الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بدون الخلافة، تقع الدعوة إلى الإسلام في الغرب على آذان صمّاء

 

(مترجم)

 

عندما يعتقد شخص ما أن حضارته وصلت إلى ذروة ما يمكن أن تحققه البشرية، فإنه لا يبحث عن بديل عنها. بغض النظر عن مدى فظاعة الحياة، فإنه سيصاب إما بحالة اكتئاب شديد على حياته البائسة، أو يختلق أعذارًا لحالته المريعة، متخيلًا أن الأمور ستتحسن بطريقة أو بأخرى من تلقاء نفسها. هذه هي حقيقة الحياة بالنسبة لمعظم الناس العاديين في الغرب.

 

أصبح القتل وسط الشباب الآن في أعلى مستوياته على الإطلاق في الشوارع البريطانية، لذا فإن وسائل الإعلام والسياسيين يناقشون الأزمة حاليا وكيفية التعامل معها. يتم في الإعلام الإبلاغ عن عدد الوفيات فقط، في حين إن هناك مئات من محاولات القتل بجانب كل جريمة قتل قلما تذكر. بالنسبة لكثير من الأطفال، تعتبر جريمة استخدام السكين والبندقية مجرد حقائق طبيعية للحياة، حيث إنهم جميعًا يُعنَون بالضحية فقط.

 

لقد تم تسليط الضوء على ثقافة عصابات الشباب والخوف اليائس على حياتهم بسبب الحال التي يعيشها الشباب. أصبح حمل سكين للحماية، في سن الحادية عشرة عادة خطيرة في نظر زملائهم المراهقين في سن المراهقة المتأخرة. تستخدم العصابات الإجرامية العنف المتطرف لتوسيع مكان نشاطها أو للدفاع عن نفسها، مما يستدعي طرح السؤال: لماذا توجد عصابات كثيرة؟ ومع ذلك، هناك أيضًا مجموعات من الأطفال الذين ينشئون عصابات فيما بينهم للحماية من العصابات الأخرى، مما يؤدي في حد ذاته إلى تنافس العصابات، وثقافة العصابات، والمزيد من العنف. حتى النزاعات الطفولية على وسائل التواصل الإلكتروني أو ما يشاهد من عدم الاحترام بينها يمكن أن يؤدي إلى تورط أصدقاء وأصدقاء الأصدقاء في عمليات قتل وهجمات انتقامية.

 

يتخاصم السياسيون حاليا حول أعداد الشرطة والميزانيات، كأنما الحل كله يكمن في قيام عصابة الشرطة بفرض إرادتها على العصابات الأخرى. هذه هي القبلية في أسوأ حالاتها.

 

إن الأمر الذي لا يرغب أحد في مناقشته هو الثقافة الأيديولوجية التي هي التربة الخصبة لثقافة العنف، والجرائم، والعصابات. تريد الحكومة بشكل خاص تجنب تلك المناقشة، بسبب تورطها التام في العصابات العالمية، وتحديداً هيمنتها الرأسمالية الاستعمارية على العالم. لا تحب الطبقة الوسطى المترفة التفكير في قيمها الخاصة باعتبارها مسؤولة عن ثقافة المستبدين الإجرامية في الخارج، ولا ثقافة العصابات في المناطق المحرومة في مدنها هي في الغرب. بعد أن صدقنا أكذوبة أن أيديولوجيتهم العلمانية هي أفضل ما يمكن للبشرية أن تمتلكه، لا يوجد استعداد لدراسة دورها في هذا الوضع المؤسف. لا يمكن لأحد أن يرى بديلاً قابلاً للتطبيق، لذلك من المفترض أنه لا يمكن أن يوجد شيء آخر. لذلك فأفضل ما يمكن أن يأمل فيه المرء هو أن يبقى العنف محصوراً في بضعة أحياء فقيرة، فلا يخرج منها ليؤثر بشكل مباشر على المناطق الأكثر ثراءً. لقد تحطم هذا الأمل الساذج منذ سنوات عندما أصبح ضحايا عنف الشباب الآن في كل منطقة ومدرسة، ومع هذا لا يزال البعض يدفنون رؤوسهم في الرمال.

 

مع هذا اليأس، فإن أدنى مستوى من التفكير البشري وصل الحضيص. إن جميع أشكال العنصرية أو القومية أو الكراهية للأجانب أو ضد المسلمين أصبحت في المقدمة، حيث أصبحت تكتسب شعبية حتى بين أولئك الذين يعتبرون أنفسهم إنسانيين ويتمتعون بتفكير أعلى. وهذا بدوره يؤدي إلى عصابات قبلية جديدة تنطلق لاستهداف جماعة الأقلية التي يُزعم أنها مسؤولة عن العنف. وبدلاً من تحمل المسؤولية الجماعية عن القيم الفردية، والأنانية، والتجزئة، التي هي السبب الأساسي والحقيقي للزيادة المستمرة في الإجرام وثقافة العصابات، فإن إلقاء اللوم على الآخرين غالباً ما يكون حبة دواء أسهل بلعاً.

 

في الآونة الأخيرة هوجم أحد أصدقائي المسلمين في مركز تجاري مزدحم. تقابلت عيناه حينها مع عيني شخص غريب، لذلك تذكر عندها من سنة النبي ﷺ أن الابتسامة صدقة، لذلك ابتسم في وجهه. هاجم الرجل الغريب صديقي وهدد بطعنه هناك أمام أبنائه، لأنه في رأيه نظر إليه "نظرة مضحكة". عندما جاءت الشرطة احتجزوا صديقي لأن بشرته كانت سوداء (غير معروف لديهم أنه مدير كبير في دائرة حكومية)، على الرغم من العديد من الشهود الذين أكدوا أن الرجل الآخر كان المعتدي.

 

أرادت الحكومة في بريطانيا استرضاء الأجواء المعادية للأجانب في إلقاء اللوم على الأجانب، فبدأت في استهداف الطلاب المهاجرين، من أجل خداع الناس بأنها تعمل على تخفيض الهجرة بشكل عام. المفارقة هي أن هذه المجموعة من المهاجرين يعودون كلهم تقريباً إلى ديارهم بعد إكمال دراستهم. لقد تحدثت إلى عدد من الطلاب المسلمين الذين عبروا عن خيبة أملهم إزاء تدني نوعية الحياة في بريطانيا، بعد أن سمعوا مثل تلك الأوهام قبل وصولهم عن الحياة الرائعة في الغرب. وهم ينتظرون العودة إلى بلادهم، لأن بريطانيا لم تعد مكانًا يفكرون فيه أبداً لتنشئة أبنائهم.

 

ليس هذا الحال جديداً على الغرب. على مدى عقود، نظر الناس البريطانيون إلى مستويات الجريمة الأمريكية العنيفة بحالة من الرعب، وهم يعلمون أنه خلال عقد من الزمان أو نحو ذلك سيصلهم مثل هذا العنف، تماماً مثلما وصل إلى بقية أوروبا. فالهروب للعيش في الضواحي ثم في الريف ليس حلا، حيث إنه سيتبعهم هناك بعد فترة من الزمان.

 

قبل ألف وأربعمائة عام عرفت الجزيرة العربية الخسارة البشرية لمثل هذه الثقافة القبلية. لقد خسرت يثرب العديد من قادتها وأبنائها في حروب ومنافسات لا طائل من ورائها، ربما أثارها أصغر خلاف على جمل. عندما جاء النبي إليهم قدم لهم أيديولوجية جديدة وثقافة جديدة لتحل محل القبلية الوضيعة والأنانية. فقد أنشأ دولة جمعت بين الناس كإخوة، بدلاً من تركهم منقسمين يشنون الحروب بينهم حول أكثر الأمور تفاهة.

 

عندما سافرت في البلدان الإسلامية وتحدثت للناس عن واقع الحياة في الغرب، كان الناس يصابون عادة بالصدمة، لأن هذه ليست الصورة نفسها التي تحب وسائل الإعلام نقلها لهم. كان ردهم على ذلك: "يحيى، لديك الكثير من العمل الذي يلزم القيام به لإخبار الناس هناك عن الإسلام، لإخراجهم من ظلماتهم البائسة". لا أختلف معهم أن لدينا الكثير من أعمال الدعوة التي يلزم القيام بها، ولكن عليَّ أن أقول إن المسؤولية ليست كلها عليّ. فالمسلمون يتحدثون في بريطانيا بانتظام إلى الناس، لكن الرد العام هو: "أين الإسلام إذن؟!!" لا يمكنهم أن يروا الإسلام عمليا، لذا لا يمكنهم تخيُّله كبديل. لقد قيل لهم إن حياتهم الرأسمالية العلمانية والقيم الليبرالية هي أفضل ما يمكن للبشرية أن تحققه. لذا سيشيرون بسرعة إلى المملكة العربية السعودية، ومصر، وباكستان، والعراق، أو سوريا، ويسألون: "هل هذا هو البديل الذي تدعونا إليه؟" هنا يجب أن أذكركم بأن المسلمين الذين لا يعيشون في الغرب عليهم عبء كبير في الدعوة ودور كبير يقومون به في هذا المجال.

 

بدون دولة إسلامية حقيقية في العالم؛ خلافة على منهاج النبوة، لا أحد في الغرب يستمع لقولنا. لا أحد يستطيع أن يرى النموذج المشرق للعدل والإنسانية، لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور. لا أحد يشهد على الهدي الحقيقي للإسلام، يطبق في الحياة كدولة ونظام، بحيث ينهض بحياة الناس، وينقيها من الثمار الفاسدة للأيديولوجيات الزائفة.

 

واليوم، بعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان من غياب الإسلام من واقع الحياة، حان الوقت للمسلمين في العالم أجمع أن يدركوا أنه لن تؤتي الدعوة ثمارها إلا بعد التطبيق الكامل للإسلام في دولة إسلامية، فيشاهده الناس جميعاً. لا يمكننا إخراج البشرية من الظلمات إلى النور بدون منارة تنير لهم الطريق. سيضيق الأفق أمام البشرية إلى أن نتمكن من إعادة الإسلام إلى الحكم، فنكون عندها شهوداً على البشرية مرة أخرى.

 

﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكونوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكونَ الرَّسولُ عَلَيكُم شَهيدًا﴾

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

يحيى نسبت

الممثل الإعلامي لحزب التحرير في بريطانيا

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع