الأربعاء، 23 صَفر 1446هـ| 2024/08/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
التدخل الروسي في سوريا - الدوافع والأبعاد

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التدخل الروسي في سوريا - الدوافع والأبعاد

 

 


دفعت روسيا بجنودها وعتادها إلى سواحل سوريا بشكل مفاجئ في أيلول 2015، وأعلن بيسكوف الناطق باسم الكرملين بأن روسيا مستعدة لبحث إرسال قوات برية إلى سوريا إذا طلب منها الرئيس بشار الأسد ذلك، ولم تصرح روسيا بذلك علناً بل إن أندريه فيودوروف النائب السابق لوزير الخارجية الروسي نفى وجود قوات روسية على الأرض في سوريا، لكنه اعترف بإرسال موسكو لمعدات عسكرية متطورة وأسلحة للجيش السوري بعد أن أصبح في وضع سيئ. وفي ظل هذا المناخ الجديد في سوريا أعلنت الولايات المتحدة قلقها من التدخل العسكري الروسي، لكنها سرعان ما استجابت لدعوة موسكو لإجراء محادثات عسكرية بهدف منع التصادم في أجواء سوريا، فأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية يوم 2015/9/18 أن وزيري دفاع الولايات المتحدة وروسيا تحادثا هاتفيا وتطرقا إلى الأزمة في سوريا واتفقا على مواصلة هذه المحادثات في المستقبل. وصرّح المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك أن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر ونظيره الروسي سيرغي شويغو أجريا مكالمة هاتفية لبحث الوضع في سوريا. وتكثفت بعد ذلك الاتصالات الأمريكية الروسية وطفا على السطح توافق أمريكي روسي علني وغير سري بشأن التدخل الروسي وإن غلفته الدولتان بغلاف مكافحة "الإرهاب" في سوريا، فقللت أمريكا من شأن الوجود العسكري الروسي في سوريا ومن هذا القبيل ما نقلته وكالة الأنباء رويترز عن مسؤولين أمريكيين وجود أربع مقاتلات روسية ظهرت في مطار الباسل في منطقة قرب اللاذقية في سوريا ووصفت أمريكا هذا التدخل بأنه دفاعي، في الوقت الذي بث فيه ناشطون في الثورة السورية تسجيلات صوتية ومرئية تظهر مشاركة الجنود الروس في القتال الفعلي في سوريا. وأجرت روسيا مناورات بحرية يوم 2015/9/22 وحظرت الطيران في المنطقة الواقعة بين طرطوس وقبرص.


وإذا أضيف إلى ذلك زيارة رئيس وزراء كيان يهود إلى موسكو يوم 2015/9/21 يرافقه كبار الجنرالات، ومن بينهم رئيس هيئة الأركان غادي إيزنقوط ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية هرتسي ليفي، واتفاقهما على اقتسام الأجواء السورية لمنع حدوث مواجهات بين القوات الروسية واليهودية. وإذا عرفنا أن حكومة الأسد تقوم بإخلاء شقق في الساحل وطرد السكان حتى العلويين منها لتوفير سكن للقوات الروسية، فإنه يمكن الاستنتاج بأن مسألة التدخل العسكري الروسي في سوريا هي خطوة خطيرة للغاية ومتدحرجة في حجمها تعود بالأذهان إلى الغزو الروسي لأفغانستان أكثر من إدراجها في سياق دعم روسيا التقليدي لنظام الأسد، وتفصيل ذلك على النحو التالي:


1. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ينتاب روسيا شعور لدرجة العقدة بواقع عظمة روسيا، وتبني سياساتها الدولية على أساس اعتراف الدول الكبرى بمكانتها الدولية. وظلت مكانة روسيا الدولية هائمة منذ بداية التسعينات حتى جاءت الثورة السورية فكانت المصلحة الأمريكية بحمل روسيا للدفاع عن العميل الأمريكي بشار الأسد، فعادت لروسيا عظمتها، واستخدمت حق الفيتو، وبرزت كطرف رئيس في الأزمة السورية، وصار لها مكانة دولية.


2. دفع هذا الوضع الجديد بروسيا إلى غزو جزيرة القرم وإشعال شرق أوكرانيا، عندها فرضت العقوبات الأوروبية والأمريكية ضد روسيا، وتضرر اقتصادها بشكل كبير هدد بانكفاء روسيا عن المسرح الدولي. وشهد المسرح السوري شبه غياب لروسيا عن الأزمة منذ نيسان/أبريل 2014، وشكلت أمريكا حلفاً دولياً للتدخل في سوريا تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة بغياب تام لروسيا، وتم توزيع أدوار حل الأزمة السورية على الدول الإقليمية، وعسكرياً أخذت جامعة الدول العربية بتشكيل قوة عربية مشتركة بتخطيط أمريكي للتدخل في مناطق الأزمات وأهمها سوريا.


3. في ظل هذه العزلة الدولية لروسيا بسبب حرج أمريكا الناتج عن أزمة أوكرانيا، أدركت روسيا أن طريقها لفك العزلة الدولية عنها والعقوبات هو عرض مزيد من الخدمات لأمريكا في الأزمة السورية، فلا يمكن الحديث عن أي دور عالمي لروسيا دون موافقة أمريكا، وهذه الفكرة راسخة في أذهان الروس منذ فترات الوفاق الأمريكي- السوفييتي بعد الستينات. فكانت روسيا تعرض وكانت أمريكا تطلب المزيد، وتبقي الباب موارباً لإعادة روسيا إلى الساحة الدولية.


4. وليس هذا فحسب، فروسيا تعلن عداءها للإسلام السياسي علناً وتشترك مع الغرب في مكافحة بروز الإسلام تحت ذرائع الإرهاب، وتزيد أنها تتخوف على القفقاس المسلم فيها من تطورات إسلامية في سوريا إذ لا يفصل بينهما إلا تركيا.


5. فشلت الخطط الأمريكية في سوريا تماماً، ففشل برنامج تدريب المعارضين المعتدلين، ولم تتمكن من خلال تحالفها الدولي لحرب تنظيم الدولة من تسديد ضربات قوية للثورة السورية، وكانت ضرباتها القليلة لجبهة النصرة وأحرار الشام وجماعة خراسان تواجه برفض كبير في الداخل السوري، يضع القوات الجوية الأمريكية في كفة النظام السوري بشكل مكشوف الأمر الذي لا تريده. وفشلت تماماً في العثور على عميل قوي في الثورة السورية، فقد لفظت ثورة الشام كافة أزلام أمريكا وأسقطت عنهم القناع، ولا يوجد أي أمل لأمريكا بالنفاذ من داخل الثورة في سوريا. صحيح أن بعض القوى على الأرض قد وافقت على التنسيق معها، ولكن من ناحية فإن هذه القوى غير رئيسية، ومن ناحية أخرى فإن القوى المعتبرة تتقدم على الاتجاه الأمريكي ببطء كبير، وأمريكا صارت تستعجل الحل إذ إن الأزمة السورية صارت تكدس مخاطر أيديولوجية فعلية في سوريا وحولها وفي كافة ديار المسلمين.


6. وأما إيران فقد استنفدت الكثير من قواها المالية والعسكرية في تجنيد الدعم لنظام الأسد ولم تصل لأي درجة تقربها من الحسم بسبب صلابة الثورة السورية وعدم تجاوبها مع المشاريع الأمريكية، وصارت إيران تنتظر رفع العقوبات عنها بعد اتفاقها النووي وانكشف تنسيقها مع أمريكا، وشدة رفض الإقليم لها ولتدخلاتها فيه، فكانت كل هذه الظروف تشكل مناخاً حرجاً لتوفير التنفس الاصطناعي للنظام السوري الذي يتنفس به بعد 2012، فعاد النظام السوري للوقوف على حافة الانهيار لا سيما بعد معارك محافظة إدلب وانهيار القطاعات العسكرية الكبيرة في إدلب ودرعا، فكان لا بد لأمريكا من توفير مخرج آخر.


7. وترافق مع كل ذلك فشل المشروع الأمريكي في إنشاء قوة عربية مشتركة يمكن إدخالها لسوريا لتثبيت عملاء جدد لأمريكا، فقد طالت الأزمة اليمنية وتمكنت بريطانيا من الاستفادة من التحالف العربي بقيادة السعودية أكثر من استفادة أمريكا من ذلك، فأصبح التحالف العربي أداة لإعادة نفوذ بريطانيا إلى اليمن وليس لهدمه وبناء نفوذ أمريكا عن طريق الحوثيين، عندها لم تعد فكرة التحالف العربي والقوة العربية المشتركة واردة عند أمريكا في سوريا لتخوفها من تمكن الدول الأوروبية من حرف التحالف العربي عن مساره كما هو حاصل في اليمن، فتجددت في أمريكا فكرة العودة إلى روسيا.


8. إن العودة إلى روسيا تتضمن في معناها شدة العقدة العراقية عند الأمريكان، وأن أمريكا ليس بمقدورها القيام بحملة عسكرية كبيرة في سوريا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن أمريكا تريد التفرغ لإرهاق الصين بالنزاعات في الشرق الأقصى، وهي فعلاً بصدد نقل الجيوش الأمريكية لمحيط الصين، ولا يمكنها القيام بذلك وترك الشرق الأوسط ملتهباً بعد سلسلة من فشلها السياسي فيه.


وهكذا ظنت أمريكا أنها قد أحكمت خطة جديدة للحفاظ على نفوذها في سوريا تحت عنوان التدخل العسكري الروسي، ومهدت لروسيا الطريق فدفعت عملاءها في الإقليم للتعاون مع روسيا، فأعلن بالأمس عن إنشاء مركز معلومات في بغداد لمكافحة تنظيم الدولة تشترك فيه هيئات الأركان في العراق وإيران وسوريا وروسيا. ووافق كيان يهود على اقتسام الأجواء السورية مع روسيا على أن تلحق إيران لاحقاً بهذا الاتفاق، وبذلك يتشكل حلف مساند للتدخل الروسي يشارك فيه كيان يهود أيضاً ولا تكون إيران بعيدة عنه. وبمرافقة ذلك تشهد الساحة الداخلية في سوريا فتوراً كبيراً، فلا الائتلاف ولا قوى المعارضة في صورة ما يجري من سيناريوهات، ولا الدول الأوروبية كذلك. أما كيف يمكن أن تتطور الأمور العسكرية في سوريا وحدود التدخل العسكري الروسي في ظل المناخ القائم فيمكن رسم الصورة على النحو التالي:


أولاً: المناخ الداخلي في سوريا هو مناخ إسلامي بامتياز، فالثورة السورية بمجملها تتصلب خلف إقامة الخلافة على منهاج النبوة بديلاً لنظام الأسد، والقوى المعارضة لذلك إما قوى ضعيفة لا تؤثر في مسار الثورة أو قوى خجولة لا تقوى على الإعلان عن بديل غير إسلامي صريح. وهذا المناخ ليس مقصوراً على حملة السلاح، بل ممتد وبعمق داخل المجتمع في سوريا، ويمكن القول بأن المشروع الوحيد المطروح في سوريا هو مشروع الخلافة الإسلامية، وقد ساهم حزب التحرير إسهاماً كبيراً في ترسيخ هذا المشروع، وأصبح عنواناً بارزاً في الداخل السوري لا يمكن تجاوزه بسهولة. وبسبب ذلك فقد وجدت رؤية أمريكية روسية وأوروبية موحدة بضرورة الحفاظ على الأسد حتى يتشكل بديل غير إسلامي في سوريا، وحول هذه الفكرة تجتمع كافة القوى الدولية والإقليمية من حكام العرب وتركيا وإيران وكيان يهود.


والهدف الأول للتدخل العسكري الروسي:


منع انهيار طارئ للنظام، وهو الوارد في كلام فيودروف بأن الجيش السوري أصبح في وضع سيئ جداً، وهو ما قاله لافروف لممثلة الاتحاد الأوروبي موغيريني أول أمس في مكالمة هاتفية بأن النظام السوري على وشك السقوط، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي كيري (2015/9/19 الجزيرة نت) بلفظ آخر حين قال "بأن هناك حاجة عاجلة لتجديد جهود التوصل لتسوية سياسية في سوريا". وهو ما قاله اليوم عميل أمريكا السيسي بأن النظام السوري قد يسقط وتنتقل أسلحته لجهات متطرفة تشكل خطراً على الجميع. ومن زاوية أخرى فإن هذا يؤكد انتهاء زخم التنفس الاصطناعي الذي وفرته إيران وحزبها اللبناني وجمعهما الطائفي لنظام الأسد وأن هذا الدعم قد بلغ قمته وأخذ منحاه باتجاه السقوط، ويؤكد أيضاً بأن الثورة السورية قد أصبحت أكثر خطراً وأكثر قدرةً على إسقاط النظام عسكرياً بسبب الناحية الإسلامية المتعمقة فيها والخبرات العسكرية المتراكمة والوعي السياسي الذي أبعدها بشكل إجمالي عن السقوط في شراك المخابرات الأمريكية والأوروبية وتوابعهما العربية والتركية.


والهدف الثاني للتدخل الروسي:


تخويف الثوار بقوة روسيا وجيشها وأسلحتها المتطورة ودقة إصابتها على أمل أن يندفعوا إلى طاولة الحوارات السياسية مع نظام الأسد برعاية أمريكية ودولية، وهو أمر غير متوقع، اللهم إلا من بعض ضعاف النفوس في الثورة.


والهدف الثالث: هو الحفاظ على الساحل السوري دويلة منفصلة بشوكة عسكرية روسية إذا ما انهار حكم الأسد في دمشق، وهذه الدويلة تتوافق مع مخططات تقسيم سوريا التي ترسمها أمريكا وتتوافق مع الخطة الروسية للحفاظ على قاعدة عسكرية لها شرقي المتوسط.


والهدف الرابع: هو توريط روسيا في سوريا، أي صناعة أفغانستان جديدة لروسيا متى لزم الأمر، ووضعها في مستنقع لا يمكنها الخروج منه إلا كسيرة الجناح مرهقة الاقتصاد، فيكون جرها لمزيد من خدمة أمريكا في الشرق الأقصى ضد الصين أسلس. وهذا السيناريو وارد ليس فقط بهدف إرهاق روسيا، وإنما لحل الأزمة السورية، فقد يزداد استعصاء الحل في سوريا ما يدفع بأمريكا إلى اعتماد سيناريو غير تقليدي بتسليم مفاتيح الحكم في دمشق لحركة واحدة تنعتها بالإرهاب كما تم تسليم تدمر، لتندفع تلك الحركة وتستأصل غيرها من الجماعات المسلحة لتقف في النهاية في مواجهة الجيش الروسي في الساحل. والدافع لمثل هذا السيناريو هو كثرة الجماعات المسلحة وتعددها وهذا من أسباب تعقيد السير بحلول أمريكية للأزمة في سوريا. ووفق هذا السيناريو تغوص سوريا في فوضى عارمة واقتتال كثير بين تلك الجماعة التي لا تمتلك حنكة سياسية لتصفية باقي الجماعات المسلحة أو إضعافها بدرجة لا يمكنها من تعطيل الحلول الأمريكية، وتكون القوات الروسية وفق هذا السيناريو العنوان الأبرز والحامي لدويلة علوية في الشمال، وتكون دولة حامية لدويلة درزية في الجنوب. عندها يمكن لأمريكا تقديم الحل دون وجود قوى مناوئة معتبرة تعارضه في الداخل، بل إن الخروج من هذا المستنقع السوري سيصير حلماً روسياً كما كان في أفغانستان. وهذا سيناريو بالغ الخطورة لما فيه من الاقتتال الداخلي المحرم بين المسلمين.


وإذا كانت روسيا تخطط لإبعاد المخاطر الإسلامية عنها وتعزيز مكانتها الدولية عبر تدخلها في سوريا وعبر المزيد من التصاقها بالسياسة الأمريكية وهي مستعدة لخوض المعارك ضد الثورة السورية تحت عنوان مكافحة الإرهاب، فإنها لا تدرك أبعاد ورطتها هذه، ربما ظنت أن النصر في سوريا يتمثل بهزيمة تنظيم أو فصيل أو غير ذلك كما توهمت قبلها إيران وحزبها اللبناني، فالثورة في سوريا قد تأصلت داخل شعبها بشكل عميق خلال خمس سنوات، وأن هذه الثورة لبناء الإسلام، وأن أحداث سوريا ليست منفصلة عن محيطها العربي والإسلامي الذي يناضل وينتفض هو الآخر لبناء الإسلام ودولة الخلافة. ثم إن تحقيق نصر عسكري لروسيا في سوريا ليس بالأمر الممكن، فقد ينفجر القفقاس في وجهها من جديد أثناء حربها في سوريا، وقد تخسر من حلفائها (حلفاء أمريكا)، فالثورة في جنوب العراق تهدد حكومة العبادي وتهدد النفوذ الإيراني وتهدد أمريكا وروسيا، وقد تنقلب الموازين من مكان غير متوقع فيحصل الفرج للأمة الإسلامية التي تصير قادرة على تجييش الجيوش لغزو آسيا الوسطى والقفقاس وحوض الفولغا الإسلامي داخل روسيا نفسها، فتجد روسيا نفسها أول من يدفع ثمن عدائه للمسلمين، وليس فقط في سوريا.


ومن ناحية أخرى فإن الدول الأوروبية قاطبةً ترفض التدخل الروسي في سوريا، وقد عبرت فرنسا وألمانيا عن قلقها من أبعاد هذا التدخل، ويذكر التدخل الروسي في سوريا الدول الأوروبية بفترات الوفاق السوفييتي الأمريكي، فكانت الدول الأوروبية الخاسر الأكبر منه. ولذلك فإن بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومعها باقي الدول الأوروبية ستجند أدواتها أيضاً لإفشال التدخل الروسي في سوريا، والمزيد من العمل ضد السياسات الأمريكية في العالم، وتحذير الصين من خطورة التحالف الأمريكي الروسي الذي يمكن أن ينتقل للعمل ضدها في الشرق الأقصى.


لكل ذلك فإن خيار أمريكا هذا باستخدام الجيش الروسي للدفاع عن نفوذها في سوريا قد يفجر الساحة الدولية برمتها، فقد تعمل الدول الأوروبية على تخريب الاتفاق النووي مع إيران أو تأخيره، وقد تشعل أوروبا أوكرانيا من جديد،


وقد تزيد معاندة كيان يهود لأمريكا إذا رأت أنها يمكن أن تستظل بالمظلة الأمنية الروسية القريبة بدل الأمريكية، وقد ترى روسيا من مغانم الشرق الأوسط ما يحملها على بناء نفوذ لنفسها بدل خدمة أمريكا في سوريا بعد أن تكون قد وطدت نفسها عسكريا في شرق المتوسط، وقد تأتي الانتخابات التركية بما لا تهوى أمريكا وأردوغان، فيتسلل إلى تركيا نفوذ الإنجليز من جديد، ويصير لتركيا دور آخر في الأزمة السورية. وفي ضوء كل هذه التطورات الممكنة فإن خطة أمريكا بإلزام سوريا لروسيا قد تؤتي غير أكلها، وقد يزداد تفجر المنطقة الإسلامية تبعاً لجرائم روسية متوقعة في سوريا، ويزداد الغليان فتبتعد المنطقة أكثر عن سيطرة الدول الكبرى.


وإذا كانت الخطة الأمريكية هذه تقتضي القتال حتى آخر جندي روسي في سوريا ولمدة طويلة، إلا أن الواضح أن أمريكا لا يمكنها فهم ردات الفعل الإسلامية، أو أنها لا تقيم لها وزناً بسبب العنجهية، ولكن يمكن أن يكون التدخل الروسي وسيلة لتوحيد كافة الجهود المسلحة في سوريا على مشروع الخلافة، والثورة السورية تمتلك من القدرة ما يمكنها من هزيمة روسيا في سوريا، فالشعب السوري كان يُقتل عبر أكثر من أربع سنوات بأسلحة روسية متطورة يشغلها خبراء روس ويستخدمها جنود النظام ومرتزقة إيران في سوريا، والآن لن يتبدل شيء إلا وضع الجندي الروسي محل جندي النظام، وليس في هذا إضافة نوعية كبيرة. بل إن الجندي الروسي قد هزم مرات ومرات في الشيشان، وأنه أضعف وأجبن ما يكون في القتال خارج حدود بلاده. وإذا كان التدخل الطائفي الإيراني قد أخر سقوط نظام الأسد فترة من الزمن فإن أقصى ما يمكن للتدخل الروسي أن يحرزه هو تأخير السقوط الحتمي للنظام فقط فترة أخرى، وعند سقوطه تكون روسيا نفسها في وضع أضعف ويكون المسلمون أشد عداءً لها وعلى أهبة الاستعداد للعمل ضدها دولياً وفي محيطها بل وفي داخلها نفسها.


وإذا كانت أمريكا تندفع لخدمة مصالحها ونفوذها باستخدام روسيا وجيشها، وإذا كانت روسيا مندفعة بعدائها للإسلام ومستعدة لتقديم تضحيات كبيرة مقابل أن يكون لها دور في العالم تقبل به أمريكا، فإن الأمة الإسلامية وفي مقدمتها الشعب السوري الثائر تعي جيداً عداء كليهما وغيرهما من الدول الكبرى للإسلام، فإن هذه الأمة تجمع طاقاتها لتخوض جهادها ضد قوى الكفر كلها بصفتها دول كفر محاربة، وأن هذا التدخل الروسي يزيد في غليان الدماء في عروق المسلمين للنيل من روسيا وأمريكا وكل قوى الكفر التي تتآمر على الإسلام وعودته إلى الحياة. وإذا كانت أمريكا وروسيا دولاً كبرى فإن إيمان المسلمين بدينهم يحتم عليهم الإيمان بأن الله العظيم أكبر من تلك القوى، وأن مكره أعظم من مكرهم، فلا يخيف كل ذلك المسلمين المتوكلين على ربهم، بل يزيد في حرارتهم ورفع هممهم ليس لهزيمة نظام الأسد فقط، وإنما لمنازلة الدول الكبرى وهزيمتها، فهذا هو المستوى الذي يود المؤمنون أن يقاتلوا فيه ليروا ربهم من أنفسهم ما يرضيه عنهم.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عصام الشيخ غانم

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع