الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
عقد من الحصانة تلا مجزرة أنديجان

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

عقد من الحصانة تلا مجزرة أنديجان

 

أزيز الرصاص من رشاشتين مثبتتين على مركبة مدرعة ويصدران صوتا مرعبا.. جنود مستلقون على الأرض ويطلقون النار.. كان المشهد فظيعا والناس تصيح.. نساء يصحن: "لا تصوبوا، لا تصوّبوا"!. ليس هذا بمشهد في معركة، بل رواية السيد "لوتفولو شمسدينوف" على مجزرة أنديجان وهو أحد شهود العيان في الفيديو الذي أطلقته منظمة هيومن رايتس ووتش ونشرته بشكل موسع بتاريخ 2015/5/7. هكذا انهال الرصاص كالمطر على المعتصمين في ميدان بابور في أنديجان في يوم 13 أيار/مايو 2005 حينما أطلقت القوات الحكومية الأوزبيكية النار على آلاف المتظاهرين المتجمعين في الساحة المركزية في أنديجان في شرق أوزبيكستان بعد إخراج المسجونين من سجن أنديجان من قبل مجهولين في ظروف غامضة. خرج المسجونون وخرج أهالي المعتقلين للميدان العام معترضين على إساءة الأمن لهم ولأبنائهم وتردي أحوال البلاد والعباد بينما انتشرت إشاعات أن كريموف سيأتي للتحدث معهم. حضر الطاغية ولكن خلسة وبدلاً من رعاية شؤون الناس نصب غرفة عمليات وأمر قواته بإطلاق النار على الحشود في الميدان بشكل عشوائي إمعاناً في الانتقام وتنفيذا لأمر دبر بليل.


حاول سكان منطقة الميدان أن يحقنوا دماء النساء والأطفال وفتحوا بيوتهم وهم يصيحون "أوقفوا إطلاق النار، لا تقتلوا النساء" ولكن لا حياة لمن تنادي! لم يكن الغرض هو فض الاعتصام بل الانتقام وارتكاب مذبحة ترمي بظلالها على مستقبل المنطقة. لقد لاحق الجنود الناس في الأزقة الضيقة وقاموا بتصفية الجرحى ثم غسلوا الشوارع من شلال الدماء لكن هيهات أن يُغسل عارهم.


مذبحة أنديجان جريمة مكتملة الأركان، جريمة مع سبق الإصرار والتدبير، جريمة دنيئة تبرأ منها الإنسانية. لقد ترك الطاغية وزبانيته الطرق المؤدية لميدان بابور مفتوحة ميسرة حتى منتصف النهار وهيأ مسرح الجريمة بدهاء وخبث، ثم طوق المكان بالعسكر والعتاد ونفذ جريمته الشنعاء فقتل المسلمين المخلصين ولم يستثن الأطفال والنساء والشيوخ العزل فصفّى الآلاف في يوم واحد.


صور الحشود قبل يوم المذبحة تظهر النساء والأطفال مصطفين مترقبين على الرصيف وعلى امتداد البصر، وفي الرصيف المقابل وقف الرجال شبانا وشيوخا وهم عزل. أُطلق الرصاص بشكل عشوائي فلم يبق من هذه الجموع المؤلفة سوى بقع دماء على الإسفلت وأحذية أطفال ونساء وبعض الجثث والأشلاء وقصاصات ورق مبعثرة. مرت الحادثة دون معاقبة وصمت العالم عن أحداث أنديجان بعد أن نشر الطاغية الأكاذيب وادعى أن الأحداث كانت تمرداً مسلحاً من "جماعات إسلامية متطرفة". أكاذيب لا تنطلي على أحد لأن الأمر برمّته لم يتجاوز كونه مخططا دمويا مكشوفا لتصفية الأصوات الصادقة لحملة الدعوة الذين يزلزلون الأرض تحت عروش الطغاة دون أن يطلقوا رصاصة واحدة، يخوضون غمار الصراع الفكري والنضال السياسي تأسيا بالهادي الأمين، يحملون الإسلام ويخاطبون حب الأوزبيك للإسلام وتعطشهم لشرع الله والحكم الرشيد والتحرر من نظام تميز بالفساد والإفساد والظلم. لم يحاربهم الطاغية إلا لأنهم يحملون الإسلام فكرة يهتدون بها وطريقة تسيِّر أمور حياتهم. لقد قام بتصفيتهم لأنهم يريدون شرع الله وغيره ردّ. كريموف الكاره للإسلام رد على دعوة الحق بمثل مقولة قوم لوط ﴿فَمَا كَانَ جَوَاب قَوْمه إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آل لُوط مِنْ قَرْيَتكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاس يَتَطَهَّرُونَ﴾ ولكن الفارق أنه أمعن في الحقد على الإسلام فأبى إلا أن يشفي غليله ويخرجهم منها جثثا محمولة.


قتل كريموف المسلمين المحتشدين في الميدان ومن بينهم جموع غفيرة من شباب حزب التحرير الذين أرق عملهم في آسيا الوسطى مضجع الطاغية كريموف (كما أرق مضجع الطغاة في الدول المجاورة بعد أن انتشرت الدعوة للإسلام كمبدأ انتشار النار في الهشيم). قتل حملة الدعوة وذويهم حتى يأمن المعارضين ويكمم الأفواه.. قتلهم بدم بارد ثم خرج كالثعلب في ثياب الواعظين شاكيا عبث الإسلاميين وقال للناس "كيف يُتصور أن آمر بقتل شعبي العزيز؟"! كلامه كذب وافتراء!! وأمّن من بعده وزير خارجيته إبليس السفاح "ذاكر ألماتوف" وهو يتباهى ببلاهة كالطاووس بإنجازات القوات الأوزبيكية ومهارتها في السيطرة على العصيان المسلح.


استيقظت المدينة وفي كل بيت عزاء وتحولت المدينة العامرة لمسرح جريمة وملأت الجثث الشوارع بينما اختفى عدد كبير من الجثث في ليلة الجريمة حينما حاول زبانية النظام إخفاء آثارها المروعة، وارتوى الإسفلت بالدماء الزكية. جلس الناس أمام البيوت في صمت بينما خرج البعض للميدان وهم يصيحون في قهر وحرقة "أيها القتلة". هذا من جهة ومن جهة أخرى ندد هواة التنديد بما حدث وشجبت الدول الكبرى استهداف المدنيين العزل (عدا الصين وروسيا) وطالبت الدول المنددة بتحقيق دولي حول أحداث يوم 2005/5/13 إلا أن كريموف سخر من هذا الطلب ورفضه بشدة معتبرا ذلك تطفلاً في شأن أوزبيكستان. لم تقم هذه الدول الكبرى بما يُلزم أوزبيكستان بالتحقيق الدولي المطلوب أو محاسبة الجناة فوفر هذا الصمت الدولي حصانة لكريموف وزبانيته لعقد من الزمان.


نشرت الـ هيومن رايتس ووتش في 2015/5/7 تقريرا جديدا عن أحداث أنديجان اختارت له عنوان "عقد من الحصانة تلا مجزرة أنديجان" ذكرت فيه: "ونحن نقترب من الذكرى 10 لمجزرة أنديجان في أوزبيكستان، ينبغي على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى أن تدعو لمحاكمة المسؤولين عنها ومعاقبتهم على الانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان في ذلك البلد". واللافت أن هذا التقرير كغيره وإن كان يدين الطاغية كريموف ويظهر مأساة أهل أوزبيكستان مع هذا النظام المستبد، إلا أنه لا يحتوي على أي شيء جديد بل يكرر المطالب السابقة في أن تأخذ الدول الغربية على يد هذا الظالم وكأن عقدا من التعامي عن جرائم كريموف والرجاء في من ليس منه رجاء لم يكفهم. ألم يتراءَ لهذه الهيئات حقيقة الموقف الدولي تجاه أوزبيكستان والطاغية كريموف وأنه يخاطبهم باللغة التي يريدونها فيقول لهم وداوني بالتي كانت هي الداء! يصنع الإرهاب ويدعي قمعه ويتظاهر بأنه السد المنيع أمام التطرف والإرهاب بينما هو أصله وفصله!


صورة كريموف الزعيم الحكيم حليف الغرب في الحرب على الإرهاب مغايرة لكريموف السفاح الراعي الرسمي للإرهاب في أوزبيكستان والطاغية الذي لا يعترف بخطوط حمراء في التعذيب والقتل والتشريد. وعلى سبيل المثال أشار فيديو منظمة هيومان رايتس ووتش الأخير لقصة نسيبة (اسم مستعار) زوجة أحد اللاجئين من أنديجان حيث ذكرت أن السلطات تتحرش بها وتخضعها لتحقيق شهري وتهددها بأنها سترغمها على العمل في الدعارة إن لم تتعاون معهم. ذكرت نسيبة أيضاً أن عددا من أقاربها تم القبض عليهم واعتقل قريب آخر بعد عودته من الخارج وتصديقه لوعود الحكومة بالعفو عنه بعد أن شارك في الاعتصام الذي سبق مذبحة أنديجان. تم اعتقاله بعد يوم واحد من وصوله ثم توفي وهو قيد الاعتقال.


لم يكن تقرير هيومن رايتس ووتش هذا هو الأول حول جرائم كريموف الحاقد على الإسلام وأهله ولن يكون الأخير، فقد نشرت الهيومن رايتس ووتش في 2005/9/20 تقريرا مكونا من 73 صفحة للتوثيق لعمليات القمع الواسعة التي شهدتها البلاد بعد مذبحة أنديجان وحمل التقرير المكون من 73 صفحة عنوان "دفن الحقيقة: أوزبيكستان تعيد كتابة رواية مذبحة أنديجان" وتعرض التقرير للحملة الوحشية التي تقوم بها الحكومة الأوزبيكية من أجل ترويع الناس وإخفاء آثار مذبحة أنديجان عبر إرغام الناس على الاعتراف بأنهم ينتمون لمنظمات دينية متطرفة وأن الاحتجاجات لم تكن سلمية والمتظاهرين كانوا مسلحين. وذكرت فيه هولي كارتنر، مديرة قسم أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة هيومن رايتس ووتش "لقد تابعنا عمليات القمع السياسي المستمر في أوزبيكستان على مدى سنوات عديدة، ولكن الذي مورس بعد أحداث أنديجان لم نشهد له مثيلاً. فبدلاً من ملاحقة مرتكبي المذبحة، تحاول الحكومة الأوزبيكية أن تتنصل من المسؤولية وأن تخمد أصوات الشهود".


نعم لقد تبع مذبحة أنديجان مأساة الناجين من أنديجان، مأساة مستمرة ليومنا هذا، شُتتت الأسر ورُوعت النساء وضاقت الأرض على العباد في دولة بوليسية لا تعرف سوى لغة الترهيب والابتزاز. تبع المذبحة حملات ملاحقة واستجواب، جرائم قتل وهتك للأعراض وتهديد النساء الناجيات بالاغتصاب أو باغتصاب بناتهن، وسلسلة جرائم شيطانية لإخفاء آثار جريمة مذبحة أنديجان. ولم يقف الأمر داخل حدود أوزبيكستان بل حاول النظام أن يستدرج الناجين من المذبحة وكل من له صلة وطلب من الفارين أن يعودوا للبلاد، فنكل بهم وجعلهم عبرة لمن يعتبر. حاول إخفاء شهادات الناس كما أخفى الجثث ليلة المذبحة، حتى إن الكثيرين لا يعرفون عن أولادهم إن كانوا قضوا في المذبحة وأخفى النظام الجثة أم أنهم مغيبون في سراديب التعذيب لدى الطاغية!!


إن المنظمات الحقوقية ليست بحديثة عهد بكريموف وجرائمه، فقد أزكمت الأنوف ولفتت الأنظار وأشار إليها القاصي والداني، ومن ذلك الخطاب الذي ألقاه السفير البريطاني السابق كريج موري في فريدوم هاوس تشرين الأول/أكتوبر 2002 في طشقند: "أوزبيكستان لا تعمل كدولة ديمقراطية وحادث على عضوين في حزب التحرير ليس حادثا استثنائيا". إنها ليست بغافلة عن نظام وضع مقاييس التعذيب كركن أساسي في بناء وتصميم مراكز الشرطة والسجون وأصبح خبيرا في أساليب التعذيب وانتزاع الاعترافات. وقد نشرت منظمة أمنستي إنترناشونال في 2015/4/14 فيديو عن أساليب التعذيب في أوزبيكستان وذكرت من ضمن هذه الأساليب أن النظام يستغل عمل الأوزبيكيين في الحرف اليدوية ويوظف الإبر وأدوات الحياكة في قلع الأظافر وتشويهها إمعانا منه في الإيذاء والإرهاب.


لم تكن أنديجان الجريمة الوحيدة في سجل كريموف ولكن آثار هذه المذبحة لا زالت تخيم بظلالها على أهل هذه المدينة في وادي فرغانة وتثير رعب الطاغية كما تثير خوف العباد المستضعفين ولن يهنأ لكريموف عيش وهو يعلم أن هناك شخصاً واحداً نجا من الموت وسيبقى يلاحقه.


أخفى الطاغية آثار الجريمة وترك للناس ما يرعبهم ويذكرهم بمغبة معارضة القيصر المزعوم كريموف ولكن حجم الجريمة يثير استغراب البعض فيتكرر السؤال بين فترة وأخرى "لماذا مذبحة أنديجان ولماذا يقتل الآلاف في يوم واحد"؟ فنقول لهم: لأنه لا بد لكل طاغية من مجزرة ولأن حكم الطغاة لا يستقر إلا على شلال دماء الأبرياء وهذا ديدن الطغاة منذ الأزل. وسنة الله في الخلق أن حكمهم زائل وأن الأرض يرثها عباد الله الصالحون وسيأمن الناس في وادي فرغانة على أعراضهم وأنفسهم ويبدل الله خوفهم أمنا.


يتجبر كريموف على عباد الله وكلما تجبّر ازداد الناس إصرارا على أنه "فُريعين" طغى وتجبر ولا بد له من زوال.. طاغية يحاول أن يظهر في أرض مر فيها هولاكو والقياصرة والبلاشفة الذين قتلوا الناس بالملايين. وكيف يهابه الناس وهو بشر حتى وإن بلغت به السادية أن يضع مناهضيه في الماء المغلي وهم أحياء، يموتون ويحتار من يراهم في وحشية من قتلهم. نعم يغليهم ولكن هل يستطيع أن يعيد لهم الحياة ويبدلهم بدل جلدهم جلدا آخر؟! هل يستطيع أن يعيد لهم الحياة مرة أخرى ليعيد الكرة؟! هل يأمن الموت بعدهم؟!


سبحان ناصر المستضعفين.. سبحان الواحد القهار.. سبحان من له الدوام.. سبحان من يحيي العظام وهي رميم.


﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد - أم يحيى

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع