قطاع طلاب المؤتمر الوطني (المدلل) دولة داخل دولة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
\n
في يوم الاثنين 11 مايو 2015 علمت صحيفة \"التيار\" من مصادرها أن قطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني قام بشراء 50 سيارة (كورولا فل أوبشن) موديل 2015 للمكتب التنفيذي، وحسب معلومات تحصلت عليها \"التيار\" فإن تكلفة العربة الواحدة من الشركة الوكيل بالخرطوم تقدر بـ455 مليون جنيه أي مجموعة صفقة الشراء تقدر بنحو \"22\" مليارًا و750 جنيهًا.
\n
واعتبر مصدر رفيع بالحزب، فضل حجب اسمه لـ\" التيار\"، بأن الخطوة تمثل إجراءً طبيعيًا في إطار التطوير والنقلة للحزب لجهة أن قطاع الطلاب كبير، ولديه الكثير من المؤسسات، كما أنه واجهة الحزب الحاكم.
وكردة فعل، فقد أعلنت الحركة الإسلامية وقيادة المؤتمر الوطني، في اجتماع يوم 11 مايو، دعم قطاع الطلاب بالحزب ومساندته في برامجه ومشروعاته الكبيرة التي يقوم بها.
ويرى مراقبون أن قطاع الطلاب بتركيبته الحالية أصبح دولة داخل دولة، فهم فوق الجميع بل عصيهم بأيديهم، ينكلون بكل من خالفهم الرأي، وحذر مراقبون في الوقت ذاته من مغبة أن يستمر طلاب الوطني بهذه الميزة؛ التي ولدت غبناً عليهم وسط الطلاب الآخرين.. ويطرح المراقبون عدداً من الأسئلة، هل يملك قطاع الطلاب صلاحيات رسمية، تشبه تلك التي تعطى للدستوريين وفقاً للدستور والقانون؟ أم أن قطاع طلاب الوطني يتصرف وفقاً لصلاحية حزبه و(شرعيته) التي يحكم بها البلاد؟ أم أن القطاع المدلل يرى أنه القوي الأمين؛ الذي أوكلت له مهمة حماية النظام الحاكم فيتصرف منتسبوه وكأنهم الحكام الفعليون يمارسون البلطجة، بل ويمارسون نفس الاستخفاف الذي يمارسه مسئولو الوطني؟.
ففي استضافته على أحد القنوات قال مسؤول الطلاب إن ثمن السيارات ليس 200 مليار بل هو 22 مليار، للتقليل من قيمة الموضوع، لعله يعلم أن الناس تحتاج لربع هذا المبلغ حتى ترجع المرأة التي تعمل في البيع في الطريق العام لأطفالها بالعشاء، ويرجع من يمسح زجاج السيارات في إشارات المرور، بما يقوته وإخوته، وأما أهل المخيمات في مناطق الحروب فقد وكّلوا لمنظمات الأمم المتحدة.
يحدث هذا رغم أن الحكومة تدعي أن الميزانية ميزانية حرب، وحسب ما نشر ميزانية حكومة المؤتمر الوطني لهذا العام 2015، خصصت (2.7) مليار جنيه (جديد) لجهاز الأمن، وخصصت للقطاع السيادي (2.52) مليار جنيه، بينما خصصت للصحة (4. 779) مليون جنيه. وفي الوقت الذي خصصت للقصر الجمهوري 711 مليون جنيه، خصصت لدعم جميع المستشفيات الحكومية بمبلغ 349 مليون جنيه، ولدعم الأدوية المنقذة للحياة قيمة 245 مليون جنيه ولدعم العمليات بالمستشفيات فقط بمبلغ 24 مليون جنيه! مما يعني أن مصروفات القصر تعادل أكثر من ضعف المخصص لدعم جميع المستشفيات! وأكثر من ثلاث مرات المخصص لدعم الأدوية المنقذة للحياة.
وقد استجدت الحكومة المساعدات من الأمم المتحدة، فقد تم تدشين برنامج الاستجابة الإنسانية لعام 2015 الثلاثاء الماضي بالتعاون مع حكومة الخرطوم، وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية بلمليح إن المنظمات الإنسانية العاملة في السودان تحتاج لمليار وثلاثمائة مليون دولار لمقابلة الاحتياجات، وأضاف بلمليح، إن الأزمة الثانية تتمثل في نقص الغذاء وسوء التغذية، الذي يؤثر على نحو 4 ملايين و200 ألف شخص، في كل أنحاء السودان في أي وقت، وأن سوء التغذية الحاد يؤثر على نحو 550 ألف طفل في السودان.
كل هذا يحدث بعد 26عاماً حكمت فيها الإنقاذ بلدًا بحجم القارة، فعمدت لقلب كل المعادلات رأسًا على عقب، وأولها أن صار البلد مِزقًا، بعد أن كان مليون ميل مربع تأكل الحروب أطرافه، ويقضي سوء التغذية على قسم كبير من سكانه.
شعار \"نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع\" أصبح من الماضي، أغلقت الكثير الكثير من مصانعنا أبوابها، وتعمل ما بقي منها بأقل من نصف طاقتها، ليت حكومتنا تجيب علينا لماذا عجزت أطيب أرض التي تساوي في المساحة سبعة أضعاف مساحة اليابان، ويقطنها أقل من ثلث سكان اليابان، ويشقها أحد أطول أنهار الدنيا من أقصاها إلى أقصاها، لماذا عجزت أن توفر لبنيها الحد الضروري من طعامهم؟! إنها سياسات الإنقاذ التي عطّلت الإنتاج، وشجّعت الاستهلاك البذخي، وقسّمت أهل السودان إلى طبقة صغيرة - أقل من 5% - من مستجدّي الثراء الفاحش، هم من منتسبي الحزب الحاكم، صاحب السيارات المليارية، وأخرى تمثّل تسعة أعشار الشعب يعيش تحت خط الفقر؛ وما دامت الزمرة الحاكمة في كرسيها وأبناؤهم مترفون، ومنتسبوهم من كل القطاعات يعتقدون أن السودان ملك يمينهم، فلا بد أن تؤول الأمور إلى هذه الدرجة من السوء للإنسان المغلوب على أمره.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان، ومن ولاه الله تعالى شؤون خلقه، وجب عليه أن يحوطهم بالنصح وأن يحكم بينهم بالعدل ومن قصر في حق من حقوق الرعية فهو غاش للأمة إن مات على ذلك حرم الله عليه الجنة، عن معقل ابن يسار قال، قال رسول الله ﷺ: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ الله رَعِيَّةً، فَمَاتَ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
إن العدل بين الرعية هو الذي يجلب توثيق العلاقة بين الناس، فتشيع روح الإخاء والتعاضد، وتستقر الأوضاع، ويمضي كل إلى غايته تمامًا كما بنى النبي ﷺ مجتمع دولة المدينة الزاخر، والحافل بالعدل والإخاء في الله. وما قيمة الحياة لو تجردت من هذه المعاني وأقفرت من العدل وغاض فيها؟!
لو لم يُشر القرآن الكريم إلى قصّة المؤاخاة التي تمّت بين المهاجرين والأنصار، ولو لم تأتِ النصوص النبويّة الصحيحة والشواهد التاريخيّة الموثّقة لتؤكّد هذه الحادثة، لظن غير المسلمين أنها قصّةٌ من نسج الخيال، وذلك لأن مشاهدها وأحداثها فاقت كلّ تصوّر، وانتقلت بعالم المثال والنظريات إلى أرض الواقع والتطبيق، وفي ظلّها قدّم الصحابة الكثير من صور التفاني والتضحية على نحوٍ لم يحدث في تاريخ أمّةٍ من الأمم، مما يجعلنا بحاجة إلى أن نقف أمام هذا الحدث نتأمّل دروسه، ونستلهم عبره..
وقد سجّل التاريخ العديد من المواقف المشرقة التي نشأت في ظلّ هذه الأخوة، ومن ذلك ما حصل بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع رضي الله عنهما، حيث عرض سعد على أخيه نصف ماله ليأخذه، بل خيّره بين إحدى زوجتيه كي يطلّقها لأجله، فشكر له عبد الرحمن صنيعه وأثنى على كرمه، ثم طلب منه أن يدلّه على أسواق المدينة، ولم يمرّ وقتٌ قصير حتى استطاع عبد الرحمن بن عوف أن يكون من أصحاب المال والثراء. فاستحق هؤلاء الثناء من الله حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. والأمة اليوم تعيش في حكم رويبضات، لا يفقهون هذه المعاني، لكنها تتطلع إلى تطبيق شرع الله؛ الذي هو سبيل الخلاص لها ولغيرها باشراق نور الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
\n
\n
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار - أم أواب
\n