الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
علاقة المسلمين بالغرب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

علاقة المسلمين بالغرب

 

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37]

 

لمن يتذكر!

 

 

يستعرض المسلم حال الأمة الإسلامية فيجد التمزق والتشرذم قد أحاط بها من كل جانب، والقتل قد استحر بالمسلمين، والظلم والاستبداد سكن منازلهم والفقر عشش بينهم، وهم على ذيل القافلة البشرية لا في العير ولا في النفير، مطمع لكل طامع خبيث يستغل خيراتهم ويستعبد رجالهم، ترى الغرب يوكل بعضهم لخدمته وتحقيق مصالحه بتوظيفهم ملوكا وزعماء ورؤساء وعلماء وكتابا ووراقين وقضاة، وينشئ لهم أسماء وألقابا يغتر بها كل من يسهل التغرير به، فلا تراهم بعد ذلك إلا أبواقا تصدح بما يخدم أعداء الإسلام والمسلمين وبما ينقص من قدر المسلمين وبما يمجد الغرب وحضارته ويتغنى بثقافته.

 

في هذه الحال ماذا يجول في خاطر المسلم وهو ينظر في حاضر الأمة الإسلامية وماضيها، فيجد أن للغرب الكافر دوراً في حياة المسلمين قائماً على العداوة والبغضاء المطلقة منذ انحسار الدولة الرومانية عن بلاد الشام وهزيمتهم في معركة اليرموك، وخروجهم من دمشق إلى غير رجعة، ما دعا أحدهم ليقول حين دخل دمشق بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقد دخلها بمساعدة بعض العرب: (ها قد عدنا يا صلاح الدين)، ولماذا صلاح الدين؟ ومن لا يعرفه؟

 

واليوم تقارب الزمان وتسارعت الأحداث وأصبح الحدث يدور حول العالم في ثوانٍ قليلة وكأن الإنسان في قلب الحدث أنّى كان الإنسان أو الحدث، وهذه المئة والخمسون سنة الأخيرة كأنها ألف سنة من عمر البشرية بما حوت من الأحداث والاختراعات ومما أصاب المسلمون فيها من سكون وذهول وضياع.

 

نعم وصل الإسلام إلى أرمينيا وتخوم الصين والهند والسند وسمرقند وبوتيه وإلى أسوار القسطنطينية بسرعة مذهلة، ودفن أبو أيوب الأنصاري تحت أسوارها، ثم فتحت القسطنطينية - اسطنبول - وحوصرت فينا عاصمة امبراطورية النمسا والمجر، ثم عاد الإسلام غريبا كما بدأ فطويت راياته وقسمت بلاده وغاب مجده وتشرذم جنده وضاع أبناؤه!

 

ثلاثة عشر قرنا من الزمان والإسلام يصول ويجول في الدنيا، أحيانا تضعف دولته ثم ينهض من كبوته، إلا أن المئة سنة الماضية المكملة للقرن الرابع عشر من عمره يبدو فيها كما وكأن سلطان الإسلام لم يعد قادرا على إخراج رأسه من تحت الركام لشدة تكالب أعدائه وبعض أبنائه عليه.

 

كانت الحروب الصليبية التي امتدت على طول مئتي عام قد أثبتت وحشية الكفار الصليبيين وبربريتهم وحقدهم على الإسلام، فحين احتلوا بيت المقدس سفكت دماء المسلمين بدون رحمة وغاصت سنابك خيولهم بدماء المسلمين، وكان ذلك في لحظة ضعف لسلطان الإسلام، والغرب وأعوانه اليوم يتباكون على التسامح وعلى الإنسانية؟ أين التسامح في تاريخهم، والإنسانية في عنصريتهم الظاهرة لكل ذي عين وبصيرة على طول الزمن.

 

وتأتي معركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي سنة 583 هجري الموافق لسنة 1187م، التي كانت القاصمة للصليبيين وبداية طردهم من بلاد المسلمين، وقد تجلت سماحة الإسلام بالعفو عند المقدرة أمام همجية الكفار النصارى الغربيين، وقد أعادت معركة حطين للمسلمين اعتبارهم وردت الكفار عن بلادهم، والقول أن غير المسلمين كفارٌ أمر لا مراء فيه وهو وصف لواقع هؤلاء، فهم يكفرون بالإسلام ويعادون أهله فهم كفار وكان هذا اسمهم على الدوام، ولا تنتهك دماؤهم ولا أموالهم ولا آدميتهم لكفرهم، وقد ضمن الإسلام إنصافهم ومكنهم من حقوقهم كاملة غير منقوصة، تلك الحقوق التي منحها لهم الشرع الإسلامي وبقي اختلافهم عن المسلمين حاضرا في ذهنهم وذهن المسلمين بدون عناء أو خسارة أو اعتراض من أحد.

 

وتطل معركة بلاط الشهداء - في الطرف الغربي من بلاد المسلمين كنقطة فاصلة - تلك الواقعة التي حدثت سنة 114 هجري، أي بعد مئة وأربعة عشر عاما من إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، والمسافة التي قطعها المسلمون على ظهور الجياد من عاصمة الخلافة إلى بوتيه تعد بآلاف الأميال، وأهمية هذه المعركة جاءت من أنها أوقفت فتوحات واندفاع المسلمين لفتح أوروبا من جهة الغرب، ومكنت الكفار وبعد ثمانية قرون سنة 1495م من إخراج المسلمين خروجا مذلا من الأندلس، وقد أكلتهم الفرقة وأهلكهم الضعف وعدم التقيد بالشرع الإسلامي وأذلهم تحالف بعضهم مع الكفار، ليكون عونا له على أخيه المسلم ليأكله فيما بعد وتُستأصل شأفتهم ويُؤتى على جذورهم فلا تسمع لهم ناعيا ولا باكيا في ربوع الأندلس.

 

ويدعي الكفار والعلمانيون أن المسلمين لا يعرفون التسامح؟ وتبقى آثار المسلمين تنعي غيابهم مع أنهم كانوا قادرين على ألا يُبقوا من الكافرين ديارا في شبه جزيرة إيبيريا كلها أيام قوتهم وعزهم ومجدهم، لكن الإسلام يُبقي على الناس أينما حل فلا إكراه في الدين على وجه الحقيقة ويترك الخيار لهم إما الإسلام أو البقاء على حالهم ولا تهضم حقوقهم ولا تؤكل أموالهم ولا يضير الإسلام شيئا، حيث إن السيادة للشرع، والشرع صان دماءهم وحفظ أرواحهم وأموالهم وتركهم على أديانهم، في حين أننا نستطيع السؤال في المقابل: أين الهنود الحمر أهل أمريكا الشمالية والجنوبية الأصليون؟ لقد قتلهم الأوروبيون عن بكرة أبيهم، من جلب الأفارقة إلى الأمريكيتين واستعبدهم؟ من أشعل الحروب الدامية العالمية الأولى والثانية؟ ومن الذي لا تحلو له الحياة إلا على مص دماء الناس؟! إلا هؤلاء الأوروبيون والأمريكان الكفار النصارى وتابعوهم اليهود الصهاينة.

 

كانت أول حملة صليبية سنة 1095م، وآخر حملة سنة 1291م، احتل الصليبيون شواطىء بلاد الشام وأنشأوا ممالك ودولاً، وكان من أبرز من تصدى لهم الروم السلاجقة المسلمون أمراء الموصل آل زنكي رحمهم الله، وكان الخليفة العباسي في بغداد ضعيفا ولا سلطة فعلية بيده وأمراء الولايات يملكون القوة والسلطة ويدعون للخليفة على المنابر.

 

وأثناء الحروب الصليبية سنة 1258م جاء المغول إلى عاصمة الخلافة العباسية ونشروا الدمار والموت والهلع لدرجة أنه كان يطلب من بعض المسلمين البقاء ريثما يحضر المغولي سيفه ليقتلهم فلا يجدوا سبيلا للهرب من الموت، واندفع المغول باتجاه الشام ومصر ليتصدى لهم المظفر قطز في معركة عين جالوت سنة 1260م، ليذوب المغول بعد تلك المعركة، منهم المنهزم إلى بلاده ومنهم من دخل في الإسلام وتطوى صفحتهم، ويتم إخراج الصليبيين من بلاد المسلمين نهائيا على يد الأشرف خليل، والملاحظ أن معركة حطين وعين جالوت وقعت في جنوب بلاد الشام في فلسطين، فالجيش والأمير القادم من الموصل بعد أن نظم أحوال مصر خرج بجيش منها ليضع حجر أساس طرد الصليبيين من بلاد المسلمين في معركة حطين، والجيش والأمير الذي تصدى للمغول وهزمهم ومحا أثرهم، كان قد قدم من مصر أيضا كأنه سار على أثر جيش معركة حطين لينتصر في معركة عين جالوت.

 

وفي وسط الصورة ضوء ناصع ساطع فتح القسطنطينية وقائدها السلطان محمد الفاتح، وتحقُّق بشرى رسول الله ﷺ بفتحها سنة 1454م، فتهتز أوروبا وتنتقم الكنيسة الكاثولكية من مسلمي الأندلس فتجتثهم من جذورهم بمحاكم التفتيش والطرد والقتل.

 

بعد أن خسر المسلمون كل شيء بمعنى الكلمة، يخرجون من قرطبة آخر معقل لهم بذلة وانكسار سنة 1495م إلى غير رجعة، وتبقى حسرة ضياع الأندلس في الذاكرة لا يتصور مداها ومر مذاقها إلا من اكتوى بنارها، وآثار المسلمين ورائحتهم لا تزال في الأندلس ولم يستطع الكاثوليك وحقدهم من محوها أو الإتيان عليها.

 

ويأخذ العثمانيون الراية ويستمرون بالتقدم إلى قلب أوروبا من الشرق، فيحاصرون فينا عاصمة امبراطورية النمسا والمجر للمرة الأخيرة سنة 1683م، وبعد أن ارتد الجيش العثماني عن أسوار فينا نتيجة لهذه المعركة، بدأ بالتقهقر والدفاع عن أراضيه بعد أن كان همه فتح البلاد ونشر الإسلام، ومن أسباب الهزيمة في هذه المعركة أن حاكم القرم لم يطع أمر قائد المعركة (الصدر الأعظم) ويمنع التحاق الجيش البولندي بساحة المعركة حتى ولو اقتضى الأمر تدمير ذلك الجسر فلم يدمره ولم ينخرط بالمعركة ويلتحق الجيش البولندي بالمعركة.

 

وقد أقلق العثمانيون أوروبا النصرانية فكانت المسألة الشرقية التي تعني لهم السبيل لوقف زحف الجيش العثماني إلى بلادهم لتصبح فيما بعد حين ضعفت الدولة، تعني تقاسم ممتلكات الدولة بينهم، وما زالت النمسا تحتفظ في متاحفها ببعض البيارق وأعلام الجيش العثماني من معركة حصار فينا وتحتفظ أيضا بمدفع صغير تدعي أن الفضل كان له حين تسلل بعض جنودهم وأطلقوا قذيفة منه على مخزن ذخيرة الجيش العثماني ما عجل بانسحابه وارتداده عن أسوار فينا، ويفتخرون أيضا أنهم قد اكتشفوا النفق الذي حفره العثمانيون قبل أن يتفجر وتفتح ثغرة في سور المدينة والفضل يعود على رأيهم إلى فران كان يعد الخبز.

 

وقد بلغت مساحة الدولة العثمانية في أوج مجدها (24) مليون كيلو متراً مربعا، ولتصور ذلك فإن مساحة مصر مليون كيلو متر مربع، حافظ الإسلام على تماسك الدولة العثمانية وعلى الولاء للخليفة، والخليفة يحكم بالإسلام ويرعى رعايا الدولة رعاية حقيقية ولم يخلخل بنيان الدولة ويقضي عليها إلا اتباع الأفكار القومية الآتية من الغرب والانبهار بثقافتهم والولاء لهم، من القوميين العرب والأتراك والألبان وغيرهم، هؤلاء الاتحاديون حين نجح انقلابهم، على السلطان عبد الحميد استقبلوا سفير بريطانيا بوضع أنفسهم مكان الخيول وجروا العربة به إكبارا له وتعظيماً لشأنه وامتنانا لدولته على مساعدتها لهم، ويحاول الأوروبيون اليوم لوم الدولة العثمانية على قتل الأرمن إبان الحرب العالمية الأولى، والإنجليز والفرنسيون هم من جاءوا بالاتحاديين، وروسيا من دفعت الأرمن لقتل الجنود العثمانيين غيلة وتمردا، ويدعون أنه قتل أكثر من مليون أرمني مع أن عدد الأرمن في الدولة العثمانية لم يصل هذا العدد.

 

إن الغرب الكافر يحاول أن يخفي تدخلاته السياسية وطموحاته الإمبريالية في العالم الإسلامي تحت دعوى الإرهاب ومكافحته وتخليص البشرية من شر المسلمين وتطرفهم، وينصب نفسه وصيّاً عليهم، فهو - بزعمه - أدرى منهم بما يصلح حالهم، ذلك منذ أن استطاع الاستيلاء على بلادهم بمعاونة المارقين من أبنائهم ومن ثم اتخاذه دعوى الإرهاب ذريعة للتدخل بشؤون المسلمين ومنعهم من طرد الكفار من بلادهم واجتثاث شرهم، ويشكل الأحلاف في حربه ضد الأمة، فيجتمع الكفار على محاربة المسلمين بعون من المارقين من أبناء المسلمين الذين تماهوا مع الكفار واندمجوا بهم.

 

ومن شدة انبهار مصطفى كمال بالإنجليز أنه أوصى بسفيرهم في أنقرة ليخلفه في الحكم، لكن "سعادة السفير" طمأنه أن يرقد بسلام وأن الإنجليز سوف يخلصون بإيجاد الخلف الصالح له، فكان عصمت إنونو الذي يقول لقد كنا مفتونين بالدستور ونحن لا نعرف ما هو الدستور، ليعلمهم الكفار أن الدستور الذي يصنع لهم هو شيء للزينة لا يستعمل ولا يستفاد منه وأهواء الحاكم هي القانون والدستور، والويل لمن لم يفهم ما يرمي إليه الحاكم الدكتاتور الزعيم "الأوحد" "الفذ" "المنقذ" "الضرورة" الذي نصبه الغرب الكافر!!

 

وتسقط الخلافة على يد "أبنائها" سنة 1924م وقد اشتركوا في الحرب العالمية الأولى وليس لهم فيها ناقة أو جمل، هؤلاء الاتحاديون من القوميين الأتراك والعرب والذين نالوا رعاية من الإنجليز والفرنسيين على وجه الخصوص، وكان القوميون العرب في بيروت عشية انتهاء الحرب العالمية الأولى بعضهم يدعو لتحكمهم بريطانيا والآخرون يدعون لتحكمهم فرنسا، هؤلاء هم أحرار العرب، والآن بعد مئة عام يرى كل ذي عينين النتيجة التي ترتبت على إسقاط الدولة العثمانية وتحكم الكفار الغربيين في بلاد المسلمين وما صنعه وكلاؤهم من حكام بلاد المسلمين.

 

لم يأخذ حصار فينا ما يستحق من الأهمية عند المسلمين العرب للدعاية الغربية المغرضة والكاذبة ضد الدولة العثمانية ولعمالة القوميين العرب والأتراك للإنجليز والفرنسيين على وجه التحديد، كما لم يأخذ إسقاط الدولة العثمانية الأهمية عند العرب ولا عند الأتراك للسبب نفسه وأصبحت أكاذيب الكفار تجاه الدولة العثمانية مسلمات عند عامة العرب والأتراك، فانطلقوا يمجدون من هدم دولتهم وأصبح الكفار هم مصدر المعلومات لدى الطرفين عن بعضهم، وزرع بينهم الاشمئزاز المتبادل والاستخفاف بما يجمعهم، وقزم بأعينهم تاريخهم المجيد وحشرهم في أحداث صنعها ليسيطر على ذاكرتهم بها، "الثورة العرابية" و"جمال الدين الأفغاني" و"محمد عبده" و"سعد زغلول" و"عبد الناصر" و"الثورة العربية" و"مصطفى كمال" وذئبه الأغبر، ويد الكفار لا تخفى عن صناعة هذه الأحداث جميعها.

 

وارتداد العثمانيين عن أسوار فينا يذكرنا بمعركة بلاط الشهداء في جنوب فرنسا حيث وقف الفتح الإسلامي من جهة الغرب، والآن يقف من جهة الشرق على أسوار فينا لينطلق من كلا الجهتين بالاتجاه المعاكس ليصادف خروج المسلمين أو قل طرد المسلمين من الأندلس بعد خمسين عاما من فتح القسطنطنية، لتستطيع أساطيل الغرب مهاجمة اسطنبول بعد أربع مائة وستين عاماً تقريبا وقد ضعف المسلمون ودانت دولتهم وارتبط ضعفهم بإعجاب بعضهم بحضارة الكفار وثقافتهم والولاء لهم واتباعهم تحت مختلف الشعارات.

 

ويحتفل الإسبان باسترجاع الأندلس كل عام وقد مضى على ذلك أكثر من خمسمئة عام، كما أن الأتراك يحتفلون بفتح اسطنبول، وقد مضى أكثر من خمسمئة وخمسون عاما على فتحها.

 

الصراع بين الكفار والمسلمين صراع حضارات، بمعنى أن الحضارة هي الأفكار المكونة لوجهة النظر في الحياة وللثقافة، وهي التي تميز طريقة العيش في الحياة لكل أمة وتجعلها حسب أفكارها وعقيدتها التي تحدد الحسن والقبيح وتطبع حياة الناس وتنظم شؤون حياتهم، من هنا كان الصراع بين (الحضارات) الأفكار لتحقيق المصالح التي تعينها تلك الأفكار أمرا مفروغا منه لا سبيل لنكرانه من أحد، والغلبة اليوم ومنذ أكثر من مئة عام للغرب الكافر وأعوانه ومريديه، مع ذلك فإن الخوف يملك عليهم أنفسهم من المسلمين وقد جعلوا المسلمين هم العدو المباشر لهم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لعلم ساستهم ومفكريهم أن الإسلام هو التحدي الحقيقي لحضارتهم، فهم ينتظرون صعود الإسلام ويخافونه ويعملون كل ما أمكن لتأخير صعوده واستمرار حكم بلاده.

 

وقد تعجَبُ من دعاوى العلمانيين وتخوفهم من تفكيك الدولة الوطنية والقومية التي هي ميراث احتلال الغرب الكافر لبلاد المسلمين ولا يسأل أحد منهم نفسه من جاء بها إلى بلاد المسلمين؟ ولخدمة من كانت هذه الدويلات والولاءات؟ وهل يأتي عدوك بشيء ينفعك؟! ويتساءل العلماني عن الآخر ويعتبر نفسه من الآخَر، والآخر عند المسلم هو الكافر، والكافر في الدولة الإسلامية أمره واضح وحقوقه مصونة، والدليل هذه الطوائف والإثنيات العديدة الموجودة في بلاد المسلمين، لم يُكره أحد منهم على ترك دينه على مدار القرون، وما يزيد العجب دعوة العلمانيين بضرورة تحديث الخطاب الديني الإسلامي، وما لهم هؤلاء بالدين الإسلامي وهم يتبنون الأفكار الرأسمالية والاشتراكية وتحكمهم المشاعر الوطنية والقومية، أي شيء غير الإسلام يستهويهم ويُقبلون عليه، ويطلبون تحديث الإسلام! بهذا يتماهون مع الكفار ويعملون لمصالحهم ويحققون خططهم بالتحكم في بلاد المسلمين ونهب خيراتها وإقصاء الإسلام عن تنظيم شؤون حياة الناس وجعله دينا كهنوتيا لا علاقة له بالحياة. ألا ترى أن القوميين قد هيأوا للناس أن لديهم أفكارا حين لمسوا فراغ أفئدتهم وخواء قلوبهم، فجاءوا ببعض الأفكار الاشتراكية والشيوعية وتبنوا بعضها وادعوا بتنظيم حياة الناس ورعاية مصالحهم بحسبها، فما فائدة هذه القومية - العقيدة - التي لا تملك تصورا وأفكارا عن الحياة لتنظيم شؤون حياة الناس ورعاية مصالحهم وحل مشاكلهم؟، فيستعير العلمانيون على اختلاف ألوانهم أفكارا لا تمت لعقيدة الناس بصلة ولا يؤمن بصحتها أحد - اللهم إلا قليلاً من الأدعياء المغرر بهم - فيلجأون لأفكار أعداء الأمة فيفرضونها على الناس رغم ظهور فسادها وعدم نفعها ويدعون الوصاية على الناس كما يدعيها المستعمر الكافر.

 

إن غالبية الدويلات القائمة في العالم الإسلامي صنعها المستعمر على مقاسه، مستعمرة على شكل دويلة فهي إدارة حكم استعماري ليس من ضمنها أجهزة حكم وإدارة قائمة ومنفصلة عن سلطة الحاكم لترعى مصالح الناس وتنظم شؤون حياتهم، وتحسن تنفيذ الأحكام عليهم، وتيسر قضاء مصالحهم، ما هي إلا إدارة استعمارية فقط تضع السلطة والقوة بيد الحاكم، والحاكم هو المستعمر، ومن يمثله، فالأنظمة والقوانين توضع للحفاظ على الحاكم بشخصه وبقاء ملكه واستغناء بطانته وكلما جاء حاكم لعن من كان قبله، وجاء بهواه وزمرته، وبالظلم والاستبداد والسلطة الغاشمة والقوة المفرطة، وهذا ما يجمع هؤلاء مع سيدهم المستعمر الكافر عدو الأمة الذي مكن لهم حكم بلاد المسلمين.

 

أما في بلاد الكفار فالحاكم منفذ للأحكام والقوانين التي صدرت من عقيدتهم وأفكارهم ومبدئهم في الحياة، فجاءت الأنظمة والقوانين لرعاية مصالح الناس وتنظيم شؤون حياتهم حسب وجهة نظرهم في الحياة وطريقة عيشهم وبرضاهم، فكان احترام القانون عندهم أمرا مفروغا منه ومقدسا، لا يستطيع الحاكم مهما علا شأنه تغيير القانون أو تسخيره لخدمته الشخصية، عليه الانضباط بالقانون والانصياع لحكم القانون، ويتم اعتماد القانون أو تبديله بطريقة متفق عليها مسبقا، بعيدا عن هوى الحاكم، فكانت وظيفة بعض أجهزة الحكم الحفاظ على الدولة كنظام وليس على الحاكم كشخص بعينه، يملك البلاد والعباد والحاضر والماضي والمستقبل، فاختفت السلطة الغاشمة الظالمة المسخرة لخدمة الحاكم وزبانيته فانصرف الناس بشيء من الرضا حيث إن ما يؤمنون به يطبق عليهم ويظنون أنهم متساوون في الحقوق مع غيرهم في الدولة. مع عدم إغفالنا أن ذلك كله يتم في ظل الحفاظ على مصالح الطبقة الرأسمالية المتنفذة في ذلك المجتمع الغربي.

 

إن اليقين بانتصار الإسلام والمسلمين ثابت ثبوت الليل والنهار وواضح كالشمس والقمر، ففي السنة العاشرة من البعثة بدأ رسول الله ﷺ يعرض نفسه على القبائل العربية، يأتي إلى منازلها وأسواقها وحقولها ويتصل بها في موسم الحج يدعوها لنصرته والإيمان به ليبلغ الناس عن ربه، وبعد ثلاث عشرة سنة من النبوة جاءت بوادر النصر والتمكين بموعد مع الأنصار، ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان هم أهل بيعة العقبة الثانية التي كانت علامة فارقة في حياة المسلمين وتاريخهم، بني عليها ما بعدها من قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة بقيادة رسول الله ﷺ ونشر الإسلام في أصقاع الأرض، واستمرار حكم الشريعة الإسلامية لأكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان بين ضعف وقوة، وقد كان محور قوتها الالتزام بشرع الله وطاعته، وسبب ضعفها التغشية التي حدثت على فهم الشرع الحنيف وبلبلة الثقة في الإسلام، مما أدى إلى ضعف الفهم والالتزام بالإسلام وقد أقام رسول الله ﷺ الدولة الإسلامية على العقيدة الإسلامية بأن جعل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أساس حياة المسلمين وأساس العلاقات بين الناس وأساس دفع التظالم وفصل التخاصم، أي جعل العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أحكام ومفاهيم ومقاييس وقناعات وأفكار أساس الحياة كلها، فكانت هذه الأمور أساس السلطان والحكم وما يقوم عليه المجتمع الإسلامي، فكانت بيعة العقبة الثانية بيعة على الحكم بحماية رسول الله ﷺ ونصرته وتمكينه من نشر دعوته وطاعته في المنشط والمكره وتنفيذ أمره، وفي رواية جابر قال: فقمنا نبايعه فأخذ أسعد بن زرارة بيده وهو أصغر السبعين فقال: رويدا يا أهل يثرب إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وإن تعضكم السيوف فإما أنتم تصرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنكم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله، فقال الأنصار: يا أسعد أمط عنا يدك فو الله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، ومدوا إلى رسول الله ﷺ أيديهم فبسط يده فبايعوه ﷺ، قال جابر: فقمنا إليه رجلا رجلا فأخذ علينا البيعة يعطينا بذلك الجنة، وهذا عهد وعقد وبيعة في أعناقنا إلى يوم الساعة كما كان في أعناقهم أن نحمي الإسلام والمسلمين وننشر الإسلام في أرجاء المعموره ونرفع رايته، وهذه هي وظيفتنا في الحياة، كما كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، والله تبارك وتعالى وعد المؤمنين بالتمكين والنصر ونصرهم وهم قلة فكيف ونحن كثرة إذا صدقنا الله ورسوله ﷺ، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 55]، التمكين حاصل إن شاء الله فلا بد من العمل الجاد المخلص الدؤوب لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، العمل الملتزم بأمر الله ونواهيه وطاعتة تبارك وتعالى وطاعة رسوله الكريم ﷺ.

 

وقد أخبرنا رسول الله ﷺ أن الخلافة الراشدة عائدة وذلك في الحديث الشريف، الذي أخرجه أحمد «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم يكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت». فالخلافة الراشدة على منهاج النبوة كائنة وقائمة بإذن الله تبارك وتعالى.

 

لقد وعد رسول الله ﷺ: بفتح بيت المقدس ففتحت، وبفتح القسطنطينية وفتحت، وبقي من الوعد فتح روما وستفتح إن شاء الله، قال رسول الله ﷺ: «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش» رواه الإمام أحمد في مسنده.

 

حين يقف بوش الأب في الكونجرس الأمريكي مفعما بنصر زائف على العراق ليقول إن بريطانيا شكلت العالم في المئة عام السابقة وسوف تشكل الولايات المتحدة العالم في المئة والخمسين عاما القادمة، لتغرق في وحل العراق ويتلطخ جبينها وقد بانت بربريتها بتعذيب السجناء بسادية يخجل الشيطان منها في سجن أبو غريب وغوانتنامو وفي السجون الطائرة، في سجون مخابرات مصر وسوريا وبولندا وغيرها من سجون الدول التابعة والدكتاتورية، هذه هي الحضارة الغربية في حقيقتها قامت على هدر كرامة الإنسان، وتزرع أمريكا الفتنة الطائفية أينما حلت، وتقسم المسلمين إلى أكراد وعرب وإلى سنة وشيعة وتدعي أن هذه ديمقراطية تريد أن تصلح أحوال الناس بها، أهكذا يصنعون في بلادهم؟؟؟ وفي أفغانستان تكسر أجنحتها وقد ظنت نفسها بطلا لفلم رامبو السينمائي وأن هؤلاء المسلمين لقمة سائغة لتخويف العالم بضربهم، ولكن أين هو هذا العالم الذي يطمع بوش في تشكيله؟ انظر إلى خارطة العالم القديم لتفجع من الصورة، إنه العالم الإسلامي شمال أفريقيا ووسطها بلاد الساحل آسيا الوسطى الهند والسند جنوب شرق آسيا ماليزيا إندونيسيا ومن حولها مندناو جزر القمر تركيا وإيران وبلاد العرب، هؤلاء الكفار طفيليات تمتص دماء المسلمين وتعيش عليها وقد جمعت دول الاستعمار الغربية ثروتها من بلاد المسلمين، بلاد المسلمين عامة استحوذ عليها الكفار مع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي خصوصا الإنجليز والفرنسيون وساموا أهلها سوء العذاب قتلا وتشريدا، لقد ربط الإنجليز المسلمين في شبه القارة الهندية على فوهات المدافع وأطلقوها عليهم، لقد اصطنعوا المجاعات في الهند وقتلوا الناس وتركوهم يموتون من الجوع، كاميرون له الفخر أنه ينحدر من عائلة ضليعة بتجارة العبيد وحرب الأفيون في الصين، من مآثر الإنجليز والمجاعات المفتعلة في الهند من أفعال الإنجليز ونكبة أهل فلسطين التي يجب أن يحاسبوا على جرائمهم بحق المسلمين، بالإضافة إلى قتل السكان الأصليين لأمريكا الشمالية والجنوبية، فجرائم الإسبان لا تقل عن جرائم الأنجلو سكسون أو المسكوب وغيرهم من أهل جنسهم، الغربيون عاشوا وجمعوا الثروة على دماء وأشلاء المسلمين ولم يحاسبوا بعد على فعلتهم هذه، أين المسلمون.!

 

منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي والكفار يغزون أطراف بلاد الإسلام: الهند إندونيسيا سواحل أفريقيا على المحيط الأطلسي، وبحر العرب وبعد ذلك أطراف الجزيرة العربية، وفي نهاية القرن الثامن عشر يجرؤ نابليون على مهاجمة مصر وتلحق به بريطانيا وهي طامعة بمصر، ولم تستطع احتلالها إلا بعد اثنين وثمانين عاما سنة 1882م، فكيف يستكين المسلمون لهذا الاحتلال؟ ويستمر إلى 1956م ويخرجهم الاستعمار الجديد وليس أبناء الأمة!

 

واستمر الكفار بكيدهم إلى أن هدمت دولة الخلافة العثمانية وقسمت بلاد المسلمين، وأُنشئت ولاءات قومية ووطنية لا تمت للإسلام بصلة ولا تخدم إلا الكفار، وحُكم المسلمون بأشد ما يكون من البطش والاستبداد، وغُيرت الأنظمة والقوانين الشرعية بأنظمة رأسمالية استعمارية خادمة لنفوذ الكفار ولم يردّ المسلمون على جرائم الغرب، ولم يثأروا لهزيمتهم أمام الغرب وقد أصبحوا أربعاً وخمسين دويلة غالبيتها صنائع للكفار، وكأن المسلمين أصبحوا غثاء كغثاء السيل، ونبت بينهم نبات يتبنى أفكارا جاء بها الكفار، الرأسمالية والاشتراكية والوطنية والقومية واليسارية والليبرالية وهذه كلها هواء!. ومنهم من هو المخدوع والمغرر به ومنهم المغرور بما وصل إليه من الثقافة الغربية فيتماهى مع الكفار بعقائدهم وأفكارهم وبطريقة عيشهم فيرعى مصالح الكفار في بلاد المسلمين ويأتمر بأمرهم ويحقق خطط الكفار في بلاد المسلمين، انظر ماذا حصل في العراق من الفتن الطائفية، سني وشيعي وعربي وكردي، المطلوب ألا يكون ولاء للإسلام وأن يقصى عن تنظيم شؤون الحياة.

 

هؤلاء هم العلمانيون من أبناء المسلمين وقد تسمعهم يتشدقون بالديمقراطية وبالعقد الاجتماعي وبحقوق الإنسان وبالعدالة الاجتماعية، كلها شعارات وقوالب جاهزة بغير مضمون، وقد حكمنا منهم ومن أسيادهم أكثر من مئة عام ولم نجنِ منهم إلا كل خراب ودمار وضياع للبلاد والعباد، ولا مثال أكثر وضوحا من ضياع فلسطين. الأنظمة التقدمية والثورية والرجعية - على رأيهم - اتفقت بالسر والعلن على تمكين اليهود من فلسطين وكانت مواقفها شعارات للاستهلاك المحلي وكسب التأييد الأعمى وتهيئة الوضع ليتنازل بعض أبناء فلسطين عما لم يستطع مدعي القومية العربية والثورة والتقدم من التنازل عنه، فقد جيئ بهم بلباس الثورة وباسم الثورة ليوقعوا صك ملكية اليهود لفلسطين وبأذل صورة ممكنة، وهؤلاء جميعا لا يذكرون موقف السلطان عبد الحميد من محاولة اليهود لاستملاك شيء من أرض فلسطين خوفا من المقارنة بينه وبينهم فيتنبه الغافل على جريمتهم.

 

والحاصل أن المسلمين كأنهم انتابتهم شبه غيبوبة لأسباب شتى يعجب المرء من طول أمدها، واليوم المخاض عسير ومكلف. وقد اشتدت حرب الكفار والعلمانيين على المسلمين في كل مكان وهم يرون أن المعركة مصيرية بالنسبة لهم، فهي تدور على إخراجهم من بلاد المسلمين، هذا من جهتهم واستئناف الحياة الإسلامية من جهة المسلمين، وفي خضم هذا الصراع يرى المسلم الذي يعيش في بلاد المسلمين حكاما لا يوادون الإسلام إلا مراء، ظلمة فاسدين، البطش والاستبداد حكمهم، يوالون الكفار ويأتمرون بأمرهم، حولهم بطانة فاسدة تأكل أرزاق الناس، المخابرات والأجهزة الأمنية يدها في كل مكان، وزمرة من علماء الدين يزينون للحاكم كل أمر فاسد، يتزلفون رضاه وأعطياته، فلا يسمع لهم أحد، فالفقر والفساد والظلم والاستبداد نتاج هذه الأنظمة التي أوجدها ويرعاها المستعمر الكافر، لهذا الحد وصل الأمر بالإسلام العظيم، فلا بد من تغيير جذري يعيد للإسلام مجده، عمل يصدق المرء مع الله ورسوله، فيلتزم بالأحكام الشرعية ويعمل لاستئناف الحياة الإسلامية. أما المسلم الذي يعيش في بلاد الكفار فإنه يرى الكفر بعينه واقفا أمامه أينما اتجه فلا يندمج في مجتمعاتهم، ويعجب من سذاجة هؤلاء الكفار وسطحيتهم وكيف قدر لهؤلاء أن يتحكموا في بلادنا ومقدراتنا؟ فيهتم في البحث عن سبيل وأسلوب حماية نفسه وأهله من الكفر، فيجد أمامه بعض الخيارات: إما أن يبقى في أوروبا ويدعو الناس إلى الإسلام بشكل مفتوح، أو يلتزم بالعمل الدعوي مع الحركات الدعوية الإسلامية ، أو العمل مع الحركات الجهادية الإسلامية، وهنا عليه أن يعود إلى بلاد المسلمين لأنه دخل بلاد الكفار بأمان وعليه الالتزام بشروط الأمان فلا يؤذي أحدا منهم، وحين يعود إلى بلاد المسلمين، يفاجأ أن الصورة يعتريها الغموض والاختلاط فالمجتمعات غير إسلامية، بمعنى أن الأنظمة والقوانين غير إسلامية (استعمارية رأسمالية) استبدادية غاشمة، والناس مسلمون وشعائرهم التعبدية إسلامية والعلمانيون من أبناء المسلمين أشد عداوة للإسلام من الكفار وأقل منهم نزاهة وأكثر منهم بعدا عن تفهم الإسلام ومراعاة المسلمين، وهم أعوان الحاكم الظالم وهم الدعاة للثقافة الغربية والمدافعون عنها وعن طريقة عيش الكفار في الحياة، فيزداد الأمر اختلاطا وتسودّ الصورة، وتأتي دعوة الجهاد مناسبة مع حركة الشعوب، فقد مل المسلمون الانتظار وسئموا الوعود ومخادعة الزعماء، الناس مسلمون وطبيعي أن يبذلوا جهدهم لتحقق الحياة الإسلامية والعمل لاستئنافها، واستئناف الحياة الإسلامية يعني أن الأنظمة والقوانين الإسلامية كانت قد أقصيت عن تنظيم شؤون حياة الناس ويراد لها الآن أن تعود لنصابها لتنظيم شؤون حياة الناس وحل مشاكلهم وطبع حياتهم بطابعها وصهرهم في بوتقتها، فالأمر يجب أن يعاد إلى نصابه، لقد انتابت المسلمين حالاتُ ضعف في ظروف مختلفة، وهزموا في بعض المعارك العسكرية ولم تتأثر ثقتهم بالإسلام ولم يسبق لهم أن طبقت عليهم (أنظمة الكفر) أنظمة وقوانين مستمدة من غير الشريعة الإسلامية، والحكم بما أنزل الله فرض يجب إقامته ولا يجوز تأخيره أو عدم القيام به، وأمر الله صريح واضح في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، والحكم بغير ما أنزل الله إثم عظيم لا يحتمله المسلم. قال الله تبارك وتعالى مخاطبا الرسول ﷺ بقوله: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحق، [المائدة: 47]، وقال: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49]، وهذا خطاب للرسول وخطاب الرسول خطاب لأمته ما لم يرد دليل يخصص الخطاب بالرسول ﷺ فيكون خطاب الحكم بما أنزل الله للرسول ﷺ ولأمته من بعده بوجوب إقامة الحكم بما أنزل الله على رسوله ﷺ، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء: 59]. والله تبارك وتعالى لا يأمر بطاعة من لا وجود له فدلت هذه الآية الكريمة على وجوب إيجاد ولي الأمر الذي يطيع الله ورسوله ويحكم بما أنزل الله على رسوله ﷺ، وإيجاد ولي الأمر واجب شرعا وفرض كفرض الصلاة لأنه يترتب على وجوده إقامة الحكم بما أنزل الله وتنفيذ الأحكام الشرعية، وترك إيجاده يترتب عليه تضيع الحكم بما أنزل الله وانتشار الفساد في الأرض وهلاك الحرث والنسل، فكان إيجاد ولي الأمر طاعة لله ضرورة شرعية ليسوس الناس ويرعى شؤونهم ويحقق مصالحهم بالشريعة الإسلامية، وضرورة دنيوية، لأن حياة الناس لا تستقيم إلا بنظام يتعارف الناس عليه لينظم شؤون حياتهم. وولي الأمر هو الإمام أو الخليفة أو السلطان الذي يحكم بما أنزل الله وينظم شؤون حياة الناس ويسوسهم بالشريعة الإسلامية ويحمل الدعوة الإسلامية للعالم بالدعوة والجهاد ويحفظ بلاد المسلمين وأموالهم ويصون دماءهم وأعراضهم ويرعى حرماتهم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حكما لقوم يوقنون [المائدة: 49-50]. المسلم لا خيار له فالحكم بما أنزل الله فرض لا يجوز تجاوزه ولا التراخي في إقامته وفي هذه الآية الكريمة السؤال استنكاري يستبعد رضا المسلم وقبوله بحكم غير حكم الله - وهو حكم الجاهلية - ومن أحسن من الله حكما لقوم يؤمنون به ويوقنون بحسابه! ومن يستبدل الذي أدنى بالذي هو خير؟ ومن يدعي أن المخلوق أدرى من الخالق بتنظيم شؤون حياة الناس وبما يصلح أحوالهم!. وقال الله تبارك وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء: 60-61]. هل بقي لأحد من المسلمين من خيار لترك حكم الله واتباع حكم الشياطين أو الناس والتي هي حكم الطاغوت، ومن هو الذي يصد عن طاعة الله ورسوله ﷺ؟

 

الخلافة الإسلامية مطلب جميع المسلمين؛ فهي عنوان مجدهم وعزتهم، والخلافة رعاية وتراحم وأمن وأمان لمن يستظل برايتها ويعيش بكنفها، ولم تكن يوما طاردة لأحد مسلما كان أم كافراً، ودول الكفر والدويلات القائمة في العالم الإسلامي تجد في دعوة إقامة الخلافة خطرا عظيما على وجودها وعلى ما تنعم به من رخاء؛ فسينعدم وجودها ويتقلص نفوذها وينفل عزها فسوف لا تترك سوءا إلا وحملته لدولة الخلافة.

 

إن دول الكفر من الدهاء والمكر وما لها من نفوذ في بلاد المسلمين لتفتعل بين المسلمين الفتن، فيقتتلون فيما بينهم ويشتغلون بأنفسهم عنها فتتفتت قوتهم وتسلط أنظارهم على اختلافاتهم في فهم الأحكام الشرعية فيصبح اختلافا رئيسا يسفك الدماء بينهم، والمسلمون بحاجة إلى تجميع قوتهم لرد عدوهم وتشتيت قوته، وتجنب الأعمال التي تجمع الأعداء عليهم، والجميع يرى ما حشد الكافر معه من الحكام الظلمة والمخدوعين بثقافته لمحاربة المسلمين تحت ذريعة الإرهاب.

 

فالخلافة أعظم شأناً من أن يتسابق إلى إعلانها، فعليها الأمل بمشيئة الله تبارك وتعالى إذ تجمع الأمة الإسلامية وتقهر عدوها وتتسنم قيادة العالم ناشرة فيه العدل والإنصاف، وتنصر المظلوم وتطعم الجائع وتؤمن الخائف، لقد نحيت الشريعة الإسلامية عن تنظيم حياة الناس منذ مئة عام تقريبا أو أكثر، وكانت قد أدخلت قبل ذلك قوانين وأنظمة لا تمت للإسلام بصلة في منظومة قوانين الدولة العثمانية، فبعد تصور حياة المجتمع الإسلامي عند الناس حتى لدى من يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، ذلك عوضا عن عدم الإحساس "بروح النص" عند إصدار أحكام القضاء فلا يجوز الحكم بالظن ولا أن يحكم القاضي بعلمه ولا بد من الدليل الواضح الصريح ولا حكم قبل ورود النص، حيث إنّ نظام العقوبات في الإسلام هو النظام الأكثر عمقاً وتفصيلاً في تاريخ البشرية، فالإسلام قد تميز - ومنذ زمن النبي ﷺ - بتحقيق العدالة وبشكل سريع، وعلى سبيل المثال كان رسول الله ﷺ يتولى القضاء ويتفقد الأسواق بنفسه لكشف محاولات التدليس والغش، ورحمة منه عليه أكمل الصلوات وأتم التسليم كان لا يقيم العقوبات بالشبهات بل بالبينات الشرعية ويقول ﷺ «ادْرَءُوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي العَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي العُقُوبَةِ» أخرجه الترمذي، وكذلك لا يقام الحد على السارق في عام المجاعة إذا سرق لسد جوعته، فقد ذكر السرخسي في المبسوط عن مَكْحُولٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا قَطْعَ فِي مَجَاعَةِ مُضْطَرٍّ» وهذا ما فعله سيدنا عمر رضي الله عنه خلال فترة المجاعة.

 

 فكان لا بد من النظر في ضرورة وجود فترة انتقالية تطبق بها الأحكام الشرعية وينبه فيها الجاهل والغافل ويعذر فيها المستهتر وينذر بها المغرر به والمفتون يالثقافة الغربية ويعلم فيها الناس الإسلام، فإذا تمكن المسلمون ودفعوا أعداءهم واستتب لهم الأمر دعوا لانتخاب خليفة من بينهم ليحكمهم بما أنزل على رسول الله ﷺ، دون إكراه من أحد أو أن تفرض جماعة أميرها على المسلمين بحجة سابقة في الجهاد أو غير ذلك، وهذا ليس له علاقة بالتدرج بتطبيق أحكام الشريعة أو بمشاركة الحكم مع من لا يتلبس بتحكيم الشريعة الإسلامية بل يجب الالتزام بتحكيم الشريعة الإسلامية فورا دون تأخير مع العذر أن الناس بعيدو عهدٍ عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وأعداء الإسلام كثر وأهل دعاية وخداع ومكر، ولا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، فهم يختلقون القصص والأكاذيب، ولم يستطيعوا ترويج نكاح الجهاد أو جهاد

 

النكاح فجاءوا بتقديس عبودية الجنس واغتصاب الأزيديات بطقوس دينية. لماذا التركيز على سبي واغتصاب الأزيديات؟ أين أهل الأديان الأخرى فهم جميعا أمام الإسلام سواء؟ وأين العبيد من الرجال حتى تكتمل الخديعة فإذا كانت النساء تسبى فإن الرجال تستعبد، إذا كان هؤلاء شهوانيين وأهل جنس فإن بلاد الغرب الكافر خير مكان لإشباع شهوتهم وضمن مبدئهم الذي يقرر الحرية الشخصية ويحث عليها، وقد تعجب من هذه الضمائر التي لا ترى ما يصنعه اليهود بأهل فلسطين، احتلوا بلادهم وهدموا بيوتهم وجلسوا على صدورهم فيما تبقى من أرض فلسطين، وتحاصر غزة وتمنع عنها مستلزمات الحياة بموافقة الجميع - المجتمع الدولي وهيئة الأمم - بذريعة أنها منطقة محتلة، وحق اليهود بالدفاع عن النفس حق القتل مضمون للقاتل أن يستمر بقتل ضحيته ليعيش على أشلائها ودمائها.!

 

فلا بد من أن يلمس الناس عامة الناس على اختلافهم رحمة الإسلام وصدق رعايته لهم وإخلاص وتقوى من يطبق الإسلام، مما يوسع حاضنة الدولة ويشد من عزمها ويزيد من قوتها ويدحض دعاوي أعدائها.

 

إن التسلط على الناس والغلظة والجلافة في التعامل معهم والتفنن في تنفيذ أحكام الإعدام وكثرة إصدارها وسرعة تكفير المخالف بالرأي وإهدار دمه، ليس مما يحرص عليه المسلم وليس من أولويات عمله وليس هو عنواناً لتقواه ولا يخطر على بال المجاهد، والبلاد كلها مشتعلة بنار الحروب والفتن فلا يكون التفريط من جهة ولا الإفراط من الجهة الأخرى هو عنوان المرحلة، بل يكون الالتزام بالشريعة الإسلامية بالرحمة والتقوى والخوف على الناس من كل مكروه، ومن الوقوع فيما يغضب الله تبارك وتعالى، وأن يكون الأمر واضحاً لدى المسلمين أنهم يحفظون كل عهد ووعد تم من رسول الله ﷺ ومن خلفاء المسلمين من بعده وأمرائهم وسلاطينهم إلى اليوم، فلا يخفرون عهد ذمي ولا عهد جوار ولا عهد معاهد ملتزمٍ بعهده ووعده ومعاهدته.

 

 

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم سلامة - أبو موسى

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع