- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كاميرون يبغي المستحيل!
"تعلمي لغتنا أو فارحلي عن أرضنا"! كان هذا ملخص فحوى الرسالة التي بعث بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى النساء المسلمات في بريطانيا يوم الاثنين المنصرم 18 كانون الثاني/يناير الجاري. حيث نشرت الغارديان خبر التصريح الذي أدلى به كاميرون وأعرب فيه عن نيته رصد 20 مليون جنيه إسترليني لتحسين فصول تعليم اللغة الإنجليزية للمهاجرين، التي سترفق بعقوبات لمن تفشل من المهاجرات بتحسين لغتها الإنجليزية.
بدا كاميرون في حديثه حريصاً جداً على المرأة المسلمة، وخوفه من عزلتها وسيطرة الرجال المسلمين على حياتها، خاصة وهو يزور مساجد ديلز - ذات الغالبية المسلمة - ومانشستر ويحادث النساء المسلمات وأئمة المساجد عن ضرورة تعلم المسلمات للغة الإنجليزية، لحمايتهن من التطرف!
لم يخجل من التدخل في حياة المرأة المسلمة وهو يقول "إن الوقت قد حان لمواجهة ما أسماها بالتوجهات المتخلفة التي تتمسك بها أقلية من الرجال المسلمين ويمارسون "سلطة مؤذية" على نسائهم"، حسب صحيفة "ذا تايمز". حيث يريد مساعدة المسلمات على تعلم اللغة الإنجليزية لمعالجة التمييز ضدهن المتمثل، حسب زعمه، بمنعهن من الاختلاط بالرجال وعزلهن اجتماعياً عن المجتمع البريطاني!
ويبدو أنَّ حرصه هذا أنساه القضايا الأصعب التي تواجهه في هذه الفترة المتعلقة بخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي والهزات الخطيرة في الاقتصاد التي تواجهها بلاده ولم تتعافَ منها بعد؛ لينشغل رئيس الوزراء بالنساء المسلمات وتعليمهن اللغة! لكن يبدو أنَّ خلف الأكمة ما خلفها، فهذا الحرص لم يكن عن نية سليمة، إذ امتزج مع عبارات طعن ووصم للنساء المسلمات بالإرهابيات. فهنا تصبح المسلمة مشتبهة بالتطرف حتى تثبت براءتها بإجادتها الإنجليزية بطلاقة، وكلُّ ذلك في إطار القيم البريطانية القائمة على الحريات.
كاميرون وهو ابن الحزب المحافظ الذي عُرف عنه دائماً معاداته للمهاجرين، هو أيضاً بريطانيٌ داهية ولا يجهل سياسة الثعالب! هاجم المرأة المسلمة في حملته ونعتها بالإرهاب، لكنَّه أبقى الباب موارباً فلا هو أغلقه ليؤلب الرأي العام ولا أبقاه مفتوحاً فيكبت حقده أكثر مما يستطيع مثله عداوةً للمسلمين. فنادى بحظر النقاب وألَّب المسلمات على أزواجهن لكنَّه في الوقت ذاته يبدي ابتسامته وهو يزور مساجد المسلمين ويتحدث إليهم عن ضرورة تعليم نسائهم اللغة، وينطبق عليه قول الشاعر: يعطيك من طرف اللسان حلاوةً، ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ!!
لم يكن هذا مستغرباً عن رئيس وزراء بريطانيا، التي هدمت دولة الخلافة، ونكَّلت بالمسلمين عقوداً، لكنَّ المفارقة أنَّ حملته هذه هي ببساطة لأجل الحفاظ على القيم البريطانية التي يضعها تحت قدميه بحملته على المرأة المسلمة والنقاب. ليثبت للعقلاء أنَّ الديمقراطية صنمٌ من تمر. ففي الوقت الذي يريد من الجميع التمسك بقيم بلاده وحضارته بمن فيهم المسلمات، فهو يطلب منهن التخلي عن مبادئهن، ويعيب عليهن التمسك بالقيم الإسلامية كحرمة الاختلاط ويرى في ذلك تمييزاً! أهو حلالٌ عليه حرامٌ علينا؟ أم أنَّ الرأسماليين الغربيين اعتادوا في تعاملهم مع المسلمين الكيل بمكيالين والنظر لنا من الأعلى؟
يقول كاميرون أنَّ تخلف المسلمات عن الاندماج في المجتمع في بريطانيا ذي القيم الليبرالية أدَّى لظهور تصرفات متطرفة كالختان الفرعوني والزواج المبكر، فمن أخبره أنَّ عدم الاندماج هو السبب في مشاكل المسلمين؟ ومن أعطاه الحق في أن يُحاكم شريعتنا ويحكم على أحكامها من منظوره الذي يضج بأطفال السِّفاح والعلاقات غير الشرعية والإساءة للنساء؟. ما دام يرى في الحكم على عقائد الآخرين من وجهة نظره أمراً طبيعياً فعليه أن يتقبل إذن نظرة المسلمين لحضارته القائمة على الإباحية والمادية والاستغلال. فهذه هي الحرية!
فهل فات كاميرون أثناء حملته أن يرى بعيني السياسي العاقل فيدرك أنَّ ما يصبو إليه مُحال؟ وأنَّه لا الواقع ولا سنن الكون يقرَّان مبتغاه في دمج المسلمين مع غيرهم؟ فالواقع ينطق بأنَّ فكرة التعايش التي يدَّعيها الغرب وأذنابه وأبواقه في بلادنا، فكرة ينفر منها البناء الثقافي للعقلية الغربية بشتى تفريعاتها، فعلى المستوى الفردي في داخل المجتمعات الغربية لا يضمن تحقيق شيء من هذا التعايش أو من هذه النظريات إلا قوانين صارمة ولكنها على كف عفريت. لأنه لا وجود ثقافيا فعليا في الواقع يغذي هذه الفكرة، بل على العكس من ذلك فالكاثوليكي لا يقبل البروتستانتي ولا الأبيض يقبل الأسود وبشكل عام فأبناء المجتمعات الغربية ينظرون للقادم الآسيوي من أبناء البلد بنظرة عنصرية، أما النظرة للمسلمين حتى لمن يدخل في الإسلام من أبناء البلاد الأصليين فحدِّث ولا حرج فقد عمل الإعلام الغربي الرسمي وغير الرسمي بكل وسائله لشيطنة المسلم وتصويره كوحش مفترس إرهابي دموي؛ أما على مستوى التعايش على النطاق الدولي وخاصة بين الغرب والمسلمين فالغرب ودوله صغيرة وكبيرة وحتى الأقليات التي ارتبطت به من نصارى الشرق وممثلياتهم السياسية لا ينظرون للمسلمين إلا كأعداء يجب إذلالهم ودوام إهانتهم واستغلالهم ما أمكن بل وحتى تهميشهم وقتلهم. وما واقع لبنان عنا ببعيد فتعايش طوائفه المتغنى به ليس إلا على حساب كرامة المسلمين وقصة الوزير ميشيل سماحة المجرم وإخراجه من معتقله برغم التهم المهولة التي ثبتت عليه وبالمقابل إبقاء أبنائنا في السجون دون أي جريمة إلا لقرابة تربطه بآخر له نشاط سياسي في الوسط الإسلامي، ما هذه القصة وهذا الواقع إلا دليل على انعدام وجود هذه الفكرة في عقلية المقابل لنا محلياً ودولياً. وأنها لا تستخدم إلا كشعارات لذر الرماد في العيون وامتصاص غضبة الشارع وتمرير مزيد من مشاريع محو الهوية الإسلامية.
والسنن الكونية يُبصرها أولو الألباب ويدركون استحالة التوافق بين متناقضين، وانعدام الأمل في تعايش حضارتين في صراع دائم. بل إن كاميرون يعي جيداً أن مستقبل المسلمين بل وأهل بلاده من النصارى لن يتسم بالأمن المنشود والسلم الأهلي إلا بنظام ربَّاني تتجلَّى عظمة عدالته بـ ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾ [البقرة: 256]. نظامٌ تطبقه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي يحذر هو وغيره من ساسة الغرب من عودتها فيرسلون جيوشهم للمنطقة لقتل أهلها وانتهاك حرماتهم بحجة محاربة الإرهاب.
أجل نظام الخلافة الذي يحفظ عهد أهل الذمة فيقرهم على ما هم عليه، ويتيح لهم حرية العبادات وممارسة طقوسهم وشعائرهم في الدولة دون تضييق، بل إن كنائسهم وأموالهم وأعراضهم ودماءهم في حرزٍ مصان، وجيوش الخلافة تحميهم!
فهلَّا أفاق كاميرون من سكرته، وانشغل بترميم بيته الداخلي ويترك عنه ادِّعاءه جهل المسلمات بلغته، وحرصه المكشوف زيفه عليهن من الإرهابيين!.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال