السبت، 19 صَفر 1446هـ| 2024/08/24م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

فشل الغرب في احتواء الثورات

  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم


لقد كان لسياسات الغرب الاستعمارية - وسياسات الحكام الظلمة - في بلاد المسلمين الأثر الأكبر في ثورة الشعوب وانتفاضتها ضد الاستعمار والظلم والقهر والتسلط...


فقد مارس الحكام الظلمة - استجابة لأوامر أسيادهم الغربيين - أبشع أنواع الظلم على شعوبهم. كان أبرزها التنكيل والقهر والتسلط، الذي يمارسه الحاكم وزمرته من أجهزة الأمن والمخابرات تجاه هذه الشعوب؛ حيث أودعوا الآلاف منهم غياهب السجون، بسبب التظلم، والمطالبة بأبسط الحقوق الإنسانية، أو بسبب المطالبة بتطبيق الإسلام في الدولة والمجتمع.. وفوق هذا الإذلال والتنكيل والقهر فإن هؤلاء الحكام جعلوا شعوبهم في أوضاع مزرية من الفقر والحرمان، الذي يعم معظم الشعوب في العالم الإسلامي - حتى في البلاد الغنية منها -، لدرجة أن معظم الناس لا يحصّلون الحاجات الأساسية للعيش الكريم، وجعلوا ثروات البلاد تحت سيطرة الغرب الكافر، يصول ويجول في طول البلاد وعرضها؛ يتنعم بها كيف يشاء وينهب منها ما يشاء بلا حسيب ولا رقيب!!.. وسلب هؤلاء الحكام الظلمة من الشعوب المقهورة حرية الاختيار والممارسة السياسية، وخاصة اختيار شخص الحاكم، واختيار الأنظمة المطبقة في الدستور والقانون الذي يحكم البلاد، إلى غير ذلك من ممارسات شريرة مارسها هؤلاء الحكام عبر سنوات طويلة من التسلط والاستبداد واغتصاب السلطان...


لذلك لم تكن ثورة الشعوب عفوية بدون أسباب ومقدمات - كما يتصور البعض - ولم تكن بتأثيرٍ من خارج الشعوب كما ينظر البعض من الكتاب، إنما حدثت هذه الثورات بعد أن وصلت الشعوب إلى درجة الانفجار، وللحد الذي لا يمكن معه التحمل أكثر من ذلك..


وبعد حصول هذه الثورات وامتدادها وتوسعها إلى عدة بلاد في العالم الإسلامي، وجد الغرب نفسه أمام واقع جديد خطير، وإذا بقي الواقع كما هو واستمرت هذه الثورات، فإن الأمور ستخرج عن سيطرته، وستقضي الشعوب الثائرة المنتفضة على الأوساط السياسية الحاكمة في هذه البلاد الثائرة، وسيتم اختراق الجيوش وإسقاط الأنظمة العميلة.. وتكون هذه البلاد أمثلة حية لباقي البلاد في العالم الإسلامي؛ لأن العلة والأسباب واحدة، لذلك لا بد من التعامل مع هذه الحالة الجديدة بطريقة تحفظ الأوساط السياسية العميلة، وتبقي على حراس الأنظمة من الأوساط السياسية وبعض قادة الجيوش؛ فعمل هذا الاستعمار بطرق وأساليب متعددة - حسب حالة القطر وأوضاعه الداخلية - للمحافظة على أدواته الاستعمارية وعملائه، ومن هذه الأساليب والطرق التي عمل من خلالها الاستعمار وأعوانه في البلاد الثائرة للسيطرة على الثورات وحركة الشعوب:


1- التضحية برأس النظام في البلاد الثائرة، من أجل المحافظة على الوسط السياسي والمؤسسات المدنية والجيش، وذلك كما جرى في تونس ومصر واليمن...


2- دعم بعض الأنظمة العميلة عسكريا مباشرة أو من خلال الدول الإقليمية المحيطة، وسياسيا في المحافل الدولية العالمية للمحافظة على بقائها، مع مواكبة هذا الدعم بطرق خبيثة ماكرة أخرى للالتفاف على الثورة لحرفها عن مسارها وإجهاضها كما هو حاصل الآن في ثورة الشام.


3- إشغال الناس بألهية الانتخابات لصرفهم عن الغاية الأصلية الأصيلة، والتي من أجلها ثارت الشعوب، وجعْل الناس يدورون في دوائر مفرغة لا تسمن ولا تغني من جوع، كما هو حاصل في مصر وتونس من ألهيات الانتخاب، مع بقاء جوهر الأمور السياسية والعسكرية والاقتصادية كما هي لم يتغير منها شيء جوهري ذو شأن..


4- إشعال الفتن والاقتتال بين أطراف متعددة في بلاد الثورات، وتقديم الدعم العسكري والمالي لهذه الأطراف؛ مباشرة أو عن طريق دول الجوار، وذلك لإشغال الناس عن الهدف الأصيل الذي من أجله ثاروا وانتفضوا، وذلك كما هو حاصل في ليبيا..


5- إيجاد التيارات الطائفية، وزرع الشقاق بين هذه التيارات، وجعل الهدف عندها التسابق على كرسي الحكم فقط، دون إحداث أيِّ تغييرٍ جوهري في الواقع كما هو حاصل في العراق وجزئيا في اليمن بين الفرق والطوائف المذهبية...


6- استغلال جماعات عسكرية تحمل اسم المشروع الإسلامي ظاهراً، بينما ممارساتها تعمل على تشويهه في أرض الواقع لإجهاض العمل الحقيقي في هذا الاتجاه، كما يجري مع تنظيم دولة العراق والشام في أرض العراق والشام..


7- العمل على إنشاء أوساط سياسية جديدة وتهيئتها دوليا وإقليميا، لتكون بديلة عن أنظمةٍ يتم تغييرها مستقبلا عندما تنضج الأمور وتتهيأ الظروف السياسية، وذلك كما هو جارٍ هذه الأيام في تهيئة الائتلاف السوري عن طريق تركيا..


هذه أهم الأعمال التي يقوم بها الغرب بشكل عملي في بلاد الثورات من أجل إجهاضها، ومنع الشعوب من قطف ثمرة جهودها وتضحياتها العظيمة..، فهل نجح الغرب وعملاؤه بالفعل - في بلاد المسلمين الثائرة - في احتواء هذه الثورات القائمة وإجهاضها، وهل يمكن أن يتوج جهوده بالنجاح في نهاية المطاف؟!..


الحقيقة أن الناظر في واقع أعمال الغرب وعملائهم من الحكام تجاه هذه الثورات لإجهاضها واحتوائها؛ يرى أنهم قد نجحوا في أمور معينة سطحية ظاهرية، ولكنهم لم ينجحوا في إقناع الشعوب بالرضوخ والاستسلام لهذا الواقع السيئ، ولم يقنعوا الشعوب الثائرة والمنتفضة بنتائج أعمالهم كلها في بلاد الثورات، رغم أنهم نجحوا في بعض الأمور ظاهرا، والدليل على عدم نجاحهم هو أن الشعوب ما زالت في حركة مستمرة، حتى في البلاد التي تحايلوا على الثورة فيها، لم تهدأ هذه الشعوب ولم ترضخ لحكامها.

 


والسبب في عدم نجاح الغرب وعملائهم في سياسة احتواء الثورات وإجهاضها يرجع إلى أمور منها:


1- بقاء الوسط السياسي الفاسد القديم، وعدم إزالته من أرض الواقع، وخاصة الأجهزة الأمنية، وقادة الجيش المقربين من الحاكم القديم، لأن الذي زال هو رأس النظام فقط، وبالتالي بقاء فساده وشروره، فبقي الباب مفتوحا لحركة الشعوب، ولرفضها لهذا الوسط المفسد.


2- عدم تحسن الأوضاع بشكل ملموس؛ في أي أمر من الأمور التي ثارت الشعوب من أجلها وخاصّة النواحي الاقتصادية؛ فبقي الفقر والحرمان والتسلط وسلب الأموال، ونهب الثروات من قبل الدول الاستعمارية.


3- عدم قناعة الشعوب بعمليات التغيير الشكلية التي حصلت وما زالت تحصل في بلاد الثورات، وأكبر دليل على عدم قناعة الشعوب هو النسب المتدنية في أعداد الناخبين؛ وخاصّة ما جرى في مصر ثم في تونس أكثر من مرة.


4- النسبة الغالبة من الشعوب المنتفضة تريد تغيير الأوضاع على أساس الإسلام، وما جرى هو عملية التفاف على الإسلام، وقد أدركت الشعوب اللعبة التضليلية في ذلك، وما زالت تطالب بالتغيير على أساس الإسلام الصحيح.


5- إدراك الشعوب لسيطرة الاستعمار الغربي على مقدرات وثروات الشعوب في العالم الإسلامي، وإدراكهم أن الثورة الناجحة لا تتم حتى تقلع كل جذور التبعية والسيطرة الاستعمارية، وهذا لم يحصل حتى الآن.


لهذه الأسباب وغيرها ما زالت الشعوب في حركة مستمرة، فكرية وسياسية، وما زالت تنتفض في وجه حكامها ووجه الاستعمار الغربي بكافة ألوانه، ومع هذه الحركة فإن دائرة الوعي السياسي والفكري تزداد وتتوسع بين كافة أوساط الشعوب، وتتساءل الشعوب باستمرار ما الذي جنيناه حتى الآن وماذا حققنا، وكيف نتخلص من هذا الواقع السيئ؟!.


لذلك فإن المنظور القريب في بلاد الثورات هو أن تصل الشعوب إلى القناعة التامة أن التغيير الصحيح لا يكون عن طريق الثورات المجردة وحدها، ولا عن طريق تغيير الوجوه، ولا عن طريق انتخابات كاذبة مخادعة هنا وهناك، لكنه يكون عن طريق إحداث انقلابٍ جذري شامل في الدولة والمجتمع، على أساس فكر الأمة الذي تحمله في عقولها وقلوبها؛ أي على أساس فكر الإسلام، وبناء حياة الأمة بعد خلع جذور الفساد على أساس هذا الفكر الأصيل المتأصل في عقولها وقلوبها..


أما هذه المسرحيات السطحية الظاهرية فإنها زبد لا يطول مكوثه فوق أمواج الشعوب الثائرة، وسرعان ما يزول.. وغيمة متحركة تغطي قرص الشمس اللامع ستمضي وتزول لتظهر الشمس واضحة جلية، وستبدأ شرارة التغيير المبدئي الصحيح في قطر من الأقطار كما بدأت شرارة الانتفاضة والثورة، وستمتد هذه الشرارة لتعم كل العالم الإسلامي؛ لأن الأوضاع واحدة والأسباب واحدة والظلم واحد...


فنسأله سبحانه أن يكرم الأمة الإسلامية في القريب العاجل بتغيير صحيح على أساس دينها، لتبدأ حياة جديدة ملؤها النور والهداية، وتحمل الأمة هذه الهداية إلى كل الشعوب والأمم على وجه الأرض.. وصدق الحق القائل: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حمد طبيب - بيت المقدس

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع