- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
البشرية في خطر، والسبب تشريع البشر!
وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية، للفترة ما بين عامي 2000 و2050، سيزيد عدد الأشخاص الذين أعمارهم فوق 60 عاما بمعدل ثلاثة أضعاف، فيقفز عددهم من 600 مليون إلى ملياري نسمة ونسبتهم من 11٪ إلى 22٪، في حين سيزيد، بمعدل أربعة أضعاف، عدد الأشخاص الذين أعمارهم فوق 80 عاما، فيصبح عددهم أكثر من 400 مليون نسمة، وستكون هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يتفوق فيها عدد كبار السن على عدد الأطفال (من سن يوم إلى 14 سنة(. وهو ما يمكن تسميته بظاهرة شيخوخة المجتمعات، التي تشكل خطراً على تركيبتها الديموغرافية، وتحدياً كبيراً للأنظمة العالمية، خاصةً وهي تجعل الاقتصاد عمودها الفقري، وتبني مفاهيمها وتشريعاتها عن الحياة الدنيا بناءً على نظرتها لرأس المال.
هذه الظاهرة كانت نتيجة طبيعية للمفاهيم الغربية عن الحياة الدنيا، بجعلها محطة للتزود بأكبر قدر من المتع الجسدية دون النظر للغاية من وجود الإنسان، وكونه خليفة الله في الأرض ليعمرها، وهو ما تجلى بوضوح في تفضيل الشعوب الغربية إنجابَ أعداد قليلة من المواليد، وتحديد بعض الدول لعدد المواليد المسموح بهم كالصين. فعلى سبيل المثال حذر خبراء ألمان مؤخراً (حسب مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني) "من الانخفاض الحاد في عدد السكان في ألمانيا، بسبب الإحجام عن الإنجاب، وعدم إدراك المجتمع للسلبيات الناتجة عن انخفاض عدد المواليد، ومدى تأثيرها على مختلف جوانب الحياة في البلاد"، وطبقا لهيئة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي (يوروستات) سيتراجع عدد سكان ألمانيا من 82 مليوناً إلى 74.7 مليون نسمة في نهاية عام 2050، وذلك في حالة عدم حدوث تغير في مستويات الهجرة، وتذهب بعض التقديرات إلى الأسوأ بتوقع انخفاض عدد سكان ألمانيا إلى 65 مليونا بحلول عام 2060.
أما الصين التي بدأت تطبيق سياسة تنظيم الأسرة في السبعينات للسيطرة على زيادة التعداد السكاني؛ حيث منعت وعلى مدار ثلاثة عقود الأزواج من إنجاب أكثر من طفل في المدن وطفل ثانٍ فقط في الأرياف، فقد بدأت بتخفيف تلك السياسة تدريجيا بسبب ظهور عدة مشكلات اجتماعية. وفي عام 2013 بدأت الصين السماح للأزواج بإنجاب طفل ثان إن كان أحد الأبوين طفلا وحيدا. ومؤخراً تم إدخال إصلاحات قانونية فيما يتعلق بهذه المسألة حيث سُمح بإنجاب طفل آخر لتدارك مشاكل تواجه البلاد كارتفاع الأجور وقلة الأيدي العاملة، التي تؤثر سلباً على ضعف الإنتاج وانتشار ظاهرة الشيخوخة التي تؤثر أيضاً بشكل سلبي على الاقتصاد، خاصة في ظل زيادة النزعة الفردية وزيادة عدد الأفراد الذين يعيشون لوحدهم ومعه التغيُّر في بنية الأسرة وتنامي خطر تهميش كبار السن، يصبح الأمر الذي قد يؤدي إلى "موت اجتماعي حقيقي" بالنسبة لكبار السن، وفقا لما قاله تقرير "جنيف، مدينة صديقة للمسنين".
في القرن الماضي وُضعت التشريعات لتدارك الأزمة السكانية فشرعت الصين قانون الطفل الواحد، بينما أخذت الدول الرأسمالية في أوروبا تنتهج منحىً آخر يتمثل في نشر مفاهيم تحديد النسل أو تنظيمه، وانتقلت هذه الظاهرة كالعدوى لبلاد المسلمين التي باتت بعد هدم دولة الخلافة، تعتبر حديقة خلفية تُلقي فيها الدول فضلاتها الفكرية والثقافية وعلينا نحن تلقيها وأخذها لتُطبقها الأنظمة الجبرية علينا بغض النظر عما نعتنقه من مفاهيم عن الحياة الدنيا. وهكذا بكل خبث عملت الجمعيات النسوية ومنظمات حقوق المرأة عبر سنوات على نشر حبوب منع الحمل بين نساء المسلمين خاصة في مصر والأردن وفلسطين، ونشرت معها الفكر العلماني بتحديد النسل بحجة الصحة الإنجابية للمرأة، والتوعية الإرشادية، في مشوارهم لأجل تمكين المرأة ومساواتها. ولسان حالهم لمَ يتحتم على المرأة أن تبقى في البيت للحمل والإنجاب بينما الرجل يعمل ويحقق النجاحات والإنجازات! بينما كانت الصين الشيوعية وروسيا وغيرها في هذا الوقت ترتكب جرائمها بحق المسلمين هناك، حيث سنَّت القوانين المجحفة فيما يتعلق بحياة المسلمين الخاصة ومن بينها الإنجاب. حيث أوردت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقرير لها عام 2013، أن الصين تطبّق وسائل منع الحمل قسرا على النساء هناك حتى على الأقليات من أصحاب الديانات الأخرى، وتحديدا في إقليم تبت وإقليم شرق تركستان، في حين تضطر بعض العائلات إلى إخفاء أطفالها عن الحكومة وتربّيهم في المنازل. وقد أشار التقرير إلى أن الحكومة ما زالت تفرض مزيدا من القيود على الممارسات الدينية.
والآن تشجع بكين سكانها على الإنجاب عبر تمديد إجازات الأبوة والأمومة، وتسعى دولٌ كألمانيا لزيادة نسبة المواليد لتخفيف وطأة هذه الظاهرة المخيفة. حيث نشر معهد ماكس بلانك للبحوث الديموغرافية في مدينة روستوك الألمانية، دراسة دق فيها ناقوس الخطر محذراً من تعرض القارة الأوروبية لتراجع كبير في عدد السكان. حيث أظهرت هذه الدراسة ارتفاع أعداد الشيخوخة في ميزان النمو الديمغرافي في أوروبا مقارنة بمعدل الولادات. فحسب الدراسة فإن عدد كل جيل سيقل عن سلفه بنسبة خمسة وعشرين بالمائة، وبحلول عام 2050 سيتناقص عدد سكان دول أوروبا بنحو خمسين مليون نسمة، كما أن متوسط الأعمار فيها سيزيد عشرة أعوام. حيث قررت الدراسة أن على كل امرأة أوروبية إنجاب 2.1 طفل حتى تتمكن القارة العجوز من المحافظة على تجدد سكانها، إذ يمكن بهذا المعدل أن يحل الجيل الجديد محل الجيل القديم دون حدوث انخفاض في معدل السكان. ومن بين الدول الأوروبية التي اقتربت من تحقيق هذا المعدل: فرنسا وإنجلترا وأيرلندا ودول شمال أوروبا، حيث وصل معدل الإنجاب فيها من 1.8 إلى 2 طفل لكل امرأة. على خلاف ذلك فإن ألمانيا وبلدان أوروبا الشرقية والجنوبية تبدو مهددة أكثر بتراجع عدد السكان حيث يتراوح معدل الإنجاب فيها بين 1.3 إلى 1.5 طفل لكل امرأة.
ترزح البشرية تحت وطأة العجز والضعف والتخلف الذي جعل الإنسان يطمح لما ليس له ويتعدى على حق الله سبحانه في التشريع، فيسن تارةً قانوناً لمنع الإنجاب ومرة أخرى يجعله ضرورة لازمة لحياة المجتمع، متناسياً فطرة الإنسان التي قررها ربُّه وخالقه في كون البقاء غريزة ملازمة له، يسعى لأجلها للتزاوج والإنجاب وحفظ نوعه كإنسان استُخلف في هذه الأرض. ينظرون للمجتمع نظرة مادية بحتة، ويُجعل بقاء الإنسان على هذا الكوكب مرهوناً بحالة الاقتصاد وتقدمه، فإن تراجع الاقتصاد وارتفعت الأجور وقلت الأيدي العاملة صار تكثير النسل وزيادة السكان ضرورةً يشجع عليها القانون ومنةً تمن بها الدول على شعوبها لا لأجلها بل لأجل زيادة معدل الناتج القومي، في صورة تشابه استعباد فرعون لقومه باستخفاف صوَّر لهم نفسه إلهاً يُعبد يمنحهم حق الحياة ومستلزماتها، فأطاعوه غافلين أنَّه طاغية لولا خضوعهم له ما كان لسطوته من قيمة!
وهكذا يظهر مدى إجرام البشر بحق أنفسهم حين تنكروا لتشريع الله، واستكبروا في الأرض بوهم القدرة على تدبير شؤونهم.
وإن القول الفصل أنه لا حياة للإنسان والبشرية إلا بالهدي الرباني، في تشريع كامل يحفظ بقاءهم وحياتهم وفيه وحده هناؤهم وسعادتهم. حياةً يكون الإنسان فيها هو سيد الكون بما حباه الله من نعمة العقل والإيمان، بتشريع جاء لحفظ البشرية: فكان من أهم ضروراته حفظ النفس والعقل والنسل وتحريم الاعتداء عليها. أما في نظرته للشيخوخة فلم تكن أبداً داء ولا مشكلة مستعصية وعبئاً على الدولة، بل إن رسول الرحمة كان من هديه أن «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ شَرفَ كَبِيرِنَا» كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. ومقولة ابن الخطاب المشهورة للشيخ اليهودي أن "أخذنا منك الجزية شاباً وضيعناك شيخاً" وأمر له براتب من بيت المال. هذه الشريعة التي تطبقها دولة الخلافة، فتسوس الناس بالرحمة والعدل والرعاية. وهذا ما تحتاجه البشرية لينقذها من شقاء العيش في دركات الرأسمالية.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال
2 تعليقات
-
جزاكم الله خيرا
-
بوركت الأنامل أختي الفاضلة