الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
هل نترك الأرض يفسدون فيها؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

هل نترك الأرض يفسدون فيها؟!

 

 


لقد سمعنا كثيرًا من الناس: "اترك الأمور لرب السماء والأرض يدبرها بنفسه"، ولسان حالهم يقول للبيت ربٌ يحميه، فهل يصدر هذا الكلام ممن كانت في نفسه خشية من يوم يُسأل فيه عن كل صغيرة وكبيرة، ويجد فيه ما عمل محضرًا؟ ألم يسمع هؤلاء قول الله سبحانه تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ [الكهف:49]؟ أليست هذه الآية موجودة في القرآن منذ ما يقرب من 1400 عام وقد عرفها الصحابة وسمعوها من الرسول الكريم ﷺ وفهموها فالتزموا بأوامر الله سبحانه وتعالى كي لا يحاسبهم على أي تقصير؟ نعم فعلوا، وزادوا على الفروض من النوافل الكثير الكثير، حتى وصلنا الإسلام نقيًا صافيًا خاليًا من أية شائبة قد تعكر صفوه، بل وقد باع الصحابة أنفسهم لله ورسوله، جاء في قوله سبحانه وتعالى: ﴿مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ ]الأحزاب:23[، فباعوا أنفسهم مقابل جنة وعِدوا بها، واشتروا الآخرة بالحياة الدنيا، ولذلك سطّر التاريخ أسماءهم في صفحاته، وسجل أعمالهم بماء الذهب.


ولو وقفنا على الأفعال العظيمة لهؤلاء الرجال، حملة الدعوة إلى الإسلام، لأخذ الأمر منا أشهرًا بل سنين حتى نحصيها، وهم حتى لم يكونوا أنبياء ولا رسلاً معصومين، وإنما تجسّد الإيمان في أفعالهم، فنصرهم الله سبحانه وتعالى، قال عز وجل: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾، وغيرها من الآيات الكثير، التي تبيّن بما لا يدعو للشك أن الله سبحانه وتعالى لا يترك عبدًا ابتغى من عمله مرضاته عز وجل، والله مقلب الأمور، وسيجعل المستضعفين في الأرض حكامًا ويجعلهم الوارثين، ويثبت قلوبهم، ويوفّقهم لما يحب ويرضى، ولن يترك الذين كفروا من أعداء المسلمين يعيثون في الأرض الفساد كما يشاءون، بل سيرسل عليهم عذابًا من عنده لا يستطيعون رده، ولا الوقوف أمامه، ويختم عليهم البؤس إلى يوم الدين. جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله ﷺ : «إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ... » رواه البخاري. فيخبرنا الله على لسان رسوله ﷺ ويطمِئننا بأنه عز وجل سيعلن الحرب على من عادى أولياءه، ممن ساروا على خُطا رسول الله ﷺ والتزموا بأوامره، وتجنبوا نواهيه، فلا يفعلون إلا ما يرضي الله، ويتجنبون ما يغضبه سبحانه.


أفبعد هذا كله نتخلى عما وعدنا الله به وثبت به قلوبنا وعن النتائج المتحققة بلا شك لنركن إلى الذين ظلموا، فنترك شرع الله من أجل متاع زائل، ونبيع الدنيا بالآخرة؟! نحن حملنا الأمانة وهي ثقيلة، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: 72]، فلا بد في حملها من المشقة، ولكن النتائج بيد الله سبحانه وتعالى، وهو وعدنا بأنه سيستخلفنا كما استخلف الذين من قبلنا، قال سبحانه تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. فلنتسابق ليصدق فينا قول الرسول الكريم: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». ولنعمل ونجتهد حتى ينزل الله نصره علينا، ويمكننا نحن حملة الدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية من إقامة الخلافة على منهاج النبوة.


لا طاب لكم النوم يا من تسعون لردِّنا عن غايتنا بأن نكون خلفاء في الأرض، ولا نامت أعينكم يا من توصلون ليلكم بنهاركم وأنتم تكيدون لنا نحن حملة الدعوة لإقامة الخلافة على منهاج النبوة. إننا قد أخذنا على عاتقنا إعمار الأرض لتزهر بدين الإسلام، وسلكنا طريق رسول الله ﷺ ، ونحن مستعدون لتحمل العقبات، فإن سُجنّا أو عذِّبنا أو منعتمونا العيش الكريم فلن يعدل ذلك عندنا نظرة غضب من الله إن نحن قصرنا. فلا تفرحوا كثيرًا ولا تسعدوا، ولا تظنوا أنكم ببطشكم ستوقفون مسيرتنا، فنحن رجال ونساء حملة الدعوة إلى الخلافة على منهاج النبوة لا نكترث، ولن نستكين، وكلنا إيمان بقوله سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [القصص: 83]. فصبرٌ جميل دائمًا، فالنتائج بيد الله، ونحن بانتظار فرجه وتمكينه سبحانه وتعالى في القريب العاجل، ولن يترك الله الأرض للمفسدين يفسدون فيها، فهي لنا نحن، ونحن من سيعمرها ويرفع كلمة الله عالية فيها.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح - أمريكا

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع