الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
المرأة والنزاع المسلح

بسم الله الرحمن الرحيم

المرأة والنزاع المسلح
(ضمن حملة بكين 20 - إخفاق في تأمين حقوق المرأة)

 

 


عرف العالم خلال السنوات الماضية حروباً ضارية ونزاعات مسلحة متتالية، ساهمت بإبادة شعوب وتهديم بلاد وتهجير وتشريد الناس من بيوتهم ومن بلادهم أيضاً. أصبحت المجازر ترتكب بكل سهولة لأنه ليس هناك من يحاسب المجرم أو المعتدي، رغم عقد الكثير من الاتفاقيات وسن العديد من القوانين الدولية التي تدعو لحماية المدنيين وحماية الممتلكات والأموال والمنشآت غير العسكرية، وذلك للحد من استخدام العنف أثناء الحرب والنزاعات المسلحة، ولتخفيف الآثار السلبية الناجمة عنها.


ولقد كان للمرأة حصتها في هذه الاتفاقيات، فالمتتبع المنصف لمجريات الحروب يجد أن النساء أصبحن ضحايا سهلة في حروب القرن العشرين وحتى مع بدايات القرن الحادي والعشرين، فالمناطق التي توقد فيها الحروب يصبح السكان فيها مستهدفين وبصفة خاصة النساء، مع أنهن أقل الناس تأثيراً فيها وانتفاعاً منها، ومن ينظر إلى الدراسات الصادرة عن اليونيسيف سيجد أن أعداداً كبيرة من النساء قُتلن بأساليب بشعة ووحشية، فالمرأة تُقتل أو تغتصب أمام أطفالها وذويها، كما حصل للمسلمات منذ ربع قرن في البوسنة وكوسوفا وصولا إلى ما يحصل معهن الآن في سوريا والعراق وبورما على سبيل المثال لا الحصر. هذا بالإضافة إلى ما يعانينه من الخوف والاضطرابات النفسية والإحساس بفقدان الأمل، ويعشن كنازحات في أوضاع تغيب عنها الحاجات والخدمات الأساسية، إذ تتحمل النساء عموماً مسئولية رعاية الأطفال والمسنين علاوة على معاناتهن بسبب الحرب إذ يشهدن موت أطفالهن وأزواجهن وأقاربهن أمام أعينهن.


وقد حظيت المشكلات التي واجهتها النساء في حالات النزاعات المسلحة باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة فقد نوقشت في المؤتمرات والمحافل الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وغيرها من المؤتمرات وورش العمل. وقد أشارت لجنة الأمم المتحدة حول وضع المرأة في تقريرها المقدم إلى الأمين العام أنه "يجري أحياناً على نحو منتظم تجاهل القانون الدولي الإنساني الذي يحظر الاعتداء على المدنيين بصفتهم تلك، كما أن حقوق الإنسان غالباً ما تُنتهك في حالات النزاعات المسلحة، مما يؤثر على السكان المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والمعوقين".


إن هذه القوانين كانت كمثيلاتها من القوانين الدولية وخاصة تلك التي تتعلق بحقوق الإنسان، إذ لم تشكل رادعاً متيناً في وجه من أراد الاعتداء، فالمعتدي لن يميز بين المدني والعسكري، بين المرأة والرجل، أو بين الطفل والعجوز. وبالتالي لم تتوان أيضاً الدول عن سن القوانين، فقد تتالت المؤتمرات الدولية وخاصة تلك التي تستنكر ما يلقاه المدنيون من عنف وتهديد، وبالأخص الاعتداء على النساء. ومنها المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بكين -4 المنعقد في 15 أيلول/سبتمبر 1995- وقد سبق هذا المؤتمر تحرك واسع على الصعيد الدولي وعلى صعيد المناطق المختلفة من العالم. بالإضافة إلى التحرك على صعيد المجتمع الأهلي بجمعياته النسائية والحقوقية، مثل الاجتماع التحضيري الذي عقد في الأردن عام 1994، وقد أبدى مؤتمر بكين اهتماما خاصاً بواقع المرأة في مناطق النزاعات المسلحة من خلال تكريس بند من بنود منهاج عمل بكين للمرأة والنزاع المسلح، نظراً لازدياد بقع النزاع في بلدان العالم، والذي أشار (إلى عواقب النزاع المسلح والإرهاب بشكل خاص على النساء والبنات.. وتميز ذلك في أشكال العنف، وتفاقم ذلك بسبب ما يترتب على النزاعات المسلحة والاحتلال الأجنبي من عواقب اجتماعية اقتصادية وصدمات نفسية تلازمهن طوال حياتهن).


وتطرق المؤتمرون إلى الاتفاقيات السابقة مثل اتفاقية جنيف لعام 1949 المتعلقة بحماية ضحايا المنازعات المسلحة وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977 التي أكدت على ضرورة حماية النساء بصفة خاصة من الاعتداء على شرفهن، وعلى الأخص من المعاملة المهينة والمذلة والاغتصاب والبغاء القسري أو أي نوع من الاعتداء المشين. هذا ويعتبر ما تتعرض له المرأة خلال النزاع المسلح "انتهاكاً" لحقوق الإنسان، وللمبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني.


ورغم الحركة التي واكبت التحضير لمؤتمر بيجين والتشكيلات النسائية الأهلية والدولية التي بدأت بالعمل المباشر للدعوة إلى إحداث التغيير المطلوب في المجتمعات والقوانين، فإن الحركة النسائية تراجعت مع مرور الوقت لأسباب عديدة، فلم تأت الالتزامات الحكومية على قدر الأهداف والغايات، فما زالت المجازر ترتكب في حق النساء في دول النزاعات، كما هو ظاهر للعيان وواضح من تقارير المؤسسات والمنظمات كمنظمة العفو الدولية وتقارير الأمم المتحدة.


فبالرغم من كل هذه الجهود المبذولة من الدول الكبرى ووضعهم للقوانين التي لا قيمة لها غير الحبر الذي كتبت فيه، فقد أثبتت النزاعات الأخيرة ولا سيما في سوريا والعراق أن النساء يتم استهدافهن تحديداً لكونهن نساء، حيث يستخدم الاغتصاب الجماعي والاعتداء الجنسي من قبل الجيوش كسلاح استراتيجي لمعاقبة الأفراد وبث الخوف، والقضاء على الخصوم وإذلال الرجال من خلال إرسال رسالة مفادها أنهم غير قادرين على حماية نسائهم، هذا بالإضافة إلى المعاناة التي تتعرض لها المرأة كنتيجة لفقد الزوج أو الابن أو الأب، وتعرضها للسجن أو تحملها لأعباء الأسرة في حالة غياب المعيل والخوف من المجهول، وتفاقم المشكلات الصحية أثناء الحروب والنزاعات المسلحة إذ تكون غالباً في أوضاع صعبة. بالإضافة إلى ارتفاع عدد الأسر التي تعيلها امرأة وهذا معناه زيادة نسبة الفقر، ففي حرب لبنان عاش ثلث السكان تحت خط الفقر المطلق ونقلت لنا وكالات الأنباء صور معاناة النساء الباحثات عن أولادهن وأزواجهن في رحلة ربما تطول العمر كله.. وربما تكون النهاية مؤلمة أكثر وأكثر.


لقد أشارت التقارير التي أعدتها الأمم المتحدة وبعض المنظمات غير الحكومية في سوريا إلى تصاعد وتيرة العنف بما في ذلك الاعتداء الجنسي، وازدياد حالات الزواج القسري إضافة إلى جرائم الشرف وحالات الطلاق. وينتشر هذا الوضع بين النازحين ضمن الأراضي السورية وبين اللاجئين داخل المخيمات وخارجها في الدول المجاورة، ومن الصعب الحصول على أرقام دقيقة تعكس العنف الجنسي في سوريا بسبب امتناع الضحايا عن الإبلاغ بتعرضهم لمثل هذه الانتهاكات.


فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في نهاية العام 2014 مقتل أكثر من 15 ألف امرأة على يد قوات النظام السوري، واعتقال أكثر من 6500 امرأة، إضافة إلى تعرض أكثر من 7500 امرأة لحالات من العنف الجنسي من تحرش واعتداء. وتجدر الإشارة إلى أن حكم هذه الانتهاكات في قانون العقوبات السوري تبدأ بتسع سنوات من السجن وتصل إلى 21 سنة في بعض الحالات.


والأمر سيان في بعض الدول التي كانت وما زالت ضمن دائرة الحرب والنزاع المسلح كالعراق مثلا، ففي التقرير الذي صدر عام 2014 وبعد ثلاث سنوات من انسحاب القوات الأمريكية من العراق عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" بشأن وضع السجينات هناك. أن الآلاف منهن احتجزتهن قوات الأمن بطرق غير قانونية وتعرَّضن للضرب وللاعتداء الجنسي وللإعدام في بعض الأحيان وأصبحت هذه الممارسات وسيلة ضغط على الأهالي. وتتم هذه الاعتقالات تحت غطاء قانون "مكافحة الإرهاب" العراقي الصادر عام 2005.


وعلى الصعيد الرسمي توجد 1100 امرأة بين 40 ألف سجين في العراق، هذا بالإضافة إلى آلاف النساء المحتجزات في أماكن غير مذكورة في البيانات الرسمية. وإن كان معظم السجناء في العراق من الرجال، تبقى النساء هن الأكثر عرضة للعنف لأنهن مستضعفات. ويتزامن ارتفاع عدد السجينات مع استئناف العنف الطائفي بين "السنة والشيعة"، الذي أسفر عنه آلاف القتلى في العراق. ولن ننسى انتهاكات الجيش الأمريكي واعتداءاته والذي ترك آثاراً دموية مثل تعذيب واغتصاب السجناء رجالاً كانوا أو نساء، وما زلنا نذكر تلك الفتاة العراقية "عبير قاسم حمزة" (14 سنة) التي قام ستة جنود أمريكيين باغتصابها ثم قتلها، بعدما قضوا على كافة أفراد أسرتها في بلدة "المحمودية" عام 2006. وما زلنا نذكر أيضاً الصور الملتقطة بين عامي 2003 و2006 داخل سجن أبي غريب سيئ السمعة إبان الاحتلال المباشر للعراق. هذا بالإضافة إلى تحوَّل السجينات المعنفات والمغتصبات بعد خروجهن من السجن إلى ضحايا جرائم شرف في أسر تُحمّلهن مسؤولية ما تعرَّضن إليه من عنف وتعذيب. والحقيقة أن جرائم الشرف ليست نادرة في العراق، كما كشفت عن ذلك المنظمات غير الحكومية، وغالباً ما يفلت مرتكبوها من العقاب.


وقد تتأثر المرأة أيضاً بعد انتهاء النزاع المسلح أو الحرب، كما حدث في أفغانستان حيث كانت المرأة خاضعة لأحكام طالبان المتشددة ولكن بعد احتلال أمريكا لها وإدخال بعض الحريات الشخصية والتي بدورها ساعدت على تأجيج العلاقة بين الرجل والمرأة، أضحت النساء الأفغانيات يشعرن بقلق متزايد على حياتهن لأنهن وقعن بين الإفراط والتفريط بالإضافة إلى محاولة فرض طالبان هيمنتها من جديد وانعدام الأمن والأمان.


فالخلاصة أن معظم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تتحدث عن ضرورة إنهاء الحروب والنزاعات كعامل أساسي للتمكُّن من تعزيز حقوق المرأة والتّوصل إلى مساواتها مع الرجل. فحق العيش بأمان هو حق إنساني لكل الرعايا، وهذا لا يمكن تحقيقه من دون إنهاء الاقتتال والنزاع. فالحروب وحسب مفهومها الحالي تؤدي إلى تناقص الحريات العامة والخاصة بدافع درء الخطر المحدق بالمجتمع، فتُمنع بعض الحقوق من مثل الحق المزعوم في هذه الأنظمة وهو حق التعبير وغيرها، وأحياناً وبغية الحفاظ على الأمن القومي وحماية البلاد، تُفرض حالة الطوارئ والتي ترفع عن الدولة وآلياتها أي رقابة أو مساءلة، والتي قد تستمر سنين عديدة، كما هو الحال في معظم البلاد الإسلامية، فيصبح مفهوم الأمن والحرية لدى الدولة يختلف عن مفهوم الحرية والأمن لدى التحركات الشعبية للمطالبة بشيء منها.


إن ازدواجية المعايير في اتخاذ القرارات هو الذي يؤدي إلى التناقض بين ما تسنه وتقرره الدول وبين ما يتم تطبيقه على أرض الواقع، فمبدأ رأسمالي قائم على استعمار الشعوب، من المحال أن يؤمّن الأمن والاستقرار لها، مبدأ لا يُعنى بالإنسانية لا يهتم بعدد القتلى ولا يسأل كيف مات هؤلاء الناس ولا يطبق قوانين العقوبات التي يفرضها على مرتكبي جرائم الحرب، فمن سيعاقب! هل سيعاقب نفسه؟! مبدأ يتهم أبناءنا بالإرهاب ويلقى مجرميه بالترحاب، هكذا يكيلون! وهكذا هي دول الديمقراطية تستبيح دماء المسلمين بطلقات نارية وتوجهها إلى نساء لا يقبلن في دينهن الدنية.


لقد كان انتهاك عرض أي امرأة مسلمة في ظل الدولة الإسلامية كفيلاً بتحريك جيش عرمرم للاقتصاص لها ممن ظلمها وانتهك عرضها، وذلك كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع يهود بني قينقاع عندما كشفوا عورة امرأة مسلمة فأجلاهم عن المدينة، وكما فعل المعتصم عندما وصلته رسالة من امرأة أسيرة في سجون الروم فحرّك جيشاً عرمرماً لنصرتها وفتح عمورية. هذه هي دولة الخلافة نأمن فيها وتأمن أعراضنا وأموالنا وأولادنا وبناتنا.


هذا هو الأمن والأمان والعزة والكرامة التي كانت تحيا فيها المرأة المسلمة في ظل دولة الخلافة، فهل تتمتع النساء في ظل الدول الرأسمالية والأنظمة الوضعية بمثل هذه المكانة الرفيعة، وهل تحيا هذه الحياة الآمنة المطمئنة؟!


إن حقوق المسلمين وغير المسلمين محفوظة في أيام السلم وأيام الحرب؛ فدولة قائمة على أساس العدل - عدل الإسلام - دين الله على الأرض، دين الهداية والعيش بهناء واطمئنان، لن تعرف الظلم والجور وهضم حقوق الناس لأن رعايتها لهم ستكون وفق الأحكام الشرعية في دولة القرآن، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. وما ذلك على الله بعزيز.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع