الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
الوجه الآخر للإرهاب في نيجيريا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الوجه الآخر للإرهاب في نيجيريا

 

 

 


لا تخلو أخبار نيجيريا في السنوات الأخيرة من موجات التفجيرات والخطف وأعمال العنف، وكلما هدأت الأحداث لفترة عادت بقوة كحادث قتل 46 شخصاً وإصابة 120 شخصاً بجروح إثر انفجارين هزّا مدينتي "يولا" و"كانو" في نيجيريا في 2015/11/19. وتؤكد هذه التفجيرات الدموية فشل الحكومة في وضع حد لدائرة العنف وتأمين البلاد خصوصا بعد مهزلة خطف الفتيات من مدينة شيبوك شمال شرق نيجيريا والتخبط الأمني والسياسي الذي صحب جريمة خطف الفتيات.


لقد فشلت نيجيريا في إنهاء ملف العنف وردع العابثين بأمن وسلامة الأبرياء، فشلت بالرغم من تأكيد المسؤولين أن محاربة الإرهاب أولوية قصوى وسفرياتهم شرقا وغربا من أجل طلب الدعم لمحاربة الإرهاب. نقلت شبكة سكاي نيوز (2015/2/9) عن مستشار الأمن القومي السابق سامبو دسوكي قوله "سيتم تدمير كافة المعسكرات المعروفة لـبوكو حرام، وستتم إزالتها خلال 6 أسابيع". وقال أيضاً في مقابلة مع بي بي سي "إن نيجيريا وجيرانها النيجر وتشاد والكاميرون في وضع جيد لمعالجة القضية". نعم لطالما ردد المسؤولون وعودهم بالقضاء على العنف وتأمين البلاد، ولكن علت أيضاً أصوات أفراد القوات المسلحة وهم يتذمرون من قلة العتاد وأن الإمكانيات المتوفرة لديهم لا تتناسب مع ضخامة الميزانية العسكرية ولا تؤهلهم لخوض معارك. وقد ذكر أفراد من الجيش أنهم يفتقرون لأبسط المعدات والأسلحة النارية وأن الخصم متفوق عليهم ومجهز بشكل أفضل، ولم تكن هذه الأصوات سوى تأكيد على تدهور أحوال الجيش وتمكن الفساد منه.


وفي خضم هذه الأجواء المتوترة وبعد أمر سابق بعزل قادة الجيش وسلاح البحرية والقوات الجوية وغيرهم من رجالات عهد الرئيس السابق جودلاك جوناثان، أمر الرئيس بخاري بالقبض على مستشار الأمن القومي السابق العقيد المتقاعد سامبو دسوكي ومسؤولين كبار بتهمة سرقة مليارات الدولارات المخصصة لشراء أسلحة لمحاربة جماعة بوكو حرام. وقد كشفت التحقيقات الأولية للجنة المكلفة ببحث ملف الفساد في الجيش عن ضلوع العقيد المتقاعد سامبو دسوكي (زعيم الحرب على الإرهاب) في عقود بيع أسلحة فاسدة ووهمية تصل لمبلغ ملياري دولار (ثلث ميزانية الدفاع في نيجيريا والتي تقدر بـ 6 مليار دولار) وتشمل هذه الصفقات عقوداً وهمية لشراء 12 طائرة مروحية وأربع مقاتلات وذخائر. ويعتبر مبلغ الملياري دولار وبالرغم من ضخامته نقطة في المحيط وفق ما ذكرته الفورين بوليسي (2015/11/18) حيث تقدر حكومة الرئيس النيجيري الأموال التي نهبها المسؤولون الفاسدون خلال العقد المنصرم بحوالي 150 مليار دولار. وحسب تقديرات الحكومة الحالية فإن أموال النفط المنهوب تتراوح ما بين 10-20 مليار دولار في السنة.


ما فتئ المسؤول السابق سامبو دسوكي يردد بأن مسلحي حركة بوكو حرام يمثلون "تهديدا أمنيا حقيقيا"، موضحا أن حوالي نصف قوات الجيش النيجيري جرى تعبئتها في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد لمواجهتهم (بي بي سي 2015/1/23)، وأن محاربة الإرهاب أكبر تحد يواجه البلاد، ولكنه لم يتطرق أبدا لضعف الجيش النيجيري وافتقاره للمعدات والتدريب بسبب تبديد ميزانية الدفاع! وبالطبع أنكر العقيد سومبو جميع التهم الموجهة له وزعم أن كل تحركاته تمت بعلم وموافقة الرئيس السابق جودلاك جوناثان. وجدير بالذكر أن هناك عداوة شخصية بين الرئيس الحالي وسومبو، فقد قام سومبو في السابق بإلقاء القبض على بخاري إثر الإطاحة بحكم الأخير في الانقلاب العسكري عام 1985. وانقسم الشارع بين مندد بجرائم سامبو ومتخوف من أن تكون التهم الموجهة له مجرد حلقة جديدة من مسلسل الفساد واستغلال النفوذ وتصفية الحسابات القديمة.


وعد الرئيس النيجيري بخاري بعد فوزه بالانتخابات بأنه سيقضي على الفساد المستشري في البلاد وزعم أن مجرد انتخابه سيؤدي للقضاء على 50% من الفساد وسيردع المفسدين. إذاً الفساد لا يقتصر على شخص سامبو، ومن السذاجة أن يقدم ككبش فداء له، وقد أقال الرئيس النيجيري رئيس مفوضية مكافحة الفساد المعروفة باسم "لجنة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية" على إثر مزاعم عن اختفاء مبلغ 5 مليارات دولار في المفوضية التي يرأسها (بي بي سي 2015/2/9). وأعلن الرئيس النيجيري الحالي حربا على الفساد وتعهد بتخليص أكبر اقتصاد في أفريقيا من نهب الثروات وتبع هذا الوعود بجولات لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا يطالب فيها بالمساعدة في استرداد المبالغ المنهوبة والمهربة خارج نيجيريا. ثم تبع هذه الجولات بالربط بين الفساد والفشل في التصدي للإرهاب وحمل المفسدين دماء الضحايا الأبرياء. قال فيمن أديسينا مستشار الرئيس الحالي "كان بإمكاننا تجنب مقتل آلاف النيجيريين لو تم إنفاق هذه الأموال على النحو الصحيح".


ربطت الحكومة بين الفساد والإرهاب ولكن غضت الطرف عن علاقة الفساد بجرائم ضد الإنسانية مثل زعزعة الأمن ونزوح 2,1 مليون نسمة عن ديارهم وتفشي الأمراض والأوبئة والجريمة في المخيمات والملاجئ المؤقتة، ودور الفساد في الهجرة غير الشرعية ولجوء اليائسين من حياة أفضل لقوراب الموت وصولا للأوضاع المزرية على موانئ أوروبا، ودوره في عدد الوفيات بين الأطفال وتخلف الرعاية الصحية للنساء الحوامل، ودور الفساد في ارتفاع مستوى الفقر لـ 60% وتفشي البطالة وسوء إدارة الكهرباء والطاقة.


أعلنت الحكومة الحالية حربا على الإرهاب والفساد، فهل تتعامل معهما كحدث عارض؟ وهل يتحقق الأمن بالقضاء على جماعة مسلحة مع انعدام منظومة أمنية متكاملة وفساد مستشر وغياب لعقيدة قتالية تميز الجيش وتصوغ هويته؟ وهل يقتصر الإصلاح الاقتصادي على القضاء على الفساد دون مراجعة كلية للنظام الاقتصادي الرأسمالي الذي دعم اللصوص وأثبت فشله وخيب آمال الملايين؟ لن تحقق البلاد أي رفعة وهي تعيش تحت (رحمة!) أنظمة وضعية يلعب فيها الساسة لعبة الكراسي ويشغلون الناس بتراشق التهم، تفتح ملفات الفساد وتقفل دون معاقبة المدانين. ليس في هذه الحرب على الفساد أي جديد وسرقة 250 ألف برميل نفط يوميا ليس حدثا عابرا بل معلوم للجميع أن الأموال المسروقة مودعة في بنوك في مدن غربية بمعرفة دول متواطئة وتستّر أطراف أخرى. ولهذا لا يمكن أن تؤخذ الحرب على الفساد بجدية إلا إذا أتت بتغيير جذري شامل.


إن اختزال قضية الفساد المستشري في البلاد والذي وصل لمستويات وبائية في شخص أفراد لا يختلف عمن يختزل الإرهاب في شكل جماعات معينة تبيد حياة البشر بشكل عمليات مادية محدودة بينما يتغافل عن الأوضاع الدولية التي يعم فيها العنف! لماذا تسلط الأضواء على بؤر عنف معينة ويتم تجاهل مناطق أخرى بشكل انتقائي لا يخفى على أحد؟ لماذا تبرز التفجيرات في توقيتات معينة لتخفي أحداثا حرجة؟


يستمر مسلسل العنف وتتناثر أشلاء الأبرياء وتعاني الأغلبية الضنك وسوء الحال بينما يعيش المفسدون في مأمن، يتخذون الأحداث طوق نجاة وستاراً يخفي جرائم تجعل الولدان شيبا، تراهم ينددون علنا بالعنف بينما لسان حالهم يقول "وداوني بالتي كانت هي الداء"! ولعل أهداف هذا التتابع والتلازم بين الفساد والإرهاب ظاهرة جلية في نيجيريا وحال نيجيريا لا يختلف عن مناطق أخرى تُتخذ فيها الحرب على الإرهاب كمجرد قناعٍ يخفي الفساد والمفسدين ويمهلهم مزيدا من الوقت أو تخفي أغراضا سياسية يخجل أصحابها من ذكرها.


إنها خيوط محاكة بعناية تخفي خبايا وجرائم يندى لها الجبين، ومهما تعقدت وتشابكت فستظهر حقيقتها لكل عين بصيرة، ومهما علا شأنها أمام صانعها فلن تتعدى بيت عنكبوت أو عش يمامة على أفضل تقدير.


﴿ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع