- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس لنا غير الإسلام هوية
قال رئيس لجنة (الهوية) بمؤتمر الحوار السوداني، إن أعضاء اللجنة توصلوا إلى ما يشبه الإجماع فيما يخص خيار الهوية السودانية، وقال إن الجميع اتفق على اختيار مفهوم (الهوية القطرية) كوصف للحالة السودانية.
واستمرت لجان الحوار الست التي تعقد أعمالها بقاعة الصداقة في جلساتها للاستماع إلى رؤى ممثلي الأحزاب السياسية في القضايا المطروحة للحوار، وهي محور الحكم والهوية والعلاقات الخارجية بجانب الاقتصاد والحريات.
ويجري الحوار الحالي وسط مقاطعة واسعة من أحزاب المعارضة السودانية في الداخل، بجانب امتناع الحركات المسلحة عن الانضمام إليه، لكن الحكومة تقول أن أكثر من 90 حزبا سياسيا، بجانب 13 حركة مسلحة تشارك في لجان الحوار الحالية.
وقال رئيس لجنة (الهوية) عثمان محمد صالح في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، أن العمل في لجنته يمضي بشكل جيد، وقال "وصلنا بشبه إجماع إلى خيار الهوية السودانية بعد أن قدمت الأحزاب والشخصيات القومية رؤيتها".
ولفت إلى أن الرؤى التي تم تقديمها شملت ثلاثة مفاهيم هي الهوية القُطرية الوطنية والقومية والسوداناوية، مشيرا إلى تراجع خيار الهوية الوطنية وأنه تم الاتفاق على (القطرية)، لافتاً إلى أن الجلسة القادمة بالخميس ستشهد مناقشة مرتكزات الهوية، وأضاف "الحوار الجاري يعتبر حواراً إيجابياً وصريحاً وسيمضي إلى نتائج صحيحة".
إن الهوية هي حقيقة الشيء أو حقيقة الشخص التي تميزه عن غيره؛ فهي ماهيته وما يوصف وما يعرف به ويقصد بها ما اصطلح عليه عند بعض المعاصرين من كونها تعني مجموعة الأوصاف والسلوكيات التي تميز الشخص عن غيره.
إن الهوية القطرية هذه بدعة ابتدعت لطمس هوية الإسلام التي هي الهوية الحقيقية لأهل السودان الذين اقتطعوا من دولة الإسلام بمخطط غربي نفذه الخائن مصطفى كمال بالقومية الطورانية. وها هو الحوار الوطني الذي ينفذ أجندة الغرب ويرعاه الغرب كما هو معلوم يسير في اتجاه تجزئة ما تبقى من السودان بالهوية القطرية التي لن تخدم إلا مخططات الغرب الاستعمارية، وهذه اللجنة قامت بمغالطات لحسم حوارها المبني على غير عقيدة أهل البلد لصرف الناس عن هويتهم الحقيقية. وقبل أن نتحدث عن الهوية الإسلامية نورد هنا بعض تصريحات في مجملها تري كيف أن أعداء الإسلام هم من زرعوا هذه الهوية المزيفة التي تخدم تطلعاتهم وتبقي المسلمين في بعد عن هويتهم وهذه الحكومات ولجانها مجرد منفذ لما خطط له.
يقول الرئيس نيكسون في كتابه (انتهِز الفرصة): "إننا لا نخشى الضربة النووية ولكن نخشى الإسلام والحرب العقائدية التي قد تقضي على الهوية الذاتية للغرب".
أما ما كتبته صحيفة (يديعوت أحرونوت) بتاريخ 1978/03/18م: فليس عن الأذهان ببعيد، حيث جاء فيها: "... ويجب أن يبقى الإسلام بعيدًا عن المعركة إلى الأبد؛ ولهذا يجب ألا نغفل لحظةً واحدةً عن تنفيذ خطتنا في منع استيقاظ الروح الإسلامية، بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف والبطش لإخماد أية بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا". سبحان الله هذا بالضبط ما يحدث اليوم في التحالف الصليبي الغربي لوأد ثورة الشام المباركة العصية بإذن الله على ذلك.
فإن الهوية الإسلامية التي تميز المسلم هي الانتماء إلى دين الله أي الإسلام وعقيدة التوحيد، فبها يعتز المسلم، وبها يوالي، وبها يعادي أو يحب أو يكره، وهي منهج المسلم الذي يتابع فيه سنن من تقدمه من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ويسأل الله الهداية والثبات عليه في دعائه في الصلاة حيث يقول: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّإلينَ﴾ [سورة الفاتحة: 7،6]
وما أحسن ما قاله صاحب الظلال غفر الله له: "عقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه، وهي أهله، ومن ثمَّ يتجمع البشر عليها وحدها لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج، والمؤمن ذو نسب عريق ضارب في شعاب الزمان، إنه واحد من ذلك الموكب الكريم الذي يقود خطاه ذلك الرهط الكريم نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى ومحمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام".
هاكم شهادة شاهد من أهلها، وهو المؤرخ اليهودي برنارد لويد الذي أدلى بحقيقة ناصعة فيقول: "فالليبرالية والفاشية والوطنية والقومية والشيوعية والاشتراكية كلها أوروبية الأصل مهما أقلمها وعدلها أتباعها في الشرق الأوسط، والمنظمات الإسلامية هي الوحيدة التي تنبع من تراب المنطقة، وتعبر عن كتل المشاعر الجماهيرية، وبالرغم من أن كل الحركات الإسلامية قد هزمت حتى الآن غير أنها لم تقل بعد كلمتها الأخيرة". انتهي كلام هذا اليهودي.
وأهمية هذه الهوية في حياة المسلم مثل أهمية الدين في حياته، لأنها تنبثق عنه وتنكُّر المسلم لها خطير على معتقده ودينه وكلما توافقت هوية الفرد مع هوية المجتمع تعمق إحساسه بالانتماء لهذا المجتمع واعتزازه به، أما إذا تصادمتا فهناك تكون أزمة الهوية وأزمة الاغتراب، وإلى معناها أشار النبي ﷺ بقوله: «إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء» وفي بعض الروايات قيل: من الغرباء؟ فقال: «أناس قليل في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم».
ومن أراد أن يدرك الفرق بين العزة التي تكتسبها الأمة من الهوية الإسلامية وبين الذل حين تخلت عن هذه الهوية الإسلامية فلينظر إلى النموذج التركي الممسوخ؛ إنه أقبح صورة لمسخ الهوية، وأقبح مثال يمكن أن يضرب بالضياع والذل والهوان والخيانة التي يتنفس بها من تخلَّوا عن الهوية الإسلامية، حتى إن كل إعلام العالم يشتكي من فساد القنوات الفضائية التركية والانحلال الذي فيها، فبعدما كانت عاصمة الخلافة صارت الآن يخشى من الفساد الذي يبث منها، فمن أجل أن يتخلوا عن الإسلام حاربوا الإسلام، وفعلوا كل ما فعلوا من أجل أن يرضى عنهم الغربيون، ويدخلوهم في التجمع الأوروبي، لكن مع كل هذا احتقروهم وساموهم سوء العذاب والهوان والذل، ومع أن الدواء واضح وهو العودة إلى مصدر العز، لكنهم يأبون إلا الذل والهوان، فهذا أقبح نموذج لمسخ الهوية وما يترتب عليه من ضياع وهوان ومذلة.
قضية الهوية الإسلامية هي قضية محورية والمشكلة تكمن في أن أكثر المسلمين مضللون اليوم لم يعوا أن الأعداء من حولهم على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم لا هدف لهم إلا استئصال شأفة الإسلام، وطمس الهوية الإسلامية وصهرها في دائرة العالمية الأممية، وإزالتها من الوجود؛ بهذه الحوارات والحكومات العميلة. فالهوية الإسلامية هي لا غيرها الخطر الماثل أمام القوى الراغبة في احتواء العالم الإسلامي والسيطرة عليه سيطرة فعلية ودائمة، يقول تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة:217]، وقال تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء:89]، وقال سبحانه: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ [البقرة:120]. فهي هوية متميزة عما عداها؛ حيث إنها هوية في غاية الوضوح، ولا يمكن أبداً أن تختلط أو تلتبس بغيرها من الهويات، أكد الإسلام نشأة الناس من أصل واحد! فهم يرتبطون بنسب الأخوَّة الإنسانية العامة.. تدبَّروا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: 13)، وأنه وإن كان لكل أهل بلد ما يتميزون به من بيئة أو زي أو لغة أو سلالة فإن هذا أمر طبيعي بين البشر فقد خلقنا الله تعالى مختلفين، ولا يجوز للمسلم أن ينفي نسبه، ولا أن يدعي نسبا غير نسبه الأصلي. ولو أن قومه أو أهل بلده تميزوا بشيء فوجد أفضل منه فلا حرج عليه في العدول عما كان عندهم إلى الأفضل كما هو حاصل اليوم بطبيعة الحال من انتقال الأفراد من مجتمع لآخر حتى يأخذوا جنسية البلد الآخر.
ثم جعل الإسلام أساس التفاضل بين الناس التقوى والعمل الصالح وليس العِرق والجنس واللون واللسان، وهذا ما تدل عليه بقية الآية الكريمة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [الحجرات: من الآية 13].
وهي خير ضمان لحقوق الناس، حين يتعامل الحاكم مع الرعية من منطلق الإسلام فيؤدي حقوقها ويقيم العدل فيها، ويحفظ كرامتها، ولِمَ لا وهو يقرأ قوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: من الآية 58]؟! ويقرأ قوله ﷺ: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته..» ويقرأ سيرة القدوة من سلفنا الصالح، من مثل قول الفاروق عمر رضي الله عنه: "لو عثُرت بغلة بشطِّ الفرات لخشيت أن يحاسب الله بها عمر لِمَ لم تمهد لها الطريق".
فحين تخلينا عن هذه الهوية نزع الله من قلوب عدونا المهابة منا، وقذف في قلوبنا الوهن: حب الدنيا وكراهية الموت، يقول ﷺ: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم». فإضعاف الهوية الإسلامية هي عملية انتحار جماعي. إن أي خلل في الهوية هو عبارة عن انتحار، فينتهي إلى الضياع والهوان؛ فإضعاف هذه الهوية هو أخطر وأشد فتكاً بالأمة من نزع سلاحها.
إن دولة الإسلام هي التي تتبنى الإسلام منهجًا للحياة ودستورًا للتشريع، فيحدث التوافق والانسجام بين والشعوب تماما كما كانت بالأمس أمة من دون الناس، ويقودها بكتابه وسنة حبيبه ﷺ وجد التناغم والتجاوب والإقبال والالتفاف والارتفاع فوق مبرِّرات الفرقة والاختلاف.. أرأيتم كيف انصهرت القوميات والثقافات في بوتقة الإسلام فارتبط صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي برباط الأخوَّة الإسلامية العظيمة؟! أرأيتم كذلك كيف أفسح الإسلام المجالَ أمام الأعراق والجنسيات المختلفة؛ ليكون فيهم القادة النابغون والأبطال القادرون، أمثال صلاح الدين الأيوبي "الكردي" وسيف الدين قطز "المملوكي- الأصل بل إن أتباع الديانات الأخرى مأمورون باتباع الهوية الإسلامية حصرا.
ونذكر مثلاً حياً سيقع قطعاً، وهو: أن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر الزمان سوف يحكم بالإسلام، ويحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، ويصلي أول نزوله مأموماً وراء المهدي، ويقاتل اليهود، بل هو الذي سيقود المسلمين في حربهم ضد اليهود، ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، قال ﷺ: «أنا أولى الناس بعيسى ليس بيني وبينه نبي». هذه الهوية الإسلامية متعلقة بما بعد الحياة الدنيا لأنها موجبة لرضا الله الذي هو الموجب لدخول جنته التي يقول ابن القيم هي الوطن الحقيقي.
فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم، ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم، فالجنة هي دار السعادة التي لا يبغي أهلها عنها حولاً، لا كما قال من سفه نفسه: وطني لو سئلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة عبد الجبار / أم أواب