدم عدد من المنازل في المنطقة ونقل سكانها إلى مناطق أخرى. وتشمل الخطة الأمنية التي أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام نقل نحو 250 أسرة وإزالة نحو 680 منزلا في رفح المصرية في إطار قرار السلطة بإقامة شريط عازل على الحدود مع غزة يمتد لمسافة 13 كيلو مترا، وبعرض 500 متر. ولنا أن نتساءل من أين ستأتي الدولة بأموال لتعويض السكان المهجرين الذين ستصل تعويضاتهم لما يتجاور المليار جنيه كما قال الرئيس السيسي في كلمته الاثنين 11/3 في حين أنه لا يترك مناسبة إلا ويردد فيها أنه لا توجد أموال للقيام بما يتوجب على الدولة من رعاية لمجموع الشعب لأنه حسب تعبيره بالعامية المصرية "مفيش"، ناهيك عن الأموال التي ستتكلفها الحملة العسكرية التي يقوم بها الجيش كل يوم في تلك المناطق، بجانب كلفة إقامة المنطقة العازلة والفاصل المائي بيننا وبين غزة؟! كما لنا أن نتساءل لماذا توجه أصابع الاتهام دائما إلى حماس والفلسطينيين في قطاع غزة، بينما لا يتذكر أحد أن هناك عدوا آخر يتربص بنا الدوائر وهو كيان يهود؟! إلا إذا تغيرت النظرة والعقيدة العسكرية للجيش ليصبح العدو صديقا ومعينا، والصديق عدواً لدودا يتربص بنا الدوائر؟!


وعندما نطالع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصادرة في 11/1 نجد ما يؤكد أن ما يقوم به النظام الحالي في سيناء يصب بالدرجة الأولى في صالح كيان يهود، إذ تقول الصحيفة في تقريرها إن "الجيشين المصري والإسرائيلي يتقاسمان المسئوليات في الحرب على الجماعات الجهادية في سيناء، بحيث يقوم الجيش المصري بشن الحرب الفعلية على الجهاديين، في الوقت الذي تتولى فيه إسرائيل توفير المعلومات والتقديرات الاستخباراتية استناداً إلى مصادرها البشرية والإلكترونية".


وفي هذا التقرير لفت كاتبه بن يشاي إلى أن "كلاً من جهاز المخابرات الداخلية (الشاباك) وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) يتوليان مهمة جمع المعلومات الاستخباراتية عن تحركات الجهاديين في سيناء، ويتم نقلها للجانب المصري"، مشددا على أن "تقاسم العمل" بين الجيشين المصري والإسرائيلي يتم وفق قواعد ثابتة، كما أن الجيش الإسرائيلي لا يتردد، بحسب بن يشاي، في "العمل بنفسه داخل سيناء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بإحباط عمليات تخطط لها الجماعات الجهادية، أو عندما يتم الرد على عمليات إطلاق النار".


وأشار بن يشاي إلى أن "القيادة العسكرية والسياسية في تل أبيب تقدر الخطوات التي يقوم بها الجيش المصري شمال سيناء، وتحديداً تدمير منازل المواطنين المصريين الذين يقطنون بالقرب من الشريط الحدودي مع قطاع غزة". وأكد أن "الجيش الإسرائيلي وخلال حوالى أربعة عقود من احتلاله المباشر لقطاع غزة لم يجرؤ على اتخاذ خطوات مماثلة ضد الفلسطينيين كما يقوم به الجيش المصري حالياً ضد المواطنين المصريين في شمال سيناء".


وفي النهاية يبدو أن النظام الجديد سادر في غيه ومصمم على جعل سيناء أرضا محروقة، ليؤمن يهود من خلال تلك المنطقة العازلة الذي بدأ يتخذ حيال تنفيذها خطوات جدية ليحقق ما لم يستطع أن يحققه مبارك الذي كان يخطط لنفس الفكرة من خلال بناء جدار فولاذي في 2010 بطول 10 كم وعمق يتراوح من 20 إلى 30 متر تحت سطح الأرض ويتكون من صفائح صلبة طول الواحدة 18 متر وسمكها 50 سم مقاومة للديناميت ومزودة بمجسات ضد الاختراق، كما يضمن ماسورة تمتد من البحر غرباً بطول 10 كم باتجاه الشرق يتفرع منها مواسير مثقبة يفصل بين كل واحدة والأخرى 30 : 40 م تقوم بضخ الماء باستمرار بهدف إحداث تصدعات وانهيارات للأنفاق لكن الوقت لم يسعفه. والذي حاز على فتوى بإباحة بنائه من خلال مجمع البحوث والتي أيدها وزير الأوقاف حينها الدكتور محمود حمدي زقزوق مؤكدا على حق مصر في تأمين حدودها بأي شكل تراه. ولقد حظي قرار النظام الحالي بإخلاء تلك المنطقة العازلة من سكانها بفتوى مشابهة للفتوى السابقة، حيث قال الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية: إن تهجير أهالي رفح جائز شرعًا بشروط. وأوضح في بيان أصدره ردًا على سؤال ورد إلى دار الإفتاء مؤخراً حول مدى شرعية عمليات نقل مجموعة من مواطني شمال سيناء إلى مناطق آمنة أن هذا مما يجوز فعله لأن الضرر الذي يهدد الوطن فضلاً عن أهالي هذه المناطق، محقَّق في هذه الحالة، ومن المقرر أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وأن دفع الضرر العام مقدم على الضرر الخاص.


وبهذا يظهر بشكل جلي كيف أن الصورة واحدة والمشهد متكرر والهدف هو حفظ أمن يهود وليس حفظ أمن مصر، وأن رجال الإفتاء جاهزون بفتاويهم عند الطلب. ولكن سيأتي اليوم قريبا الذي يدرك فيه هؤلاء كم أجرموا في حق الله وحق رسوله والمؤمنين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع