- الموافق
- 5 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد مرور 5 سنوات على الثورة...
نساء ليبيا هربن من "الدلف" ليجدن أنفسهنًّ تحت "المزراب"!
بعد أن هدمت دولة الخلافة، تمزقت بلاد المسلمين إلى دويلات هزيلة، نصّب الغرب عليها حكاماً عملاء يخدمون مصالحه وينفذون مخططاته، فحكموا شعوبهم بالحديد والنار وأذاقوهم صنوف الأذى والتعذيب والذلة والمهانة لعقود طويلة، وقد ظن هؤلاء الحكام وأسيادهم أنّ الشعوب قد استكانت وضعفت، وراهنوا على أنّ الأمة الإسلامية قد ماتت، ولن تقوم لها قائمة أبداً.
وإذا بهذه الشعوب تفاجئهم فتكسر حاجز الخوف والصمت، وتخرج إلى الشوارع والميادين هاتفة "الشعب يريد إسقاط النظام" فيما عُرِف بثورات الربيع العربي، ربيع نما أول غرسه في تونس الخضراء، ثم انتقلت بذوره إلى مناطق أخرى من العالم العربي حتى وصلت إلى ليبيا في 17 شباط/فبراير عام 2011، حيث ثار الناس على الطاغية القذافي، الذي تسلّط على رقابهم أربعة عقود حسوماً، منح نفسه لقب عميد الحكام العرب لأنه أكثرهم بقاء في الحكم وسمى نفسه بـ"ملك ملوك أفريقيا"، كان يرى نفسه فرعون العصر، وقد كانت سنوات حكم القذافي الأربعين سنوات عجافاً على أهل ليبيا، عانوا خلالها القهر والظلم والاضطهاد والفقر وحرمان الحقوق ونهب الثروات، فخرجوا إلى الشوارع (رجالاً ونساءً) ثائرين منتفضين مطالبين بإسقاط نظام الطاغية أملاً في مستقبل مشرق وحياة أفضل.
ولكن هذا المستقبل لم تشرق شمسه بعد والحياة الكريمة المنشودة لم تتحقق، فمنذ أن أهلك الله القذافي وليبيا تعيش على وقع فوضى أمنية وسياسية ونزاع على السلطة بين الدول الكبرى، حيث تحاول كلّ واحدة منها إيجاد موطئ قدم لها في ليبيا بتمكين عميلها من الوصول إلى الحكم، ويبدو أنّ الأطراف المتصارعة وصلت إلى قناعة راسخة أنه لا يمكن حسم الأمر لصالح أي طرف من الأطراف وأنه لا بد من التفاوض لاقتسام البلاد والثروات، فتوافد المبعوثون الدوليون على ليبيا، وبدأت جلسات المفاوضات تعقد والاتفاقات توقع.
وقد كان للمرأة الليبية نصيب من المعاناة والشقاء في ظلّ هذا الصراع الاستعماري، فالنساء والأطفال هم الفئات الأكثر تأثراً في مثل هذه الحالات، ولعل أبرز ملامح هذه المعاناة هو التهجير والنزوح مع ما يحمله من استغلال وتمييز وانعدام أبسط مقومات الحياة من كهرباء ومسكن لائق وتعليم وخدمات أساسية أخرى، ظروف جعلت حياة النازحة الليبية صعبة وقاسية، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن عدد النازحين داخلياً في البلاد قد تخطى 434 ألف شخص، وغالباً ما يفتقرون إلى المأوى بسبب قلّة المخيمات المتاحة، وفي كثير من الأحيان يجدون أنفسهم في قلب القتال بين الميليشيات، هذا علاوة على معاناة العالقين في مناطق النزاع من ظروف إنسانية قاسية.
ويوثّق التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية بتاريخ 2016/2/16 حالات القصف العشوائي للمناطق المدنية واختطاف المدنيين وتعذيبهم بسبب انتماءاتهم القبلية والسياسية، وكذلك عدداً من حالات الإعدام، إضافة إلى التدمير المتعمد للملكيات وغيرها من التجاوزات والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان في مناطق مختلفة من البلاد.
وسلّط التقرير الضوء على أوضاع المهاجرين واللاجئين، حيث قال إنهم تعرضوا لانتهاكات خطيرة من بينها التعذيب والاستغلال الجنسي، والاعتقال التعسفي، كما لقي 2800 مهاجر حتفهم العام الماضي في البحر المتوسط عند محاولتهم العبور من ليبيا إلى أوروبا في قوارب تهريب متهالكة.
وأشار كذلك إلى أنّ أكثر من 2.5 مليون ليبي يحتاجون لمساعدات إنسانية عاجلة ومياه شرب نظيفة ومواد طبية وغذائية، هذا وقد تسببت أحداث العنف الدائرة في ليبيا في إغلاق كثير من المراكز الصحية والمستشفيات والطرق والمدارس ومنع نحو 20% من الأطفال من الذهاب للمدارس.
إنّ كل هذه الأعمال والانتهاكات تمس بطريقة مباشرة ومن كل النواحي المرأة الليبية، فهي أمّ المقتول أو المخطوف وهي أخته وزوجته وابنته وهي ربّة أسرة تشتت أفرادها وتقطعت بهم السبل، وهي تلك التي دمّر بيتها الذي كان يؤويها مع أبنائها وزوجها، فأصبحت اليوم لاجئة أو نازحة مقيمة في بلد آخر تعاني ويلات الخصاصة والغربة. هذا عدا عما تتناقله الأخبار من أوضاع سيئة للنساء في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة.
ويرى ناشطون وباحثون في مجال حقوق المرأة أنّ المرأة الليبية استطاعت تحقيق عدد من الإنجازات بعد الثورة، حيث حصلت على 30 مقعدا من أصل 200 في البرلمان، كما أُسندت لها وزارتان في الحكومة المؤقتة وهما وزارتا الشؤون الاجتماعية والسياحة، فيما ضمت لجنة كتابة الدستور المكونة من 60 عضواً ستّ نساء.
وكانت ليبيا قد حصلت على المرتبة التاسعة كأفضل بلد عربي يمكن أن تعيش فيه المرأة من بين 22 دولة في استطلاع مؤسسة "تومسون رويترز" لخبراء النوع الاجتماعي، الذي بحث في واقع حقوق المرأة في الدول العربية بعد مضي 3 سنوات على بدء الثورات العربية، وذلك وفق قياس حضور المرأة في المعترك السياسي وواقعها في المجتمع ودورها في الحياة الاقتصادية ومكانتها في الأسرة والحقوق الإنجابية والعنف الموجه ضدها.
وتطمح الناشطات النسويات إلى تحقيق إنجازات أكبر للمرأة الليبية، فتطالب ناشطات من مؤسسات المجتمع المدني الليبية بمجلس أعلى للمرأة من ضمن الهيئات الدستورية المستقلة، لحفظ حقوق المرأة في الدستور الجديد. وهذا المجلس من شأنه أن يهتم بكل ما يتعلق بالمرأة وإدماج احتياجاتها في برامج التنمية وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص وضمان تعدد وتنوع الخيارات المتاحة أمامها للارتقاء بدورها في إطار من التشريعات والسياسات الداعمة.
فعن أي إنجازات يتحدثون في ظل ما أوردناه من أوضاع مأساوية للمرأة الليبية بعد الثورة؟! وهل وجود المرأة الليبية في حكومة صنعت على عين الدول الكبرى المتصارعة يعتبر إنجازاً؟! وإن كانت نساء ليبيا يعتقدن أن مشاركتهن في لجنة كتابة دستور وضعي أو حتى بوصولهن لمقاعد البرلمان سيتحسن حالهن ويضمن لهن حقوقهن فهنّ واهمات، فقد أثبتت الإحصائيات والدراسات في البلاد التي اعتبرت رائدة في مجال مشاركة المرأة في البرلمان (كرواندا مثلاً) بل وفي الدول التي وصلت فيها المرأة لرأس الهرم كبنغلاديش أن أحوال النساء لم تتغير كما أنهن لم يفلحن في سن قوانين لتحسين أحوالهن، فكيف ببرلمان ولجنة كتابة دستور يخضعان لإرادة الأطراف المتصارعة في ليبيا؟!
وفي سبيل حصول المرأة الليبية على دور أكبر في الحياة العامة والمشاركة الفاعلة في المرحلة المقبلة في ليبيا، أعلن كوبلر (مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا) عن دعمه لأن يكون للمرأة الليبية دور بارز في مناصب الدولة، ودعا إلى تمثيلها بنسبة 30% في حكومة الوفاق الوطني، وقال أنه سوف يتقدم بأربعة مطالب إلى مجلس رئاسة ورئيس مجلس وزراء حكومة الوفاق الوطني للدعوة إلى وضع المرأة الليبية في مواقع مهمة، وهذه المطالب هي: أن تكون حصة المرأة في حكومة الوفاق الوطني بنسبة 30%، وإنشاء وحدة تمكين المرأة التابعة لمجلس الرئاسة بأسرع وقت ممكن وتمثيل المرأة بشكل مناسب في جميع اللجان المنبثقة للحوار السياسي الليبي، ووجود منسق لشؤون المرأة لدى مجلس الرئاسة.
فمنذ متى كان كوبلر حريصاً على نساء ليبيا؟! وهل يرجى منه ومن الدول الغربية ومبدئها الرأسمالي خيراً لليبيا ونسائها؟! وقد شهدنا ما جرّه هذا المبدأ وأتباعه من ويلات على العالم، وقد عانت نساء ليبيا من هذا النظام الاستعماري الجشع في ظل الصراع والتنافس الاستعماري على بلادهنّ في سبيل الحصول على الثروات، وقد انكشف عوار ديمقراطيتهم المزعومة من خلال دعمهم ومساندتهم للطاغية القذافي، وقد جربت نساء ليبيا كما جربت جميع نساء العالم فشل معالجاتهم لمشاكل المرأة وقضاياها.
فيا نساء ليبيا، يا نساء بلد عمر المختار: إنّ التغيير الذي شاركتنّ في الثورة لإحداثه، والحياة الكريمة التي تتطلعن لها، لا يمكن لها أن تتحقّق إلا بقطع أيدي الدول الغربية وأيدي عملائها في ليبيا، والعمل على تغيير النظام بشكل جذري لا بتغيير الوجوه فقط، وذلك بالعمل على إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي ستقف في وجه هذه الدول الاستعمارية وفي وجه أطماعها في بلاد المسلمين، وستوفّر الحياة الكريمة العزيزة للمسلمين في كل بقاع الأرض، وفي ظلها ستحصلين على حقوقك التي كفلها لك الإسلام بالتشريع وضمنتها الدولة بالتنفيذ.
إن المسألة مسألة وقت حتى يتحقّق وعد الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وهو وإن لم يحصل اليوم ففي الغد إن شاء الله وإنّ غداً لناظره قريب فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمنوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم ولَيُمَكِّنَنَّ لهم دِينَهُم الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55].
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم براءة مناصرة
5 تعليقات
-
لا حول ولا قوة إلا بالله
-
ان من يسير طريقا مستقيما لابد ان يصل لما يريد لكن من يسلك طريقا مجهولا لابد من عقبات في طريقه
-
لا حول ولا قوة إلا بالله ... ما أسهل أن يتاجر الكافر المستعمر بأعراض نسائنا تحت مسمى الحرية او المساواة وحصول المرأة على دور أكبر في الحياة العامة
إلى متى يا نساء المسلمين ... ألا تلتفن إلى قول الله ورسوله ....
ألم يأن لكن أن تفهمن ان ما يراه الغرب فيكن ما هو إلا سلعة رخيصة أو صورة على غلاف مجلة أو دعاية في فضائية ؟؟
اللهم ألهم نساءنا ونساء المسلمين العودة إلى كتابك و سنة نبيك ورفض كل ما يحاك لهن من مؤامرات -
جزاك الله خيرا اختي الفاضلة على هذه المقالة البليغة
وطالما لم يحكموا بما أنزل الله نقول لحكامنا الله مولانا ولا مولى لكم -
بارك الله فيك أختنا الفاضلة...