- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
"الحل السياسي": سياسة رعاية الشؤون أم سياسة استعمار الشعوب؟؟
تنتشر على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة عناوين رئيسية لماهية حل الأزمة السورية ومن أبرز هذه العناوين "أن الحل في سوريا يجب أن يكون حلاً سياسياً"، فما هي هذه السياسة التي يبنون عليها حلولهم؟ وما مصير الشعوب من جرائها؟
تستخدم الدول الكبرى مصطلح الحل السياسي وتحاول الترويج له ليبرهنوا للرأي العام أنهم بعيدون كل البعد عن إراقة الدماء والتدمير والتخريب، وأن خلاص الشعوب المظلومة والمقهورة لن يتحقق إلا بحلولهم السياسية، ولكن الجميع بات يعلم أن استخدام القوة العسكرية من قبل دول العالم وخوض الحروب أيضاً يكون دافعه إيجاد وتحقيق تلك السياسة ألا وهي سياسة المبدأ الذي تبنته تلك الدول، وذلك حسب المشاريع والخطط التي رسمتها لتحافظ على كيانها ووجودها في المسرح الدولي. حتى التنظيمات المسلحة بمقدورها أن تتبنى مشروعاً سياسياً إما أن يكون ظاهراً وواضحاً بالنسبة لها وإما أن يكون مرتهناً للغرب عن طريق عملائه المخلصين له.
وما يحدث اليوم في سوريا من قتل وتدمير وتشريد هو نتيجة لسياسة الدول الغربية في المنطقة وعلى رأسها أمريكا. فلن تستطع إيهام الرأي العام بأن سياستهم هي لإحلال الأمن والأمان في بلاد الحروب والنزاعات؟ فما هي سياستهم، أهي السياسة بمعناها الحقيقي؟ التي هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة. ورعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً من قبل الدولة تكون بتنفيذ المبدأ في الداخل وهذه السياسة الداخلية. وأما رعاية شؤون الأمة خارجياً من قبل الدولة فهي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم، ونشر المبدأ إلى العالم، وهذه هي السياسة الخارجية. فمن المعلوم عالمياً ودولياً إذاً أنه لا يوجد حل لأي مشكلة وليس بمقدور أي دولة أن تخرج من المأزق الذي حلّ بها إلّا باعتماد وتطبيق سياسة المبدأ الذي تعتنقه هذه الدولة داخلياً وخارجياً. وبما أن المبدأ هو الذي يؤثر في الدولة التي تعتنقه وبالتالي يؤثر في العلاقات الدولية، وفي الموقف الدولي، كان لزاماً أن نعلم وندرك أن المبدأ الرأسمالي والذي يقوم على فكرة فصل الدين عن الحياة هو المبدأ المهيمن الآن على كل الدول الكبرى في العالم. والطريقة التي تتبعها هذه الدول لتنفيذ فكرتها هي الاستعمار، أي فرض السيطرة السياسية، والعسكرية، والثقافية، والاقتصادية على الشعوب المغلوبة لاستغلالها. وهذه الطريقة وهي الاستعمار ثابتة لا تتغير مهما تغيرت الحكومات ومهما اختلفت قوانينها.
وقد يصبح الاستعمار أقرب إلى أن يكون غاية من أن يكون طريقة، وذلك يتوقف على البلاد التي تريد الدول الرأسمالية السيطرة عليها، أهي ذات حضارة تريد غزوها وإدخال الحضارة الرأسمالية الفاسدة إليها - كصراع الدول الغربية في العالم الإسلامي -، أم هي خالية الوفاض لا حضارة فيها فهي تستعمرها لنهب ثرواتها والسيطرة عليها فحسب - كصراع الدول الغربية في استعمارها لأفريقيا -؟.
فالاستعمار هو ركن أساس في الرأسمالية سواء أكان طريقة لنشر الرأسمالية أم طريقة أقرب للغاية. وعلى ذلك فإن السياسة الخارجية للدول الرأسمالية ثابتة في فكرتها وطريقتها، فأساس سياستها أن تنشر مبدأها ووجهة نظرها في الحياة، بواسطة استعمار الشعوب والأمم.
ولأجل تحقيق هذه السياسة الاستعمارية تقوم الدول الرأسمالية برسم الخطط السياسية لتحقيق غايتها، وبوضع الأساليب التي تنفذ هذه الخطط، وذلك كما فعلت أمريكا من أجل احتلال العراق وأفغانستان وما تنوي فعله الآن في سوريا للقضاء على ثورة الشام بعد أن شعرت بإسلاميتها وببداية اهتداء الأمة إلى مبدئها الإسلامي. إذ إنها افتعلت حرباً وهمية تحت مسمى الحرب على الإرهاب وذلك بعد أن هيأت لها كل المعطيات السياسية والعسكرية في الداخل والخارج بمساعدة حكام جبناء أذلاء، بإيجاد فصائل عسكرية مرهونة بالمال السياسي لدول عربية عميلة لها، أو بالسماح لدخول المقاتلين إلى سوريا سواء للقتال إلى جانب قوات النظام كحزب إيران أو للقتال إلى جانب الثوار كتنظيم القاعدة.
حرب بجنود عملائها وطائرات حلفائها الذين تآمروا على الإسلام وأهله، تلك الثورة التي أظهرت حقيقة أحقاد دول الغرب الكافرة بأنها حرب صليبية وحرب حضارات باعتراف ساساتها ومفكريها..
فلم تحقق هذه السياسة الرأسمالية إلا الخراب والدمار وليس الأمن والأمان كما يروجون لها. سياسة جعلت العالم كله يعيش بشقاء الشجع والمصالح المادية البعيدة عن القيم الإنسانية، إذ لا اعتبار فيها للإنسان، فكم من أرواح أُزهقت وعائلات شُردت وأطفال عانوا في سبيل الوصول إلى ما تصبو إليه من استعمار وبسط للنفوذ مهما كلفها ذلك من ثمن.
لقد شقي العالم منذ أن تحكمت فيه الدول الرأسمالية بوصفها دولاً كبرى في العالم، وشقي بالاستعمار الذي هو طريقة لتنفيذ فكرة مبدئها الرأسمالي. وسيظل العالم شقياً ما دامت هذه الدول الكبرى تتحكم فيه وتتزاحم فيما بينها لبسط نفوذها، وما دام الاستعمار له أي وجود، مهما تغير شكله، واختلفت أساليبه. ولن يتأتى خلاص الأمة من هذا الشقاء إلا بمقاومة المبدأ الرأسمالي وإزالته من الوجود.
ولا يوجد غير الإسلام الذي يملك القدرة على ذلك، بل إنه العلاج الوحيد لإزالة الاستعمار وهدم الرأسمالية بإزالة فكرتها من نفوس معتنقيها بوصفها وجهة نظر لهم في الحياة، وعرض الإسلام كفكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، لتتناولها جميع الشعوب والأمم ولتوضع محل بحث ونقاش بين الدول جميعها، ولا يمكن تطبيق ذلك عملياً إلا بوجود الدولة الإسلامية القوية في المسرح الدولي.
لذلك لا بد من وضع حد لشر الرأسمالية الذي يطغى على العالم منذ عدة قرون، ولا بدَّ من إيجاد الدولة القادرة على فعل ذلك ألا وهي دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لترد مكر الحاقدين لقوله تعالى ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى