الثلاثاء، 29 صَفر 1446هـ| 2024/09/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

قرار السينما وقياس الرأي العام تجاه قضايا الأمة المصيرية في بلاد الحرمين

 


"ما أن أعلنت وزارة الثقافة والإعلام السعودية الترخيص بفتح دور للسينما بداية من مطلع عام 2018 حتى تصدر #السينما_في_السعودية قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولا في العالم مسجلا أكثر من 131 ألف تغريدة.


وقد أثار قرار السماح بفتح دور للسينما في المملكة، سجالا واسعا في مواقع التواصل الإلكتروني، إذ يدور الجدل حول القرار بين تيارين، الأول يصف القرار بأنه انتصار للحداثة، والثاني يرى فيه مضيعة للأخلاق ومدعاة للاختلاط بين الجنسين. ولطالما علق سعوديون آمالا على السماح لعودة دور السينما للبلاد بعد عقود طويلة من المنع، منذ إعلان المملكة عن حزمة إصلاحات داخلية في إطار "رؤية 2030". ومن أبرز تلك الإصلاحات السماح للمرأة بقيادة السيارة والدخول للملاعب وإنشاء هيئة تعنى بالترفيه. وينظر المؤيدون للقرار على أنه مبادرة للنهوض بالقطاع الفني في السعودية وخطوة نوعية في مسيرة الإصلاحات المجتمعية. ... وانتقد مغردون الفكرة السائدة بأن السينما مرادفة للفساد قائلين إنها "مجرد دور للعرض مثلها مثل شاشة التلفاز والكمبيوتر وأن العبرة بمحتواها وأنها سلاح للتوعية والتثقيف لو استغلت بشكل جيد."


من جهة أخرى، وصف المعارضون القرار بأنه دعوة لتغريب المجتمع السعودي ونشر الفساد فيه. وتداول بعض المستخدمين مقاطع لرجال دين سعوديين سبق بأن أفتوا بحرمة السينما واستغرب بعضهم سكوتهم عما يحدث الآن... وتساءل بعض المغردين عن آليات الرقابة التي ستخضع لها دور السينما حتى تستوفي المعايير الشرعية والمجتمعية التي فرضتها وزارة الثقافة. على صعيد آخر، انتقد فريق ثالث من المغردين القرار برمته، قائلين إنه لا يأتي في سلم أولويات الإنسان السعودي الذي يعاني جزء منه من البطالة ومن ضعف التعليم ومن أزمة السكن، وفق قولهم. ووصف بعضهم القرارات الأخيرة بالهامشية وحثوا المسؤولين على تطوير المجال العلمي الذي من شأنه الرقي بالمجتمع ليلحق بركب الدول المتقدمة والمصنعة للتكنولوجيا..." (بي بي سي 2017/12/11م).


في مفارقة لعلها تكون مقصودة، وبعد يوم من تعليق وزير الإعلام السعودي عواد العواد على موضوع القدس بقوله "القدس في قلب سلمان وولي عهده وجميع الشعب السعودي والتاريخ يشهد بما قدمته المملكة لفلسطين"، وقال: "أقول لإيران وغيرها كفى متاجرة بقضية فلسطين القريبة من قلب كل عربي"، فبعد يوم من هذه التصريحات يأتي قرار السماح بفتح دور السينما في بلاد الحرمين ليشعل بذلك موجة غضب تتحرك تحت الرماد في نفوس المحافظين في بلاد الحرمين بل وتعكس الوعي لدى الكثير من عامة الناس في الشارع وهو الأمر الذي عملت الحكومة على مواجهته بحملة إعلامية تسويقية من مشاهير الفن ووسائل التواصل الإلكتروني والصحفيين والكتاب في محاولة منها لإيجاد قاعدة شعبية مؤيدة لهذا القرار رغم اكتساح القاعدة الأخرى والرافضة لهذا القرار والمنتقدة له على جميع وسائل التواصل وفي الشارع وبين أفراد الناس وعامتهم.


فبعد سجال امتد لعشرات السنوات كانت خلالها الحكومة هي المحرك الأساسي له يأتي القرار بقوة السلطة وتحكمها لتلبس الشعب في بلاد الحرمين لباساً غير الذي يريدون، بل وحتى يفعّلون جميع أدواتهم في محاولة منهم لإقناع الناس بأن هذا اللباس هو لباسهم الأصلي والطبيعي، وهو الأمر الذي استفز مشاعر الناس وعكس ما في مكنون الناس من توجهات واعية حتى في أبسط التعليقات من عامة الناس؛ كبيرها وصغيرها رجالها ونسائها، محافظها وغير محافظها، بل وحتى المؤيد فيهم للحكومة وغير المؤيد.


فلقد كانت سمة الرفض هي الأساس لدى السواد الأعظم من مختلف شرائح المجتمع، بل إن الأمر تجاوز ذلك كله ووصل بالبعض لأن ينظر للأمر على أنه مشروع تغريبي انفتاحي على الثقافة الأجنبية يستهدف عقيدة المجتمع ومفاهيمه الإسلامية الراسخة، وأن الأمر لا ينحصر في القرار بحد ذاته مثله في ذلك مثل بقية القرارات الأخرى؛ مما فتح المجال لكثير من الناس حتى المؤيدين للحكومة في بعض الأحيان لانتقاد توجهات الحكومة والتساؤل عن مدى جدوى وأهمية مثل هذه القرارات في الوقت الذي يعاني فيه المجتمع من مشاكل كثيرة لها أولوية أعلى من موضوع السينما والترفيه، وهو الأمر الذي يعكس وبلا أي مجال للشك مدى رفض المجتمع لمثل هذه القرارات رغم فرضها عليه بقوة الجبر والإكراه.


إنه وبالرغم من حالة التشدد الأمني الذي يمارسه محمد بن سلمان وأبوه في جميع قراراتهم على المجتمع، وأيضا بالرغم من حالة الخوف التي أوجدوها بين الناس بسبب الاعتقالات الكثيرة والضرب بعصا السلطة وجبروتها... إلا أن شريحة واسعة من الناس بدأت بانتقادهم لذاتهم والتساؤل عن حقيقة توجهاتهم والعمل على محاسبتهم وتوجيه الرأي العام نحو هذا الأمر.


لقد وصلت قمة الوعي لدى شريحة من الناس إلى أن ينتقدوا مثل هذه التوجهات والقرارات في الوقت الذي تعاني فيه الأمة الإسلامية ما تعانيه من ويلات ونكبات، بل وحتى ربطها بالتوقيت الذي يتخاذل فيه حكام المسلمين عن نصرة الأقصى وتفريطهم فيه ليهود، والتساؤل عن مستوى الخيانة الذي وصل إليه آل سعود، خصوصا كونهم يدّعون حمايتهم للحرمين الشريفين! وهو الأمر الذي واجهته أجهزة الدولة والتابعون لها بحملة مضادة لكل من يفتح أنظار الناس نحو هذا الأمر؛ فعملت الحكومة على إغلاق الصفحات الداعية إلى ذلك ومجابهة الهاشتاغات الفاضحة لخيانتهم بحملة حكومية من التشويه والتجريم، ممزوجة بكمية مهولة من الأكاذيب والادعاءات، وهو السلاح المشترك الذي يستخدمه كل من أراد مواجهة التوجهات الصحيحة في البلاد الإسلامية.


إن ربط قرار السينما بموضوع الأقصى من بعض العامة بين الناس لهو أكبر دليل على أن قضايا الأمة كلها مشتركة في قضية مصيرية واحدة، كما أن هذه التحركات هي أكبر دليل على أن هذه الأمة أمة حية وتتحرك في جميع أطرافها، ولا ينقصها إلا التوجيه نحو الهدف والحل الصحيح، بالإضافة إلى أنه دليل على أن شعب بلاد الحرمين المسلمين مثلهم مثل بقية الشعوب الإسلامية في البلدان الأخرى فهو شعب مسلم يتأثر لقضايا المسلمين وتتحرك مشاعره لكل ما يلمس الإسلام ومفاهيمه رغم ما يمارس عليه من تغريب وتغييب ورغم ما يوضع أمامه من ملهيات ومغريات تعزله عن الواقع، فهو شعب لا ينقصه إلا ما ينقص بقية الشعوب المسلمة من وعي كامل وصحيح على قضية الأمة المصيرية والتي هي استئناف الحياة الإسلامية والعمل على إقامة أحكام الإسلام في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة.


إن مثل هذه القرارات لا تزيد الناس إلا الكبت والسكوت على مضد، وهو الأمر الذي يزيد من حرارة الجمر تحت الرماد فمصائب الأمة الإسلامية قد زادت بقدر خيانة حكام المسلمين لها، كما أن الشعوب الإسلامية في مختلف بقاع الأرض وفي بلاد الحرمين على وجه الخصوص يزيد وعيهم مع كل يوم أكثر فأكثر ومع كل حادثة خيانة أكثر فأكثر، وهو الأمر الذي لا يلتفت إليه محمد بن سلمان وأبوه ولا يلقون له بالا مستهترين بذلك بقوة التغيير التي تمتلكها شعوب الأمة الإسلامية وشعب بلاد الحرمين في حال استفاقت من بعد نوم عميق وبدأت بالتفكير في حل مشاكلها ووصلت إلى حل قضيتها الحل الصحيح.


إن قرارات محمد بن سلمان وأبيه لا يمكن أن تجد أرضية خصبة في بلاد الحرمين مهما طال الزمان أو قصر، كما أن تطبيق مثل هذه القرارات لا يمكن أن يتم في بلاد الحرمين وكل بلاد المسلمين إلا بقوة الإكراه والإجبار، وبمعنى آخر لا يمكن تطبيقها إلا بقوة السلطة، وهو الأمر الذي لا يمكن للناس تجاوزه ما لم يزيدوا من وعيهم العام تجاه قضايا الأمة المصيرية ويعملوا على التفكير في النهضة بشكلها الصحيح على مستوى الأمة الإسلامية كلها والتحرر من أفكار ومفاهيم الغرب الاستعماري والرجوع إلى أفكار ومفاهيم الإسلام الحنيف والذي لا يمكن تطبيقه إلا من خلال دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


ماجد الصالح – بلاد الحرمين الشريفين

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع