الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
كلمة المهندس عثمان بخاش مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير في مؤتمر "الشريعة والخلافة"

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كلمة المهندس عثمان بخاش مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير في مؤتمر "الشريعة والخلافة" المنعقد في كوالالمبور يوم السبت 03 تشرين الأول/أكتوبر 2015م

نظرات في الدروس المستخلصة من "الربيع العربي"

 

 

 

قال الرئيس التونسي السابق محمد منصف المرزوقي في محاضرة له في العاصمة المغربية الرباط بتاريخ 2015/8/3، أن "كل الأحلام التي حملها الربيع العربي ذهبت أدراج الرياح"، وأن الربيع العربي "تحول إلى كابوسٍ في سوريا واليمن وثورة مضادة شرسة ستدفع في مصر إلى نوع من الحرب الأهلية"...

وقال إن "النظام المصري الحالي يذهب بقوة نحو الفاشية وقد تجاوز الاستبداد، وهو الآن يرجع إلى ما قبل الاستبداد".


فما صحة كلام المرزوقي؟ وهل تحولت انتفاضة الأمة إلى كابوس حقا بحيث ربما تندم الأمة على التضحيات التي قدمت لتنتهي إلى تجديد القبضة الاستعمارية الغربية تحت وجوه جديدة؟ أم أن الخاتمة لم تكتب بعد؟ وما هي الدروس التي نستخلصها مما جرى إلى الآن؟ هذا ما سنتناوله تحت العناوين التالية:


1. مدخل: واقع الأمة والهيمنة الغربية عليها، تبيان العداء الاستعماري ضد الإسلام والمسلمين.


2. الربيع العربي: كسر جدار الخوف، سرد موجز للوقائع: انطلاق شرارة الأمل، تحطم عروش الطغاة، مسارعة الغرب لركوب الموجة للإمساك بزمام الانتفاضة لحرفها عن البوصلة الصحيحة وانتهاء بتجديد القبضة الاستعمارية


3. الأسباب التي أدت إلى فشل الربيع العربي


4. الطريق إلى الأمام


1- واقع الامة: الهيمنة الغربية عليها


بعد أن تمكنت الدول الغربية من هدم الخلافة على يد مصطفى كمال، عزمت على فرض واقع جديد يمكنها من إبقاء المسلمين في حالة من الضعف تحول دون عودة قوتهم، قوتهم المستمدة من عقيدتهم وشريعة ربهم، فكان أن قامت فرنسا وبريطانيا بتقسيم المنطقة بحسب اتفاقية سايكس بيكو بينهما، وهكذا قسمت الأمة إلى عشرات الكيانات الهزيلة التي تقوم على أسس اعتباطية لا لشيء سوى أنها تخدم مصالح المستعمرين. ولكي تضمن الدول المستعمرة ديمومة هيمنتها وتسلطها على رقاب المسلمين قامت بفرض حكام خونة همهم الأول خدمة أسيادهم في الغرب، هذا من جهة. ومن جهة أخرى قامت الدول المستعمرة بتعطيل أحكام الشريعة وبفرض سياسات وأنظمة وقوانين تهدف إلى محاربة الشخصية الإسلامية التي كانت تعاني أصلا من الضعف نتيجة انحطاط المسلمين. وحتى تُنسي المسلمين أحكام الإسلام وطريقة العيش الإسلامية عمدت هذه الأنظمة والحكومات إلى الترويج لمفاهيم الحضارة الغربية بفروعها الفاسدة من علمانية ووطنية وقومية ومناهج تعليمية تتعمد تشويه مفاهيم الإسلام في الأجيال الناشئة وتزيين مباهج وسموم الأفكار الغربية. وليتمكن من تطبيق هذه النظم والقوانين استعان الاستعمار بحشدٍ من عملاء السياسة والفكر والثقافة من أبناء المنطقة أشربوا حب الحضارة الغربية والإخلاص في خدمتها والذب عنها، مع نظرتهم السقيمة تجاه الحضارة الإسلامية وازدرائهم لها. ونظرا لكون مفاهيم الحضارة الغربية تتناقض مع العقيدة الإسلامية جملة وتفصيلا، كان لا بد لهذه الأنظمة من أن تستند في حكمها على جهاز مخابراتي قمعي من الدرجة الأولى يسهر على البطش بالمخلصين من أبناء الأمة الداعين إلى استئناف الحياة الإسلامية بتطبيق شريعة ربهم. فكانت هذه الأنظمة بوليسية دكتاتورية تتفنن في أساليب القهر والجبروت بحق الناس، وكل هذا برعاية غربية لا تخفى على أحد، مع تشدق الدول الغربية بشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وما شاكل...


ولا بد من التنويه هنا إلى أن ما تخشاه الدول الغربية ليس فقط فقدان السيطرة على الثروات والمصادر الطبيعية التي تزخر بها بلاد المسلمين، بل هي تخشى استيقاظ المارد الإسلامي وعودة الحضارة الإسلامية إلى الحياة، فوجود هذه الحضارة متجسدة في كيان دولة الخلافة على منهاج النبوة معناه تقديم نموذج حضاري يقوم على رسالة الإسلام الربانية التي تحقق العدل والرحمة للبشرية جمعاء، وهذا نذير بانصراف الشعوب التي اكتوت بنكبات وويلات الحضارة الرأسمالية عنها وتطلعها إلى النموذج الإسلامي. ولذا وجدنا الدول الغربية فور سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار ما كان يمثله من نموذج بديل هو النظام الشيوعي الفاسد، وجدناها سارعت إلى تضخيم وتهويل خطر "الإرهاب الإسلامي" المصطنع، واعتماد سياسات مكثفة تستهدف تعزيز حواجر الحقد والكراهية والخوف من الشعوب الغربية ضد الإسلام والمسلمين، بغية تمكين الحكومات الغربية من اتباع سياسات الهيمنة والسيطرة على بلاد المسلمين والتحكم في شؤونهم في كل شاردة وواردة، دون أن تجد رأيا عاما ضدها. ومن ذلك:


- نشرت مجلة النيوزويك في عددها في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2004م قول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: "إن العدو الرئيسي هو الشريحة الأصولية الناشطة في الإسلام والتي تريد في آن واحد قلب المجتمعات الإسلامية المعتدلة وجميع المجتمعات الأخرى التي تعتبرها عائقا أمام إقامة الخلافة".


- قال توني بلير رئيس الوزراء البريطاني في المؤتمر العام لحزب العمال بتاريخ 2005/7/16م عن تفجيرات لندن في 2005/7/7م: "إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة إسرائيل وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تُحكِّم الشريعة في العالم الإسلامي عن طريق إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية".


- قال تشارلز كلارك وزير الداخلية البريطاني في كلمة له في معهد هيرتيج في 2005/10/6م: "لا يمكن أن تكون هناك مفاوضات على إعادة دولة الخلافة ولا مجال للنقاش في تطبيق الشريعة الإسلامية".


- صرح جورج بوش الرئيس الأمريكي السابق في خطاب له إلى الأمة الأمريكية في 2005/10/6م قائلاً: "يعتقد المقاومون المسلحون أنهم باستيلائهم على بلد واحد سيقودون الشعوب الإسلامية ويمكنونها من الإطاحة بكافة الحكومات المعتدلة في المنطقة ومن ثم إقامة إمبراطورية إسلامية متطرفة تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا".


- وفي 2005/12/5م قال دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي في جامعة جون هوبكنز: "ستكون العراق بمثابة القاعدة للخلافة الإسلامية الجديدة التي ستمتد لتشمل الشرق الأوسط وتهدد الحكومات الشرعية في أوروبا وأفريقيا وآسيا. وهذا هو مخططهم، فقد صرحوا بذلك. وسنقترف خطأ مروعاً إذا فشلنا في أن نستمع ونتعلم".


- في 2006/10/11م أكد بوش ثلاث مرات أثناء مؤتمر صحفي مطول في البيت الأبيض أن "وجود أمريكا في العراق هو لمنع إقامة دولة الخلافة التي ستتمكن من بناء دولة قوية تهدد مصالح الغرب وتهدد أمريكا في عقر دارها". وقال "إن المتطرفين المسلمين يريدون نشر أيديولوجية الخلافة التي لا تعترف بالليبرالية ولا بالحريات ولهذا يريدون لنا أن نرحل ولكننا باقون حتى لا نندم وليعلم الشعب الأمريكي حينئذ أن وجودنا في العراق كان يستحق المغامرة والرهان. هؤلاء المتطرفون يريدون إرهاب العقلاء والمعتدلين وقلب أنظمة حكمهم وإقامة دولة الخلافة".


- قال بوش في خطاب بتاريخ 2006/10/25م: "إن الفشل في إقامة دولة في العراق سيمكّن المتطرفين من استغلال البلاد لإقامة إمبراطورية متشددة تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا".


2- الربيع العربي: كسر جدار الخوف


جاءت شرارة الربيع العربي التي انطلقت من تونس في 2010/12/17م وانتشرت انتشار النار في الهشيم لتزعزع الهيمنة الغربية على بلاد المسلمين، فترددت أصداؤها في شرق العالم الإسلامي وغربه، ما كشف عن حقيقة وحدة مشاعر المسلمين التي تعكس وحدة عقيدتهم وليس هذا مفاجئا لأي مسلم، فربهم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة، يصومون ويحجون في مشهد يعكس وحدة المسلمين الشعورية التي تتصادم مع الواقع السياسي الذي فرضه الاستعمار الغربي، فجاءت شرارة الربيع العربي لتكشف هشاشة الوضع الذي فرضه الغرب. ولا بد من الملاحظة هنا أن الشرارة التي انطلقت من سيدي بوزيد في تونس لم تفجر هي الغضب الشعبي من فراغ، فالغضب المقموع موجود في الصدور عبر عقود من الهيمنة الاستعمارية، والسجون والمعتقلات وزنازين المخابرات في معظم بلاد المسلمين خير شاهد على ذلك. كنت زرت تونس في تشرين الثاني 2006، وكنت أقف مع صاحبي من أهل البلد على ناصية في شارع بورقيبة الشهير فأشار إليّ همسا أن انظر إلى مبنى وزارة الداخلية التي تقع على مسافة من حيث كنا واقفين، ثم أكمل قائلا إن الأرض التي نقف عليها تغطي تحتها زنازين المعتقلات السرية للمخابرات التونسية. هذا مع أن المساجد يومذاك كانت تفيض بالمصلين وفي صلاة الجمعة كان المصلون يفترشون الشوارع والأرصفة إذ لم تتسع الجوامع لهم...


نعم حيثما سار الراكب في العواصم وجد الظاهرة نفسها من تركستان الشرقية إلى آسيا الوسطى إلى تركيا وروسيا وصولا إلى الشام وشمال أفريقيا... حيث هيمن "الحكم الجبري" على صدور الناس، وارتكب الحكام المجرمون من الفظائع ما يندى لها الجبين، ومع ذلك كانت حرارة الغليان والنقمة والسخط تزداد في صدور المؤمنين الذين آثروا مرضاة ربهم على الدنيا الفانية وعلى العيش بخنوع العبيد.


فواقع بلاد المسلمين ينطبق عليه التوصيف الدقيق لغوستاف لوبون الذي قال:


"إنّ السبب الحقيقي للانقلابات الفجائية الضخمة التي تسبق تغيير الحضارات، مثل سقوط الإمبراطورية الرومانية وظهور الإمبراطورية العربية، هو تعديل عميق في أفكار الناس، إن أحداث التاريخ المشهودة هي الآثار المرئية للتغييرات غير المرئية للفكر الإنساني - والعصر الحالي هو واحد من هذه اللحظات الحاسمة التي يتعرض فيها فكر الإنسانية لعملية تحول".


فحين دبت صرخة "الشعب يريد إسقاط النظام" من ساحات تونس سرعان ما ترددت أصداؤها في بلاد المسلمين، وهذا ما دفع الرئيس الروسي ميدفيديف في 2011/7/14 إلى تشبيه الربيع العربي بسقوط جدار برلين، الذي أعلن طي صفحة النظام الشيوعي من على وجه الأرض...


هذه الصرخة استلهمتها حركة "احتلوا وول ستريت" التي انتشرت حركتها لتشمل 200 مدينة عالمية في تشرين الثاني 2011 للمطالبة بنظام عادل ورحيم بالبشر المسحوقين من قبل مصاصي الدماء في البنوك والأسواق المالية بالتحالف مع رجالاتهم في قصور الحكم.


ولذا كان من الطبيعي أن يسارع قادة الغرب للمكر ضد انتفاضة الأمة، وقد اتبعوا أساليب عدة في ذلك، منها التظاهر بمظهر الصديق الناصح تارة، بتقديم النصائح بأن الأنظمة الدكتاتورية قد أزكمت رائحتها النتنة الأنوف، وأنه لا بد من الإصلاح، ولكن مع التهويل والتحذير من مغبة التغيير الفوضوي الذي من شأنه أن يهدم السقف على الجميع أو يغرق سفينة المجتمع بمن فيها من حكام ومحكومين، كما قال طوني بلير على قناة سي إن إن بأنه "لا بد من التغيير ولكن المطلوب التغيير الذي يعزز الاستقرار"... فما معنى تعزيز الاستقرار؟؟ إنه الاستقرار الذي يخدم المصالح الغربية الاستعمارية ولا يتهددها..


وكذلك صرح ديفيد كاميرون في قمة الدول الثماني في آخر أيار 2011 بقوله: "لقد اجتمعت أقوى دول الأرض هنا في هذه القمة لتوجه رسالة واضحة إلى شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط بأننا نؤيد مطالبهم في مستوى أعلى من الديمقراطية، وحقوق الإنسان والحريات، ونحن نقف إلى جانبكم في مطالبكم هذه".


ولننتبه هنا إلى أمرين: أولا هو تقويل المنتفضين ما لم يقولوه، بأن ألزمهم المطالبة بالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وثانيا استعماله لفظ "نؤيد مطالبهم في مستوى أعلى (أو درجة أكبر) من الديمقراطية..." ما يعني أنه، في ظل النظم السابقة، كانت هناك "درجة" من الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان... وهذا الموقف هو غاية الشيطنة والتلبيس: فماذا كان موقفه هو وأقرانه من حكام الغرب تجاه الممارسات الهمجية اللاإنسانية لعملائهم من الحكام؟


ولنأخذ جواب أوباما مثالاً الذي أجاب على السؤال: ما إذا كان يعد حسني مبارك حاكما مستبدا قبل أن يطاح به في ثورة 25 يناير 2011؟ "لا أريد أن أطلق توصيفا عليه، فهو حليف مهم لأمريكا، وساهم بقوة في تأمين استقرار المنطقة وازدهارها". أما وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه فقد أقر في 2011/4/16 بخطأ السياسة الغربية في دعم الحكومات التي كانت تقمع الحريات وتئد تقدم المجتمعات في الشرق الأوسط، تحت ذريعة محاربة التطرف الإسلامي، التي اتخذت مبررا لغض النظر عن الممارسات القمعية الجائرة للأنظمة الدكتاتورية.


3- الأسباب التي أدت إلى فشل الربيع العربي:


السبب الأول: هيمنة النفوذ الاستعماري


إن النفوذ الاستعماري الغربي متغلغل في المنطقة، وهو يحول دون انعتاق أهلها من هيمنته باعتبارها منطقة استراتيجية حساسة للغاية، بل إن الغرب يعتبر الإخلال بنفوذه تهديداً استراتيجياً لمصالحه. فمنطقة الشرق الأوسط تمتلك الإسلام الذي يمثل طريقة حياة فريدة تفرض نظاماً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وأخلاقياً خاصاً، مؤهلاً لأن يكون منافساً عالمياً قويّاً إذا تحققت له السيادة ولأمته السلطان، كما تمتلك ثروات هائلة ومقدرات بشرية وتاريخاً زاخراً بالإلهام وموقعاً جغرافياً يشكل قلب العالم ويربط ثلاثة قارات معاً؛ لهذا كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما واضحاً وحازماً بشأن عدم تخلي أمريكا عن المنطقة عندما ألقى كلمة شاملة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2013/09/24م، حيث عرض معالم السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المضطربة، مؤكداً «أن الولايات المتحدة ستقدم على تحرك مباشر لإزالة التهديدات حين يكون ضرورياً، وستستخدم القوة العسكرية حين تفشل الدبلوماسية»، رافضاً «أي تخل أمريكي عن هذه المنطقة» معتبراً "أن هذا الأمر سيؤدي إلى فراغ لا يستطيع أي بلد آخر ملأه".


أما لافروف، وزير الخارجية الروسي، فقد دعا علانية إلى تكاتف دول الاستعمار لمنع إقامة دولة الخلافة، فقال في خطابه أمام الدورة الثامنة والستين، للجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2013/09/27م: «إن الأهداف التي تسعى إليها هذه الجماعات المتطرفة لا علاقة لها بالديمقراطية، وتأتي على أساس انعدام التسامح، وتهدف إلى تدمير الدول العلمانية وإقامة الخلافة»، وقال أيضاً في 2013/10/11م عن أهمية الإسراع بعقد مؤتمر جنيف2: «كلما تباطأنا في هذا الموضوع سوف تتجذر بقوة القوى المتطرفة، والتي أعلنت عن سعيها تأسيس دولة الخلافة في سوريا، والمناطق المحيطة بها»، وقال أيضاً في 2013/10/01م: «إن المهمة الآن تكمن في عدم إضاعة المزيد من الوقت، وجلب الحكومة السورية إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة العاقلة، التي لا تفكر في إقامة خلافة على الأراضي السورية.» وقال أيضاً في تصريحات لقناة «روسيا - 24» في 2013/12/14م: «في سوريا تتبلور حالياً الظروف التي بات على جميع الوطنيين السوريين في ظلها أن يدركوا ما الأهم بالنسبة لهم؟ هل هو القتال إلى جانب أولئك الذين يريديون أن يحولوا سوريا إلى خلافة؟ أم أن يتحدوا ويعيدوا لوطنهم شكله الذي كان يفاخر به على مدى عقود كبلد متعدد الديانات والقوميات، وكدولة علمانية يشعر الجميع براحة العيش فيها»...


من هنا، نجد أن سياسات الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا تحاول جاهدة، سواء عن طريق الانقلابات العسكرية على نحو ما جرى في مصر، أو عن طريق السماح بفوضى دموية عارمة كما جرى في العراق وسوريا؛ لتلتف على محاولات الشعوب الثائرة في الانعتاق والتغيير فتحتويها وتفشلها بل وتفرض على الناس الاستسلام لما تفرضه من حلول شكلية. ومن ذلك رفعها لشعار مكافحة الإرهاب لتبرير غض النظر عن جرائم الحكام الطواغيت في مصر وسوريا وغيرها.
فلا بد من التعامل مع دول الغرب الكافر كعدو، ولا بد من نبذ عملائه ومشاريعه وتسوياته الخبيثة بشكل حازم لا هوادة فيه، فالتغيير لن يكون مجدياً بالتعاون مع الدول الكبرى ولا بمسايرتها ولا بالتحالف مع عملائها أو الانجرار في مشاريعها... فكل هذا وبال على الأمة وعلى حركة التغيير فيها.


السبب الثاني: عدم وضوح الرؤية:


ليس بإمكان أي ثورة أن تنجح وتصل إلى أهدافها بدون رؤية واضحة للبديل وللطريقة الموصلة إليه ولكيفية تنفيذ كل ذلك عملياً في الواقع. فعدم وضوح ما سبق يؤدي إلى الاختلاف والاضطراب والفوضى والتخبط واليأس، ما يسمح لدول الغرب صاحبة النفوذ وصاحبة الإمكانيات المهولة بتسخير هذه الحالة لدفع عملائها وأتباعها لاختراق حراك الشعوب بمناورات ومبادرات ومشاريع وشخصيات تصرف الثورات عن وجهتها وتؤول بها إلى الفشل المحقق؛ لذلك كان لا بد من الاتصال الواسع والدائم بالناس لتصحيح وتوضيح أفكار الناس ومفاهيمهم بخصوص عملية التغيير، لا سيما:


- إيجاد الوعي على أن التغيير الوحيد المجدي والمقبول هو التغيير الذي يتم بالإسلام لتطبيقه وإقامة دولته. خاصة ونحن نعلم أن الغرب يواصل الليل بالنهار في محاولات يائسة لصناعة عملاء يمكنونه من تجديد قبضته الاستعمارية على البلاد والعباد ويجهضون اندفاعة الأمة لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة، كما أنه يعمل في الوقت نفسه على تشويه فكرة الخلافة بإبراز الوجه القبيح للممارسات الفظة لبعض التنظيمات والفصائل التي تنشر ثقافة الرعب والقتل الأعمى الذي يطال الجميع تحت ذرائع واهية لا يقوم عليها لا دليل شرعي ولا صحة نظر واستدلال، بل هي تخدم بذلك سياسة الغرب الهادفة إلى إذكاء الصراعات الطائفية والقومية بين المسلمين وإغراق المنطقة في أتون حروب لا تبقي ولا تذر، تستنزف طاقات الأمة وتجعل بأسها فيما بينها بدلا من توحيد الجهود والطاقات ضد المستعمر وعملائه المجرمين.


- حصر عملية التغيير بالأمة وقواها، ونبذ أي تغيير يأتي به الغرب أو عملاؤه لأن ذلك مجرد انتحار، وسيؤدي إلى كوارث مهلكة، فأمريكا لا مشكل عندها في لفظ برويز مشرف أو حسني مبارك أو بشار الأسد حالما وجدت البديل الذي تثق بأنه سيخدم مصالحها، سواء أكان بلحية أم بدونها. وهذا يتطلب باستمرار كشف خطط الغرب وفضح الدور الخبيث لعملائه الذين يروجون لها ليقودوا المسلمين إلى الهلاك وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.


- ضبط طريقة التغيير بأحكام الإسلام ومنهج الرسول ﷺ، الذي لم يدعُ للثأر الأهوج والانتقام الأعمى، كما لم يدعُ للعبث والفوضى والتدمير، وكانت سمة الرحمة ظاهرة في سيرته، لا سيما عندما تمكن من رقاب أعدائه وصاروا بقبضته بعد أن آذوه واضطهدوا أصحابه وهجَّروهم من مكة فقال لهم: «ما تظنون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: «فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته ﴿لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم﴾. اذهبوا فأنتم الطلقاء». هكذا نجد أن منهج التغيير الذي تسلكه الثورة للوصول إلى أهدافها يجب أن يعكس أفكار وتوجهات وأهداف إقامة الإسلام في الحياة.


- إن الإطاحة بأنظمة الفساد والاستبداد والتبعية لا يتقصد تغيير أشخاص، إنما تغيير أنظمة باطلة واستبدال نظام الحكم في الإسلام بها، والذي هو الكفيل بوضع حد للمآسي والأحزان والآلام التي تعيشها الأمة. وإن أية دعوة أخرى لإقامة أنظمة وطنية أو قومية، ليبرالية أو ديمقراطية أو غيرها، تخالف الإسلام وتوثق تبعية الأمة لغيرها ثقافياً وسياسياً.


السبب الثالث: عدم الاجتماع على قيادة مبدئية واعية:


إن نجاح الثورة في تحقيق مرادها يتطلب بداهة قيادة مبدئية مخلصة صادقة واعية حريصة نبيهة ملهمة ومبدعة تقوم بتوجيه الحراك على بصيرة، قيادة تعبئ الناس وتشحذ هممهم وتوجه طاقاتهم بشكل منتج، قيادة تملك رؤية سياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية شاملة، رؤية نابعة من عقيدة الأمة وثقافتها، تحقق طموحاتها وآمالها وتعالج آلامها، وترسم لها منهجاً واضحاً للسير عليه لإنجاز التغيير بالإسلام وللإسلام ولصالح أمة الإسلام، أمة الرحمة والخير والعدل والإنسانية الحقة. وقد شهد الواقع أن الناس في مصر وتونس منحوا ثقتهم للذين رفعوا شعار تطبيق الشريعة و"الإسلام هو الحل"، كما كشفت الوقائع عن حقيقة أن الذين وصلوا إلى السلطة لم يضعوا الإسلام موضع التطبيق لفقدانهم الرؤية السياسية الصحيحة ومراهنتهم على إرضاء ساسة الغرب واتباع سياسة ميكافيلية تناقض السياسة الشرعية الربانية. كما سقطت الأقنعة عن أدعياء اتّباع السلف، خاصة في مصر بعد أن اصطف كثير منهم إلى جانب رجالات أمريكا من العسكر، وكان أمثلهم حالا من التزم صمت القبور، وإذا تحدث ففي أمور الحيض والنفاس وما شاكل!!


4- الطريق إلى الأمام


رغم إدراكنا ضخامة إمكانيات الدول الكبرى إلا أنه يمكن مجابهتها إذا تم انتزاع قيادة الأمة من العملاء والرويبضات والمراهقين والعابثين بمصيرها، فقد أرهق أولئك الأمة وأثقلوا كاهلها، وحالوا دون نهضتها وإنجازها التغيير المنشود؛ لهذا كان لا بد من العمل على تصحيح مسار الثورات وحمايتها من الاختطاف والسرقة والاحتواء، ويكون ذلك عبر نشر الوعي العام في الأمة على الأفكار الصادقة التي توجد لدى الناس المعايير التي تحتاجها لتمييز الغث من السمين والحق من الباطل، كما يلزم بيان واضح للتحديات التي تجابهها، وفضح المؤامرات التي تحاك لها بشكل دقيق لا لبس فيه. كما جاء في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾، فلا بد من إحداث الانقلاب الفكري الشعوري، والفرصة جد مواتية من خلال التفاعل الحي والمؤثر مع الأمة بخاصة:


- إن الأسباب التي أدت إلى تفجير الأوضاع في بلادنا وانطلاق عواصف الثورة فيها ما زالت قائمة، فالفقر والظلم والحرمان الممزوج بالذل وغير ذلك من جرعات القهر التي تولد الغضب والانفجار، إن تلك الأسباب ما زالت سائدة بالتمام والكمال بل وفي حالة تصاعد مضطرد.


- إن الشعوب كفرت بأنظمة القهر والذل والاستبداد المتعفنة، ولا خيار أمام الشعوب إلا الخلاص منها، فالخضوع لهذه الأنظمة يعني مزيداً من الشقاء وانحداراً نحو الهاوية والهلاك المحقق.


- إن شعوبنا أكدت بالقول وبالفعل أنها ضد واقع البؤس الذي تحياه، وأنها شعوب حية وحيوية ومستعدة للتضحية والبذل بشكل سخي وكبير لتغيير أوضاعها.


- إن النخب التي حاولت تغريب الأمة على مدار قرن من الزمان قد سقطت، لا سيما بعد أن وضحت مناصرة الغالبية الساحقة من رموزها اليسارية والليبرالية والعلمانية والقومية والوطنية للأنظمة الفاسدة ومعاداتها لخيار الأمة الواضح في استعادة الإسلام واقعاً حياً في حياتها.


- إن الأمة قد أقبلت نحو الحل الإسلامي في السياسة والمعاملات بشكل ملحوظ، في الوقت نفسه ظهر عليها نفورها من الغرب الذي افتضح أمر تآمره عليها ومجافاته لكل القيم التي يتفاخر بها كالطاووس الأرعن، وأدركت الغالبية الساحقة من المسلمين أن لا خلاص للأمة إلا باستقلالهم عنه وبتحكيم إسلامهم في واقع حياتهم.


وأخيرا لا ننسى أن مسيرة الأمم والشعوب لا تقاس بأحداث عبر بضع سنين، بل هي مسيرة متواصلة، وإذا كان حكام الغرب استطاعوا من قبل التحكم بمصائر الشعوب بالتحكم من بعد، فإن هذا زمن قد ولى، بل إنه يمكننا القول بكل ثقة إن اشتداد حلكة الظلام تؤشر على قرب بزوغ الفجر، وما تعيشه الأمة هذه الأيام من مخاض صعب يبشر بنهاية "الحكم الجبري" الذي أنبأنا عنه رسول الله ﷺ في الحديث «... ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت».


وإذا كان رسولنا الكريم ﷺ قد استطاع في ثماني سنوات بعد هجرته أن يصل إلى تخوم الروم، فإننا بفضل الله وتوفيقه نعدُّ العدة إلى أن يستظل العالم الإسلامي بظل دولة الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريبا بإذن الله، في زمن قياسيٍّ جداً معتمدين في ذلك على توفيق الله سبحانه وتعالى أولا ثم الرغبة الجامحة لدى أمتنا في أن تنصر الله ودينه، وتحيا حياتها كما يحب ربها ويرضى.


﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾

 


المهندس عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع