- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وحدة الأمة واجب شرعي وعقلي
إن الأمة الإسلامية منذ أن بعث الله تبارك وتعالى نبيه محمداً ﷺ حتى هدمت الخلافة سنة 1924م وهي أمة واحدة من دون الناس، لقد حرص الإسلام في تفصيلاته على جعل المسلمين وحدة واحدة ووضع من الأحكام الشرعية ما يلزم من أجل الحفاظ على هذه الوحدة وحمايتها من كل ما يمكنه المساس بها حتى في أصغر تفصيلاتها. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية (قوله "ولا تفرقوا" أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة) وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار وغيره: أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي ﷺ فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول: «أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟» وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.
ولقد جعل الإسلام وحدة الأمة وبقاءها على قلب رجل واحد فرضا يعاقب من يخالفه أشد العقاب، فعن رسول الله ﷺ قال «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوه» وقال النبي ﷺ كما ورد في صحيح مسلم: «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِناً مَنْ كَانَ» فقد صرح رسول الرحمة عليه أفضل الصلاة والسلام بأن من أراد تفريق هذه الأمة فعقابه الموت والقتل، عن النبي ﷺ، كما في صحيح مسلم: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» وكذلك قوله ﷺ، كما في صحيح مسلم أيضاً: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، فما للمسلمين من حجة بعد هذا حتى يقعدوا عن تفرقهم هذا، كيف وربنا العظيم ورسوله الكريم يحذرنا من المساس بوحدة الأمة؟
هذا من ناحية كون وحدة الأمة ضرورة شرعية، أما من ناحية كونها ضرورة عقلية فإنه لا يخفى على أحد أن الغرب ما كان ليطمع في أمة محمد ﷺ إلا عندما تفرقنا، فمنذ أن قام الغرب بتقطيعنا قطعا ووضع بيننا حدوداً مصطنعة جعلت منا لقما سهلا، فلقد فطن الغرب إلى أن سر قوتنا في وحدتنا وطالما نحن متمسكون بديننا فإن هذه الوحدة ستكون حصنا منيعا يمنعهم من التمكن من التجول في بلادنا وسرقة ثرواتنا، فضياع ثرواتنا وبيعها للغرب بثمن بخس ما كان ليكون لو كنا دولة واحدة كما كان حالنا سابقا.
ولم تكن الثروات الشيء الوحيد الذي فقدته الأمة بتفرقها، فلقد فقدت غيره الكثير الكثير، فقدت الأمة بتفرقها علماءها الذين حضنهم الغرب وبذل الوسع من أجل استقطابهم لبلاده حتى يستفيد منهم ويتركنا بلا علم ولا علماء. فقدت الأمة بتفرقها هيبتها بين الدول وأصبحنا نخشى الناس بعد أن كنا أعزة يهابنا كل من يسمع اسمنا. فقدت الأمة بتفرقها إرثها وكيانها وسلطانها وقوتها واستبدلها الغرب بحكام أذلة يعبدون الغرب والكرسي. فقدت الأمة بتفرقها مسرى رسولها الكريم ﷺ. فقدت الأمة بتفرقها من يرعاها ويحميها وأصبحت ضائعة سهلة أمام كل من تسول له نفسه. فقدت الأمة بتفرقها الأمن والأمان في بلاد الإسلام فاستبيحت دماؤنا وأعراضنا وأموالنا وأصبحنا أيتاما على موائد اللئام، فحال المسلمين في كل بقاع الأرض لا يخفى على أحد، على أن الغرب حرص على أن تبقى الفرقة أمرا واقعا بكل ما أوتي من أسباب، فعمد بعد وضع الحكام العملاء له على محاولة زرع الفرقة والفتنة بين الناس في البلد الواحد من خلال الفتنة الطائفية أو المذهبية أو العرقية أو غيرها حتى يبقى الصراع متأججا في شتى بقاع المسلمين، فبعد هذا وجب على من كان هذا حاله أن يعمل من أجل أن يعيد سيرته الأولى التي فقدها ويعمل من أجل إعادة وحدة الأمة وتجمعها، فهذا أمر وجب أن يسعى له كل عاقل بدلا من أن يبقى الأمر محصوراً في قلة قليلة من الناس يعملون جاهدين من أجل جمع الأمة تحت وحدة واحدة. والسؤال الآن هو ما الواجب علينا بعد كل هذا؟
الواجب علينا أن نبحث عن الوحدة المطلوبة منا فنعمل لتحقيقها، وإذا ما بحثنا عن هذه الوحدة لوجدنا أنها يجب أن تكون قائمة على أساس ثابت يحدد ما هو شكل هذه الوحدة، هذا الأساس كان ولا بد أن يكون نفس الأساس الفكري والشعوري لمجموع المسلمين ألا وهو الإسلام، الذي حدد شكل هذه الوحدة كما ورد ذلك في أحاديث عدة، منها قوله ﷺ «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا» وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «أَوْفُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطَوْهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» فقد ذكرت هذه الأحاديث وغيرها أن الوحدة تكون في إطار الخليفة الذي يخلف رسول الله ﷺ فيلي من بعده أمر المسلمين وهكذا، فقد حدد النبي ﷺ بالقول والفعل شكل هذه الوحدة التي يترأسها خليفة يحكم بنظام الإسلام، كما بيّن بشكل عملي الشكل السياسي للوحدة اللازمة حتى يتم الأمر للمسلمين.
نعم إن قضية وحدة الأمة هي قضية مصيرية لا يجوز التهاون فيها، نعم إن قيام شأن للمسلمين يتطلب قبل كل أمر أن يكونوا وحدة واحدة على أساس الإسلام، وإن واجب الوحدة واقع على كل الأمة أفرادا وجيوشا، على أن الجيوش هي من تمتلك القوة التي تمكنها من تسلم زمام الأمر وقلب الأوضاع لصالح دين الله وشرعه، ولكن الأمة أيضا مكلفة بالعمل الحثيث المتواصل من أجل إعادة اللحمة لهذه الأمة الكريمة والضغط على الجيوش من أجل تحقيق هذا الأمر حتى يعود للأمة عزها وشأنها فيرضى عنها خالق الأرض والسماء، وإن ذلك ليس عند الله بعزيز.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نسرين عقل – الأرض المباركة (فلسطين)