الثلاثاء، 29 صَفر 1446هـ| 2024/09/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

لسنا طوباويين حالمين

 

حوار مع صديق

 

كيف سيبني حزب التحرير دولة الخلافة الراشدة؟!

 

الجزء الأول

 

☆ هذا حوار ثنائي جرى بيني وبين صديق مسلم ملتزم، يظهر عليه التزامه بأوامر دينه وغيرته عليه، مهتم ﻷمر اﻹسلام والمسلمين، يكره الحديث في السياسة شأنه في ذلك شأن أغلب شبابنا المسلم التواق إلى أن يعيش عيشا إسلاميا في مجتمع يحل الحلال ويحرم الحرام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وﻻ يدرك أن هذا الذي تتوق نفسه إليه هو عين السياسة.

 

☆ أختلف أنا وصديقي هذا - الذي أحب - بأنني أنتمي إلى حزب التحرير صاحب مشروع بناء دولة الخلافة، في حين إنه ﻻ ينتمي إلى أي توجه كحزب أو حركة أو جماعة إسلامية، ﻻ بل فإن كثرة الحركات اﻹسلامية على الساحة واختلاف أهدافها ومناهجها يسبب له نوعا من التشويش والحيرة.

 

☆ وما إن تفاعلت معه ذات مرة بإعطائه كتاب "نظام اﻹسلام" أحد منشورات الحزب المتبناة حتى عاد لي خلال بضعة أيام تقرببا ليطلب مني أن نجلس جلسة خاصة للنقاش، اللهم لك الحمد رددت في خلدي ولسان حالي مفعم بمشاعر سعادة تغمر ملامحي، فتهلل الوجه مني واستبشر واجتاح السرور كياني كله، فنحن غالبا ما يسرنا أن نلقى من أبناء أمتنا آذانا صاغية ونحن نطرق أبواب فهمهم لمفاهيم اﻹسلام التي نحمل إليهم.

 

☆ ألف أهلا وسهلا واحدا قلت مداعبا، حياك الله عندي في بيتي في الوقت الذي تريد، وهكذا كان فالتقينا وﻻ أظنني احتفيت بضيف احتفائي بصديقي هذا.

 

☆ لكنني لم أتخيل للحظة أن صديقي أبو براء جاء مثقلا بحمل سلة من التساؤﻻت الاستنكارية القاتلة فإن لم أحسن التعامل معها بإجابة مقنعة فلا تقوم لي عنده قائمة وأكون بذلك حجته اﻷبدية على عدم جدوى حمل الدعوة معنا، رغم أنني لست متأكدا بأنه سيلتحق بنا ليحمل الدعوة معنا إن أنا أقنعته بإجاباتي، أدركت هذا من أول قنبلة ألقاها علي بسؤاله قائلا:

 

¤ أبو براء: اسمع أخي أبا حذيفة لن أجاملكم ولن أتجنى عليكم قلبي وعقلي مفتوحان للحق بغض النظر مع من كان، وعليه أقول: إنه ﻻ أحد من المسلمين يستطيع أن ينكر عليكم سمو الهدف الذي تنشدون، وهو بناء دولة الخلافة اﻹسلامية، فمن من المسلمين ﻻ يتطلع إلى أن تكون له دولة كدولة أبي بكر وعمر ﻻ بل كدولة من دول بني أمية أو بني العباس أو بني عثمان؟! لكن خوفي الشديد أن تكونوا حالمين منظرين فقط، وعليه فأنا هنا ﻷفهمكم وأفهم منكم:

 

كيف سيبني حزب التحرير دولة الخلافة؟!

 

وشعاركم "خلافة على منهاج النبوة"، وكلي آذان صاغية وستجدني متفهما جدا ﻷي طرح واضح معقول وقابل للفهم، فإياك أن ﻻ أفهم، أو أن ﻻ تكون مقنعا، والابتسامة تعلو محياه.

 

¤ أبو حذيفة: حياك الله أخي أبا البراء، هذا تقديم رائع لهذه الجلسة، وأرجو أن تأذن لي بأن أشترط لنفسي كما اشترطت لنفسك.

 

¤ أبو براء: هذا حقك فتفضل.

 

¤ أبو حذيفة: ابتداء فهذا الموضوع سيحتاج منا إلى جلسات عديدة، أما ما أشترطه فهو: أن ننطلق في حديثنا من خلال ثوابت ﻻ نختلف على صحتها لنبني فهمنا عليها فلا نعود لنقاشها أثناء سيرنا في البحث.

 

¤ أبو براء: نعم هذا شيء يساعدنا للوصول إلى نتيجة ذات ثمرة.

 

¤ أبو حذيفة: ولكن قبل أن نذهب إلى التفاصيل فما هي الضرورة لأن نبني دولة إسلامية؟!

 

¤ أبو براء: ﻷننا مأمورون من الله بأن نحكم بما أنزل الله ونقيم الدين في أرض الواقع.

 

¤ أبو حذيفة: طيب ما رأيك لو أن العرب أو المسلمين اليوم توحدوا وصاروا دولة ديمقراطية واحدة كأمريكا مثلا وتحرروا من التبعية للمستعمر وحكموا العالم كما تحكم أمريكا اليوم، أيبقى هناك ضرورة لبناء دولة اسمها "دولة الخلافة اﻹسلامية"؟! أم أن ذلك يكفي فالمطلوب مجرد دولة لنا توحدنا نحن العرب أو المسلمين بغض النظر أكانت رأسمالية أو شيوعية أو قومية أو وطنية أو أي شيء وسميناها الولايات العربية المتحدة USA ما رأيك؟!

 

¤ أبو براء: سامحك الله أخي أتستخف بي؟!

 

¤ أبو حذيفة: معاذ الله أخي بل أحاول أن أحفر أساسات إجابتي لينطق بها لسانك مع لساني، فأنا جاد جدا فيما أطرح فليتسع صدرك لي.

 

¤ أبو براء: أخي ألسنا مسلمين ووجهة نظرنا في الحياة هي "ﻻ إله إﻻ الله محمد رسول الله"؟! فأنا كمسلم أعتقد وأفهم أنه ﻻ بد من أن تكون لنا نحن المسلمين دولة على أساس منهاج اﻹسلام وليس وفق أي منهاج آخر، دولة كتلك التي بناها رسولنا ﷺ في المدينة.

 

¤ أﻻ تعلم أن إيماننا ﻻ يكتمل إﻻ بتحكيم شرع الله فينا عن رضا وتسليم بدليل قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]؟

 

¤ أﻻ تعلم أنه بقيام دولة للإسلام وتحكيم شرع الله فينا تقوم باقي فروض اﻹسلام من صلاة وزكاة وحج وجهاد وغيرها، بدليل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 42]؟

 

¤ أم أنك لم تسمع قول الله تعالى وهو يصف بالكفر مرة وبالظلم مرة وبالفسق مرة من يحكم بغير ما أنزل الله؟!

 

فقال سبحانه: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44]

 

وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة:45]

 

وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 47]؟

 

¤ أبو حذيفة: أحسنت أخي وهذا يسهل المهمة علينا فنحن نتفق إذن على ثوابت كثيرة منها:

 

- أننا مسلمون ومأمورون بأن نحكم بما أنزل الله، أي أن الحكم بما أنزل الله فرض علينا كالصلاة ﻻ بل أهم.

 

- أن الدولة التي نريد بناءها هي تماما كالدولة التي بناها رسولنا الكريم ﷺ وليست كدولة فارس أو دولة الروم، وﻻ هي كدولة أمريكا أو كأي دولة مما نشاهد من دول عالم اليوم.

 

- وأن الدولة التي بناها رسولنا الكريم ﷺ بناها بكيفية محددة أتى بها الوحي وليست خاضعة لابتداع العقول في تحقيق ما تراه ممكنا لمجرد الوصول للحكم أيّ حكم، بل ينحصر دور العقل في الاجتهاد لفهم الكيفية التي أتى بها الوحي ليس إﻻ، ثم التقيد بحسن السير والاتباع لتحقيق ما حققه رسولنا الكريم من إقامة دولة اﻹسلام.

 

¤ أبو براء: نعم يا أخي نتفق على هذه الثوابت وأكثر.

 

¤ أبو حذيفة: ولكن اسمح لي أبا براء فالحديث عن بناء الدولة أي دولة، والعمل له هو حديث وعمل في السياسة بالضرورة، أليس كذلك؟!

 

¤ أبو براء: بلى، هذا صحيح وهذه هي مشكلتي معكم من وجهة نظري.

 

¤ أبو حذيفة: إذن كيف سنستمر في حديثنا وأنت تكره الحديث في السياسة، وأنت تعلم أننا حزب سياسي مبدؤه اﻹسلام لكن عمله هو السياسة؟!

 

¤ أبو براء: بصراحة أخي هذا الذي يشوش أفكاري، فقد قرأت في كتبكم ومنشوراتكم كلاما فكريا دينيا رائعا، أو قل ثقافة إسلامية نقية، لكنني في المقابل ﻻ أستطيع أن أتخيل حزبا إسلاميا يعمل وسط هذه اﻷوحال واﻷوساخ السياسية التي يغرق السياسيون ويغرقون الناس معهم فيها، وهذه من النقاط المهمة التي يجب عليك أن توضحها لي، بمعنى أن تجعلني أطمئن إليكم كحزب سياسي وإلى عملكم في السياسة.

 

¤ أبو حذيفة: لكي أستطيع إجابتك بشكل صحيح على سؤالك اﻷساسي وملحقاته فلا بد أن نتفق على تعريف لمفهوم السياسة ومفهوم الحزب ومفهوم الدولة، فنحن حزب وسياسي ونعمل لبناء دولة.

 

¤ أبو براء: هل تعني أن لكل كلمة من هذه الكلمات مفهوماً محدداً معروفاً ﻻ يعرفه كثير من الناس؟!

 

¤: نعم فالحزب يعمل في السياسة وكذلك الدولة، ولكن الحزب ليس دولة وﻻ الدولة حزبا، والعمل في السياسة هو أساس من اﻷسس اللازمة لعمل الحزب والدولة، والعمل في السياسة ﻻزم أيضا لبناء دولة الخلافة ولعملها بعد قيامها.

 

¤ أبو براء: كيف ذلك؟ لو سمحت وضح.

 

¤ أبو حذيفة: السياسة ليست كلها شرّاً أخي الكريم، فهل عمل الرسول ودعوته للناس للإسلام وللحكم باﻹسلام كانت سياسة أم ﻻ؟!

 

¤ أبو براء: نعم كان عمله كله على اﻷغلب سياسة، ولكنه كان صادقا أمينا في تعامله مع كل التفاصيل.

 

¤ أبو حذيفة: هذا جميل جدا، إذن فالسياسة ليست عملا محرما من ناحية شرعية وﻻ ممنوعة ما دام مارسها رسولنا ﷺ.

 

¤ أبو براء: صحيح أخي هذه إضاءة جميلة، لكن أليست السياسة اليوم كما يقولون أنها فن الممكن والكذب، وأين هذا من عمل رسولنا السياسي؟!

 

¤ أبو حذيفة: انظر يا أخي، لا بد لكل من يتصدر للعمل بالسياسة أن يفهم طبيعة هذا العمل ومعناه.

 

- فمعنى السياسة في اللغة هو الرعاية وتعني الترويض.

 

- وفي اﻹصطلاح أو في أرض الواقع تعني رعاية شؤون الناس.

 

- لكن بماذا نرعى شؤون الناس، أي ما هي اﻷفكار والمفاهيم والقوانين التي نريد للناس أن يفهموها ويقتنعوا بها فيحتكموا لها ونرعى شؤونهم بها وكيف؟ هذا ما سيتضح معنا ﻻحقا.

 

- والسياسة ليست كما يسوق لها الرأسماليون العلمانيون وغيرهم على أنها فن الممكن وفن الكذب، وأن الغاية تبرر الوسيلة، وإن كانوا هم يمارسون هذا المفهوم في الواقع من تفنن في صيد الممكنات بالكذب والتدليس والمخادعة واستغلال ضعف الشعوب تارة وبالمؤامرات والكذب السياسي تارة أخرى، للوصول إلى مآربهم غير المعلنة، وﻻ أدل على ذلك من قيام أمريكا باحتلال العراق بحجة امتلاكه ﻷسلحة الدمار الشامل وأنه بذلك يشكل خطرا على أمنهم القومي، نعم السياسة ليست كذبا وإن كانوا كذابين في سياستهم، بل السياسة عمل مهم منتج، وأهم منتجاته العدل أو الظلم، الغنى والرخاء أو الفقر وضنك العيش، اﻷمن والاستقرار أو الخوف والفوضى والتشرد.

 

* أبو براء: لكن الناس بعمومهم ﻻ يفكرون بهذه الطريقة؟

 

* أبو حذيفة: وهذه هي المشكلة، أن هؤﻻء المحتكرين ﻷعمال السياسة لم يسمحوا للناس أن يفهموا ويعملوا بالسياسة كما سمحوا لهم بالعمل بالزراعة والصناعة والتجارة وكل شؤون الحياة وأن يتطوروا فيها، لماذا؟!

 

- لماذا ﻻ يريدون للناس أن يفهموا ويعملوا في السياسة؟!

 

ببساطة ﻷن الناس إذا فهموا وعملوا في السياسة سيتغير حالهم حتما، وسيغيرون أحوال من بيدهم اﻷمور، وهذا ما ﻻ يريده المتحكمون بأمور البلاد والعباد من شرار الخلق، كي يبقوا هم المتصدرين لصناعة القرار في الناس وهذه طبيعة الاستبداد والطغاة.

 

وبالتالي لو تفحصت نظرة الناس إلى السياسة لوجدتهم معرضين عنها خوفا من المساءلة، فمن يخيفهم؟! إنهم الممسكون بزمام أمور السياسة، ولماذا يخيفونهم؟ لا بل ومن أعطاهم الحق في كبت حريتهم والتضييق عليهم؟ ألم نخلق أحراراً؟! لماذا تريد هذه الفئة استعباد الناس؟! فئة قليلة من الناس استطاعت وفي غفلة من الناس عن هذا الجانب أن تتحكم في الدولة بأجنحتها الثلاثة "السلطة والمال والقوة".

 

وهنا أطرح عليك هذه اﻷحجية: السياسيون والطغاة المتحكمون في شؤون الناس ﻻ يريدون لنا أن نعمل معهم بالسياسة بحجة أنها خطر وقذارة و"ما بتطعم خبز"، ويحتكرون هم كل المناصب السياسية لأبنائهم وأحفادهم، فكدسوا اﻷموال ونهبوا ثروات شعوبهم، حتى إنك ربما تجد في بلد من بلادنا أن دولة سمير باشا كان رئيسا للوزراء ثم صار ابنه دولة زيد باشا رئيسا للوزراء وكذلك أصبح دولة سمير باشا الحفيد رئيسا للوزراء، أﻻ ترى معي كم هو خطر أن نقترب من العمل في السياسة يا أبا براء؟ أﻻ ترى كم هو ضروري فن الكذب في السياسة ليصبح المستحيل ممكنا، ولتبقى الدولة دولة الباشا؟!

 

في الجزء الثاني نطلعلكم إن شاء الله على مجريات أحداث النقاش الذي استمر لعدة ليال مع أخينا أبي براء، نتناول فيه مفهوم الحزب؛ ما له وما عليه من أجل إجابته عن سؤاله: كيف سنبني نحن حزب التحرير دولة الخلافة الراشدة؟ فإلى لقاء قريب بإذن الله.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

عبد الرؤوف بني عطا "أبو حذيفة"

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj الأحد، 28 كانون الثاني/يناير 2018م 16:48 تعليق

    ماشاء الله لقاء طيب بارك الله لكما ونفعنا به

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع