- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أتقيمون تحالفاً مع أمريكا وتنسون نساء وأطفال هذه الأمة؟
ذكر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا في تقريره لشهر آب الجاري ما جاء فيه "تمثل الهجمات على جميع بلدات الغوطة الشرقية التي يغطيها هذا التقرير، والتي يقوم بها الطيران الحكومي السوري، الذي يتمتع باحتكاره للسماء في تلك المنطقة، استهدافاً متعمداً لأسواق معروفة بأنها شعبية وموجودة في أماكن مكشوفة، وفي ذروة توافد المدنيين إليها. كما أن جميع ضحايا هذه الهجمات هم من المدنيين. يوجد بشكل خاص نسق ممنهج للاستهداف العمدي للأماكن المدنية والمدنيين. لقد تم استهداف سوق الهال في دوما لمرتين على الأقل في يومي 12 آب و16 آب، وفي كل مرة جرى ذلك عن طريق حملة جوية مركزة عليه. وفي الوقت الذي وقعت فيه الهجمات الموثقة في هذا التقرير، كان مسؤولو الأمم المتحدة موجودين في دمشق يجرون محادثات دبلوماسية مع ممثلين عن الحكومة السورية." انتهى الاقتباس.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أعلنت في تقرير شهر تموز/يوليو الماضي ارتفاع عدد الضحايا من النساء والأطفال على يد قوات النظام، مما اعتبرته مؤشرا صارخا على عشوائية القصف، وازدياد العنف ضد المدنيين والأبرياء، حيث بلغ عدد الضحايا 1674 شخصا، 51% منهم من النساء والأطفال. وتعتبر هذه المرة الأولى التي تزداد فيها هذه النسبة من استهداف النساء والأطفال.
هذا في الوقت الذي أعلن فيه عن اتفاق بين أمريكا وتركيا يتضمن انضمام الأخيرة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة بمشاركة أكثر من ثلاثين دولة ضد تنظيم الدولة، كما يتضمن فتح تركيا لمجالها الجوي لطائرات التحالف، فضلا عن مشاركة طائراتها في الحرب المزعومة على تنظيم الدولة.
إنًّ الجيش التركي وهو عاشر أقوى جيش في العالم وفقاً لتصنيف ذكره موقع "GlobalFirePower" في 2013 يمتلك من العتاد ما يمكنه من التحرك وحيداً - لو كان هناك قيادة سياسية مخلصة - دون الحاجة للركون للتحالف الدولي والسير مع أمريكا، لنصرة أهل سوريا المستضعفين وإيقاف عدوان النظام الغاشم بشكل جذري حازم بدلاً من الشجب والاستنكار على مدى أربعة أعوام وأقوال لا تسمن ولا تغني من جوع مثل "لن نسمح بحماة ثانية!". حيث ذكر الموقع أن هناك مليوناً وثلاثمائة ألف فرد في تركيا بلغوا سن العسكرية، أكثر من 25% منهم صالحون للخدمة العسكرية، فضلاً عن المنخرطين رسمياً في الجيش وقوات البحرية والقوات الجوية التي تستطيع خلال أيام، بل ساعات، إسقاط النظام في الشام والثأر لدماء أطفال ونساء وشيوخ الشام الذين كان لهم النصيب الأكبر من القتل والتهجير فضلاً عن انتهاك الأعراض وإعاثة الفساد.
أجل، بدلاً من أن يحرك أردوغان وحكومته جيش تركيا لنصرة النساء والأطفال، نراه يشترك في حلف صليبي هدفه الأساسي ضرب القوات المقاتلة في الشام والتي تعمل لإعادة حكم الإسلام، كلُّ ذلك بستار بات القاصي والدَّاني يعلمه وهو قتال تنظيمٍ صار فجأة بفضل التغطية الإعلامية الكثيفة والتصريحات السياسية الغربية والعربية كـ"الغول" يجب قتاله وتنظيم حلفٍ دولي مكون من أكثر من ثلاثين دولة بعتادها وجيوشها؛ بينما النظام المجرم الذي فظَّع في التقتيل والتنكيل وارتكب من الفظائع ما يجعل "تنظيم الدولة" يبدو أمامه كالحمل الوديع، يُدعم ويُمدُّ في عمره بل وتُعقد معه المحاورات والمفاوضات ويزوره الممثلون الدوليون لإيجاد حلٍّ سلمي!
فلماذا لا يكون هذا مع تنظيم الدولة؟ ولماذا يصرُّ العالم كلُّه على هذه الحرب الشعواء؟ أم أنَّ وراء الأكمة ما وراءها، وليست دماء أطفالنا ونسائنا هي المهمة بل مصالح الدول العُظمى التي توظف التنظيمات والدول والعملاء وتسفك الدماء وتنتهك الأعراض حتى لأجل مصالحها التي تتمثل بشكل رئيسي في تثبيت وجودها في بلاد المسلمين، أي منع قيام كيان سياسي جامع للمسلمين ينهي وجودها في هذه البلاد؟
إنَّ الأمر لا يحتاج لكبير جهد ولا تفكير، بل إن إطالة التفكير في أمرٍ مقطوعٍ به عقلاً وواقعاً يعد من البلاهة والغباء خاصة في دهاليز السياسة. فلو كانت قاعدة إنجرليك مصلحةً للأمة وتصب في خدمة الثورة في الشام لما انطلقت منها طائرات أمريكا العدو الأول للمسلمين. فإنَّه من الثابت شرعاً وعقلاً أنَّ الاستعانة بالعدو حرام ومهلكة سياسية. يؤكد ذلك تاريخ فتح القسطنطينية الطويل، وكان قائد جيش الفتح في زمن سليمان بن عبد الملك، مسلمة بن عبد الملك قد عُرِض عليه عَرضٌ من القائد الروماني ليون الأيسوري قائد إقليم الأناضول أن يساعده حيث بعث إليه كتابًا عرض فيه المساعدة في فتح القسطنطينية مقابل فك الحصار عن عمورية وعدم تخريبها، "فقرأ مسلمة كتاب ليون على الأمراء وأهل مشورته، فاجتمع رأيهم جميعًا على إجابته إلى ما سأل، وسكت مسلمة بن حبيب بن مسلمة - وهو أمير الجند - فقال مسلمة بن عبد الملك: أيها الشيخ، ما لك لا تتكلم؟ فقال: إن رسول الله ذكر الروم فقال: «أصحاب صحر ونحر ومكر»، وهذه إحدى مكرهم، فلا تعطه إلا السيف. فتضاحك به أمراء الأجناد، وقالوا: كَبِّر الشيخ. وقالوا: ما عسى أن يكون عند ليون مع هذه الجموع"! وكان ما كان حيث قبل مسلمة معونة ليون فما كان من الأخير إلا أن غدر به وأجبره في خطة خبيثة على حرق طعام الجيش المسلم ليبقى بعدها الجيش في مهلكة ومحنة عظيمة اضطرته في زمن عمر بن عبد العزيز للعودة دون فتح القسطنطينية. حيث ذكر الطبري في القصة "وقد خدعه خديعة لو كان امرأة لعيب بها، فلقي الجند ما لم يلق جيش، حتى إن كان الرجل ليخاف أن يخرج من العسكر وحده، وأكلوا الدواب والجلود وأصول الشجر والورق وكل شيء غير التراب". وهكذا فشل المسلمون في فتح المدينة، فهلَّا تعلم حكام تركيا من التاريخ إن لم يكونوا يعلمون الحكم الشرعي ولم يسمعوا بحديث رسول الله «إنَّا لا نستضيء بنار المشركين»؟ ولم يسمعوا قول الحق ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُم فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرْ﴾. فيغلقوا قاعدة إنجرليك التي تنطلق منها قوات الصليب تقتل الأطفال والنساء، بينما قوات النظام تقتلهم من جهة وتنظيم الدولة يروِّعهم من أخرى؟
إنَّنا والله وقد ابتلانا الله بالعيش في ظل الحكم الجبري قد عهدنا جور حكامنا، وعرفنا منهم الولاء لغير الله ورسوله والمؤمنين، ورأيناهم يحركون الجيوش لا لنصرتنا بل لتنفيذ أجندات عدونا، فعهدنا منهم العداء وعرفناه. لكنَّنا نكتب ما نكتب علَّ رجلاً رشيداً تقع على مسمع كلماتنا فيذكر وقفته أمام الله وسؤال الله له عن أمة محمد ما فعل لنصرتها، فتغلي الدماء في العروق ويهبَّ أهلُ القوة فتتحرك الدبابات والطائرات والسفن من مكامنها، وينصرَ هذا الدينَ رجالٌ رجال. فتُغلق قواعدنا عن قوات الغرب، ونستعيد مواردنا وثرواتنا وتوظَّف لحماية أمتنا لا لشن الغارات عليها، ونوقف سيل اللجوء والتشرذم إلى دول الغرب حيث تُشترى عقول أبنائنا بمرتبات اللجوء وتُغرس في أطفالنا قيم الليبرالية الغربية.
فقد حدَّث أحد اللاجئين السوريين في الغرب ما تقشعر له الأبدان حيث يقول "أنا لاجئ سوري قدمت لأوروبا منذ سنتين، وأطفالي صغار يذهبون للمدارس هنا، تعلموا اللغة وفوجئت اليوم بحديثهم عن عمل قوم لوطٍ أنَّه طبيعي ويجب احترام الشواذ ومحبتهم"، ولمَّا ذهب الأب المسكين للمدرسة يستفسر عما يعلمونه لأبنائه صُدم بجوابٍ "نحن نستقبلكم في ديارنا ونقبل بكم في مدارسنا، فلن نعلمكم قيم شريعتكم لأنها لا تهمنا، نحن نربيكم على قيمنا الديمقراطية لتندمجوا في مجتمعاتنا"! فكيف بعد هذا يقرُّ للجيوش التي تحارب تنظيم الدولة قرارٌ وهي تسمح لمن يقتل أبناءنا تارةً بدعم النظام المجرم وتارةً بسمومه الفكرية أن يتحرك من معاقلنا وينطلق من قواعدنا، ويسكت عن قتال النظام واقتلاعه ومعه جذور النظام العلماني الغربي، بل وقطع أذرعه من بلادنا للأبد؟؟
أبهذه الأفعال تكون نجدة النساء والأطفال يا من تسميَّتم باسم "العثمانيين" وتنتسبون لخلفائنا العظام؟ ألا فلتعلموا أنَّه لو كان لنا خليفة وخلافة لما تجرأت أمريكا على إدخال جندي واحد بعتاده لبلادنا، ولا اضطرت نساؤنا وأطفالنا للهجرة إلى بلاد الغرب، ولا سمح خليفتنا بسفك الدماء ليل نهر كالماء دون أن يهب غضباً ويحرك جيشاً هو في أوَّله فيرد الحقوق لأهلها وينتقم للدماء.
ولكنّ عزاءنا أنَّ وعد الله كائن لا يتخلف، وأنَّنا نبرئ ذمتنا أمام الله بالعمل لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، حتى إذا سُئلنا ماذا فعلنا لنصرة هذه الأمة أجبنا "يا رب عملنا لإقامة دولة الإسلام، فقاتَلَنا حكام أنت بهم منا أعلم، منعونا دعوتنا، وأقعدوا الجيوش عن نصرتنا".
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال