الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مفهوم مكافحة التطرف سياسة استعمارية جديدة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

انعقدت بالعاصمة السودانية الخرطوم يوم الأحد 2015/3/22 أعمال القمة الشبابية العربية والأفريقية لمكافحة التطرف بمجلس الشباب الأفريقي واستمرت ليومين، بمشاركة 35 دولة عربية وأفريقية، وقال النائب الثاني للرئيس السوداني حسبو محمد عبد الرحمن في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للقمة التي حضرها عدد من الوزراء والسفراء المعتمدين لدى السودان، قال إن التطرف هو الشغل الشاغل للعالم، ومعالجته تكون بالحوار الفكري والثقافي والمجادلة بالحسنى، وأكد أن بلاده ترفض التطرف وتحاربه لأنه ليس من الدين في شيء ولا يخدم الإسلام بل يسيء إليه، متهمًا بعض الأطراف الخارجية بالعمل على تغذية الفكر المتطرف والمنحرف للنيل من الإسلام.


وتشهد القمة خلال جلسات العمل عقد سلسلة ندوات حول دور مجلس الأحزاب الأفريقية في مكافحة ومحاربة التطرف والإرهاب، وكذلك مناقشة التطرف وأثره على الشباب العربي والأفريقي يحاضر فيها خبراء وسياسيون من السودان ومختلف الدول العربية والأفريقية.


إن الصراع بين الحق والباطل أزلي فالحق هو المنهج الذي رضيه الله سبحانه لعباده والذي أرسل به أنبياءه ورسله، والباطل هو المتمثل في مناهج البشر الذين أبوا الخضوع لدين الله وما به من طريق للعيش. إن المسلمين جسدوا حقيقة الصراع خلال تاريخهم المديد منذ عهد النبوة وحتى وقت قريب من سقوط دولة الخلافة، إذ قامت السياسة الداخلية لدولتهم على تطبيق الإسلام؛ أي إيجاده في معترك الحياة، وقامت السياسة الخارجية على حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد.


للأسف جاءت هذه القمة بمبادرة من حكومة السودان؛ التي تبنت الفكرة لمكافحة التطرف والعنف في الوطن العربي وأفريقيا، فهذه القمة لخدمة مصالح الغرب الذي هو عدو المسلمين وحضارتهم، وهو ينطلق من قاعدة فكرية بحيث جعل الغزو الفكري والثقافي والحضاري هو الأساس وإن لم يتخل عن الصراع العسكري. انتصر الغرب على المسلمين الذين عجزوا عن مواجهة الحضارة الغربية، ولم يكن انتصارهم على الإسلام من حيث هو دين وحضارة وطريقة عيش، وإنما كان انتصارًا على الذين تخلوا عن حضارتهم وطريقة عيشهم الإسلامية.


لقد تخلى الغرب عن الدين مكونًا أساسيًا لطريقة عيشه، واعتمد فكرة فصل الدين عن الحياة أساسًا لحضارته، فهو يدعو المسلمين إلى اعتماد أنظمة حديثة وعلمية وعصرية لحياتهم ومجتمعاتهم ودولتهم ويزعم أنه توصل قبلهم إليها، وأنه يحملها رسالة حضارية لهم ليلتحقوا بركب النهضة والرقي، ومن هنا كان اعتماده لمصطلحات (العلمانية، الحضارة الإنسانية، الحداثة، الدولة المدنية، القانون المدني)، بعد أن كان الصليب هو الشعار بينه وبين العالم الإسلامي طوال قرون.


فما هو مفهوم الاعتدال والتطرف؟


الاعتدال لغةً هو وسط بين حالتين في كم أو كيف، وكل ما تناسب فقد اعتدل، والتطرف هو تجاوز حد الاعتدال.


والاعتدال شرعًا هو التزام أحكام الشرع والاستقامة عليها، والإتيان بها على الوجه الذي شرعه الله.


أما التطرف فليس له دلالة شرعية لأن هذه اللفظة لم ترد في النصوص ولا استعملها فقهاء الإسلام، فإذا أردنا أن نستعملها في الشرع قلنا إن التطرف هو مجاوزة الحدود التي وضعها الشرع أي مخالفة أحكام الإسلام.


التطرف والاعتدال في المصطلح الأمريكي المعاصر:


الاعتدال في عرف أمريكا وأتباعها هو أن يعتنق المسلمون الإسلام على نحو يتوافق مع هيمنتها الحضارية والسياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية على العالم الإسلامي، وأن يستمد المسلمون تشريعاتهم من غير الكتاب والسنة وأن يفصلوا الدين عن الحياة والمجتمع والدولة، وأن يحافظوا على انقسام بلادهم، وعلى الحدود القائمة بينهم بناء على مفهوم القومية والوطنية، وأن ينصاعوا للنظام الدولي الذي تسيطر عليه الدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا، فالتطرف بالتالي هو اعتناق الإسلام نقيًا كما نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن يعمل المسلمون على تطبيقه كاملًا في معترك حياتهم دون خلطه بالتشريعات الوضعية، وأن يعملوا على جمع الأمة الإسلامية في دولة واحدة وأن يعملوا على تحرير فلسطين من يهود، وأن يطردوا الاحتلال الأمريكي من العالم الإسلامي، وأن يحملوا الإسلام رسالةً للعالم بالدعوة والجهاد.


ولكن بدل الاستقامة على أمر الله من حكومة ترفع شعار الإسلام، جاءت القمة بمبادرة من حكومة السودان التي تبنت الفكرة لمكافحة التطرف والعنف بالمفهوم الغربي الرأسمالي؛ عدو الإسلام، ليس فى السودان وحده، بل في العالم العربي وأفريقيا، فهذه القمة جاءت لخدمة مصالح الغرب بدلًا من خدمة الإسلام ولكن ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.


فبدل أن تهتم الحكومات بجعل شغلها الشاغل التطرف ومحاربته على المقياس الغربي، كان الأولى بها أن تجعل قبلتها الإسلام وأحكامه والإتيان بها كاملةً وفق ما شرعها الله، حتى ولو ناقضت مصالحهم وأهواءهم ودساتيرهم، فدين الله أحق أن يتبع، وحدود الله يجب أن تصان، وأحكام الإسلام يجب أن تطبق، وأن يدعى لها، وأن يتكتل المسلمون حولها، وأن يعملوا لإعادتها إلى الحياة بدلًا من حماية الغرب ومصالحه، يكفينا انتصار الغرب الكاسح على المسلمين، وهذا الانتصار سببه غياب الأم الحنون؛ الدولة الإسلامية، وسببه كذلك أبناء المسلمين الذين نشأوا على الثقافة العلمانية الغربية، وآثروا الكراسي المعوجة على تطبيق شرع الله فوضعوا أنفسهم فى خانة الأعداء.


فالعلمانيون لم يتمكنوا من تسويق أنفسهم بتغييرعناوينهم ومصطلحاتهم التي أصبحت لا تنطلي على المؤمن الكيس الفطن، ولأن الإسلام بات مطلبًا في البلاد الإسلامية، فالغرب حريص على بقاء مقاليد الأمور بيده في هذه البلاد فكان لا بد من البحث عن وجوه جديدة ظاهرها الدين والحرص على التدين، وباطنها لا تحمل أي مشروع إسلامي حقيقي، وإنما تصدر عن الثقافة الغربية وتطبق الدساتير العلمانية؛ التي تقوم على تنصيب الشعب مصدرًا للتشريعات والقوانين، ورفع شعار الحرية، في تقليد أعمى لا يفيد ولا يستفيد منه أحد، بل يشدنا دومًا إلى الوراء.


فبدل أن ترعى الحكومات والأحزاب السياسية مصالح الغرب كان يجب عليها حماية الأمة التي باتت على شفا جرف هار من مغبة عدم التقيد بالأحكام الشرعية، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾.


ولكي تؤدي الأحزاب دورها الشرعي المنوط بها، لا بد من أن تكون مبدئية، أي أن تجعل العقيدة الإسلامية أساسًا لها، ولا بد للحزب المبدئي من شروط حتى يخدم قضية الإسلام بعيدًا عن تسويق بضاعة الغرب الفاسدة، منها:


1/ الوعي التام على الإسلام فكرة وطريقة والربط بين الفكرة والطريقة الإسلاميتين وأن يظهر ذلك جليًا في كل كيانه.


2/ أهلية القائمين على قيادة الحزب والأهلية معيارها الالتزام بمنهج النبي صلى الله عليه وسلم.


3/ الوعي على الطريقة الصحيحة في ربط الأعضاء بالحزب وهي العقيدة الإسلامية وحدها، فلا مصالح ولا محاصصات ولا عنصرية بغيضة كما يحدث اليوم.


4/ الوعي السياسي على العالم وأحداثه والبروز بالمظهر السياسي الإسلامي القوي الشكيمة المستنير بنور الله الذي له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء قدير.


هذه الشروط إن توفرت في الحزب صار مبدئيًا وسيحقق غايته باستئناف الحياة الإسلامية، بدل إرضاء الغرب الكافر، وبدل الترويج للشعارات وتشويه صورة الإسلام واستعداء العالم على المتمسكين به، بوصمهم بالتطرف.


والوعي السياسي يقتضي من الحزب فهم وكشف ألاعيب الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وبالتالي فإن عدم الوعي السياسي نتائجه وخيمة وأخطاره مدمرة للأمة كما يحدث الآن، وذلك بقبول التعاون مع الدول الكافرة وأذنابها.


إن مثل هذه القمم ما هي إلا السم في الدسم توهم البسطاء من الناس أنها في مصلحتهم وخدمة دينهم، ولكن المستنير سرعان ما يتيقن من متابعة أخبار ارتباطها بأعداء الأمة، وبالتالي فإن هذه الحكومات وأحزابها ما هم إلا أيدٍ منفذة لكل ما يريده أعداء الإسلام ولكن الله بالغ أمره.


إن دولة الخلافة هي الدولة المبدئية التي لن توالي غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نظريًا وعمليًا، ولن تسمح بمخططات العدو وألاعيبه، وليراجع كل من في هذه الأحزاب نفسه قبل أن تنقضي الحياة في خدمة أعداء الله، ولنا في السيرة النبوية العطرة ما ينير الطريق، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ نزلت هذه الآية في يهود بني قريظة بعدم محاصرتهم وحكم سعد بن معاذ عليهم، فقالوا أرسلوا لنا أبا لبابة بن المنذر الذي كان مناصحًا لهم لأن ماله وعياله عندهم، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتاهم، فقالوا له: يا أبا لبابة ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ؟ فأشار أبو لبابة بيده على حلقه أنه الذبح، فلا تفعلوا، قال أبو لبابة: والله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: والله لا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى أموت أو يتوب الله عليَّ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره قال: أما لو جاءني لاستغفرت له فأما إذا فعل ما فعل فإني لا أطلقه حتى يتوب الله عليه، فمكث سبعة أيام، لا يذوق طعامًا ولا شرابًا حتى خر مغشيًا عليه ثم تاب الله عليه. إذا كانت هذه الإشارة باليد خيانةً لله ولرسوله وللأمانة فكيف بمن رعى مصالح الكفار بل خطط ودبر ونفذ وأصبح خادمًا مطيعِاً لهم!.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
ريم جعفر - أم منيب

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع